حكم الزينة أثناء الإحداد - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حِيلة الجَاكِيت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          أدب المعلم مع طلبته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          حكم السمر بعد العشاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          هجر المسلم لأخيه المسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          في أيُّ مراتبِ الخُلق أنت؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          بناء المساجد وترميمها: أجرٌ عظيم وأثرٌ باق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          قضايا تُنسي قضايا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          (رجل) صفة مدح أم ذم ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          (ورَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْرًا) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          التحذير من الغفلة عن ذكر الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 11-02-2023, 01:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,200
الدولة : Egypt
افتراضي حكم الزينة أثناء الإحداد

حكم الزينة أثناء الإحداد
د. علي حسن الروبي


مسائل فقهية متعلقة بالمرأة (6)

حكم الزينة أثناء الإحداد


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله وآله؛ أما بعد:
فمن الأحكام الفقهية المتعلقة بالمرأة حكم الزينة أثناء الإحداد، وقبل مناقشة حكم الزينة أثناء الإحداد، نتناول مسألتين متعلقتين بذلك؛ وهما: حكم إحداد المتوفَّى عنها زوجها، وحكم إحداد المعتدة من طلاق.

لكن نقدم بين يدي ذلك كله بتوطئة فيها تعريف بالزينة والإحداد لغة واصطلاحًا.

تعريف الزينة لغة واصطلاحًا:
تعريف الزينة لغة:
يقال: زيَّنت الشيء تزيينًا: إذا حسنته، ويُقال: تزيَّنت الأرض بنباتها، وازَّينت وازْدانت؛ أي: حسنت وبهجت، والزَّين نقيض الشين، والزينة: اسم جامع لكل شيء يُتزين به، والزينة أيضًا: تحسين الشيء بغيره من لبسة أو حلية أو هيئة[1].

تعريف الزينة اصطلاحًا:
ذكر الرازي عند قوله تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ [الأعراف: 32]، أن للعلماء قولين في المراد بالزينة في الآية:
الأول: اللباس الذي تستر به العورة.


والثاني: جميع أنواع الزينة فيدخل تحت الزينة جميع أنواع التزيين، ويدخل تحتها تنظيف البدن من جميع الوجوه، ويدخل تحتها المركوب ويدخل تحتها أيضًا أنواع الحلي لأن كل ذلك زينة[2].

وقال الشوكاني: "الزينة: ما يتزين به الإنسان من ملبوس أو غيره من الأشياء المباحة؛ كالمعادن التي لم يرد نهي عن التزين بها والجواهر ونحوها، وقيل: الملبوس خاصة، ولا وجه له"[3].


والحاصل أن الزينة تطلق على كل ما يتزين به الإنسان من لباس أو أدهان أو أصباغ أو أدوات، أو نحو ذلك مما يهدف إلى تجميل وتحسين مظهره[4].

تعريف الإحداد لغة واصطلاحًا:
الإحداد لغة:
مصدر أحدَّت المرأة على زوجها: إذا تركت الزينة لموته، ويُقال: حدت المرأة وأحدت، فهي حاد ومحد، والحدُّ: المنع، فالْمُحِدَّة: ممتنعة من الزينة، وكل من منعته من شيء، فقد حددته، ومنه الحدود بين الأرضين، ويُقال للبواب: حداد؛ لأنه يمنع من الدخول[5].

الإحداد اصطلاحًا:
عرفه الكاساني الحنفي: "أن تجتنب الطيب ولبس المطيب والمعصفر والمزعفر، وتجتنب الدهن والكحل، ولا تختضب ولا تمتشط ولا تلبس حِلِيًّا ولا تتشوف"[6].

وعرفه ابن عبدالبر المالكي: "هو اجتناب جميع ما يتزين به النساء من حُلًى وصبغ وكحل وخضاب وثياب مصبوغة ملونة أو بيض يُلبس منها للزينة"[7].

وعرفه النووي الشافعي بقوله: "الإحداد في الشرع فهو ترك الطيب والزينة "[8].

وعرفه البهوتي الحنبلي: "تمنع نفسها مما كانت تتهيأ به لزوجها من تطيُّب وتزيُّن"[9].

وقد ذكر العلماء في الحكمة من الإحداد تعظيم عقد النكاح ومعرفة قدره، وتعظيم حق الزوج وحفظ عشرته، ومراعاة مشاعر أقارب الزوج، وسد الذريعة إلى نكاح المرأة، سواء كان ذلك من جانب الرجال أو من جانبها[10].


المسألة الأولى: حكم إحداد المتوفَّى عنها زوجها.
اختُلف في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: وجوب إحداد المتوفَّى عنها زوجها؛ وهو قول الفقهاء قاطبة من الصحابة فما بعدهم، وحُكي الإجماع عليه[11].

قال ابن المنذر بعد أن حكى الوجوب: "وهذا قول كل من لقيناه، وبلغناه من أهل العلم، إلا الحسن البصري، فإنه انفرد عن الناس، فكان لا يرى الإحداد"[12].

قال ابن قدامة: "لا نعلم بين أهل العلم خلافًا في وجوبه على المتوفى عنها زوجها، إلا عن الحسن، فإنه قال: لا يجب الإحداد، وهو قول شذَّ به أهل العلم وخالف به السنة، فلا يعرج عليه"[13].

القول الثاني: عدم وجوب الإحداد عليها؛ ونُسب هذا القول للحسن البصري والشعبي[14].

قال ابن حزم: "رُوينا من طريق حماد بن سلمة عن حميد أن الحسن البصري كان يقول: المطلقة ثلاثًا، أو المتوفى عنها زوجها يكتحلان ويمتشطان ويطيبان، ويختضبان، وينتعلان، ويضعان ما شاءتا، ومن طريق شعبة عن الحكم بن عتيبة أن المتوفى عنها لا تحد"[15].

لكن نقل العيني عن ابن العربي أن نسبة ذلك القول للحسن لا تصح[16].

أدلة القول الأول:
1- قول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة: 234].


وجه الدلالة أن التربص هنا معناه الانتظار، وقد فسرته الأحاديث النبوية بأنه يكون بالإحداد؛ قال القرطبي: "والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم متظاهرة بأن التربص في الوفاة إنما هو بإحداد؛ وهو الامتناع عن الزينة ولبس المصبوغ الجميل والطيب ونحوه، وهذا قول جمهور العلماء"[17].

2- حديث أم حبيبة رضي الله عنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام، إلا على زوجها فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا))[18].

وجه الدلالة من الحديث كما يقول النووي: "هو اتفاق العلماء على حمل الحديث على ذلك مع أنه ليس في لفظه ما يدل على الوجوب"[19].

ووجه كون عدم الدلالة على الوجوب من مجرد اللفظ، أن الاستثناء في الحديث دال على إباحة الإحداد عند وفاة الزوج وليس على وجوبه[20].

لكن قد نقل الحافظ ابن حجر في الجواب عن هذا الإشكال، أن "السياق يدل على الوجوب؛ فإن كل ما منع منه إذا دل دليل على جوازه، كان ذلك الدليل دالًّا بعينه على الوجوب؛ كالختان والزيادة على الركوع في الكسوف ونحو ذلك"[21].

ونُوقشت هذه القاعدة التي أوردها ابن حجر هنا، بعدم التسليم فإن الختان غير واجب في قول الجمهور، وكذا الركوع الزائد في صلاة الكسوف سنة عند جماعة من أهل العلم[22].

لكن الذي يقوِّي دلالة الحديث على الوجوب، هو ما ورد في حديث أم عطية رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تُحِدَّ فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا، إلا ثوب عصب، ولا تكتحل ولا تمتشط ولا تختضب ولا تمس طيبًا، إلا إذا طهرت نبذةً من قسط أو أظفار"[23].

وذلك أنه أتبع ذكر مدة الإحداد بأشياءَ تُمنع منها المعتدة وهي مباحة في الأصل؛ فدل ذلك على وجوب الإحداد من جهة أنه لو كان مباحًا فحسب، لم يلزمها ذكر تلك الحادة الامتناع عن هذه المذكورات التي هي مباحة في الأصل[24].

3- عن أم سلمة تقول: ((جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن ابنتي توفِّي عنها زوجها، وقد اشتكت عينها، أفتكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تكحل، مرتين أو ثلاثًا؛ كل ذلك يقول: لا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما هي أربعة أشهر وعشر، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول))[25].

وجه الدلالة أنه يدل على تحريم الاكتحال في أثناء العدة، وإذا كان كذلك فلازمه كما تقدم - وجوب الإحداد؛ لأنه مباح في الأصل، فلولا أن الإحداد لما كان الاكتحال محرمًا[26].

أدلة القول الثاني:
1- حديث عبدالله بن شداد بن الهادي ((أن أسماء بنت عميس استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تبكي على جعفر وهي امرأته فأذن لها ثلاثة أيام، ثم بعث إليها بعد ثلاثة أيام: أن تطهري واكتحلي))[27].

2- حديث ابن عمر رضي الله عنه مرفوعًا: ((لا إحداد فوق ثلاث))[28].

وجه استدلالهم بهذه الأحاديث أنها ناسخة لأحاديث الإحداد؛ فإن أم سلمة رضي الله عنها روت حديث الإحداد وأنه صلى الله عليه وسلم أمرها به إثر موت أبي سلمة، ولا خلاف أن موت أبي سلمة كان قبل موت جعفر رضي الله عنهما[29].

وأجاب الجمهور عن الاحتجاج بالحديث الأول أنه قد أُعِلَّ بالشذوذ لمخالفة الأحاديث، وأن الصواب فيه هو الإرسال[30].

وبأن الحديث الثاني منكر كما ذكر الإمام أحمد[31].

القول المختار:
المختار قول الجمهور، وهو وجوب الإحداد على المتوفى عنها؛ لقوة أدلته، وعدم صحة الأحاديث التي استند إليها أصحاب القول الثاني.

المسألة الثانية: حكم إحداد المعتدة من طلاق:
اتفق العلماء على أن المعتدة من طلاق رجعي لا يجب عليها إحداد؛ لأنها زوجة، بل يشرع لها أن تتزين لزوجها وتتشوف له؛ لعل ذلك يكون سببًا في إرجاعه لها.


قال ابن حزم: "المطلقة طلاقًا رجعيًّا مفارقة لزوجها... ولا خلاف في أنه لا إحداد عليها لا في العدة ولا بعد العدة"[32].

قال ابن قدامة: "ولا إحداد على الرجعية، بغير خلاف نعلمه؛ لأنها في حكم الزوجات، لها أن تتزين لزوجها، وتستشرف له، ليرغب فيها، وتنفق عنده، كما تفعل في صلب النكاح"[33].


لكن لعل الاتفاق المدعى هو الاتفاق على عدم الإيجاب، أما السنية، فهناك رواية عن الشافعي باستحبابه للرجعية؛ قال الرافعي: "ولا يجب الإحداد في عدة الرجعة؛ لبقاء أحكام النكاح فيها، وتوقع الرجعة لكن في رواية أبي ثور عن الشافعي رضي الله عنه أنه يستحب لها الإحداد"[34].

أما المعتدة من طلاق بائن:
فقد اختلف العلماء في وجوب الإحداد عليها على قولين:
القول الأول: يجب الإحداد عليها؛ وهو مذهب الحنفية[35]، والشافعي في القديم[36]، ورواية في مذهب أحمد[37]، وهو قول سعيد بن المسيب وأي عبيد وأبي ثور[38].

القول الثاني: لا يجب الإحداد عليها؛ وهو مذهب المالكية [39]، والشافعية [40]، ورواية في مذهب أحمد هي المذهب عند الأصحاب[41]، والظاهرية[42]، وهو قول عطاء وربيعة[43].


أدلة الأقوال:
أدلة القول الأول:
من السنة:
1- حديث أم سلمة رضي الله عنها ((أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المعتدة عن الكحل والدهن والخضاب بالحناء، وقال: الحناء طيب))[44].

وجه الدلالة منه أن لفظ المعتدة يشمل المعتدة من وفاة والمعتدة من طلاق[45].

ويمكن مناقشته بأن الحديث بهذا اللفظ الذي ذكروه لا وجود له؛ فقد قال الحافظ ابن حجر: "وروى النسائي بلفظ نهى المعتدة عن الكحل والدهن والخضاب بالحناء وقال الحناء طيب، كذا عزاه السروجي في الغاية ولم أجده فليتأمل"[46].

وقال الحافظ الزيلعي: "والذي ذكره السروجي مطابق، إلا أني ما وجدته"[47].

وقال ابن أبي العز الحنفي:
"وقد وهم السروجي في ذلك، والذي رواه النسائي عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: ((دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفى أبو سلمة وقد جعلت على عيني صبرًا، فقال: ما هذا يا أم سلمة؟ فقلت: إنما هو صبر يا رسول الله ليس فيه طيب، قال: إنه يشب الوجه فلا تجعليه إلا بالليل، وتنزعينه بالنهار، ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء؛ فإنه خضاب...))؛ [الحديث][48]، فكأن السروجي توهم أن الخضاب طيب، أو اشتبه عليه اللفظ، والله أعلم"[49].

وعلى افتراض وجود حديث بهذا اللفظ، فهو عام فيجب حمله على الأحاديث الصحيحة التي خصت الإحداد بالمتوفى عنها زوجها.


من الأثر:
أثر إبراهيم النخعي: "المطلقة والمختلعة والمتوفى عنها والملاعنة لا يختضبن ولا يتطيبن ولا يلبسن ثوبًا ولا يخرجن من بيوتهن"[50].

قالوا: وإبراهيم أدرك عصر الصحابة وزاحمهم في الفتوى فيجوز تقليده[51].

ونُوقش هذا الاستدلال بأن تقليد التابعي وغيره إنما يسوغ حيث لا نص في المسألة، أما مع وجود النصوص على خلافه فلا يكون حجة لمعارضة النصوص[52].

من المعقول:
1- إن الإحداد بترك الزينة المقصود منه منع المرأة من التشوف للرجال وتشوفهم إليها؛ وذلك بمنع دواعي الرغبة فيها؛ سدًّا لذريعة وقوعها في المحرم بالعقد عليها في العدة، وكل ذلك احتياطًا للأنساب وسدًا لذريعة اختلاطها، وهذا المعنى موجود في المطلقة، كما هو موجود في المتوفى عنها زوجها[53].

ونُوقش بأمرين:
الأول: أن الزوج في حالة الطلاق باقٍ يذُب عن نفسه إن ظهر حمل، وذلك بأن ينفيه عنه، بخلاف حالة المتوفى عنها؛ فلهذا شُرع الإحداد في حق المتوفى عنها[54].

والثاني: أن هذا المعنى ليس وحده المقصود بالإحداد؛ فإن العدة مجعولة لذلك، لكن للإحداد مقاصد أخرى مكملة، كتعظيم عقد النكاح وتشريفه وإظهار خطره ومزيد الاعتناء به، حتى جعلت الزوجة أولى بفعله في حق زوجها منها في حق أبيها وأخيها[55].

2- قياس المبتوتة على المتوفى عنها زوجها؛ لأن الحكمة من الإحداد إظهار التأسف على فوت نعمة النكاح والوطء الحلال، وفوات النفقة التي انقطعت بموت الزوج[56].

ونُوقش الاستدلال بهذا القياس بأمور:
منها: أنه في مقابل النص، فلا يجوز، والنص هو قوله تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ [الأعراف: 32]؛ قال ابن القيم رحمه الله: "قد أنكر الله سبحانه وتعالى على من حرم زينته التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، وهذا يدل على أنه لا يجوز أن يحرم من الزينة إلا ما حرم الله ورسوله، والله سبحانه قد حرم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم زينة الإحداد على المتوفى عنها مدة العدة، وأباح رسوله الإحداد بتركها على غير الزوج، فلا يجوز تحريم غير ما حرمه، بل هو على أصل الإباحة"[57].

كما أن هذا القياس معارض لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام، إلا على زوجها))[58].

قال النووي: "فخصَّ الإحداد بالميت بعد تحريمه في غيره"[59].

ومنها: وجود الفارق بين المتوفى عنها زوجها والمبتوتة؛ فإن فرقة المتوفى عنها زوجها غير اختيارية بخلاف فرقة المطلقة البائن، فما الداعي لتكلفها الحزن عليه؟[60].

ومنها: أن المتوفى عنها زوجها سبب عدتها الموت وعدتها بالأشهر، والمبتوتة سبب عدتها الطلاق عدتها بالأقراء؛ فافترقا[61].

ومنها: أن المقصود الأعظم في عدة الطلاق تعرُّف براءة الرحم، ولذلك اعتبرت بالأقراء، وفي عدة الوفاة المقصود الأعظم حق الزوج ورعاية حرمة النكاح؛ ولذلك اعتبرت بالشهور التي لا تقوى دلالتها على البراءة[62].

أدلة القول الثاني:
من السنة:
1- قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام، إلا على زوجها فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا))[63].

وجه الدلالة منه قوله: ((أن تحد على ميت))، فإنه يدل بمفهومه على اختصاص الإحداد بالمتوفى عنها دون غيرها من المعتدات؛ فإنه خص الإحداد بالميت بعد تحريمه في غيره[64].

قال ابن القيم: "السنة أثبتت ونفت، فخصت بالإحداد الواجب الزوجات، وبالجائز غيرهن على الأموات خاصة وما عداها فهو داخل في حكم التحريم على الأموات، فمن أين لكم دخوله على المطلقة البائن؟!"[65].


يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 127.19 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 125.47 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.35%)]