شهرة في السماء - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1249 - عددالزوار : 135508 )           »          إنه ينادينا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 24 - عددالزوار : 5502 )           »          السَّدَاد فيما اتفقا عليه البخاري ومسلم في المتن والإسناد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 59 - عددالزوار : 8168 )           »          ميزة جديدة لمتصفح كروم بنظام أندرويد 15 تتيح إخفاء البيانات الحساسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          كل ما تحتاج معرفته عن ميزة الصورة المستطيلة بإنستجرام.. اعرف التفاصيل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          إيه الفرق؟.. تعرف على أبرز الاختلافات بين هاتفى iPhone 14 Plus وGoogle Pixel 9 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          احمِ أطفالك من الإنترنت.. احذر ألعاب الفيديو لحماية أبنائك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          أبل تعمل على جهاز بشاشة تشبه شاشة الآيباد مع ذراع آلية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          طفلك يستخدم تطبيقات الموبايل سرا دون علمك.. كيف تكتشف ذلك؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          أدوات مهمة هتساعدك للحد من استخدام طفلك للإنترنت.. جربها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 09-02-2023, 02:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,985
الدولة : Egypt
افتراضي شهرة في السماء

شهرة في السماء
د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم

الحمدُ للهِ العليمِ القديرِ، السميعِ البصيرِ، وسعَ كلَّ شيءٍ علمًا ورحمةً وهو اللطيفُ الخبيرُ. وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ولا نظيرَ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ التسليمَ الكثيرَ.
أما بعدُ. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119].

أيها المؤمنون!
في السماءِ نبأُ شهرةٍ عظيمٌ لأقوامٍ قد ذاعَ بالخيرِ صيتُهم فيها؛ فلاسْمِهم دويٌّ في الملإ الأعلى عليٌّ، ولمحبتِهم حفاوةٌ ورَواجٌ بين الملائكِ الكرامِ؛ إذ ظفروا بمحبةِ اللهِ الودودِ؛ فكان لهمُ الودُّ السماويُّ والقبولُ الأرضيُّ، كما قال -تعالى-: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ﴾ [مريم: 96]. فَسَرَّ ذلك الودَّ الربانيَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بقوله: "إنّ اللهَ إذا أحبَّ عبدًا دعا جبريلَ فقال: إني أحبُّ فلانًا؛ فأَحِبَّه. قال: فيحبُّه جبريلُ، ثم ينادي في السماءِ فيقولُ: إنَّ اللهَ ‌يحِبُّ ‌فلانًا؛ فأحِبُّوه؛ فيحبُّه أهلُ السماءِ. قال: ثمَّ يُوضعُ له القبولُ في الأرضِ. وإذا أبغضَ عبدًا دعا جبريلَ فيقولُ: إني أبغضُ فلانًا؛ فأبْغِضْه. قال: فيبغضُه جبريلُ، ثم ينادي في أهلِ السماءِ: إنّ اللهَ يبغضُ فلانًا؛ فأبغضُوه. قال: فيبغضونَه، ثم تُوضعُ له البغضاءُ في الأرضِ" رواه البخاريُّ ومسلمٌ واللفظُ لمسلمٍ. فلا حقيقةَ ولا قرارَ لثناءِ أهلِ الأرضِ ما لم يكنْ موصولًا بثناءِ أهلِ السماءِ، قال كعبُ الأحبارِ: " وَاللَّهِ، مَا ‌اسْتَقَرَّ لِعَبْدٍ ثَنَاءٌ فِي الْأَرْضِ حَتَّى يستَقِرَّ لَهُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ".

عبادَ اللهِ!
ومن عَجَبِ شأْنِ مشاهيرِ السماءِ غلبةُ خفوتِهم في الأرضِ، وخمولِ ذكرِهم، وانزوائهم عن بريقِ الأضواءِ، وتحامِيهم عن أسبابِ الشهرةِ، مع نُدرةِ ما يملكونَ من زهرةِ الدنيا؛ فليس لهم عندَ أهلِ الدنيا حظوةٌ ولا حفاوةٌ؛ لا يُحفلُ بهم إنْ حضروا، ولا يُفقدون إنْ غابوا، وليس لمَطْلبِهم مُجيبٌ، ولا لرأيِهم حظٌّ في شَوْرٍ أو حظوةٌ عند إصابةٍ، بل ربما دُفِعُوا عن الأبوابِ، وتُهُكِّمَ بهم لمسْكنةٍ أو نسبٍ أو عِرْقٍ أو عُجْمةٍ حَبستِ اللسانَ أو نَقْصٍ في نسبٍ أو خَلْقٍ أو لونِ بَشَرَةٍ! فليس لهم عند أهلِ الدنيا ذِكْرٌ ولا جاهٌ ولا وزنٌ ودويُّ ثنائِهم يَصْدُحُ في السماواتِ العُلى، بل ربَّما بَلَغَ حبُّ اللهِ وإكرامُه لأحدِهم أنْ لو أقسمَ عليه لأبَرَّهُ. يقولُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " ألا أخبرُكم بأهلِ الْجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعَّفٍ، لَوْ ‌أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ ‌لَأَبَرَّهُ " رواه البخاريُّ ومسلمٌ، ويقولُ: " رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ ‌أَقْسَمَ عَلَى اللهِ ‌لَأَبَرَّهُ " رواه مسلمٌ. مشاهيرُ السماءِ قد قرَّتْ في قلوبِهم ثلاثةٌ من أسبابِ المحبةِ الإلهيةِ؛ التقوى، وغنى القناعةِ، والتباعدُ عن الشُّهْرَةِ! قال عامرُ بنُ سعدٍ: كان سعدُ بنُ أبي وقاصٍ -رضي اللهُ عنه- في إبْلِه، فجاءه ابنُه عمرُ، فلما رآه سعدٌ قال: أعوذُ باللهِ من شرِّ هذا الراكبِ! فنزلَ، فقال له: أنَزلتَ في إبلِك وغنمِك وتركتَ الناسَ يَتنازعون الملكَ بينهم؟! فضربَ سعدٌ في صدرِه، فقال: اسكتْ؛ سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: " إنَّ اللهَ يحبُّ العبدَ التقيَّ، الغنيَّ، ‌الخفيَّ " رواه مسلمٌ. ومَن حازَ هذه الغنائمَ الثلاثَ كان من الصادقين الذين لهم لسانُ صدقٍ عندَ اللهِ، قال المَرُّوذي: سمعتُ رجلًا يقولُ لأبي عبدِاللَّهِ (الإمامِ أحمدَ) وذَكَرَ له الصدقَ والإخلاصَ، فقال أَبُو عَبْدِاللَّهِ: بهذا ‌ارتفعَ ‌القومُ! أوصى ابنُ مسعودٍ -رضي اللهُ عنه-أصحابَه يومًا قائلًا: " كُونُوا يَنَابِيعَ الْعِلْمِ، مَصَابِيحَ الْهُدَى، أَحْلَاسَ[1] الْبُيُوتِ، سُرُجَ اللَّيْلِ، جُدُد[2]َ الْقُلُوبِ، تُعْرَفُونَ فِي السَّمَاءِ، وَتَخْفَوْنَ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ "، وقال: " أَيُّكُمُ اسْتَطَاعَ أَنْ يَجْعَلَ فِي السَّمَاءِ كَنْزَهُ فَلْيَفْعَلْ، حَيْثُ لَا تَأْكُلُهُ السُّوسُ، وَلَا تَنَالُهُ السَّرِقَةُ؛ فَإِنَّ قَلْبَ كُلِّ امْرِئٍ عِنْدَ كَنْزِه". قال مُطرِّفُ بنُ عبدِاللهِ: " انظروا قومًا إذا ذُكِرُوا ذُكِرُوا بالقراءةِ؛ فلا تكونوا منهم، وانظروا قومًا إذا ذُكِرُوا ذُكِرُوا بالفجورِ؛ فلا تكونوا منهم؛ وكونوا بين ذلك ". قال ابنُ رجبٍ معلِّقًا على ذلك: " وهذا هو الذِّكْرُ الخفيُّ المشارُ إليه في حديثِ سعدٍ، وهو من أعظمِ نعمِ اللهِ على عبدِه المؤمنِ، الذي رزقَه نصيبًا مِن ذوقِ الإيمانِ، فهو يعيشُ به مع ربِّه عيشًا طيبًا، ويَحجبُه عن خَلْقِه حتى لا يفسدوا عليه حالَه مع ربِّه؛ فهذه هي الغنيمةُ الباردةُ، فمن عرفَ قدْرَها، وشَكرَ عليها؛ فقد تمَّتْ عليه النعمةُ ". ولخفاءِ ما انطوتْ عليه نفوسُ أولئك الصادقين من خبايا الصالحاتِ؛ كان أهلُ الرسوخِ في العلمِ يُجِلُّونَ ذوي المسكنةِ، ويَتحامَوْنَ احتقارَهم وازدراءَهم؛ إذ هم أكثرُ أهلِ الجنةِ، كما قال نوحٌ -عليه السلامُ-: ﴿ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [هود: 31]، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ ‌أَكْثَرَ ‌أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ " رواه البخاريُّ ومسلمٌ. قال سليمانُ التَّيْميُّ: " كنّا إذا طَلَبَنا ‌عِليةُ ‌أصحابِنا وجدناهم عند الفقراءِ والمساكينِ ". وقال يَحْيَى بْنَ الْحُسَيْنِ الْقَاهِرِيَّ: " قَدِمْتُ مِصْرَ، فَجِئْتُ إِلَى حَلْقَةِ ذِي النُّونِ فَرَآنِي وَفِيَّ اسْتِظْهَارٌ عَلَى الْحَاضِرِينَ، فَقَالَ لِي: لَا تَفْعَلْ؛ فَإِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- ‌أَخْفَى ثَلَاثًا فِي ثَلَاثٍ: ‌أَخْفَى غَضَبَهُ فِي مَعْصِيَتِهِ، وَأَخْفَى رِضَاءَهُ فِي طَاعَتِهِ، وَأَخْفَى وَلَايَتَهُ فِي عِبَادِهِ؛ فَلَا تَحْقِرَنَّ شَيْئًا مِنْ مَعَاصِيهِ؛ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ غَضَبُهُ، وَلَا تَحْقِرَنَّ شَيْئًا مِنْ طَاعَتِهِ؛ فَلَعَلَّهُ يَكُونُ فِيهِ رِضَاؤُهُ، وَلَا تَحْقِرَنَّ أَحَدًا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ؛ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا مِنْ أَوْلِيَائِهِ ". وفي يومِ القيامةِ تكونُ الأمورُ على حقائقِها، ويزولُ عنها الغرورُ؛ فتَبِينُ أقدارُ أولئك المغمورين في الدنيا، وتظهرُ آثارُ شهرتِهمُ السماويةِ، كما وصفَ -تعالى- نبأَ الواقعةِ بقوله: ﴿ خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ﴾ [الواقعة: 3]، قال محمدُ بنُ كعبٍ: " ‌تَخْفِضُ ‌رِجَالًا كَانُوا فِي الدُّنْيَا مُرْتَفِعِينَ، وَتُرْفَعُ فِيهَا رِجَالًا كَانُوا فِيهَا مَخْفُوضِينَ ".

عبادَ اللهِ!
وشهرةُ الصادقين في السماءِ جزاءٌ ربانيٌّ من جنسِ عملِهم؛ إذ أصلحوا ما بينهم وبين اللهِ، وأخفوْا ما يستطيعون إخفاءَه عن أعينِ الخلْقِ من عملٍ وحالٍ؛ اكتفاءً باطلاعِ الخالقِ حين طلبوا رضاه، وصونًا للطاعةِ أنْ يَنُوشَها من مُنْقِصاتِ الأجرِ ومُذْهِباتِه ما يُنُوشُها. قال أبو حازمٍ: " اكتمْ ‌حسناتِك أشدَّ مما تكتمُ سيئاتِك ". فقد كانوا يَجْهدون أنفسَهم في كتمانِ صالحِ عملِهم حتى من أقربِ الناسِ إليهم، قال الحسنُ البصريُّ: " إِنْ كَانَ‌‌ الرَّجُلُ لَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ الْقَوْمُ أَوْ يَجْتَمِعُونَ يَتَذَاكَرُونَ فَتَجِيءُ الرَّجُلَ عَبْرَتُهُ فَيَرُدُّهَا، ثُمَّ تَجِيءُ فَيَرُدُّهَا، ثُمَّ تَجِيءُ فَيَرُدُّهَا، فَإِذَا خَشِيَ أَنْ يَفْلِتَ قَامَ "، وقال: " إِنْ كَانَ‌‌ الرَّجُلُ لَيَكُونُ عِنْدَهُ الزُّوَّارُ، فَيُصَلِّي الصَّلَاةَ الطَّوِيلَةَ أَوِ الْكَثِيرَةَ مِنَ اللَّيْلِ مَا يَعْلَمُ بِهَا زُوَّارُهُ "، وقال محمدُ بنُ واسعٍ: " إِنْ كَانَ‌‌ الرَّجُلُ لَيَبْكِي عِشْرِينَ سَنَةً وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ مَا تَعْلَمُ بِهِ "، وقال: " لَقَدْ‌‌ أَدْرَكْتُ رِجَالًا كَانَ الرَّجُلُ يَكُونُ رَأْسُهُ وَرَأْسُ امْرَأَتِهِ عَلَى وِسَادٍ وَاحِدٍ قَدْ بَلَّ مَا تَحْتَ خَدِّهِ مِنْ دُمُوعِهِ لَا تَشْعُرُ بِهِ امْرَأَتُهُ، وَاللَّهِ لَقَدْ أَدْرَكْتُ رِجَالًا كَانَ أَحَدُهُمْ يَقُومُ فِي الصَّفِّ فَتَسِيلُ دُمُوعُهُ عَلَى خَدِّهِ لَا يَشْعُرُ الَّذِي إِلَى جَنْبِهِ ". وكان من أعظمِ مُصابِهم أنْ يشتهرَ أمرُهم بين الناسِ، حتى لربّما تمنى بعضُهم الموتَ خوفَ الفتنةِ، قال الإمامُ أحمدُ: " أُرِيْدُ أَنْ أَكُوْنَ فِي شِعْبٍ بِمَكَّةَ حَتَّى لَا أُعرَفَ، قَدْ بُليتُ بِالشُّهرَةِ، إِنِّي ‌أَتَمنَّى ‌المَوْتَ صَبَاحًا وَمسَاءً ".

الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ.
أما بعدُ، فاعلموا أنَّ أحسنَ الحديثِ كتابُ اللهِ...

أيها المؤمنون!
ولأنباءِ مشاهيرِ السماءِ عِظَةٌ في النفسِ وأثرٌ؛ لِمَا أُتْرِعَ فيها من مَعينِ الصدقِ الذي يَفتحُ مغاليقَ القلوبِ ويؤثِّرُ حُسْنًا فيها. من أولئكَ صحابيٌّ مغمورٌ يقال له: جليبيبٌ - رضيَ اللهُ عنه -، حدّثَ أبو بَرْزةَ -رضيَ اللهُ عنه- أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي مَغْزًى لَهُ، فَأَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: "هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ"؟ قَالُوا: نَعَمْ، فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا. ثُمَّ قَالَ: "هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ"؟ قَالُوا: نَعَمْ، فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا. ثُمَّ قَالَ: "هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ"؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: " لكنّي أفقدُ جلبيبًا؛ فَاطْلُبُوهُ "، فَطُلِبَ فِي الْقَتْلَى، فَوَجَدُوهُ إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ، ثُمَّ قَتَلُوهُ، فَأَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَوَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: "قَتَلَ سَبْعَةً، ثُمَّ قَتَلُوهُ! هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ! هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ!". قَالَ: فَوَضَعَهُ عَلَى سَاعِدَيْهِ، لَيْسَ لَهُ إِلَّا سَاعِدَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَحُفِرَ لَهُ، ووضع في قبرِه، ولم يَذكُرْ غسلًا (رواه مسلم). وكان عُلَيَّةُ بنُ زيدٍ رجلًا من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فلمّا حَضَّ على الصدقةِ جاء كلُّ رجلٍ منهم بطاقَتِه وما عندَه، فقال عُلَيّةُ بنُ زيدٍ: اللَّهمّ إنه ليس عندي ما أتصدّقُ به، اللَّهمّ إني أتصدّقُ بعِرْضِي على مَن ناله من خَلْقِكَ، فأمرَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مناديًا، فنادى: أين المتصدقُ بعِرضِه البارحةَ؟ فقام عليةُ، فقال: قد قُبلتْ صدقتُك. رواه ابنُ مردويه والبيهقيُّ في الشُّعبِ بنحوِه وله شاهدٌ صحيحٌ كما قال الحافظُ. وكتبَ حذيفةُ بنُ اليمانِ بفتْحِ المدائنِ إلى عمرَ -رضي اللهُ عنهم- مع رجلٍ من المسلمين، فلما قَدِمَ عليه قال: أبشرْ -يا أميرَ المؤمنين- بفتْحٍ أعزَّ اللهُ فيه الإسلامَ وأهلَه، وأذلَّ فيه الشركَ وأهلَه، قال عمرُ: النعمانُ بَعَثَكَ؟ (يريدُ النعمانَ بنَ مُقَرِّنٍ المزنيَّ -رضي اللهُ عنه-قائدَ المعركةِ) قال: احتسبِ النعمانَ -يا أميرَ المؤمنين-، فبكى عمرُ واسترجعَ، وقال: ومَنْ -ويحك-؟، فقال: فلانٌ، وفلانٌ، وفلانٌ، حتى عدَّ ناسًا، ثم قال: وآخرين -يا أميرَ المؤمنين- لا تعرفُهم، فقال عمرُ -رضوانُ اللهِ عليه- وهو يبكي: لا يضرُّهم ألا يعرفَهم عمرُ، لكنَّ اللهَ يعرفُهم. رواه الهيثمي وصححه الألباني. قال عَبْدُاللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: " كُنْتُ بِمَكَّةَ فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ، فَخَرَجُوا إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ‌يَسْتَسْقُونَ فَلَمْ يُسْقَوْا وَإِلَى جَانِبِي أَسْوَدُ مَنْهُوكٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اللَّهُمَّ قَدْ دَعَوْكَ فَلَمْ تُجِبْهُمْ، إِنِّي ‌أُقْسِمُ ‌عَلَيْكَ أَنْ تَسْقِيَنَا، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا لَبِثْنَا أَنْ سُقِينَا، قَالَ: فَانْصَرَفَ الْأَسْوَدُ وَاتَّبَعْتُهُ حَتَّى دَخَلَ دَارًا فِي الْحَنَّاطِينَ فَعَلِمْتُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَخَذْتُ دَنَانِيرَ، وَأَتَيْتُ الدَّارَ فَإِذَا رَجُلٌ عَلَى بَابِ الدَّارِ فَقُلْتُ: أَرَدْتُ رَبَّ هَذِهِ الدَّارِ قَالَ: أَنَا، قُلْتُ: مَمْلُوكٌ لَكَ أَرَدْتُ شِرَاءَهُ، فَقَالَ لِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَمْلُوكًا أُخْرِجُهُمْ إِلَيْكَ، قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ، فَقُلْتُ لَهُ: بَقِيَ شَيْءٌ؟ فَقَالَ لِي: غُلَامٌ مَرِيضٌ، فَأَخْرَجَهُ فَإِذَا هُوَ الْأَسْوَدُ، فَقُلْتُ: بِعْنِيهِ، فَقَالَ: هُوَ لَكَ -يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ- فَأَعْطَيْتُهُ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ دِينَارًا وَأَخَذْتُ الْمَمْلُوكَ، فَلَمَّا صِرْنَا إِلَى بَعْضِ الطَّرِيقِ قَالَ: يَا مَوْلَايَ، أَيُّ شَيْءٍ تَصْنَعُ بِي وَأَنَا مَرِيضٌ؟ فَقُلْتُ لَهُ: مَا رَأَيْتُهُ عَشِيَّةَ أَمْسِ، قَالَ: فَاتَّكَأَ عَلَى الْحَائِطِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تُشَهِّرْ بِي؛ فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ، قَالَ: فَخَرَّ مَيِّتًا، فَانْحَشَرَ عَلَيْهِ أَهْلُ مَكَّةَ ".

عبادَ اللهِ!
ألا ما أحرانا بتوجيهِ اهتمامِنا وتربيةِ نَشْئِنا على التعلقِ بالذِّكْرِ السماويِّ العليِّ الذي يَرقى ويَبقى، سيما ونحن نعيشُ فتنةَ المشاهيرِ وتصديرِ التافهين وصراعاتِ البروزِ حتى أخلَّتْ بعقيدةِ الحبِّ في اللهِ والبغضِ فيه لدى البعضِ، وأَوْدَتْ ببعضِهم إلى مستنقعٍ آسنٍ من وَحَلِ التنازلاتِ عن الثوابتِ والمبادئِ، وإلقاءِ كِساءِ الحياءِ والحشمةِ والوقارِ.

طوبى لعبدٍ بحبْلِ اللهِ مُعْتَصَمُه
على صراطٍ سويٍّ ثابتٍ قَدَمُه
رثِّ اللباسِ جديدِ القلبِ مُسْتَتَرٍ
في الأرضِ ‌مُشْتَهِرٍ ‌فوقَ ‌السماءِ سِمُه
مازالَ يَستحقِرُ الدنيا بهمَّتِه
حتى ترقَّتْ إلى الأخرى به هِمَمُه
فذاك أعظمُ مِن ذي التاجِ مُتَّكِئًا
على النمارقِ مُحْتَفًَّا به حَشَمُه


[1] جمع حِلْس، وهو نوع من البُسط التي يجلس عليها.

[2] يريد بذلك تجديدها بالتوبة.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 77.30 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 75.58 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.23%)]