أساليب المشركين في محاربة الدعوة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-(سؤال وجواب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 65 - عددالزوار : 52052 )           »          الحرص على الائتلاف والجماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 80 - عددالزوار : 45838 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 196 - عددالزوار : 64229 )           »          فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 374 - عددالزوار : 155272 )           »          6 مميزات جديدة فى تطبيق الهاتف الخاص بنظام iOS 18 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          إيه الفرق؟.. تعرف على أبرز الاختلافات بين هاتف iPhone 12 و Google Pixel 9 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          برنامج الدردشة Gemini متاح الآن على Gmail لمستخدمى أندرويد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          كيفية حذف صفحة Word فى 3 خطوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          خطوات.. كيفية إعادة ترتيب الأزرار وتغيير حجمها في مركز التحكم بـiOS 18 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-02-2023, 02:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,565
الدولة : Egypt
افتراضي أساليب المشركين في محاربة الدعوة

أساليب المشركين في محاربة الدعوة (1)
عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت

سلسلة (3): سلسلة حياة النبي صلى الله عليه وسلم من البعثة إلى الهجرة

الخطبة: 37 من السيرة النبوية

08- أساليب المشركين في محاربة الدعوة (1)



الخُطْبَةُ اَلأُولَى
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّه، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغفِرهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفِسِنَا وَمِنْ سَيِّئاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، نَحْمَدُكَ رَبَّنَا عَلَى مَا أنعَمْتَ بِهِ عَلَيْنَا مِنْ نِعَمِكَ العَظِيمَةِ، وآلائِكَ الْجَسِيمَةِ؛ حَيْثُ أرْسَلتَ إلَيْنَا أَفْضَلَ رُسُلِكَ، وأنْزَلْتَ عَلَينَا خَيْرَ كُتُبِكَ، وشَرَعْتَ لَنَا أَفْضَلَ شَرائِعِ دِينِكَ، فَاللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ حَتَّى تَرْضَى، وَلَكَ الْحَمْدُ إذَا رَضِيتَ، وَلَكَ اَلْحَمْدُ بَعْدَ الرِّضَا، أَمَّا بَعْدُ:
أيُّهَا الإخْوَةُ المُؤمِنُونَ، تَحَدَّثْنَا فِي الْخُطْبَةِ الْمَاضِيَةِ عَنْ جَهْر النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بالدعوة أمام الناس كافة قريش وغيرهم، تَنْفِيذًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ﴾ [الحجر: 94]، إيذانًا بعالمية الدعوة، فكان النبي بذلك رسولًا للناس كافة، قال تَعَالَى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، كما استفدنا عدم الانشغال بسفاسف الأمور وبدعاة الباطل عن الدعوة، مستفيدين ذلك من قوله تعالى: ﴿ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 106].

وَبَعْدَ الصدع بالحقِّ عادت قريش الدعوة، وسعَتْ بكل السُّبُل لمحاربتها، واستعملت في ذلك وسائلَ كثيرةً، ونكتفي في خُطْبَتِنَا اَلْيَوْمَ[1] بالحديث عن بعض تلكم الأساليب.


عِبَادَ اللَّهِ، من بين الأساليب التي انتهجها المشركون للصدِّ عن دعوة الحق في زمن النبي وتتكرَّر في كل زمان ومكان يوجد فيه من على مِلَّتِهم في الكفر والشرك، نذكر ما يلي:
الأسلوب الْأَوَّلُ: الاعتراض على وحدانية الله وإنكار البعث والنشور: المشركون في زمن النبي صلى الله عليه وسلميثبتون توحيد الربوبية، فلو سألت أحدهم: من الذي خلقك؟ يقول لك: الله، ولئن سألته: من الذي يرزقك؟ يقول لك: الله؛ قال تَعَالَى: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾ [الزمر: 38] إذن ما مشكلتهم؟ مشكلتهم في عدم تخصيص الله بالعبادة وحده، فهم إذن يشركون في توحيد الألوهية، ويتعجَّبون من دعوة النبي إلى جعل الإله إلهًا واحدًا فقالوا: ﴿ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ﴾ [ص: 5]، فتجد المشرك إلى جانب إثبات الربوبية لله، يعبد الأصنام، ويستغيث بها، ويعتقد أنها تنفع أو تضر، ويقولون: إنها واسطة بينهم وبين الله، قال تَعَالَى: ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾ [الزمر: 3]، وإلى جانب شركهم في التوحيد، أنكروا المعاد والبعث، قال تَعَالَى: ﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [التغابن: 7]، والآيات في الموضوع كثيرة، وملاحدة زماننا أكثر خُبْثًا من مشركي العرب، فالملاحدة ينكرون وجود الله من الأساس، وإذا حاججتهم بنعمة الإيجاد والنظام في هذا الكون، يقولون مجرد مصادفة، ومشركو العرب سوَّل لهم الشيطان عبادة الأصنام؛ لكن في زماننا نجد من يعبد الشيطان نفسه، نعوذ بالله من الضلال بعد الهُدَى.


الأسلوب الثاني: الاعتراض على شخص النبي صلى الله عليه وسلم واتهامه بما ليس فيه:
من لم يُوقِّر الله سبحانه بإفراده بالتوحيد ووقع في أظلم الظُّلْم، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]، ماذا تنتظر منه؟ أن يُوقِّر النبي! لن يفعل؛ ولذلك المشركون سعَوا للاعتراض على النبي من نواحي شتَّى، من ذلك:
• الاعتراض على بَشَريَّته: فقالوا: ﴿ أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 94]، وَقَالُوا: ﴿ مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 7]، وطلبهم هذا غير ممكن؛ لأن البشر يستأنسون برسول بشريٍّ مثلهم؛ ولذلك ردَّ الله عليهم بقوله: ﴿ قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 95].

• الاعتراض على فقره: فقالوا: ﴿ لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ﴾ [الزخرف: 31]، قال مجاهد: عتبة بن ربيعة بمكة، أو ابن عبد ياليل الثقفي بالطائف.

• إطلاق جملة اتهامات في حق النبي، ولا أساس لها من الصحة والواقع؛ وإنما هي محض افتراء، فاتهموه بالكهانة والشعر والجنون؛ قال تعالى: ﴿ فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ * أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ﴾ [الطور: 29، 30]، وقال تعالى: ﴿ وَقَالُوا يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ﴾ [الحجر: 6]، واتهموه بالسِّحْر والكذب، قال تعالى: ﴿ وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ﴾ [ص: 4]، وقال: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا ﴾ [الفرقان: 4]، واتهموا ما جاء به النبي من القرآن بأنه أساطير الأولين، وَقَالُوا: ﴿ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الفرقان: 5]، إلى غير ذلك ممَّا اتهموه به صلى الله عليه وسلم.

وكذلك أعداء الدعوة في كل زمان يحاولون النيل من الدُّعاة؛ بإطلاق الاتهامات والافتراءات الباطلة في حقِّهم، يساعدهم في ذلك الآلة الإعلامية المتطورة، ومهما يكُنْ فالله غالب على أمره، قال تعالى: ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [الصف: 8].

فَاَللَّهُمَّ انصُر مَن نَصَر الدين، واخذُل من خذل المسلمين، آمِين، وَآخَرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى، وَصَلَّى اللَّهُ وسَلَّمَ عَلَى عَبْدِهِ الْمُصْطَفَى وَآلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَن اقْتَفَى، أمَّا بَعْدُ:
رَأَينَا فِي الخُطْبَةِ الْأُولَى أن من أساليب المشركين في محاربة الدعوة؛ الاعتراض على وحدانية الله وإنكار البعث، ثم الاعتراض على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم واتهامه زُورًا وبُهْتانًا بأمور كثيرة، واختم بأسلوب ثالث وهو:
الأسلوب الثالث: اتهام المؤمنين بالضلال: قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ ﴾ [المطففين: 32]، وهذه سنة ودَأْب الكُفَّار ودُعاة الباطل في كل زمان ومكان، وهو اتهام أتباع الحق ومحاولة النيل منهم، ماذا قال قوم نوح لأتباعه، قالوا: ﴿ فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ﴾ [هود: 27]، ماذا قال فرعون للسحرة لما آمنوا قال لهم: ﴿ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى ﴾ [طه: 71]، وفي زماننا قد يتهم المُتمسِّك بدينه، والمدافع عن قيمه وشرائعه بالضلال، أو الإرهاب، أو التطرُّف، أو الرجعية، أو الأصولية، أو المعاداة لقيم الحداثة والإنسانية والكونية وغيرها من النعوت التي يروم أصحابها التنفير من الدين وأهله، والله غالب على أمره؛ ولكن أكثر الناس لا يعلمون، ألا فتمسكوا بدينكم حتى تلقوا ربكم، ولا يهمنكم كون الغالبية مع الباطل، فالله عز وجل يقول: ﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [الأنعام: 116، 117].


فَاَللَّهُمَّ، أَرِنَا اَلْحَقَّ حَقًّا وَارْزُقْنَا اتِّبَاعَهُ، وَأَرِنَا الْبَاطِلَ بَاطِلًا وَارْزُقْنَا اجْتِنَابَهُ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ اَلشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، آمِينْ. (تَتِمَّةُ الدُّعَاءِ).

[1] مراجع الخطبة: القرآن الكريم، المصادر الحديثية (انظر الكتب في تخريج الأحاديث)، تفسير مجاهد: 593.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 03-03-2023, 02:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,565
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أساليب المشركين في محاربة الدعوة

أساليب المشركين في محاربة الدعوة (2)
عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت


سلسلة (3): سلسلة حياة النبي صلى الله عليه وسلم من البعثة إلى الهجرة


الخطبة: 38 من السيرة النبوية

9- أساليب المشركين في محاربة الدعوة (2)


الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، نحمدك ربنا على ما أنعمت به علينا من نعمك العظيمة، وآلائك الجسيمة؛ حيث أرسلت إلينا أفضل رسلك، وأنزلت علينا خير كتبك، وشرعت لنا أفضل شرائع دينك، فاللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا، أما بعد:
أيها الإخوة المؤمنون، تحدثنا في الخطبة الماضية عن الأساليب التي انتهجها المشركون للصد عن دعوة الحق في زمن النبي صلى الله عليه وسلم،ومنها: الاعتراض على وحدانية الله وإنكار البعث والنشور، والاعتراض على شخص النبي صلى الله عليه وسلم واتهامه بما ليس فيه، فاعترضوا على بشريته، وعلى فقره، واتهموه بالكهانة والشعر والجنون والسحر والكذب والإتيان بأساطير الأولين وغيرها، واتهموا المؤمنين بالضلال، ولا يزال حديثنا مستمرًّا عن بعض تلكم الأساليب في خطبتنا اليوم [1].


عباد الله، من الأساليب الأخرى للمشركين في محاربة الدعوة نذكر ما يلي:
الأسلوب الرابع: محاولة التأثير على عمِّه أبي طالب والتهديد بمنازلته في حرب بين الطرفين:
وقد سبق الحديث عن هذا حينما ذهبوا إلى أبي طالب وطلبوا منه أن يكف عنهم ابن أخيه، فلما لم يفعل ذهبوا عنده ثانيةً، وقالوا له: "يا أبا طالب، إن لك سِنًّا وشرفًا ومنزلةً فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، حتى تكفه عنا، أو ننازله وإياك في ذلك، حتى يهلك أحد الفريقين"، وكذلك أعداء الله في كل مكان وزمان يلجئون في البداية إلى التأثير من خلال توظيف وسائل الإعلام وغيرها من وسائل التأثير، بهدف صرف المسلمين عن دينهم، فإذا لم تفلح هذه الوسائل، استعملوا أسلوب الترهيب.

الأسلوب الخامس: التشويش على الدعوة:
إن المشركين يتواصون بينهم بافتعال ضجة عالية وصياح منكر عندما يقرأ القرآن، حتى لا يصل إلى سمع أحد وقلبه فيؤثر فيه، وفي ذلك قال الله عز وجل: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت: 26]، ومن تشويشهم نشر الاتهامات الباطلة - السابقة معنا - بين القبائل وكل من يقصد مكة، بأن محمدًا مجنون أو ساحر أو غير ذلك، وأسوق مثالًا من قصة إسلام ضماد الأزدي، ذلك أن ضمادًا، قدم مكة وكان من أزد شنوءة، وكان يرقي من هذه الريح (المراد بالريح هنا الجنون)، فسمع سفهاء من أهل مكة، يقولون: إن محمدًا مجنون، فقال: لو أني رأيت هذا الرجل لعل الله يشفيه على يدي، قال: فلقيه، فقال: يا محمد، إني أرقي من هذه الريح، وإن الله يشفي على يدي من شاء، فهل لك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الحمدَ لله، نحمدُهُ ونستعينُه، مَنْ يهدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، أمَّا بَعْدُ))، قال: فقال: أعِدْ عليَّ كلماتك هؤلاء، فأعادهن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثلاث مرات، قال: فقال: لقد سمعت قول الكهنة، وقول السحرة، وقول الشعراء، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء، ولقد بلغن ناعوس البحر (أي: قعره الأقصى)، قال: فقال: هات يدك أبايعك على الإسلام، قال: فبايعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وعلى قومِكَ))، قال: وعلى قومي، قال: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سَريَّةً، فمروا بقومه، فقال صاحب السَّريَّة للجيش: هل أصبتم من هؤلاء شيئًا؟ فقال رجل من القوم: أصبت منهم مطهرةً (إناء يتطهر به)، فقال: ردوها؛ فإن هؤلاء قوم ضماد"[2].


فاستفدنا من قصة إسلام ضماد ما يلي:
صبر وحلم النبيصلى الله عليه وسلم حينما عرض عليه معالجته من الجنون، وهذا موقف من شأنه أن يغضب له النبيصلى الله عليه وسلم؛ لكنه لم يفعل؛ فدل على أهمية ضبط النفس.


الاستجابة السريعة لضماد في الدخول إلى الإسلام تدل على أنه دين الفطرة، يستجيب له الناس بمجرد ما يتعرفون عليه بسهولة؛ ولكن المشكلة فيمن يحجب عن الناس نور الهداية ونور الإسلام بالامتناع عن الدعاية له، ومنع كل مظاهره، وتشويه صورته وصورة المسلمين في الإعلام، ووصفهم بكل قبيح كما يفعل بعض الإعلام الغربي، فإذا فعل المسلم المتجنس بجنسيتهم شيئًا حسنًا نسبوه إلى دولتهم، وإذا فعل شيئًا قبيحًا نسبوه إلى دولته الأصلية، ونعتوه بالصفات القبيحة.


عدم اكتفاء النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ البيعة عن ضماد وحده بل على قومه أيضًا، فكان سببًا في إسلام قومه، وهذا يُبيِّن أهمية نشر الدعوة في العشيرة والأقارب ومن حولك، ((ولأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خيرٌ لك من حُمْرِ النَّعَم))، كما قالصلى الله عليه وسلم.


فاللهم، أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى، وآله وصحبه، ومن اقتفى، أما بعد:
رأينا في الخطبة الأولى أن من أساليب المشركين في محاربة الدعوة؛ محاولة التأثير على عمِّه أبي طالب والتهديد بالحرب بين الطرفين، والتشويش على الدعوة بإطلاق الاتهامات ونشرها، وأختم بـ:
الأسلوب السادس: السخرية والاستهزاء والضحك والغمز واللمز والتعالي على المؤمنين:
ومن ذلك: قول الله تعالى عن سخريتهم من الذين آمنوا: ﴿ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ﴾ [الأنعام: 53].

وروى البخاري أن أبا جهل قال مستهزئًا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارةً من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فنزلت: ﴿ وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال: 32، 33] [3]، ففهمنا أيها الإخوة المؤمنون أن سبب منع نزول العذاب عليهم أمران:
الأول: وجود النبيصلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم:
فوجود الصالحين المصلحين يمنع نزول العذاب؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ [هود: 117]، وعن أبي بكر الصديق، قال: يا أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية، وتضعونها على غير مواضعها: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ [المائدة: 105]، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمَّهم اللهُ بعقابه))[4].


الثاني: استغفار المؤمنين: فكثرة الاستغفار تمنع نزول العذاب، قال صلى الله عليه وسلم: ((العبد آمن من عذاب الله، ما استغفر الله))[5]، وقال الإمام ابن القيم: "الاستغفار الذي يمنع العذاب هو الاستغفار بالإقلاع عن كل ذنب، وأما من أصرَّ على الذنب وطلب من الله المغفرة، فاستغفاره لا يمنع العذاب؛ لأن المغفرة هي محو الذنب وإزالة أثره ووقاية شره، لا كما ظنَّه بعض الناس أنها الستر، فإن الله تعالى يستر على من يغفر له ومن لا يغفر له، فحقيقتها وقاية شر الذنب".

وهذه السخرية والاستهزاء بالمؤمنين لا يزال مستمرًّا في كل زمان ومكان، فيتهم القابض على دينه والمتمسك به بشتى أنواع النعوت والصفات القدحية، وخاصةً من اللادينيين وأعداء الفضيلة والطهر والقيم المثلى، الذين لا يفرحهم أبدًا أن يروا مظاهر التدين في صفوف الشباب والشابات، فهم يحرصون أن يروجوا للتافهين ليجعلوهم قدوةً يُحتذى بها في المجتمع، والكثير من الناس أغاظهم ما رأوا عليه اللاعبين المغاربة في مونديال قطر، من التمسُّك بهويتهم ودينهم، وإحياء التمسُّك بالأسرة وقيمها، فراحوا يقدحون ويسخرون ويستهزئون ويشمتون، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: 11].

فاللهم انصر من نصر الدين، وأخذل من خذل المسلمين، آمين، (تتمة الدعاء).

الخريطة الذهنية للخطبة
السلسلة (3): حياة النبي صلى الله عليه وسلم من البعثة إلى الهجرة.
الخطبة رقم: 09.



[1] مراجع الخطبة: القرآن الكريم، المصادر الحديثية (انظر الكتب في تخريج الأحاديث)، سيرة ابن هشام:1/265-266، غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب، السفاريني: 2/376، السيرة النبوية: عرض وقائع وتحليل أحداث، محمد علي الصلابي: 147 وما بعدها.
[2] رواه مسلم، برقم: 868.
[3] رواه البخاري برقم: 4648.
[4] رواه أحمد في المسند برقم: 30، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين وأبي داود برقم: 4338.
[5] رواه أحمد في المسند برقم: 23953، وحسنه شعيب الأرنؤوط بمجموع طرقه.


__________________



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 03-03-2023, 02:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,565
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أساليب المشركين في محاربة الدعوة

أساليب المشركين في محاربة الدعوة (3)
عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت


سلسلة (3): سلسلة حياة النبي صلى الله عليه وسلم من البعثة إلى الهجرة

الخطبة:39 من السيرة النبوية

10- أساليب المشركين في محاربة الدعوة (3)



الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، نحمدك ربنا على ما أنعمت به علينا من نعمك العظيمة، وآلائك الجسيمة؛ حيث أرسلت إلينا أفضل رسلك، وأنزلت علينا خير كتبك، وشرعت لنا أفضل شرائع دينك، فاللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرِّضا، أما بعد:
أيها الإخوة المؤمنون، تحدَّثنا في الخطبة الماضية عن الأساليب التي انتهجها المشركون للصدِّ عن دعوة الحق في زمن النبي صلى الله عليه وسلم،ومنها: محاولة التأثير على عمِّه أبي طالب والتهديد بمنازلته في حرب بين الطرفين، والتشويش على الدعوة، والسخرية والاستهزاء والضحك والغمز واللمز والتعالي على المؤمنين، ولا يزال حديثُنا مستمرًّا عن بعض تلكم الأساليب في خطبتنا اليوم[1].


عباد الله، من الأساليب الأخرى للمشركين في محاربة الدعوة نذكر ما يلي:
الأسلوب السابع: المساومات والمفاوضات:
وممَّا يوضِّح هذا الأمر ما أورده ابن هشام في سيرته: "أن عتبة بن ربيعة، وكان سيِّدًا، قال يومًا وهو جالس في نادي قريش، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده: يا معشر قريش، ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورًا؛ لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء، ويكف عنا؟ وذلك حين أسلم حمزة، ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون، فقالوا: بلى يا أبا الوليد، قم إليه فكلِّمْه، فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا بن أخي، إنك منا حيث قد علمت من السِّطَة (أي: الشرف) في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرَّقت به جماعتهم، وسفَّهْتَ به أحلامهم، وعِبْتَ به آلهتهم ودينهم، وكفَّرْت به مَن مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أمورًا تنظر فيها؛ لعلك تقبل منها بعضها، قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قل يا أبا الوليد، أسمع))، قال: يا بن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالًا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت تريد به شرفًا سوَّدْناك علينا، حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد به مُلْكًا ملَّكْناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رَئِيًّا (ما يتراءى للإنسان من الجن) تراه لا تستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نُبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع (من يتبع الناس من الجن) على الرجل حتى يداوى منه أو كما قال له. حتى إذا فرغ عتبة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه، قال: ((أقد فرغت يا أبا الوليد؟))، قال: نعم، قال: ((فاسمع مني))، قال: أفعل، فقال: ((﴿ بسم الله الرحمن الرحيم * حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ ﴾ [فصلت: 1 - 5]...)) ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يقرؤها عليه، فلما سمعها منه عتبة، أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمدًا عليهما يسمع منه، ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها، فسجد ثم قال: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك.

فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به، فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني قد سمعت قولًا والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة، يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، وخلُّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فو الله، ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فمُلْكُه مُلْكُكُمْ، وعِزُّه عِزُّكم، وكنتم أسعد الناس به، قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه، قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم.

فتعلَّمْنا من هذه القصة مايلي:
عدم دخول النبي صلى الله عليه وسلم مع الوليد في معارك جانبية، مع الحلم ورحابة الصدر.

خطورة المغريات، ومنها فتنة المال والجاه والنساء أمام الدُّعاة إلى الله، ولنا كذلك بجانب هذه القصة الأسوة في قصة يوسف عليه السلام.

ثبات النبي صلى الله عليه وسلم على المبدأ، وعدم تقديم تنازلات قيد أُنْمُلة.

فاللهم، أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتِّباعه، وأرِنا الباطِلَ باطلًا وارزقنا اجتنابه، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشِّرْك والمشركين، آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.


الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى، وآله وصحبه ومن اقتفى، أما بعد:
رأينا في الخطبة الأولى أن من أساليب المشركين في محاربة الدعوة؛ المساومات والمفاوضات- كما رأينا في قصة الوليد - فقد حاولت قريش من خلال هذا الأسلوب أن يلتقي الإسلام والجاهلية في منتصف الطريق، وذلك بأن يترك المشركون بعض ما هم عليه، ويترك النبي صلى الله عليه وسلم بعض ما هو عليه، قال تعالى: ﴿ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ﴾ [القلم: 9]؛ أي: تمنوا لو لاينتهم ولاطفتهم على حساب الدين، فيلينون لك ويلاطفونك.

ثم جاء الأمر الإلهي الحاسم بنزول سورة الكافرون، ذكر المُفسِّرون أن سورة الكافرون نزلت في رهط من قريش منهم: الحارث بن قيس السهمي، والعاص بن وائل، والوليد بن المغيرة، والأسود بن عبد يغوث، والأسود بن المطلب بن أسد، وأمية بن خلف، قالوا: يا محمد، هلُمَّ فاتِّبع ديننا ونتَّبِع دينك ونشركك في أمرنا كله، تعبد آلهتنا سنةً ونعبد إلهك سنةً، فإن كان الذي جئت به خيرًا كنا قد شركناك فيه وأخذنا حظَّنا منه، وإن كان الذي بأيدينا خيرًا كنت قد شركتنا في أمرنا وأخذت بحظِّك منه، فقال: معاذ الله أن أشرك به غيره، قالوا: فاستلم بعض آلهتنا نصدقك ونعبد إلهك، فقال: حتى أنظر ما يأتي من عند ربِّي، فأنزل الله عز وجل: ﴿ قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ [الكافرون: 1] إلى آخر السورة، فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الحرام وفيه الملأ من قريش، فقام على رؤوسهم ثم قرأها عليهم حتى فرغ من السورة، فأيسوا منه عند ذلك وآذوه وأصحابه.

ومعنى الآيات:
1- ﴿ قُلْ ﴾ - أيها الرسول -: ﴿ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ بالله.
2 – ﴿ لَا أَعْبُدُ في الحال ولا في المستقبل ﴿ مَا تَعْبُدُونَ من الأصنام.
3 – ﴿ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ أنا؛ وهو الله وحده.
4 – ﴿ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ من الأصنام.
5 - ﴿ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ أنا، وهو الله وحده.
6 - ﴿ لَكُمْ دِينُكُمْالذي ابتدعتموه لأنفسكم، ولي ديني الذي أنزله الله عليَّ، وبنزول هذه السورة حسمت هذه المساومة الهزلية.

ودول الكفر اليوم تساوم الدول الإسلامية والمسلمين القاطنين في دولهم على الخصوص، والمسلمين عمومًا على التخلِّي عن دينهم، والذوبان في ثقافة هذه الدول وعاداتها وتقاليدها، وتفرض على المسلمين قوانينها في الأسرة والتعليم وغيرها، ويساومونهم شرَّ المساومة حينما يكونون في حاجة إلى استدانة أو قرض، فلا يُعطى لهم ما يطلبون إلا بتقديم تنازلات تمسُّ دينهم، وهناك دعوات للتقريب بين الأديان بدعوى التسامح، وهي دعوة باطلة، فلا يمكن للحق أن يتعايش مع الباطل.

ألا فليتذكر المسلمون جيدًا، وكل من كان في موقع الترافُع عن المسلمين قوله تعالى: ﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾ [الكافرون: 6] التي تقرر توحيد العبادة والبراءة من الشرك، والتمايُز التام بين الإسلام والشرك.

فاللهم انصر من نصر الدين، وأخذل من خذل المسلمين، آمين، (تتمة الدعاء).




[1] مراجع الخطبة: القرآن الكريم، المصادر الحديثية (انظر الكتب في تخريج الأحاديث)، سيرة ابن هشام:1/ 293-294، تفسير البغوي: 5/317، التفسير الوسيط للزحيلي: 3/2710، السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث، محمد علي الصلابي: 187 وما بعدها.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 06-03-2023, 06:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,565
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أساليب المشركين في محاربة الدعوة

أساليب المشركين في محاربة الدعوة (4)
عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت


سلسلة (3): سلسلة حياة النبي صلى الله عليه وسلم من البعثة إلى الهجرة

الخطبة: 40 من السيرة النبوية

11- أساليب المشركين في محاربة الدعوة (4)


الخطبة الأولى
إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، نحمدك ربنا على ما أنعمت به علينا من نِعَمِك العظيمة، وآلائك الجسيمة؛ حيث أرسلت إلينا أفضل رُسُلك، وأنزلت علينا خير كُتُبك، وشرعت لنا أفضل شرائع دينك، فاللهُمَّ لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرِّضا، أما بعد:
أيها الإخوة المؤمنون، تحدَّثْنا في الخطبة الماضية عن أسلوب المشركين للصدِّ عن دعوة الحق في زمن النبيصلى الله عليه وسلم،وهو أسلوب المساومات والمفاوضات، ورأينا الحوار الذي دار بين عتبة بن ربيعة، والنبي صلى الله عليه وسلم، ثم العرض الذي عرضه بعض صناديد قريش على النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا بدون استحياء: "تعبد آلهتنا سنةً ونعبد إلهَك سنةً"، فكان سببًا في نزول سورة الكافرون، فتعلمنا الاعتزاز بالدين، وعدم التنازُل قيد أُنْمُلة عنه، ولا يزال حديثنا مستمرًّا عن بعض تلكم الأساليب في خطبتنا اليوم[1].


عباد الله،من الأساليب الأخرى للمشركين في محاربة الدعوة نذكر ما يلي:
الأسلوب الثامن: سب القرآن ومُنْزِله ومَنْ جاء به:
عن ابن عباس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع صوته بالقرآن، فكان المشركون إذا سمعوا صوته سبُّوا القرآن، ومن جاء به، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يُخفي القرآن فما يسمعه أصحابه، فأنزل الله: ﴿ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 110]، والمعنى: لا تعلن بالقراءة بالقرآن إعلانًا شديدًا يسمعه المشركون فيؤذونك، ولا تخفض صوتك حتى لا تسمع أذنيك أو أصحابك، ﴿ وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا ﴾؛ أي: اطلب بين الإعلان والجهر وبين التخافت والخفض طريقًا، لا جهرًا شديدًا، ولا خفضًا لا تسمع أذنيك، فذلك القدر، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة سقط هذا كله، يفعل الآن أي ذلك شاء.

لكن السؤال لماذا المشركون يسبُّون القرآن؟ يسبُّونه؛ لأنهم يرفضون أحكامه والوقوف عند حدوده، وجاء على خلاف أهوائهم، ومن يأتي في زماننا يرفض شريعة الرحمن، ويرفض التحاكُم إليه، في حين يرضى بقوانين تخالف أحكامه، فلا يختلف إذن مع هؤلاء، ووجد في زماننا من يكرهون القرآن، ويكرهون أهل القرآن؛ فلذلك هجروه، سواء:
هجر التلاوة، فلا يقرأونه آناء الليل وأطراف النهار.

وسواء هجر الفهم والتدبُّر، فهم يقرأونه نعم؛ ولكن لا يفهمون شيئًا، ولايسألون من يفهم.

أو هجر الاحترام فنجد من تلاميذنا من يقطعون الآيات من الكتاب المدرسي لأجل استعمالها في الغش، فإذا أتم جريمته شفعها بجريمة أخرى؛ فيُلقيها على الأرض تدوسها الأقدام.

أو هجر العمل، فالقرآن عندهم فقط للتبرُّك أو القراءة على الأموات؛ لكن أن يعمل به ليحيا حياةً جديدةً فهو بعيد عنه، ويوم القيامة يشكو الرسول إلى ربِّه هذا الهجر، قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ [الفرقان: 30].

الأسلوب التاسع: الاتصال باليهود للإتيان منهم بأسئلة تعجيزيَّة للرسول صلى الله عليه وسلم:
ذكر ابن هشام أن قريشًا أرسلت النَّضْر بن الحارث وابن أبي مُعَيْطٍ إلى أحبار يهود يسألانهم عن محمد صلى الله عليه وسلم، وقالوا لهما: سلاهم عن محمد، وصفا لهم صفته، وأخبراهم بقوله، فإنهم أهل الكِتاب الأول، وعندهم علم ليس عندنا من علم الأنبياء، فخرجا حتى قدما المدينة، فسألا أحبار يهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصفا لهم أمره، وأخبراهم ببعض قوله، وقالا لهم: إنكم أهل التوراة، وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا، فقالت لهما أحبار يهود: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقوِّل، فَرَوا فيه رأيَكم، سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان أمرهم، فإنه قد كان لهم حديث عجب، وسلوه عن رجل طوَّاف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه، وسلوه عن الروح ما هي؟

فإذا أخبركم بذلك فاتبعوه، فإنه نبي، وإن لم يفعل، فهو رجل متقوِّل، فاصنعوا في أمره ما بدا لكم.

لكن قبل تتمة هذا الحدث إخواني نقف وقفةً: الذي يدعو للتأمُّل، أنه إذا كانت قريش تعلم أن أهل الكتاب عندهم علم الأنبياء، فلماذا لم يتبعوهم، فيدخلوا في دين اليهودية أو النصرانية، ودينهم أحسن من الشرك على كل حال؟ وهذا القصد إليهم إنما هو قصد مصلحي نفعي، فهم يتحالفون مع أيٍّ كان؛ لأجل إسقاط دين محمد صلى الله عليه وسلم وهيهات، ولماذا لم يدخل أهل الكتاب في الدين لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم قريشًا وتبيَّن صِدْقه، هذ ييين أن مِلَل الكُفْر بمختلف نحلها تتفق بينها إذا كان العدوُّ هو الإسلام، قال تعالى: ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 32].

فاللهُمَّ، أرِنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتِّباعه، وأرِنا الباطل باطلًا وارزُقنا اجتنابه، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى، وآله وصحبه ومن اقتفى، أما بعد:
رأينا في الخطبة الأولى أن من أساليب قريش سبَّ القرآن ومُنْزِله، ومن جاء به، ثم ذهبوا عند اليهود للإتيان بأسئلة تعجيزية - وقد سمعتم ما قالته اليهود- فلما أقبل النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي مُعَيْطٍ، حتى قدما مكة على قريش، فقالا: يا معشر قريش، قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أخبرنا أحبار يهود أن نسأله عن أشياء أمرونا بها، فإن أخبركم عنها فهو نبي، وإن لم يفعل فالرجل متقوِّل، فَرَوا فيه رأيَكم.

فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا محمد، أخبرنا عن فتية ذهبوا في الدهر الأول قد كانت لهم قصة عجب، وعن رجل كان طوَّافًا قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها، وأخبرنا عن الروح ما هي؟ قال: فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبركم بما سألتم عنه غدًا فانصرفوا عنه، ولم يستثن (أي: لم يقل، إن شاء الله)، ولنا هنا وقفة:
قال الإمام النووي: يستحب للإنسان إذا قال: سأفعل كذا أن يقول: إن شاء الله تعالى على جهة التبرُّك والامتثال؛ لقول الله تعالى: ﴿ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾ [الكهف: 23، 24]، وقالها موسى عليه السلام للخضر: ﴿ قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا ﴾ [الكهف: 69]، وقالها الذبيح في قوله عليه السلام: ﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الصافات: 102]؛ ولذلك مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم-فيما يذكرون-خمس عشرة ليلةً لا يحدث الله إليه في ذلك وحيًا، ولا يأتيه جبريل، حتى أرجف أهل مكة (أي: خاضوا في الأخبار السيئة)، وقالوا: وعدنا محمد غدًا، واليوم خمس عشرة ليلةً، قد أصبحنا منها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه، وحتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحي عنه، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة، ثم جاءه جبريل من الله عز وجل بسورة أصحاب الكهف، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم، وهذا يُبيِّن أن الداعي إلى الله عليه التبليغ والسعي بغاية ما يمكنه، مع التوكُّل على الله في ذلك، فإن اهتدوا فبها ونعمت، وإلا فلا يحزن ولا يأسف.

وفيها خبر ما سألوه عنه من أمر الله الفتية، والرجل الطوَّاف، وأما الروح فنزل فيها قوله تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85]، فاللهُمَّ اهدنا، واهْدِ بنا، واجعلنا هداةً مهتدين، آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين؛ (تتمة الدعاء).




[1] مراجع الخطبة: القرآن الكريم، سيرة ابن هشام: 1/ 300-301-302، تفسير الطبري: 17/ 584، شرح النووي على مسلم: 11/ 118، المختصر في تفسير القرآن الكريم: 294.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 99.11 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 96.05 كيلو بايت... تم توفير 3.06 كيلو بايت...بمعدل (3.08%)]