|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() التدخين أحمد بن عبد الله الحزيمي الحمد لله، الحمد لله الكريم الشكور، الحليم الصبور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ومصطفاه وخليله، المبعوث بالهدى والرحمة والنور، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد: فـ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [لقمان: 33]. أيـها المؤمنون: استمعوا لقصة هذا الشاب، وهو يتحدث عن الشقاوة التي يعيشها؛ قال: أبي لم يحاول مطلقًا أن يترك السيجارة، وأتت المـحاولة فقط عند اكتشاف إصابته بمرض السرطان، واستطاع أن يتركها للأبد بموته بعد عام واحد فقط من معرفته بذلك، وأنا أفتقده الآن كثيرًا. ولعل المنظر المؤلم الذي يتكرر كثيرًا حينما يكون الأب ممسكًا بالسيجارة ليستمتع بها في حضرة زوجته وأطفاله في البيت، أو السيارة، من المناظر التي تدل على مدى ما وصلت إليه أنانية ذلك الأب، وقد أهلك نفسه وأسرته دون أن يشعر. ومن العجيب الذي فيه العِبرة لكل مدخن أن المواطن الأمريكي مروِّض الخيول، الذي يظهر في دعايات التدخين، واستُؤجر عام 1975م في مجلة "مارلبورو" ودعاياتها المنتشرة في المـجلات الأسبوعية العديدة ليظهر بدور المـدخن الوسيم والقوي "لمـارلبورو"، كان يدخن علبةً ونصف علبة من السجائر يوميًّا لمدة خمسة وعشرين عامًا؛ أُصيب بسرطان الرئة عام 1990م، فصب جام غضبه على مَن تسبب في ذلك، وهي الشركة المـصنعة للسيجارة التي اعتاد شربها، التي استأجرته للدعاية لها، فأصبح مقاتلًا ضد التدخين، حتى إنه ظهر في اجتماع عامٍّ لحاملي أسهم هذه الشركة، وأمام الإعلام حذرهم من أعمالهـم، وأنهم يقودون العالـم إلى المـوت، وطلب منهم أن يحدوا من الدعايات الكاذبة للتدخين. وفي إحدى المـقابلات، قال هذا الرجل: "العادات كثيرة، لكن هل سمعتم أن العادة تقضي على صاحبها؟! إن عادتي قضت عليَّ". خاض هذا الرجل معركةً شرسةً مع التدخين، وكان من كلماته: "انتبهوا واهتموا بالأطفال من هؤلاء المخادعين، وبيِّنوا لهم أن التبغ سيقتلكم، وأنا مثال حي لإثبات ذلك". تُوفِّي هذا الرجل عام 1992م بسبب التدخين. وهذا شاب من أسرة طيبة كان شابًّا محافظًا، دخل في المـرحلة الثانوية، تعرف على مجموعة من رفقاء السوء الذين أوقعوه بعد محاولات عديدة في وحْلِ التدخين، بدأ يدخن خفيةً، ثم اتضح أمره لأهله فعاتبوه أشد العتاب، فقرر ترك التدخين إرضاءً لأمه، ولكن شياطين الإنس لـم يدعوه، بل حاولوا معه مرات وكرات، حتى عاد مرة أخرى للوقوع في التدخين. ولم يتوقف به الحال عند هذا الأمر، بل تطور الأمر في هذه المرة حتى وقع في الحشيش، ثم وقع في شراك المخدرات، وأصبح من المدمنين على هذه السموم المـهلكة. وفي يوم من الأيام عاد إلى البيت، وهو يبحث عن قيمة المـخدِّر كالمـجنون، فسأل أمه قيمة المخدر فرفضت إعطاءه، فما كان من ذلك المـجرم إلا أن قتل أمه بسكين، ثم قام بأخذ ما عندها من المـال، وليس هذا فحسب، بل قام بأخذها إلى مكان مهجور وأحرقها، حتى يخفي جريمته الشنيعة، ولكن قُبض عليه وأُقيم عليه حد القتل، وكل هذا بسبب التدخين. معاشر المؤمنين الكرام: حديثنا اليوم عن القاتل رقم واحد؛ القاتل الأكثر ضحايا على مستوى العالم كله، بل على مستوى التاريخ أجمع. ولئن كان هناك الكثير من القتلة ذوي الأعداد الهائلة من الضحايا؛ كالحروب، والأمراض المعدية، وحوادث وسائل المواصلات والحرائق، والجوع والفقر، والكوارث الطبيعية، إلا أن أيًّا منها ليس هو القاتل رقم واحد. أتدرون من هو القاتل رقم واحد في العالم كله، خصوصًا في عالمنا العربي؟ إنه التدخين يا عباد الله، نعم، التدخين هو أكبر قاتل في التاريخ، والدليل أن ضحاياه في العام الواحد أكثر من ثمانية ملايين مدخن، وأن معدله اليومي أكثر من 22 ألف قتيل. أما في بلادنا الغالية، فهناك أكثر من ثمانية ملايين مدخن ومدخنة، ينفثون في أجوائنا أكثر من 150 مليون سيجارة يوميًّا، ويتلفون من حر أموالهم ما يزيد على 70 مليون ريال يوميًّا؛ أي إن أكثر من 25 مليار ريال سنويًّا تتبخر في الهواء، وأشنع ما في الأمر أن هناك أكثر من ثلاثين ألف من أبناء وبنات الوطن يقتلون سنويًّا بسبب التدخين، والنسبة في ازدياد مهول. كما أن الإحصائيات تشير إلى أن متوسط ما ينفقه المدخن على التدخين فقط، يزيد عن الخمسين ألف ريال، فضلًا عن تكاليف العلاج التي يبلغ متوسطها أكثر من ثلاثة أضعاف ما ينفق على التدخين، فإن لم يكن هذا هو التبذير المذموم، فما هو إذًا؟ ليس هذا فحسب، بل إن المدخنين مُبـتَلُون بنوع آخر من التبذير خاصٍّ بهم؛ وهو تبذير الأعمار، فالدراسات والإحصائيات تؤكد أن تدخين سيجارة واحدة ينقص من متوسط عمر الفرد ما لا يقل عن خمس دقائق، وأن المدخن الذي يستهلك علبةً في اليوم يتوقع بإذن الله أن ينقص من عمره وسطيًّا بمقدار أربع سنوات، أما الذي يستهلك علبتين، فسينقص من عمره وسطيًّا بمقدار عشر سنوات، فضلًا عن أن سنوات عمره الأخيرة ستكون كلها معاناةً مع الأمراض التي سيسببها له الاستمرار في التدخين. أمر ثالث، تشير التحاليل الكيميائية لمادتي التبغ والجراك، أنه يدخل في تكوينها أكثر من 22 مادةً شديدة السمية، و40 مادةً تسبب السرطان. ولا يظننَّ ظانٌّ أن الشيشة أهون من التبغ؛ فرأسٌ واحد من الشيشة يزيد على القوة التدميرية لخمس وخمسين سيجارةً مجتمعة. إنها يا عباد الله: أسلحة دمار شامل تفتك بأغلى مقدراتنا، فتخيلوا - عباد الله - حجم الكارثة، وتخيلوا كم سيوفر المجتمع، وكم سيسعد أفراده ويصحون لو توقفوا فقط عن التدخين والشيشة. وإذا أردت - أخي الكريم - أن تتعرف عمليًّا على فداحة وخطورة التدخين، فخُذْ قطعةً من الشاش الأبيض النظيف، واجعل مدخنًا ينفخ فيها مرةً واحدةً، ولاحظ كيف يصفر البياض ويتكدر، ثم لاحظ مع تكرر عملية النفخ كيف تتسدد الثقوب شيئًا فشيئًا، إلى أن يكتمل انسدادها كليًّا، ويتحول لون القماشة من البياض الناصع إلى السواد الداكن، كل هذا بأثر سيجارة واحدة، فكيف بعشرات ومئات وألوف السجائر التي تدخل صدر المدخن ولا تخرج؟ أيها المسلمون: فليحمد الله من عصمه الله من هذا الداء الخبيث، ويسأله الثبات عليها، وأن يدعو الله لإخوانه بالعصمة منه، ويجب على كل مسلم ابتلاه الله، ووقع في عادة التدخين، أن يتأمل في مضاره ونتائجه، وأن يعتبر بمن أُصيب بمرض السرطان أو الجلطات أو غيرها من الأمراض القاتلة، وأن يلح على ربه بالدعاء أن يعصمه من هذا التدخين، ويستعين بالله على ذلك، بارك الله لي ولكم. الخطبـــة الثانيـــة الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على عباده الذين اصطفى؛ أما بعد:فإن شؤم التدخين لا يقتصر على صاحبه ومتعاطيه، بل إنه يتجاوزه إلى إخوانه وبنيه ومصاحبيه ومجالسيه؛ إذ يقعون فيه اقتداءً به أو تقليدًا له، فيحمل بذلك آثام إضلالهم، ويتحمل ذنوبًا مثل ذنوبهم. وأما الآخر المشؤوم على نفسه ومجتمعه، فهو من يسوق لهذا الداء ويبيعه في متجره، ويرى أنه لو لم يبِعِ الدخان، لانصرف الناس عنه ولم يقبلوا عليه، ولذهبوا لغيره وضعفت حركة البيع لديه، وإنه – والله - لضعف دين، ودناءة نفس، وخلل في التوكل على الله، وإلا لما باع المسلم صلاح مجتمعه وصحة إخوانه المسلمين بقليل من المال يأكله سحتًا؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((وإن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه))؛ [رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني]. ألَا فليتقِ الله الذين يبيعون الدخان، وليعلموا أن في الحلال غنيةً عن الحرام، وأن من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه، وأن استبطاء الرزق ليس بمسوغ لأكل الحرام؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تأخذوه بمعصية الله؛ فإن الله لا يُنال ما عنده إلا بطاعته))؛ [رواه البزار، وقال الألباني: حسن صحيح]. فإلى كل شاب لم يسقط في مستنقع الدخان والشيشة: إياك أن تقع فريسةً للشيطان، كما وقع غيرك، واعلم أن هؤلاء لو سألتهم عن واقعهم، لقالوا لك بالإجماع: نحن في بلاء ومحنة، وأنت في نعمة ومنحة. فإياك وداء التجربة؛ فإن أول أمرها يسير، ثم تكون لها أسير، فكم أسقطت من شاب كان محصنًا نفسه عن الدخان سنين، بل لم تحدثه بشربه، فإذا ما دخل عليه وهم التجربة، إذ به يسقط سقوطًا ذريعًا، ويتهافت كتهافت الفراش في النار. فاللهم في هذا المكان المبارك، وفي هذه الساعة المباركة، نسألك من فضلك وجودك أن تهب من لدنك لإخواننا المدخنين هدايةً وتوبةً صادقةً من هذا البلاء. اللهم أقر أعين والديهم وأزواجهم بالخلاص من هذا الوباء. اللهم مُنَّ علينا وعليهم بتوبة تمحو ما سلف وكان من الذنوب والعصيان. اللهم حبِّب إلينا الإيمان، وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين. اللهم آمن أوطاننا، وأيِّد بالحق إمامنا، وأعز بهم دينك، وارزقهم بطانةً صالحةً ناصحةً، دالةً مذكرة. اللهم احفظ مجاهدينا ومرابطينا، وجنودنا على حدودنا، واكفنا وإياهم وبلادنا شر الحاسدين، وكيد الخائنين. اللهم صلِّ وسلم على محمد.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |