|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() {خلق الإنسان من نطفة} د. سامي بشير حافظ إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. عباد الله: مخلوق ضعيف صغير، أمام مخلوقات الله لا يساوي شيئًا، إن أصابته شوكة تألم، وإن جاع تأوَّه، وإن مرض توجَّع، بدايته كانت من نطفة ضعيفة مهينة لا تُرى بالعين المجردة، ثم أصبح بعدها ذو عقل وتمييز وتفكير؛ إنه الإنسان، فسبحان الله الخالق البارئ المصور. لقد ذكر الخالق جل وعلا في كتابه الكريم في اثني عشر موضعًا، أوضح فيه وبيَّن أن الإنسان خُلق من نطفة؛ تأملوا هذه الآيات؛ قال تعالى: ﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ﴾ [النحل: 4]؛ قال السعدي رحمه الله: "خلقه من نطفة حتى إذا استتمَّ، فَخَرَ بنفسه وأُعجب بها، ﴿ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ﴾: يحتمل أن المراد: فإذا هو خصيم لربه، يكفر به، ويجادل رسله، ويكذب بآياته، ويحتمل أن المعنى: أن الله أنشأ الآدمي من نطفة، ثم لم يَزَلْ ينقله من طور، إلى طور حتى صار عاقلًا متكلمًا، ذا ذهن ورأي يخاصم ويجادل..."؛ [انتهى كلامه]، وقال تعالى في بيان مراحل خلق الإنسان: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ﴾ [الحج: 5]، وقال تعالى: ﴿ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ﴾ [الكهف: 37]، وقال: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ﴾ [المؤمنون: 13]؛ وهو الرحم، وغيرها من الآيات. وفي الحديث عن بسر بن جحاش؛ قال: ((بصق رسول الله في كفه، ثم قال: يقول الله: ابن آدم، أنى تعجزني، وقد خلقتك من مثل هذه، حتى إذا سويتك فعدَّلتك، مشيت بين برديك وللأرض منك وئيد، فجمعت ومنعت، حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: أتصدق، وأنى أوان الصدقة؟))؛ [رواه أحمد، وصححه الألباني]. وقد ذكر الله عز وجل في آيات أخرى حقيقة خلق الإنسان؛ فقال تعالى: ﴿ أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ﴾ [المرسلات: 20]؛ أي: ماء حقير ضعيف، وقال تعالى: ﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ﴾ [الطارق: 5 - 7]، وقال عز وجل: ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [السجدة: 7 - 9]. أيها المؤمنون: آيات عظيمات ذكرها الخالق جل وعلا في كتابه الكريم وكررها؛ ليبين لنا حقيقة الإنسان وضعفه، وليعلم العبد المسكين قدره ومكانته، فلا يتكبر ولا يتسلط ولا يتجبر على مخلوق مثله، كذلك ليعرف العبد قدرة الخالق جل وعلا وعظمته، وبديع صنعه، وحسن خلقه، فهذا العبد الضعيف المخلوق من نطفة بعد أشهر قليلة في بطن أمه يصبح جنينًا، له عينان، وأذنان، ويدان، ورجلان، ووجه كامل الخلقة، ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾ [آل عمران: 6]، ثم يخرج بعدها طفلًا جميلًا، كامل الأعضاء والخِلقة، ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4]، ثم بعد ذلك يصبح شابًّا قويًّا، ثم رجلًا مفكرًا مبدعًا ذا عقل ورأي، وبعضهم يصبح مخترعًا للآلات والسيارات والطائرات، وطبيبًا يجري العمليات الجراحية الدقيقة في المخ والدماغ والأجساد؛ ﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 14]. رُوي أن أحد السلف وهو مطرف بن عبدالله بن الشِّخِّير رأى المهلب بن أبي صفرة يتبختر في معطف خزٍّ وجُبة خز، فقال له: "يا عبدالله، ما هذه المشية التي يبغضها الله؟ فقال له: أتعرفني؟ قال: نعم، أولك نطفة مذِرَة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت فيما بين ذلك تحمل العَذِرة، فمضى المهلب وترك مشيته وكبرياءه". أيها المؤمنون: أين ذلكم الشقي فرعون الذي قال: ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [النازعات: 24]، وقال: ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [القصص: 38]؟ أين قارون المتكبر المتبختر في مشيته الذي قال: ﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾ [القصص: 78]. أين الملاحدة الذين يقولون: لا إله ولا خالق ولا رب لهذا الكون؟ أين الظلمة المتجبرون على عباد الله الضعفاء المساكين؟ أين من يحتقر عباد الله ويذلهم ويهينهم؟ كل هؤلاء مساكين لم يعرفوا قدرهم، ولم يتفكروا في خلقتهم، بل تناسوا ذلك كله وغفلوا عنه، وزيَّن لهم الشيطان أعمالهم وغرهم بأنفسهم. لو تفكر المرء في حاله، وفي حجمه أمام مخلوقات الله العظيمة؛ من شمسٍ، وقمر، وكواكب، وأفلاك، ونجوم، وجبال، وبحار، وسماء، لعلِمَ أنه لا شيء أمام كل ذلك، وأنه مخلوق صغير ضعيف لا يساوي شيئًا من مخلوقات الله، هذا إذا نظر وقارن بينها وبينه حاليًّا وهو بهذا الجسد، فكيف إذا كانت المقارنة بينه وبين هذه المخلوقات وهو نطفة، فهل هناك مقارنة؟ صدق الله عز وجل: ﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 28]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا، كما يحب ربنا ويرضى، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين؛ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد: فيا أيها المؤمنون: إن مَن خلق الإنسان من نطفةٍ قادرٌ على أن يبعثه ويعيده مرة أخرى، فقد جاء في الحديث: ((أن أُبِيَّ بن خلف جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي يده عظم رميم وهو يفتته ويذريه في الهواء، وهو يقول: يا محمد، أتزعم أن الله يبعث هذا؟ فقال: نعم، يميتك الله تعالى ثم يبعثك، ثم يحشرك إلى النار، ونزلت هذه الآيات من أواخر سورة يس: ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴾ [يس: 77 - 79]))، قال ابن عاشور رحمه الله: "لأن خلقه من النطفة أعجب من إحيائه، وهو عظم مجاراة لزعمه في مقدار الإمكان، وإن كان الله يحيي ما هو أضعف من العظام فيحيي الإنسان من رماده، ومن ترابه، ومن عجب ذنبه، ومن لا شيء باقيًا منه". فاللهم لك الحمد أن خلقتنا في أحسن خلقة، وصورتنا في أجمل صورة، وجعلت لنا عقولًا مفكرة، وقلوبًا سليمة، تهتدي إليك وإلى الإيمان بك وبوحدانيتك، اللهم عرفنا بقدرنا، وعرفنا بقدرتك وعظمتك، واجعلنا ممن يتواضعون لخلقك، فلا يتجبرون ولا يتكبرون ولا يحتقرون أحدًا منهم. ألَا فصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |