الجار وصية النبي المختار صلى الله عليه وسلم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ابتسامة تدوم مدى الحياة: دليلك للعناية بالأسنان في كل مرحلة عمرية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          كم يحتاج الجسم من البروتين يوميًا؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          أطعمة ممنوعة للمرضع: قللي منها لصحة طفلك! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          مكملات البروبيوتيك: كل ما تحتاج معرفته! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          التخلص من التوتر: دليلك لحياة متوازنة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          أطعمة مفيدة لمرضى الربو: قائمة بأهمها! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          كيفية التعامل مع الطفل العنيد: 9 نصائح ذكية! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          كيف يؤثر التدخين على لياقتك البدنية وأدائك الرياضي؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          كل ما تحتاج معرفته عن لقاح السعال الديكي للأطفال والبالغين! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          لمرضى السكري: 9 فواكه ذات مؤشر جلايسيمي منخفض! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25-12-2022, 06:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,695
الدولة : Egypt
افتراضي الجار وصية النبي المختار صلى الله عليه وسلم

الجار وصية النبي المختار صلى الله عليه وسلم
الشيخ محمد عبدالتواب سويدان



الحمد لله الذي أمرنا بالبرِّ والصلة ونهانا عن العقوق، وجعل حقَّ المسلم على المسلم من آكد الحقوق، وجعل للجار حقًّا على جاره وإن كان من أهل الكُفْر والفسوق، ونشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، هو الخالق وكل شيء سواه مخلوق، ونشهد أنَّ سيدنا محمدًا عبدُه ورسولُه الصادق المصدوق، اللهم فصَلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد الناطق بأفضل منطوق، صلاة لا ينقطع لها مدد، ولا يحصر لها حدٌّ ولا عدد، وعلى آله وصحبه المؤدِّين للحقوق، وعلى التابعين لهم بإحسان من سابق ومسبوق، أمَّا بعد:
فيا أيُّها المسلمون، عباد الله، إن الناظر في واقع الناس اليوم يرى كيف أن الدنيا قد ألقت بظلالها على حياتهم، فعصفت بكثير من الأخلاق والقيم، وأنست كثيرًا من الحقوق والمثل، فأُضِيعت- مع الأسف- الحقوق، فتباعدت القلوب، وتنافرت النفوس، وقام بين الناس سوق القطيعة والعقوق إلا من رحم الله تعالى، ولا بُدَّ لتدارك ذلك عباد الله من وقفة نراجع فيها أنفسنا، ونصحِّح فيها أحوالنا ونعمل من خلالها.

وإنَّ من محاسن الإسلام العظيمة وصيته بالجار، والحثَّ على أداء حقوقه والإحسان إليه، وقد تضافرت الأدلةُ من الكِتاب والسُّنَّة مبينةً هذا الأمر أتمَّ بيانٍ وأوضحه؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ﴾ [النساء: 36].

هذه عباد الله وصية الله عز وجل في كتابه، ولمكانة الجوار في الإسلام اقترنت الوصية بالجار بأعظم المأمورات؛ وهو التوحيد ونبذ الشرك، وفي هذا أكبرُ دليلٍ على عظيمِ منزلةِ الجار وكبير حقِّه.

﴿ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى ﴾ [النساء: 36]؛ أي: الجار القريب، الذي له حقَّان: حقُّ الجوارِ، وحقُّ القرابة.

﴿ وَالْجَارِ الْجُنُبِ ﴾ [النساء: 36]؛ أي: الذي ليس له قرابة، فيكون له حقٌّ واحدٌ، وهو حق الجوار.

﴿ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ ﴾ [النساء: 36]؛ قيل: الرفيق في السفر، وقيل: الزوجةُ، وقيل: الصاحب مطلقًا.

أما وصية رسوله صلى الله عليه وسلم فقد جاءت في صورة جليلة وتعبير مستفيض يُجلِّي مكانة وحق الجار في الإسلام؛ فقد أخرج البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما زال جبريل يُوصِيني بالجار، حتى ظننتُ أنه سيُورِّثه)).

وكان حُسْن الجوار من أوليات دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، فعندما سأل هرقل أبا سفيان، فقال له: بمَ يأمركم؟ فقال أبو سفيان: "يأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الأرحام، وحسن الجوار، والكفِّ عن المحارم والدماء..."، وقال صلى الله عليه وسلم موصيًا أبا ذرٍّ: ((يا أبا ذرٍّ، إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك))؛ [رواه مسلم].

وقد جاء عند ابن أبي شيبة هذا الحديث بلفظ: ((إذا طبختم لحمًا، فأكثروا المرق؛ فإنه أوسع وأبلغ للجيران))؛ [رواه أحمد، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع].

ومما ذكره العلماء في حقوق الجار: إذا استعانك فأعِنْه، وإذا استقرضك فأقرضه، وإذا مرض فعُدْه، وإذا أصابه خير فهنِّئه، وإذا أصابته مصيبة فعَزِّه، وإذا مات فاتبع جنازته، ولا تستطل عليه بالبنيان فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، ولا تؤذِه بقُتارِ قِدْرِكَ إلا أن تغرف له منها.

وتعلم الصحابة الكرام فكانوا يقومون بحق الجار حتى مع الكفار، فكانوا من أحرص الناس على إكرام الجار، وإن كان غير مسلم؛ فقد أخرج الترمذي وأبو داود - بسند صحيح - عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: "أنه ذبحت له شاة في أهله، فلما جاء قال: أهديتم لجارنا اليهودي؟ أهديتم لجارنا اليهودي؟"، قلنا: لا، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما زال جبريل يُوصِيني بالجار، حتى ظننتُ أنه سيُورِّثه))؛ صحَّحه الألباني في الإرواء.

وكان السلف الصالح والكرام من الناس يعرفون قدر الجوار، ولا يؤثرون بالجار الصالح مالًا ولا عرضًا من الدنيا، فهذا محمد بن الجهم يعرض داره للبيع بألف درهم، وقيل: بمائة ألف درهم، فلما حضر الراغبون في شراء داره قال لهم: قد اتفقنا على ثمن الدار، فبكم تشترون جوار سعيد بن العاص؟ فقيل له: وهل الجوار يُباع؟ قال: وكيف لا يُباع جوار من إذا قعدت سأل عنك، وإن رآك رحَّب بك، وإن غبت حفظك، وإن شهدت قربك، وإن سألته قضى حاجتك، وإن لم تسأله ابتدأك، وإن نابتك نائبة فرَّج عنك، فبلغ ذلك سعيد بن العاص، فوجَّه إليه بمائة ألف درهم، وقال له: أمسك عليك دارَك.

واسمع لهذه القصة: ذكر الغزَّالي في الإحياء: "أن بعضهم شكا كثرة الفئران في داره، فقيل له: لو اقتنيت هرًّا- أي: قطة- حتى يهرب الفأر من دارك، فقال: أخشى أن يسمع الفأر صوت الهِرِّ، فيهرب إلى الجيران، فأكون قد أحببت لهم ما لا أحبُّ لنفسي".

فضل الإحسان إلى الجار:
الإحسان إلى الجار وإكرامه من كمال الإيمان؛ روى البخاريُّ عن أبي شُريحٍ العدويِّ رضي الله عنه قال: سمعَت أُذُناي، وأبصرَت عيناي، حين تكلَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: ((مَن كان يُؤمنُ بالله واليوم الآخر فليُكرم جارَه))، ولمسلم بلفظ: ((من كان يُؤمن بالله واليومِ الآخِر فليُحسِن إلى جاره)).

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أحسِن إلى جارِك تكُن مُؤمنًا))؛ حسَّنه الألباني في صحيح الجامع.

المحسن إلى جاره مِن خير الناس عند الله تعالى؛ روى البخاري في "الأدب المفرد" عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((خيرُ الأصحاب عند اللهِ خيرُهُم لصاحبِه، وخيرُ الجيران عند الله خيرُهُم لجاره)).

ومن أراد أن يحبَّه الله ورسوله، فليُحسِن إلى جاره: فقد أخرج الطبراني في "الأوسط"، و"الكبير" من حديث عبدالرحمن بن أبي قراد السلمي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أحببتُم أن يُحبكم الله ورسوله، فأدُّوا إذا ائتمنتُم، واصدقوا إذا حدَّثتم، وأحسنوا جوار مَن جاوركم))؛ صحيح الجامع.

وحسن الجوار يزيد في العمر، ويعمر الديار: فقد أخرج الإمام أحمد- بسند صحيح - عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنه من أعطي من الرزق، فقد أعطي حظه من الدنيا والآخرة، وصِلة الرَّحِم، وحُسْن الخُلُق، وحسن الجوار، يَعمُران الديار، ويَزيدان في العمر)).

من أراد أن يدخل الجنة، فليُحسِن إلى جاره: فقد أخرج البيهقي "في شُعَب الإيمان" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "إن رجلًا قال: يا رسول الله، دُلَّني على عمل إذا عمِلت به، دخلت الجنة، فقال: ((كُنْ محسنًا))، فقال: يا رسول الله، كيف أعلم أني محسن؟ قال: ((سَلْ جيرانَك، فإن قالوا: إنك محسن، فأنت محسن، أو قالوا: إنك مسيء، فأنت مسيء)).

وأخرج الإمام أحمد وابن ماجه - بسند صحيح - عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: "قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: كيف لي أن أعلم إذا أحسنت وإذا أسأت؟ قال: ((إذا سمعت جيرانك يقولون: قد أحسنت، فقد أحسنت، وإذا سمعتهم يقولون: أسأت، فقد أسأت))؛ الصحيحة.

فجارك هو الميزان أو المؤشر، الذي من خلاله تستطيع أن تعرف حقيقة نفسك، وهل أنت محسِن أم لا؟

فليُحسِن كُلٌّ منا إلى جيرانه؛ حتى يَشهدوا له بالخير عند موته، فيغفر الله له ذنبه؛ فقد أخرج الإمام أحمد وابن حبان عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من مسلم يموت، فيشهد له أربعة من أهل أبيات جيرانه الأدْنَيْن، أنهم لا يعلمون منه إلا خيرًا، إلا قال الله عز وجل: قد قبلت قولكم - أو قال: شهادتكم - وغفَرت له ما لا تعلمون)).

أيها المسلمون، وكما حظِيَ حُسْنُ الجوار بالأجر الجزيل، فقد باء سُوؤه بالوزر الوبيل، فالذنب في الجار مضاعف عشرًا، فقد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ عَنِ الزِّنَا فقَالُوا: حَرَامٌ؛ حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَقَالَ: ((لِأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرِ نِسْوَةٍ أيسرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ))، وَسَأَلَهُمْ عَنِ السَّرِقَةِ فقَالُوا: حَرَامٌ حَرَّمَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ، فَقَالَ: ((لِأَنْ يَسْرِقَ مِنْ عَشرَةِ أَهْلِ أَبْيَاتٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يسرق من بيت جاره))؛ رواه البخاري في الأدب المفرد، وصحَّحه الألباني.

ومؤذي الجار ناقصُ الإيمان؛ روى البخاري عن أبي شريح رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((واللهِ لا يؤمِن، واللهِ لا يؤمِن، واللهِ لا يؤمِن))، قيل: مَن يا رسول الله؟ قال: ((الذي لا يأمن جارُه بوائقَه)).

وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كان يُؤمِنُ بالله واليوم الآخِر، فلا يُؤذِ جارَه)).

وإيذاء الجار سبب للعنة الجبَّار جل وعلا ولعنة الخلق، شَكَا رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جَارَهُ، فَقَالَ: ((احْمِلْ مَتَاعَكَ، فَضَعْهُ عَلَى الطَّرِيقِ، فَمَنْ مَرَّ بِهِ يلعنُه))، فَجَعَلَ كُلُّ مَنْ مَرَّ بِهِ يَلْعَنُهُ، فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا لَقِيتُ مِنَ الناس؟ فقال: ((إِنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ فَوْقَ لَعْنَتِهِمْ))؛ رواه البيهقي، وقال الألباني: حسن صحيح، فإن تسبب أذاه في خروج جاره من منزله فقد باء بالهلاك، كان ثوبان رضي الله عنه يقول: "مَا مِنْ جارٍ يَظْلِمُ جَارَهُ وَيَقْهَرُهُ حَتَّى يَحْمِلَهُ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلِهِ إِلَّا هَلَكَ"؛ رواه البخاري في الأدب المفرد وصحَّحه الألباني.

وأذى الجار قد يمنع من قبول العمل الصالح، ويكون سببًا لدخول النار، روى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ))، فأمَّا بالنسبة للبوائق فهي الغوائل والشرور؛ ومعنى: ((لا يدخل الجنة))؛ يعني: لا يدخل الجنة ناجيًا؛ يعني: إلا يصيبه شيء من العذاب، أو لا يكون أول الداخلين، فهذا المسيء إلى جاره لا تتوقَّع أن يكون أول الداخلين، أو من أوائل الداخلين، أو أنه يدخل دون حساب ولا عذاب، فلا بُدَّ أن يُصيبَه شيء من جراء ما آذى جيرانه.

وقِيلَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلَانَةً تَقُومُ اللَّيْلَ، وَتَصُومُ النَّهَارَ، وَتَفْعَلُ، وَتَصَّدَّقُ، وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((لَا خَيْرَ فِيهَا، هِيَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ))، قَالُوا: وَفُلَانَةٌ تُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ، وَتَصَّدَّقُ بِأَثْوَارٍ (قِطَع من الإقِط)، وَلَا تُؤْذِي أَحَدًا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((هِيَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ))؛ رواه البخاري في الأدب المفرد وصحَّحه الألباني.

وروى مسلم عن أبي هريرة أنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يدخُلُ الجنَّة مَن لا يأمنُ جارُه بوائقَه)).

وخصومة الجار أول ما يُقضى فيه بين العباد يوم القيامة، يقول رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَوَّلُ خَصْمَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَارَانِ))؛ رواه أحمد وجوَّده المنذري.

وسوء الجوار خصلة الأشرار؛ ولذا فإنها تكثر في نهاية الزمان؛ إيذانًا بدنوِّ الساعة التي لا تقوم إلا على شِرار الخَلْق، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَظْهَرَ الْفُحْشُ وَالتَّفَحُّشُ وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ وَسُوءُ الْمُجَاوَرَةِ، وَيُخَوَّنُ الْأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنُ الْخَائِن))؛ رواه أحمد وصحَّحه الحاكم، ويقول صلى الله عليه وسلم: ((لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ وَأَخَاهُ وَأَبَاهُ))؛ رواه البخاري في الأدب المفرد وحسَّنه الألباني، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلامًا علي عباده الذين اصطفى وبعد:
الدور إنما ترخص وتغلو بجوارها: شَيَّد رجل من المسلمين دارًا كبيرة فسيحة، فجَمَّلها وأبهاها وحسَّنَها، وبعد برهة من الزمن تعكرت حياته في تلك الدار، فعاف حسنها، وكره سكناها، وتمنَّى كل خلاص منها، فلما عرضها للبيع بأرخص الأثمان، وأبخس الأسعار، وتمت البيعة بسعر زهيد، لامه الناس والعذَّال فأجابهم بقوله:
يلومونني أنْ بِعْتُ بالرخص منزلي
وما علموا جارًا هناك ينغص
فقلتُ لهم: كفُّوا الملامَ فإنَّها
بجيرانها تغلُو الدِّيارُ وترخص


قال لقمان الحكيم لابنه: "يَا بُنَيَّ، قَدْ حَمَلْتُ الْحِجَارَةَ وَالْحَدِيدَ وَالْحِمْلَ الثَّقِيلَ، فَلَمْ أَجِدْ شَيْئًا قَطُّ أَثْقَلَ مِنْ جَارِ السَّوْءِ".

وجار السوء شَرٌّ استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر بالاستعاذة منه، فقال: ((تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ جَارِ السوْءِ فِي دَارِ الْمُقَامِ؛ فَإِنَّ جَارَ الْبَادِيَةِ يَتَحَوَّلُ عَنْكَ))؛ رواه النسائي وصحَّحه العراقي.

وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَارِ السوءِ فِي دَارِ الْمُقَامَةِ؛ فَإِنَّ جَارَ الْبَادِيَةِ يَتَحَوَّلُ))؛ رواه ابن أبي شيبة، وصحَّحه الحاكم على شرط مسلم.

وإذا ابتُليتَ بجارٍ مؤذٍ، فاصبر على ما بُليت به حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، فإنَّ من حسن الجوار الصبرَ على أذى الجار، حتى قال الحسن البصري: "ليس حسنُ الجوار كفَّ الأذى، حسنُ الجوار الصبرُ على الأذى"، وقال: "إلى جنْبِ كلِّ مؤمنٍ منافقٌ يؤذيه"، فلا تقابل الإساءةَ بالإساءة؛ بل اصبر على ذلك، فإن الله ناصرُك، وفي الحديث: "واعلم أن النصر مع الصبر".

يُروى أن مالك بن دينار رحمه الله تعالى، كان له جار يهودي، فحول اليهودي مستحمَّه إلى جدار البيت الذي فيه مالك، وكان الجدار متهدِّمًا، فكانت تدخل منه النجاسة، ومالك ينظف البيت كلَّ يوم ولم يقل شيئًا، وأقام على ذلك مدة وهو صابر على الأذى، فضاق صدر اليهودي من كثرة صبره على هذه المشقَّة، فقال له: يا مالك، آذيتك كثيرًا وأنت صابر، ولم تخبرني، فقال مالك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما زال جبريل يُوصيني بالجار حتى ظننْتُ أنه سيُورِّثه))، فندِم اليهودي وأسلم؛ "الإحياء".

وحدَثت هذه القصة أيضًا مع سهل بن عبدالله التستري رحمه الله، فقد كان له جار مجوسي، وكان في نفس البيت في الطابق الأعلى، فانفتَحت فتحة في كنيف المجوسي، فكان يقع منها الأذى في دار سهل، فكان يضع كل يوم الجفنة تحت الفتحة، فينزل فيها الأذى، ثم يأخذ ذلك بالليل ثم يَطرحه بعيدًا، فمكث رحمه الله على هذا الحال زمانًا طويلًا إلى أن أتى سهلًا المرَضُ، فاستدعى سهل جاره المجوسي، وقال له: ادخل ذلك البيت وانظر ما فيه فرأى الفتحة والقذر، فقال: ما هذا؟ قال سهل: هذا منذ زمن طويل يسقط من دارك، وأنا أتلقَّاه بالنهار وأُلقيه بالليل، ولولا أنه حضَرني أجلي ما أخبرتك، وأنا أخاف ألَّا تتَّسع أخلاق غيري لذلك، فافعل ما ترى، فقال المجوسي: أيها الشيخ، أنت تُعاملني بهذه المعاملة منذ زمن طويل، وأنا مقيم على كفري، أيها الشيخ، مُدَّ يدك، فأنا أشهد أنْ لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ثم مات سهل رحمة الله عليه.

اللهم اجعلنا من المحسنين المؤدِّينَ للحقوق، وأقم الصلاة.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 58.32 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 56.65 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.87%)]