|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() سورة البقرة (8) آيات الصدقة والإنفاق الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل الْحَمْدُ لِلَّهِ الْغَنِيِّ الْكَرِيمِ، الْجَوَادِ الرَّحِيمِ؛ جَادَ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْإِيمَانِ وَالْهُدَى، وَدَلَّهُمْ عَلَى مَسَالِكِ التَّقْوَى، وَحَذَّرَهُمْ مِنْ طُرُقِ الْهَلَاكِ وَالرَّدَى، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ ﴿ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 185]، فَأَخَذَ بِهِ السُّعَدَاءُ الْفَائِزُونَ، وَأَعْرَضَ عَنْهُ الْأَشْقِيَاءُ الْخَاسِرُونَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ بِالْقُرْآنِ، فَيُطِيلُ الْقِيَامَ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، امْتِثَالًا لِأَمْرِ رَبِّهِ وَمَوْلَاهُ ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴾ [الْمُزَّمِّلِ: 1-4]، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاسْتَقِيمُوا عَلَى أَمْرِهِ وَلَا تَعْصُوهُ؛ فَإِنَّ الْمَوْعِدَ قَرِيبٌ، وَالْحِسَابَ عَسِيرٌ، وَالْجَزَاءَ خُلْدٌ فِي الْجَنَّةِ أَوْ فِي السَّعِيرِ: ﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 38-39]. أَيُّهَا النَّاسُ:مِنَ الْمَوْضُوعَاتِ الْمُكَرَّرَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَوْضُوعُ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِنْفَاقِ؛ إِذِ الْآيَاتُ فِيهَا كَثِيرَةٌ؛ فَفِي أَوَّلِ السُّورَةِ ثَنَاءٌ عَلَى الْمُتَّقِينَ وَهُمْ ﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 3]، وَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالزَّكَاةِ فِي مَوَاضِعَ عِدَّةٍ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 43]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 110]. وَأَمَرَ سُبْحَانَهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْ طَيِّبِ الْمَالِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 267]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَمَرَهُمْ بِالْإِنْفَاقِ مِنْ أَطْيَبِ الْمَالِ وَأَجْوَدِهِ وَأَنْفَسِهِ، وَنَهَاهُمْ عَنِ التَّصَدُّقِ بِرُذَالَةِ الْمَالِ وَدَنِيِّهِ -وَهُوَ خَبِيثُهُ- فَإِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا»، وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الشَّيْطَانَ يُوَسْوِسُ لِبَنِي آدَمَ لِيَحُولَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِنْفَاقِ ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 268]، «أَيْ: يُخَوِّفُكُمُ الْفَقْرَ، لِتُمْسِكُوا مَا بِأَيْدِيكُمْ فَلَا تُنْفِقُوهُ فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى،وَمَعَ نَهْيِهِ إِيَّاكُمْ عَنِ الْإِنْفَاقِ خَشْيَةَ الْإِمْلَاقِ، يَأْمُرُكُمْ بِالْمَعَاصِي وَالْمَآثِمِ وَالْمَحَارِمِ وَمُخَالَفَةِ الْخَلَّاقِ». وَفِي مَقَامٍ آخَرَ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ مَحْقَ الرِّبَا وَمُضَاعَفَةَ الصَّدَقَةِ، وَحِفْظَ أُجُورِ الْمُزَكِّينَ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 276-277]. وَالزَّكَاةُ مِنْ جُمْلَةِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي كُلِّفَ بِهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَأُخِذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقُ بِإِيتَائِهَا، لَكِنَّهُمْ أَعْرَضُوا عَنْهَا وَلَمْ يُؤَدُّوهَا ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 83]. وَالزَّكَاةُ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 177]. وَهِيَ أَعْمَالٌ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ الْعَامِلِينَ بِهَا وَتَقْوَاهُمْ. وَفِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ رَتَّبَ اللَّهُ تَعَالَى الْإِنْفَاقَ عَلَى الْغَيْرِ بِحَسَبِ الْقَرَابَةِ وَالْحَاجَةِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 215]، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ: أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَالصَّدَقَةُ تُضَاعَفُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَذَلِكَ يَشْمَلُ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَصَدَقَةَ التَّطَوُّعِ، وَالْإِنْفَاقَ عَلَى الْقَرَابَةِ؛ فَكُلُّهَا مُضَاعَفَةٌ، وَهِيَ مِنَ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 261]، وَمُضَاعَفَةُ الْإِنْفَاقِ إِلَى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفَ مُرْتَهَنٌ بِالْإِخْلَاصِ وَحَالِ الْمُنْفِقِ وَالْمُنْفَقِ عَلَيْهِ. وَحَذَّرَ سُبْحَانَهُ مِنَ الْمَنِّ وَالْأَذَى فِي النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِإِبْطَالِهَا، وَذَهَابِ أَجْرِهَا؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 262-263]؛ فَرَدُّ السَّائِلِ بِكَلَامٍ طَيِّبٍ، وَدُعَاءٍ مُبَارَكٍ؛ خَيْرٌ مِنْ إِعْطَائِهِ مَعَ الْمَنِّ عَلَيْهِ أَوْ أَذِيَّتِهِ. وَنَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ الْمَنِّ وَالْأَذَى فِي صَدَقَاتِهِمْ، وَضَرَبَ مَثَلًا عَظِيمًا لِمَنْ يُنْفِقُ مُرَائِيًا، وَلِمَنْ يُنْفِقُ مُخْلِصًا؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 264]، فَإِنْفَاقُهُ كَتُرَابٍ عَلَى حَصَاةٍ مَلْسَاءَ، إِذَا انْهَمَرَ عَلَيْهَا الْمَطَرُ زَالَ التُّرَابُ عَنْهَا، وَبَانَ أَنَّهَا لَا تُنْبِتُ شَيْئًا، وَيَزُولُ أَجْرُ الْمُنْفِقِ رِيَاءً كَزَوَالِ التُّرَابِ مِنْ عَلَى الصَّخْرَةِ الْمَلْسَاءِ إِذَا أَصَابَهَا الْمَاءُ. «وَالْمَعْنَى فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَحْصُدُونَ مِنْهُ زَرْعًا». وَأَمَّا الْمُخْلِصُونَ فِي نَفَقَاتِهِمْ، فَنَفَقَاتُهُمْ كَجَنَّةٍ أَرْضُهَا طَيِّبَةٌ، إِذَا نَزَلَ عَلَيْهَا مَطَرٌ عَظِيمٌ تَضَاعَفَتْ ثَمَرَتُهَا، وَإِذَا أَصَابَهَا مَطَرٌ خَفِيفٌ أَثْمَرَتْ بِحَسَبِ مَا أَصَابَهَا، لَكِنَّهَا تُثْمِرُ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ، وَكَذَلِكَ الْمُخْلِصُونَ فِي نَفَقَاتِهِمْ يَجِدُونَ أَجْرَهُمْ مُدَّخَرًا لَهُمْ بِحَسَبِ إِخْلَاصِهِمْ ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 265]، «وَالْمَعْنَى أَنَّ الْإِنْفَاقَ لِابْتِغَاءِ مَرْضَاةِ اللَّهِ لَهُ ثَوَابٌ عَظِيمٌ، وَهُوَ -مَعَ ذَلِكَ- مُتَفَاوِتٌ عَلَى تَفَاوُتِ مِقْدَارِ الْإِخْلَاصِ فِي الِابْتِغَاءِ وَالتَّثْبِيتِ كَمَا تَتَفَاوَتُ أَحْوَالُ الْجَنَّاتِ الزَّكِيَّةِ فِي مِقْدَارِ زَكَائِهَا وَلَكِنَّهَا لَا تُخَيِّبُ صَاحِبَهَا». نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعِلْمَ النَّافِعَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ، وَالْإِخْلَاصَ فِي أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا وَنَفَقَاتِنَا وَصَدَقَاتِنَا، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ. وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ... الخطبة الثانية الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281]. أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:فِي آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ آيَاتٌ مُتَوَالِيَةٌ فِي ذِكْرِ الْإِنْفَاقِ وَفَضْلِهِ وَأَجْرِهِ، وَجُمْلَةٌ مِنْ أَحْكَامِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 270]، وَعِلْمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِنْفَاقِ يَقْتَضِي جَزَاءَهُ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ نَفَقَةَ فَرْضٍ أَمْ نَافِلَةٍ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ لِلْإِخْلَاصِ. ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ جَوَازَ إِظْهَارِ النَّفَقَةِ لِمَصْلَحَةٍ إِذَا تَحَقَّقَ الْإِخْلَاصُ فِيهَا، وَأَنَّ الْإِسْرَارَ بِهَا أَفْضَلُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي إِعْلَانِهَا مَصْلَحَةٌ ﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 271]. وَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ إِنْفَاقَ الْمُنْفِقِينَ يَعُودُ عَلَيْهِمْ ﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 272]. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ جُمْلَةً مِنْ صِفَاتِ مَنْ يَسْتَحِقُّونَ الصَّدَقَةَ؛ لِيَعْرِفَهَا الْمُتَصَدِّقُ فَتَقَعَ صَدَقَتُهُ فِي مَوْقِعِهَا ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 273]. وَمَنِ اعْتَادَ الْإِنْفَاقَ أَنْفَقَ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ، وَهُوَ مَا خُتِمَتْ بِهِ آيَاتُ الْإِنْفَاقِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 261]، فَيُخْفُونَ صَدَقَاتِهِمْ حَيْثُ يَسْتَطِيعُونَ، وَيُعْلِنُونَ بِهَا حَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْإِخْفَاءَ، أَوْ لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ كَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ فِي الْإِنْفَاقِ. وَبِهَذَا يَظْهَرُ كَثَافَةُ ذِكْرِ الصَّدَقَةِ وَالْإِنْفَاقِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ؛ لِمَكَانَتِهَا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَلْحَظُ ذَلِكَ مَنْ قَرَأَ هَذِهِ السُّورَةَ الْعَظِيمَةَ الَّتِي أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِرَاءَتِهَا فَقَالَ: «اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |