{ ورفعنا لك ذكرك } - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         نباتات منزلية تمتص رطوبة الصيف من البيت.. الصبار أبرزها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          طريقة عمل برجر الفول الصويا.. وجبة سريعة وصحية للنباتيين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          4 وسائل علمية لتكون أكثر لطفًا فى حياتك اليومية.. ابدأ بتحسين طاقتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          وصفة طبيعية بالقهوة والزبادى لبشرة صافية ومشرقة قبل المناسبات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          3 عادات يومية تزيد من تساقط الشعر مع ارتفاع درجات الحرارة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          6 خطوات فى روتين الإنقاذ السريع للبشرة قبل الخروج من المنزل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          تريندات ألوان الطلاء فى صيف 2025.. الأحمر مع الأصفر موضة ساخنة جدًا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          طريقة عمل كرات اللحم بالبطاطس والمشروم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          وصفات طبيعية لتقشير اليدين بانتظام.. من السكر لزيت جوز الهند (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          أبرز 5 تريندات ديكور منزلى في صيف 2025.. لو بتفكر تجدد بيتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-10-2022, 08:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,655
الدولة : Egypt
افتراضي { ورفعنا لك ذكرك }

{ ورفعنا لك ذكرك }
جمال بن محمد الحرازي


﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [الشرح: 4]


الحمدُ للهِ الذي أنشأَ وبَرَا، وخلقَ الماءَ والثَّرى، وأبْدَعَ كلَّ شَيْءٍ وذَرَا، لا يَغيب عن بصرِه صغيرُ النَّمْل في الليل إِذَا سَرى، ولا يَعْزُبُ عن علمه مثقالُ ذرةٍ في الأرض ولا في السَّما، ﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ﴾ [طه: 6] ﴿ وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴾ [طه: 7] ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [طه: 8]، خَلَقَ آدَمَ فابتلاه ثم اجْتَبَاهُ فتاب عليه وهَدَى، وبَعَثَ نُوحًا فصنَع الفُلْكَ بأمر الله وجَرَى، ونَجَّى الخَليلَ من النَّارِ فصار حَرُّها بَرْدًا وسلامًا عليه فاعتَبِرُوا بِمَا جَرَى، وآتَى مُوسى تسعَ آياتٍ فَمَا ادَّكَرَ فِرْعَوْنُ وما ارْعَوَى، وأيَّدَ عيسى بآياتٍ تبهرُ الوَرى، وأنْزلَ الكتابَ على محمد فيه البيَّناتُ والهُدَى، أحْمَدُه على نعمه التي لا تَزَالُ تَتْرَى، وأصلِّي وأسَلِّم على نبيِّه محمدٍ المبْعُوثِ في أُمِّ القُرَى، صلَّى الله عليه وعلى صاحِبِهِ في الْغارِ أبي بكرٍ بلا مِرَا، وعلى عُمَرَ الْمُلْهَمِ في رأيه فهُو بِنُورِ الله يَرَى، وعلى عثمانَ زوجِ ابْنَتَيْهِ ما كان حديثًا يُفْتَرَى، وعلى ابن عمِّهِ عليٍّ بَحْرِ العلومِ وأسَدِ الشَّرى، وعلى بَقيَّةِ آله وأصحابِه الذين انتَشَرَ فضلُهُمْ في الوَرَى، وسَلَّمَ تسليمًا.

معاشر المسلمين، إن ممَّا يسمو إليه كل إنسان في هذه الحياة الدنيا، هو طلب الرفعة؛ فمنهم من يطلب الرفعة بمالٍ، ومنهم من يطلبها بجاهٍ، ومنهم من يطلبها بحسب، ومنهم بغير ذلك، وإن حصَّل العبد رفعةً بما ذُكِر كانت رفعتُه لا تدوم، أو كانت رفعتُه في الدنيا دون الآخرة.

والرفعة الحقيقية هي الرفعة للعبد عند الله، وهي رفعة في الدنيا فيكون له المحبة والقبول والمهابة، وفي الآخرة رفعة الدرجات في أعالي الجنات، ولا تكون إلا من الله، فمن رفعه الله وأعزَّه فلا أحدٌ يضعه، ومن أذلَّه الله ووضعه الله فلا أحدٌ يرفعه ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 26] ﴿ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ﴾ [الحج: 18]، إذًا فالرفعة من الله وحده لا شريك له، والله سبحانه وتعالى قد جعل لكل شيءٍ سببًا، وجعل للرفعة أسبابًا، بها ينال العبد الرفعة عند الله، منها ((إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ)) و((صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وَأَتَى الْمَسْجِدَ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً)) و((مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً)) و((وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ)) و((مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ)) و((وَلا يَعْفُو عَبْدٌ عَنْ مَظْلَمَةٍ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ بِهَا عِزًّا))، وهناك أسباب أخرى ليس الحديث عن ذلك، وأعظم سبب للرفعة عند الله تعالى في الدنيا والآخرة، الإيمان بالله ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11]، قال ابن القيم رحمه الله تعالى في مِفْتاح دار السعادة (1 / 50): "وَقد أخبر سُبْحَانَهُ فِي كِتَابه بِرَفْع الدَّرَجَات فِي أربعة مَوَاضِع أحدها ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11]، وَالثَّانِي قَوْله: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [الأنفال: 2 - 4]، وَالثَّالِث قَوْله تَعَالَى: ﴿ وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى ﴾ [طه: 75]، وَالرَّابِع قَوْله تَعَالَى: ﴿ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً ﴾ [النساء: 95، 96]، فَهَذِهِ أربعة مَوَاضِع فِي ثَلَاثَة مِنْهَا الرِّفْعَة بالدرجات لأهل الإيمان الَّذِي هُوَ الْعلم النافع وَالْعَمَل الصَّالح، وَالرَّابِع الرِّفْعَة بِالْجِهَادِ، فَعَادَت رفْعَة الدَّرَجَات كلهَا إِلَى الْعلم وَالْجهَاد اللَّذين بهما قوام الدِّين".

وأعظم من رفعهم الله هم الأنبياء والرُّسُل صلوات الله وسلامه عليهم، ألا وإن من أعظم من رُفع بأعلى وأكمل درجات العلى والرفعة عند الله هو نبيُّنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ ولهذا قال الله ممتنًّا عليه ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [الشرح: 4]، قال السعدي رحمه الله: "أعْلَينا قَدْرك، وجعلنا لك الثناء الحسن العالي، الذي لم يصل إليه أحد من الخَلْق، فلا يُذكَر الله إلا ذُكِر معه رسولُه صلى الله عليه وسلم، كما في الدخول في الإسلام، وفي الأذان، والإقامة، والخطب، وغير ذلك من الأمور التي أعلى الله بها ذكرَ رسولِه محمد صلى الله عليه وسلم، وله في قلوب أُمَّتِه من المحبَّة والإجلال والتعظيم ما ليس لأحدٍ غيره، بعد الله تعالى، فجزاه الله عن أُمَّتِه أفضلَ ما جزى نبيًّا عن أُمَّتِه".

وقال ابن كثير رحمه الله: "قَالَ مُجَاهِدٌ: لَا أُذْكرُ إِلَّا ذُكِرتَ مَعِي: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: رَفَعَ اللهُ ذكرَه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَلَيْسَ خَطِيبٌ وَلَا مُتشهِّد وَلَا صاحبُ صَلَاةٍ إِلَّا يُنَادِي بِهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ".

﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا بِمَ وَلَا كَيْفَ رَفَعَ لَهُ ذِكْرَهُ، وَالرَّفْعُ يَكُونُ حِسِّيًّا وَيَكُونُ مَعْنَوِيًّا.

فَقِيلَ: هُوَ حِسِّيٌّ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَفِي الْخُطَبِ عَلَى الْمَنَابِرِ وَافْتِتَاحِيَّاتِ الْكَلَامِ فِي الْأُمُورِ الْهَامَّةِ، وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِالْوَاقِعِ فِعْلًا، وَاسْتَشْهَدُوا بِقَوْلِ حَسَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَغَرُّ عَلَيْهِ لِلنُّبُوَّةِ خَاتَمٌ
مِنَ اللَّهِ مِنْ نور يَلُوحُ وَيَشْهَدُ
وَضَمَّ الْإِلَهُ اسْمَ النَّبِيِّ إِلَى اسْمِهِ
إِذَا قَالَ فِي الْخَمْسِ الْمُؤَذِّنِ أَشْهَدُ
وَشَقَّ لَهُ مِنِ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ
فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدُ


وَمِنْ رَفْعِ الذِّكْرِ مَعْنًى؛ أَيْ: مِنَ الرِّفْعَةِ، ذِكْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ، حَتَّى عُرِفَ لِلْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ مَجِيئِهِ، فهو دعوة أبيه إبراهيم عليه السلام ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 129] وبُشْرى أخيه عيسى عليه السلام ﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾ [الصف: 6]، وَقَدْ نَصَّ الْقُرْآنُ على أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْوَحْيَ ذِكْرًا لَهُ وَلِقَوْمِهِ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ﴾ [الزخرف: 43، 44].

وهو مرفوع الذكر عند الملائكة في السماء، وعند أهل الإيمان في الأرض، يُذكر فِي أَذَانٍ، وَإِقَامَةٍ، وَتَشَهُّدٍ، وَخُطَبٍ، ودخول مسجد وخروج منه، وعند الدعاء، وفي الجُمُعة وليلتها وَعند الصَلَاةِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي مجالس العلم والفقه والحديث، يذكر في اليوم عشرات المرات، فأيُّ رفعة أعظمُ من هذه الرفعة، منذ أكثر من ألفٍ وأربعمائة سنة، وهو يُذكر وإلى قيام الساعة.

﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾: إن رفعة الله لرسولنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أحوال وصور كثيرة، فمن ذلك:
1- أول صور الرفعة له صلى الله عليه وسلم تأييده بالمعجزة الخالدة وهي القرآن الكريم، ﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ﴾ [الزخرف: 43، 44] "لشرف لك ولقومك؛ قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وغيرهم، واختاره ابن جرير"، فهو صاحب المعجزة الخالدة، قال العز بن عبدالسلام رحمه الله: "ومن خصائصه أنَّ مُعجزة كلِّ نبي تَصَرَّمَتْ وانقَضتْ، ومُعجزة سَيِّدِ الأوَّلين والآخرين، وهي القُرآنُ العظيم، باقية إلى يَوْمِ الدِّين ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، وقال:...ومنها: حِفْظ كتابه، فلو اجتمع الأوَّلون والآخِرون على أنْ يزيدوا فيه كلمةً، أو يُنْقِصوا كلمةً لعجزوا عن ذلك، ولا يَخْفى ما وَقَع من التبديل في التوراةِ والإنجيل"؛ (المرجع (الكتاب: مُنْيَةُ السُّولِ في تفضيلِ الرَّسُّولِ صلى الله عليه وسلم).

2- ومن صور الرفعة له صلى الله عليه وسلم أن الله أخذ العهد والميثاق على جميع الأنبياء والمرسلين من لدن آدم إلى عيسى عليهما السلام لَما آتى الله أحدهم من كتاب وحكمة، وبلغ أَيَّ مبلغ، ثم بُعث محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ليؤمننَّ به ولينصُرُنَّه ولا يمنعه ما هو فيه من العلم والنبوة من اتِّباعه ونصرته، كما أمرهم أن يأخذوا هذا العهد والميثاق على أممهم، لئن بُعث صلى الله عليه وسلم وهم أحياءٌ ليؤمنُنَّ ولينصُرُنَّه، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [آل عمران: 81]، قال عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه: "مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا أُخِذَ عَلَيْهِ الْمِيثَاقُ، لئن بَعَث محمدًا وَهُوَ حَيٌّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ وَلَيَنْصُرَنَّهُ، وأمَرَه أَنْ يَأْخُذَ الْمِيثَاقَ عَلَى أُمَّتِهِ: لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ أَحْيَاءٌ ليؤمِنُنَّ به ولينصرُنَّه"، وقال هذا القول غير واحدٍ من أئمة التفسير.

وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ، فَقَرَأَهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَضِبَ، وَقَالَ: ((أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا بْنَ الْخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا، مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي))؛ رواه أحمد.

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "فَالرَّسُولُ مُحَمَّدٌ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، هو الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ الَّذِي لَوْ وُجِدَ فِي أَيِّ عَصْرٍ وَجِدَ، لَكَانَ هُوَ الْوَاجِبُ الطَّاعَةِ الْمُقَدَّمُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ؛ وَلِهَذَا كَانَ إِمَامَهُمْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ لَمَّا اجْتَمَعُوا بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ".

3- ومن صور الرفعة له صلى الله عليه وسلم أن الله أقسم بحياته، قال تعالى: ﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [الحجر: 72]، وقال ابن كثير رحمه الله: "أَقْسَمَ تَعَالَى بِحَيَاةِ نَبِيِّهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَفِي هَذَا تَشْرِيفٌ عَظِيمٌ، وَمَقَامٌ رَفِيعٌ وَجَاهٌ عَرِيضٌ"، وقال حبر الأمة وترجمان القرآن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: "ما خَلَقَ اللَّهُ وَمَا ذَرَأَ وَمَا بَرَأَ نَفْسًا أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا سَمِعْتُ اللَّهَ أَقْسَمَ بِحَيَاةِ أَحَدٍ غَيْرِهِ"؛ رواه ابن جرير الطبري، وقال العز بن عبدالسلام الملقب بسلطان العلماء رحمه الله: "ومن خصائصه: أنَّ اللهَ أقسَمَ بحياته صلَّى الله عليه وسلَّم، في قوله تعالى: ﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [الحجر: 72]، والإِقسامُ بحياة المُقْسَمِ بحياته يدُلُّ على شَرَف حياته وعِزَّتها عند المُقْسِمِ بها، وإنَّ حياته صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم لجديرَةٌ أنْ يُقسَمَ بها، لِما كان فيها من البَرَكةِ العامَّة والخاصَّة، ولم يثبُتْ هذا لغَيْره"؛ نفس المرجع السابق.

فالخالق يقسم بما شاء من مخلوقاته، أما المخلوق فلا يجوز له القسم والحلف إلا بالله تعالى وأسمائه وصفاته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ أَوْ لِيَصْمُتْ))؛ رواه البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، والحلف بالشيء تعظيم له، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: "قال الْعُلَمَاءُ السِّرُّ فِي النَّهْيِ عَنِ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ أَنَّ الْحَلِفَ بِالشَّيْءِ يَقْتَضِي تَعْظِيمَهُ، وَالْعَظَمَةُ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا هِيَ لِلَّهِ وَحْدَهُ".

4- ومن صور الرفعة له صلى الله عليه وسلم أن ناداه في القرآن بأحبِّ أوصافه، وأسنى كمالاته، بالنبوة والرسالة، ولم ينادِهِ باسمِه زيادة له في التشريف والتكريم:
قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 64]، وقال جل ذكره: ﴿ يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ﴾ [المائدة: 67]، فلا يوجد آية في القرآن تناديه باسمه، أما سائر الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام فَخُوطِبُوا بأسمائهم: قال تعالى: ﴿ يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ﴾ [البقرة: 35]، وقال تعالى: ﴿ قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا ﴾ [هود: 48]، وقال تعالى: ﴿ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 144]، وقال تعالى: ﴿ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الصافات: 104، 105] وقال تعالى: ﴿ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ ﴾ [المائدة: 110].

قال ابن الجوزي رحمه الله في كتابه (الوفا بتعريف فضائل المصطفى): "فلما ذكر اسمه للتعريف قرنه بذكر الرسالة، فقال تعالى: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ﴾ [آل عمران: 144]، ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ﴾ [الفتح: 29]، ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﴾ [محمد: 2]، ولمَّا ذكره مع الخليل ذكر الخليل باسمه وذكره باللَّقب، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 68]".

5- ومن صور الرفعة له صلى الله عليه وسلم أن الله نهى المؤمنين عن مناداته باسمه:
أدَّب الله عز وجل عبادَه المؤمنين في مخاطبة نبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم والكلام معه، أمرهم ألَّا يخاطبوه باسمه بل يخاطبوه: يا رسول الله، يا نبي الله، وإذا كان الله خاطبه في القرآن بالنبوَّة والرسالة فمن باب أولى وأحرى أهل الإيمان، قال تعالى: ﴿ لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63]، قال ابن كثير رحمه الله: "قال ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانُوا يَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ، يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَزَّ وجل عن ذلك إعظامًا لنبيِّه صلى الله عليه وسلم، وأمرهم أن يقُولُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَقَالَ قَتَادَةُ: أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُهَابَ نَبِيُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْ يُبَجَّلَ وَأَنْ يُعَظَّمَ".

وهذا بخلاف ما خاطبت به الأمم السابقة أنبياءها، فمن ذلك قوله تعالى: ﴿ قَالُوا يَانُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا ﴾ [هود: 32]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ [القصص: 20]، وقال تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 112].

6- ومن صور الرفعة له صلى الله عليه وسلم أن الله تولى الدفاع عنه مما رماه به قومه:
كان الأنبياء السابقون عليهم السلام يتولون الدفاع عن أنفسهم مما رماهم به المكذبون من أقوامهم من السَّفه والضلال.

أخبر الله عن قوم نوح عليه السلام أنهم قالوا له: ﴿ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الأعراف: 60]، فقال عليه السلام دفاعًا عن نفسه: ﴿ قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 61].

وقال قوم هود عليه السلام له: ﴿ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [الأعراف: 66]، فقال نافيًا عن نفسه ما نُسِب إليه: ﴿ قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 67].

أمَّا نبيُّنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم فقد تولَّى ربُّه الرد عنه حين رماه المشركون بما رموه به.

قالوا: شاعر، فقال الله تعالى: ﴿ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ ﴾ [يس: 69]، وقال: ﴿ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ ﴾ [الحاقة: 41].

وقالوا: كاهن، وقالوا: مجنون، فقال الله تعالى: ﴿ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الحاقة: 42]، وقال: ﴿ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ﴾ [القلم: 2]، وقال: ﴿ فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ ﴾ [الطور: 29].

وقالوا: ضال، فقال الله تعالى: ﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ﴾ [النجم: 2].

وأخبر ربنا بالكفاية له عمَّن سخر أو استهزأ به قال تعالى: ﴿ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ﴾ [الحجر: 95]، قال المفسِّر السعدي رحمه الله: ﴿ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ﴾ بك وبما جئت به، وهذا وعد من الله لرسوله، ألَّا يضره المستهزئون، وأن يكفيه الله إياهم بما شاء من أنواع العقوبة، وقد فعل تعالى فإنه ما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء به إلا أهلكه الله وقتله شر قتلة.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله الواحد الأحد، القابض الصمد، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أدَّخرُها ليوم لا ينفع فيه مالٌ ولا ولد، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، خير من قرأ القرآن وركع وسجد، وأفرد العبادة لله ووحَّد، نبينا محمد صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبع نهجه إلى يوم الدين.

7- ومن صور الرفعة له صلى الله عليه وسلم أنَّ الله تعالى يكتب لكل نبيٍّ من الأنبياء من الأجْر بقدر أعمال أمَّتِه وأحوالها وأقوالها، وأمّتُه صلى الله عليه وسلم شَطْرُ أهلِ الجنَّة.

وقد أخْبَرَ اللهُ تعالى أنَّهم خَيْرُ أُمَّةٍ أُخرِجتَ للناس، قال تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110]، وروى الترمذي عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عن أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ (معاوية بن حيدة رضي الله عنه)، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110]، قَالَ: ((أَنْتُمْ تُتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللهِ))، وإنَّما كانوا خَيْرَ الأمم لِما اتَّصفُوا به من المعارفِ والأحوالِ والأقوالِ والأعمال، فما من مَعْرفةٍ ولا حالة، ولا عبادة، ولا مقالة، ولا شيء مما يُتَقَرَّبُ به إلى الله عزَّ وجلَّ، مما دَلَّ عليه رسولُ الله صلَّى الله عليه وَسَلَّم ودعا إليه، إلَّا وله أجرُه وأجْرُ مَنْ عَمِلَ به إلى يوم القيامة؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا))؛ رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، ولا يَبْلُغُ أحدٌ من الأنبياء إلى هذه المرتبة، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((أحَبُّ الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس))، فإذا كان صلَّى الله عليه وسلم قد نفع شَطْرَ أهلِ الجنَّة، وغَيْرُه من الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم، إنَّما نفع جزءًا من أجزاء الشَّطْرِ الآخر، كانتْ منزلتُه صلى الله عليه وسلم في القرْب على قدر منزلته في النَّفْع، فما من عَمَلٍ من الأعمال المقرِّبة إلى الله عزَّ وجَلَّ من صلاةٍ وزكاةٍ وعِتْقٍ وجِهادٍ وبِرٍّ ومعروفٍ وذِكْرٍ، وصَبْرٍ، وعَفْوٍ، وصَفْحٍ، إلَّا وله صلَّى الله عليه وسلَّم مِثْلُ أجْرِ عامله، مضمومًا إلى أجْرِه على أعماله، وما مِنْ دَرَجَةٍ عَلِيّةٍ، ومرتبةٍ سَنيّةٍ نالَها أحدٌ من أمَّته بإرْشاده ودلالته إلَّا ولهُ مِثْلُ أجْرِها مَضْمومًا إلى درجته صلَّى الله عليه وسلم ومَرْتبته، وَيَتَضاعَفُ ذلك بأنَّ مَنْ دعا من أمَّته إلى هُدًى، أوْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً كان له أجْرُ مَنْ عَمِلَ بذلك على عدَد العاملين، ثم يكونُ هذا المُضَاعَفُ لِنَبِيِّنا صلَّى الله عليهِ وسلَّم؛ لأنَّه دَلَّ عليه وأرْشَدَ إليه، ولأجْلِ هذا بكى موسى عليه السلام ليلةَ الإسراء بكاءَ غِبْطَةٍ غَبَطَ بها النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ إذْ يَدْخُلُ من أمَّتِه الجنَّةَ أكثرُ مما يدخُلُ من أمَّةِ موسى، ولم يَبْكِ حَسَدًا كما يتوهَّمُه بعضُ الجَهَلَة، وإنَّما بكى أَسَفًا على ما فاته من مثل مرتبته.

8- ومن صور الرفعة له صلى الله عليه وسلم الرفعة له في الآخرة بالمقام المحمود والدرجة العالية في الجنة.
لرسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم القيامة رفعةٌ من الله، وله تشريف وتكريم لا يُشارِكُه أحدٌ من الأنبياء، ومن ذلك المقام المحمود، الذي يقومه صلى الله عليه وسلم، وبيان ذلك أن الله قال له: ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ﴾ [الإسراء: 79]، وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ))؛ رواه البخاري.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "هَذَا الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ مَقَامُ الشَّفَاعَةِ"، وقال ابن جرير الطبري رحمه الله: "فَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ: ذَلِكَ هُوَ الْمَقَامُ الَّذِي هُوَ يَقُومُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلشَّفَاعَةِ لِلنَّاسِ لِيُرِيحَهُمْ رَبُّهُمْ مِنْ عَظِيمِ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ شِدَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ".

وعن عَبْدَاللهِ بْن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ الشَّمْسَ تَدْنُو حَتَّى يَبْلُغَ الْعَرَقُ نِصْفَ الْأُذُنِ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ اسْتَغَاثُوا بِآدَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ صَاحِبَ ذَاكَ، ثُمَّ بِمُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ ذَلِكَ، ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ فَيَشْفَعُ لِيُقْضَى بَيْنَ الْخَلْقِ، فَيَمْشِي حَتَّى يَأْخُذَ بِحَلْقَةِ الْجَنَّةِ، فَيَوْمَئِذٍ يَبْعَثُهُ اللهُ مَقَامًا مَحْمُودًا يَحْمَدُهُ أَهْلُ الْجَمْعِ كُلُّهُمْ))؛ رواه البخاري.

وعن عبداللهِ بْن عُمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: "إِنَّ النَّاسَ يَصِيرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جُثًا (أي: جماعات) كُلُّ أُمَّةٍ تَتْبَعُ نَبِيَّهَا يَقُولُونَ: يَا فُلَانُ، اشْفَعْ يَا فُلَانُ، اشْفَعْ حَتَّى تَنْتَهِيَ الشَّفَاعَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَلِكَ يَوْمَ يَبْعَثُهُ اللهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ"؛ رواه البخاري.

ومما يُكرم الله ويُرفَع به نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم أنه صاحب الدرجة العالية في الجنة، وبيان ذلك ما جاء عن عَبْدِالله بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: ((..... سَلُوا الله لِي الْوَسِيلَةَ؛ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ الله، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ))؛ رواه مسلم.

وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((سَلُوا اللَّهَ لِيَ الوَسِيلَةَ))، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا الوَسِيلَةُ؟ قَالَ: ((أَعْلَى دَرَجَةٍ فِي الجَنَّةِ، لا يَنَالُهَا إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ، أَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ))؛ رواه الترمذي، وصحَّحه الألباني رحمه الله.

قَالَ الطِّيبِيُّ: "وَإِنَّمَا طَلَبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ أُمَّتِهِ الدُّعَاءَ لَهُ بِطَلَبِ الْوَسِيلَةِ افْتِقَارًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهَضْمًا لِنَفْسِهِ، أَوْ لِيَنْفَعَ أُمَّتَهُ وَيُثَابَ بِهِ، أَوْ يَكُونَ إِرْشَادًا لَهُمْ فِي أَنْ يَطْلُبَ كُلٌّ مِنْهُمْ مِنْ صَاحِبِهِ الدُّعَاءَ لَهُ".

وتقدَّم حديث جَابر بْن عَبْدِاللهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ.. ))؛ رواه البخاري.

هذه لُمَعٌ وإشارات في بيان قول الله: ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [الشرح: 4]، ونحنُ نسألُ اللهَ تعالى بمنِّه وكَرَمه أنْ يُوفِّقْنا لاتِّباع رسوله في سُنَّتِه وطريقته وجميع أخلاقه الظاهرة والباطنة، وأن يجعلنا من حِزبه وأنصاره، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 71.32 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 69.64 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.35%)]