
13-09-2022, 05:21 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,587
الدولة :
|
|
السر الخطير .. في انقلاب المقادير!
السر الخطير .. في انقلاب المقادير!
هنادي الشيخ نجيب
قرَّاءنا الأعزَّاء، إنَّ ما يبدو أحيانًا وكأنَّه النهاية، كثيرًا ما يكون بداية جديدة؛ فالجنين في بطن أمِّه، يظنُّ نفسَه - في مرحلة المخاض - أنَّه سيُفارق الحياة، فيودِّع دنياه التي عاش فيها تسعة أشهر طويلة، ويبكي على نهايته إذا خرج، ثمَّ يكتشف بعد الخروج أنَّها البداية، ولكن على غير ما تعوَّد ودَرج.
كم موقفًا مرَّ معكم، ظننتم أنَّه سيكون سببًا في نهاية علاقة من العلاقات: أَخوية - دعوية - وظيفية - علميَّة، ثمَّ بإصراركم وعزيمتكم، تحوَّلت تلك النهايات إلى نوافذَ، تُطلُّون من خلالها على فرص جديدة، تضيف إلى رصيدكم مكاسب لم تكن في الحسبان؟!
من خلال هذه السطور، نريد أن نكشف سر انقلاب مقدَّرات - كنا نحسبها شرًّا - إلى بدايات خير ونجاحٍ وفلاح.
وإذا كان يقال: إن الوقت جزءٌ من العلاج، فأي وقت هو المقصود؟! هل هو الوقت الفارغ السلبي أو الوقت المستثْمَر الإيجابي؟!
تعالوا لنقرأ معًا قصة: (سارق الخِراف)، ونعود بعدها لنضع النقاط على الحروف، ونَستفيد من نهاية (سارق الخروف)!
في إحدى القرى الصغيرة، نشأ ولدان عُرِفا بالمشاكَسة واختلاق المشاكل، وقد وصل بهما الأمر إلى سرقة الخراف من المزارِع، كلما حل الظلام.
اجتمع أهل القرية ليبحثوا في موضوع اختفاء الخراف، وكلفوا شخصين بتتبُّع الولدين، وبالفعل، أُلقي القبض عليهما بالجرم المشهود، فاعترفا بالمسؤولية عن كل خروف مفقود.
تباحث كبار القرية في كيفية عقاب هذين الولدين، فتوصلوا إلى طريقة تجعل التهمة مُلتصقة بهما أطول فترة ممكنة؛ بهدف كسر حدَّة الشغب والرغبة في إيذاء الشعب!
لقد قاموا بوشم الولدين على الجبين بحرفين: سين (س) وخاء (خ)، باعتبار أن كل واحد منهما "سارق خراف"!
وتحول الولدان إلى مثار للسخرية والتوبيخ، من كل صغير وكبير، فقرَّر أحدهما أن يهجر القرية، و"ينفد بريشه" من سوء المصير، أما الولد الآخر ففضَّل البقاء، وتحمَّل ما يستحقه من الشقاء، ولكنه قرر أن يتغيَّر؛ فواجهه سكان القرية بالاستهزاء والتحقير، ونبَذوه مِن مجالسهم، ولم يتفهموا نية الفتى الصغير.
لكنَّ المحكوم بالختم على الجبين، أصرَّ على قلب صفحة الماضي، وبذل كل جهده في محو آثارهِ بالتراضي، من خلال إغاثة كل ملهوف، والمسارعة في تقديم العون لكل محتاج، من صغير ويتيم ومحروم وفقير ومسكين.
في بداية الأمر، توجَّس السكان وابتعدوا عنه، وتردَّدوا في قبول الإحسان منه، ومع مرور الأيام، انقلب البغض إلى محبة، وارتسم على وجه الرجل المختوم، مسحة رحمةٍ ومودة، وحَسُن حالُه، وعَلا بينهم مَقامُه.
وفي يوم من ذاك الزمان، دخل رجلٌ غريبٌ القرية للاستِجمام، فاستوقفه منظر رجل مُسِنٍّ، جالس على حافة الطريق؛ ما يمر به أحدٌ، إلا يُسلِّم عليه، ويقبِّل جبينه ويديه، يحيطه أهل القرية بهالة من الاحترام، ويكرمونه أشد الإكرام، لكنه لاحظ أن جبين الرجل المحبوب موشوم، فاستحيا أن يسأله خشية أن يُحرجه، وراح يَصول في القرية ويجول؛ ليعرف المعنى المجهول، لحرفي السين والخاء، المكتوبين على الجبين الوضَّاء، إلى أن جاءه الجواب الشافي، بأن الحرفين يُشيران إلى رجلٍ عاش ردحًا من الزمان: ساعٍ وخيِّر، ومُبالغ في الإحسان!
لقد تحول سارق الخراف إلى ساعٍ وخير، بعد رحلة تغيير، واكَبَها مصابرةٌ ومثابرة.
لعلها الكلمات التي لا تملك إلا المعنى الذي نسكبه عليها من داخلنا، أو لعلها تلك الأحرف الخمسة، المركبة تركيبًا يجعلنا كلما سمعناها رغبْنا في التوقُّف والنظر حولنا؛ في محاولة لاستيعاب كل ما يحيط بنا، وقياس مدى الرضا بوضعنا، والتفكير بالتحسين والتطوير.
تلك الأحرف الخمسة هي: "تغيير".
نعم؛ فكلمة "تغيير": قد تُخيفنا، قد تهزُّنا، قد تُثير أشواقنا وحماستنا بقدر ما تثير قلقنا من طريق غير واضح الملامح.
هو التغيير بعينه، عندما لا يعودُ خيارًا، بل يصبح فرضًا ووظيفة حتمية بسبب ظروف قاهرة، لم يعد السكوت عنها مقبولًا.
هو التغيير، وإن كان الماضي يعج بالسلبيات والتقصير؛ أملًا في أن يسبق علينا كتاب الخير، حتى وإن لم يكن بيننا وبين الدمار إلا ذراع، فنهتدي للعمل الصالح، فندخل جنة الأرض، قبل جنة السماء.
قرَّاءنا الكرام، إن أصعب أنواع التغيير، هو تغييرُ بيئتِنا وترك أقرب الناس إلينا، بينما أسهل أنواعهِ أن نغير أنفسنا ونكسب محيطنا.
فأعطوا الفرصة للجميع؛ حتى لا نضطرَّ لخسارة بعضنا: سامحوا، واصفحوا، وافتَحوا صفحة جديدة، لكل من نوى أن يغيِّر ما بنفسه، راجيًا أن يتغير ما بقومه.
هما قاعدتان ذكرهما الداعية الشيخ راتب النابلسي:
الأولى: عبدي غيِّر أغيِّر (في حالة الواقع السيِّئ)، بقصد تحسينه.
الثانية: عبدي لا تغيِّر لا أغيِّر (في حالة الواقع الحسن)، بقصد الثبات عليه.
فلتكن خطواتُنا على درب الحق ثابتةً وقوية، قد لا يُسمع لها دويٌّ، لكن آثارها واضحة وجلية؛ في أنفسنا، في محيطنا، وبسعينا جميعًا ستنقلب الصورة:
من ســوءٍ وخــراب إلى ســرورٍ وخـــير.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|