|
ملتقى التنمية البشرية وعلم النفس ملتقى يختص بالتنمية البشرية والمهارات العقلية وإدارة الأعمال وتطوير الذات |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() البعبع د. جمال يوسف الهميلي أيام زمان، وما أدراك ما زمان! حدَّث أحدهم قائلاً: حين كنا صِغارًا كانت أمي تحذرنا من الاقتراب من غرفة مغلقة في المنزل، وتشدد في ذلك بصوت قوي فيه تهديد ووعيد، وحين نسألها عن السبب تقول: إنَّ فيها "بعبع"، وكانت هذه الكلمة كافية في ردعنا، وابتعادنا عن الغرفة، فضلاً عن فتحها والدخول فيها، وبقينا فترة من الزمن على هذا الحال. وفي أحد الأيام قررت أن أقترب من هذه الغرفة، وبحذرٍ شديد ونظر متردد اقتربت، ووضعت أذني عند الباب لعلِّي أسمع صوت "البعبع"، وفعلاً وضعت أذني عند الباب، وحاولت الاستماع لصوته، ثم هربت بسرعة؛ خوفًا من "البعبع"، وبعد أن عدت فكرت وراجعت نفسي، فأنا لم أسمع شيئًا، فقررت إعادة التجربة لفترة أطول، فالفضول قد ازداد. وفي الغد جمعت قوتي، واستجمعت شجاعتي، وبعد حوار ساخن في نفسي، قررت الوقوف طويلاً عند الباب؛ لأسمع صوت ذلك المخيف، الذي يحذرنا الجميع منه، وبعد لحظات كنت عند باب غرفة "البعبع"، ضربات القلب تزداد، والوجه أصبح بعدة ألوان، والقدمان تكادان لا تحملاني، فوقفت ووضعت أذني، وبتركيز عالٍ جدًّا صبرت، فمضت الثواني، ثم الدقائق، لكني لم أصمد أكثر، فهربت بسرعة مرة أخرى. وفي الليل راجعت نفسي، فأنا لم أسمع شيئًا، فهل هو نائم، أم ليس له صوت؟! وإذا كان كذلك، فلماذا يخافه الجميع؟! لا بد أن شكله مخيف، وحجمه كبير، وقوته عظيمة، فقررت أن أفتح الباب، ورسمت خطة محكمة لكيفية الهروب لو هاجمني وحاول أَكْلي أو ابتلاعي، لكني خشيت على إخوتي ووالدي ووالدتي، فتراجعت عن تنفيذ الخطة، ثم غلبني الفضول، فقررت أن أنفذ الخطة مهما كانت الخسائر، فلا بد من التخلص من ذلك "البعبع"؛ لنعيش بسلام. وفي صباح الغد تخيرت الوقت المناسب، حيث الجميع مشغولون، وبخطى بطيئة وقلب مضطرب ورغبة جامحة توجهت نحو الغرفة، ولك أن تتصور وجهي وقلبي وقدمي حين وضعت يدي على مقبضة الباب، وبداية فتح الباب، فصوت ضربات قلبي أعلى من صوت صرير الباب، لكني انتصرت على خوفي، وفتحت الباب وأنا مغلق عينيَّ؛ خوفًا من شكل "البعبع"، ولما لم أسمع أيَّ حركة بدأت بفتح إحدى عينيَّ، فلم أرَ شيئًا، ثم فتحت عينيَّ وتلفتُّ وبحثت في الغرفة فلم أجد شيئًا، وإنما مجموعة من الأدوات المنزلية، قلبتها فلم أجد فيها "البعبع"، فخرجت مسرعًا إلى أمي وأنا أصرخ بصوت مرتفع مناديًا أمي: "أبشرك يا أمي، لقد خرج "البعبع" من المنزل وهرب، ولعله بلا عودة"، فقالت أمي: وأي "بعبع"؟ فقلت: الذي في الدار التي حذرتِنا من الاقتراب منها؛ خوفًا علينا من "البعبع"، عندها ضحكت أمي، وغشي عليها من الضحك، فنادت والدي وهي تضحك، فقالت: أبا فلان، ابنك يقول: خرج "البعبع" من الغرفة، فقال والدي: وكيف عرفت؟ فقلت: فتحت الغرفة ودخلتها فلم أجد شيئًا، فضحك أبي، ثم قال: يا بني، لا يوجد مخلوق اسمه: "البعبع"، وإنما لم نكن نريدكم أن تقتربوا من الغرفة؛ حرصًا على الأدوات، فاخترعنا قصة "البعبع"، وضخمناه عندكم؛ حتى لا تقتربوا. وبعد أن أنهى صاحبنا قصته عُدتُ إلى نفسي وذاكرتي، وقلت: كم من "البعابع" - إن صح الجمع - في حياتنا، استخدموها معنا، ورسخوها في أذهاننا، فقبلناها ومارسنا حياتنا بالامتناع عن أمور؛ خوفًا من "بعبع" صنعوه! ثم نكتشف بعد فترة أنه لا "بعبع"، وإنما المقصِد مَنْعنا من العمل. والأغرب من ذلك حين نتخيل بأنفسنا وجود "البعبع"، فنتوقف عن الإقدام، فكم منعنا "البعبع" من الحديث ومن العمل، فكثيرةٌ هي الأقوال والأعمال التي نُطالَب بها فنحقر أنفسنا ونقلل من مهاراتنا وقدراتنا، ويغلِب علينا الخوف، ولكي نتهرب من تنفيذها نصطنع "البعبع"؛ لنبرِّر لأنفسنا تقاعسنا عن العمل، ونتجاوز الذات فننشر بجميع الوسائل وجود "البعبع"، ونحذر منه، حتى يُصدِّق الآخرون، ويصدقونا فيتقاعسوا مثلنا، وبهذا "البعبع" نُقنِع أنفسنا بعدم المسؤولية، فنفرح ونطمئن لذلك، لكن الحقيقة لا بد أن تظهر، والحق أحق أن يظهر، ولكن هل سيكون ذلك قبل يوم الكشف الأكبر؟ فهل تتخلص من خوفك وتتجاوز رهبتك، فتنطلق وتكشف الحقيقة، أم ستكون أسيرًا للبعبع؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |