
24-08-2022, 11:44 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,655
الدولة :
|
|
المسؤولية عن السلوك الأخلاقي
المسؤولية عن السلوك الأخلاقي
د. أحمد الخاني
تمهيد:
لو أن طفلاً صار يحبو، ومد يده إلى كأس فكسرها، فهل يعاقب؟ طبعاً، لا، لأنه لا يعي ذاته.
ولو أن فاقد عقل تصرف تصرفاً آذى به غيره، هل يحاسب طبعاً لا، لأنه، لا تكليف عليه (إذا أخذ ما أوهب أسقط ما أوجب).
أو أن إنساناً أجبر على فعل شيء، أو ترك عمل يؤديه فهل يحاسب على ذلك؟ أو أن سائق سيارة أغمي عليه وأدى ذلك إلى حادث فهل يحاسب على النتيجة؟
أمثلة كثيرة تستثار في هذا الموضوع، فمن الذي يتحمل المسؤولية عن سلوكه؟ الله لطيف بعباده، ما كان يفرض على الطفل حساباً وهو لا يميز، وفي حكمه من فقد العقل، فقد التكليف، ومن فقد التكليف لا حساب عليه.
حالات كثيرة تعرض للإنسان، فمن الذي يخرج عن دائرة المحاسبة والعقاب، أو المكافأة والثواب؟ ومن المسؤول عن سلوكه الأخلاقي؟
والمسؤولية هي المقدرة على أن يلزم المرء نفسه، والقدرة على أن يفي بعد ذلك بالتزامه بوساطة جهوده الخاصة.
وهي لب العمل الخلقي ومناط الحكم الخلقي ومناط الجزاء وما يرتبط به من ثواب أو عقاب بأنواعه المختلفة.
تحديد مفهوم المسؤولية الأخلاقية:
علماء الأخلاق ومنهم الدكتور مقداد يلجن، قد حدد هذا المفهوم والأسس التي تقوم عليها بقوله:
أولاً:
(إن الأساس الذي تقوم عليه المسؤولية، هو أهلية الشخص المسؤول للقيام بالمسؤوليات التي يتحملها، ويلتزم بها، وهذا يقتضي توافر الشروط الآتية:
1- أن يكون واعياً طبيعة ذاته وسلوكه ونتائج تصرفاته مما يعود على نفسه أو على غيره من نفع أو ضرر، إن عاجلاً أو آجلاً.
2- أن تكون له حرية الإرادة والاختيار والتصرف فيما يختاره.
3- أن يكون مستطيعاً القيام بمسؤولياته.
4- ومن الظلم تكليف إنسان بأعمال لا يستطيع تحمل أعبائها والقيام بها)[1].
وتقول الباحثة الدكتورة إيمان عبد المؤمن: (ومن الشروط التي لا تتحقق المسؤولية الخلقية إلا عند توافرها لدى الإنسان هي:
1- الإرادة الحرة التي يمتاز بها الإنسان عن سائر الحيوانات وجميع الكائنات.
2- العقل السليم والوعي الكامل اللذان يمكنان الإنسان من التمييز بين الأشياء والأفعال.
3- الاختيار الحكيم من بين البدائل المتعددة الممكنة للسلوك والتصرف.
4- القدرة البدنية والعقلية والنفسية التي تمكن الإنسان من القيام بالفعل المرغوب خلقياً إذا أراده..
والأدلة على ذلك كثيرة لا تحصى منها قوله تعالى:
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾ [البقرة: 256] وقوله ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286] وقوله صلى الله عليه وسلم (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه).
ويقول الشيخ عبد الرحمن حبنكه تحت هذا العنوان: المسؤولية عن السلوك الأخلاقي:
شروط ترتيب المسؤولية:
الشرط الأول: أن يكون صاحب العمل أهلاً لتحمل المسؤولية:
وقد حدد الشارع أهلية تحمل المسؤولية الدينية ذات العقاب الأخروي بالعقل والبلوغ.
الشرط الثاني: أن يكون العمل عملاً إرادياً:
أي صادراً عن إرادة صاحب العمل، ومتى اختل هذا الشرط سقطت المسؤولية عنها، كالرعشات وكحركة النائم.
الشرط الثالث: أن تتوافر في العمل النية:
النية والقصد، لما ينجم عنه فعلاً من نتائج خير أو شر فإن كان لصاحب العمل نية أو غاية أخرى غير ذلك فإن المسؤولية الحقيقية عند الله تكون وفق نيته وغايته دون ظاهر السلوك وما نجم عنه، وأما السلوك الظاهر فيكون عندئذ من قبيل العمل الملغى.
ولذلك تلغى عند الله أعمال المرائين والمنافقين مهما كان مظهرها مظهر خير وصلاح، ويحاسبون على نياتهم وغاياتهم التي كانوا يضمرونها في قلوبهم.
الشرط الرابع: أن يكون العمل مستطاع الفعل والترك:
فلا مسؤولية عن العمل مع العجز، سواء أكان العجز عن الفعل أو عن الترك، وبداهة العقول تقضي بأن الاستطاعة شرط لترتيب المسؤولية.
ونصوص الشريعة الإسلامية الدالة على هذا الشرط متعددة، منها قول الله تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]
الشرط الخامس: أن يكون صاحب العمل متمتعاً بحريته عند أداء العمل:
غير مكره عليه والإكراه.
ويدل على رفع المسؤولية في حالة الإكراه ما رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه).أخرجه ابن ماجة والبيهقي وهو حديث صحيح)[2].
ومهما يكن من أمر فإن النية شرط لابد منه للمسؤولية الخلقية، وأنه أساس المحاسبة و الجزاء في الثواب والعقاب.
النية ودورها في مجال المسؤولية الخلقية:
للنية دور كبير في كون الإنسان مسؤولاً عن أفعاله فمن تعمد قتل نفس يكون عقابه غير الإنسان الذي أطلق النار في غابة على حيوان يصطاده فقتل نفساً كانت متوارية عن الأنظار، وما أكثر حوادث السير إذ يقتل فيها السائقون نفوساً دون أن يكون لدى هؤلاء السائقين نية القتل.
عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنما الأعمال بالنيات؛ وإنما لكل امرئ ما نوى. فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه" متفق على صحته[3].
والنية تدخل في الحكم الخلقي، فالعقل وحده لا يكفي ليكون مقياساً للخير أو الشر، وإنما هو أحد الأركان الثلاثة الشرع، العقل، النية.
(وهذا الرأي هو ما وافق عليه الجمهور ومنهم الإمام الغزالي وجمهور الأخلاقيين قديماً وحديثاً.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|