|
|||||||
| الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
المسؤولية د. هشام السيد عطية الحمد لله كما أمر، وصلاة وسلامًا على سيد البشر، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. أما بعد: فلما تخلى كلُّ واحد منا عن واجباته تجاه ربِّه وتجاه مجتمعه، وأعقب ذلك تخلفٌ للأمَّة الإسلامية في كل المجالات، من أول الأسرة إلى التقدم والرقي - أحببتُ أن أتحدث معكم اليوم عن المسؤولية.. فما هي المسؤولية؟ وعن ماذا سنسأل؟ كيف يكون الفلاح والرقي للأمة بها؟ المسؤولية هي: كون الإنسان مكلَّفًا - مطالَبًا - بأن يقوم بالالتزامات المفروضة عليه، وأن يقدم عنها حسابًا إلى من هو فوقه؛ فالله تعالى لم يخلُقْنا عبثًا بدون تكليف، وحساب عليه، بل قال تعالى: ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾ [القيامة: 36]، وقال تعالى: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115]. فالله تعالى خلق الإنسان وسخَّر له كل شيء في هذا الكون، وأنعَمَ عليه بنِعَم كثيرة لا تحصى: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [إبراهيم: 34]، وبالتالي صار كلُّ واحد منا مسؤولاً ومحاسَبًا على هذه النعم، وعلى كل عملٍ يقوم به؛ قال تعالى: ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الحجر: 92، 93]، وقال تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾ [المدثر: 38]، ﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾ [التكاثر: 8]. فيا أخي الكريم، أنت مسؤولٌ عن كل شيء: فمثلاًأنت مسؤول عن كلماتك وأقوالك، علَنًا كانت أو سرًّا؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 284]، خيرًا كانت هذه الكلماتُ أو شرًّا؛ قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه: ((إن العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمة من رضوان الله لا يُلقي لها بالاً، يرفعُه اللهُ بها درجات، وإن العبد ليتكلمُ بالكلمة من سخَط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنَّمَ))، وأيضًا أنت مسؤول عن سَمْعك وبصَرك وقلبك؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا ﴾ [الإسراء: 36]، وقد نهانا عز وجل عن مجرَّد السمع لأهل الباطل حين الخوضِ في باطلِهم، فقال تعالى: ﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ﴾ [النساء: 140] ومسؤول أيضًا عن عُمُرِك وصحَّتك ومالك وعملك؛ قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((لا تزول قدَمَا عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل: عن عمره فيمَ أفناه؟ وعن عِلمه فيمَ فعَل فيه؟ وعن ماله مِن أين اكتسبه وفيمَ أنفقه؟ وعن جسمه فيمَ أبلاه؟)). فلا فلاح ولا تقدُّم ولا نهضةَ للأمة الإسلامية - أفرادًا ومجتمعات - إلا عندما يتحمَّلُ كل مسلم مسؤولياته تجاه ربه عز وجل وتجاه مجتمعه. تجاه ربه بأن يلتزم أوامره، ويجتنب نواهيَه، ويعلم أنه محاسَب حتى يتقن العمل، ويتذكر دائمًا قوله تعالى: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة: 105]. تجاه مجتمعه بأن يراعيَ مَن يعُول ولا يقصر في حقهم؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين -: ((كلكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته؛ فالإمام راعٍ، وهو مسؤولٌ عن رعيته، والرجل في أهله راعٍ، وهو مسؤولٌ عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية، وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راعٍ، وهو مسؤولٌ عن رعيته)). فالمسؤوليةُ أمانةٌ حمَّلك الله إياها، وميَّزك بها عن غيرِك من الكائنات؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72]، فالأمانةُ في الآية: هي التكاليفُ والواجبات التي تُسأَل عنها تجاه الله، وتجاه مجتمعِك، فلا تَخُنِ الأمانةُ، ولا تُضيِّعْها؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27]. وها هو صلى الله عليه وسلم يضرب لنا أروعَ الأمثلة في المسؤولية والقيام بها: فأول ما كلفه الله عز وجل به: هو أن يؤمِنَ بذاته، وأن يعلَمَ أنه نبيٌّ مرسَل، آمن وأدى هذه المسؤولية في حق نفسه تجاه ربه. ثم كلَّفه الله عز وجل أن ينقُلَ هذه المهمة إلى ذويه، إلى أسرته وأقاربه، حين أنزل الله عز وجل: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214] قال - كما ثبت في الصحيحين -: ((يا معشر قريش، اشتَرُوا أنفسَكم، لا أُغْني عنكم من الله شيئًا، يا بني عبدمناف، لا أُغْني عنكم من الله شيئًا، يا عباسُ بنَ عبدالمطلب، لا أُغْني عنك من الله شيئًا، ويا صفيةُ عمَّةَ رسولِ الله، لا أُغْني عنك من الله شيئًا، ويا فاطمةُ بنتَ محمد، سَلِيني ما شئتِ من مالي، لا أُغْني عنكِ من الله شيئًا)). وهكذا قام رسولُ الله بمسؤوليته تجاه نفسه وأسرته، تجاه أهليه وأولادِه وعشيرته. ثم قام صلى الله عليه وسلم بمسؤوليته تجاه مجتمعه الأكبر؛ فأخَذ يدعو الناس إلى الدِّين، ويعرِض نفسَه على القبائل، وذهَب إلى الطائف، ولاقى في سبيل ذلك العذاب الشديد، واتبعه أفضل أجيال البشر: الصحابةُ رضوان الله عليهم أجمعين، كان فخرهم الأساسي هو الإسلام، وصدق الشاعر في وصفهم إذ قال: أبي الإسلامُ لا أبَ لي سواه ![]() إذا افتخروا بقيسٍ أو تميم ![]() ولَمَّا حَمَل كلُّ مسلم مسؤوليته وعلِم واجباته، تقدَّم المسلمون في عصور ظلام أوربا؛ فعلم الطبيب أنه مسؤول، فابتَكَر واجتهد في تشخيصِ الأمراض وعلاجها، وعلِم المهندس أنه مسؤول، فبَرَع في البنيان، وكذلك الكيميائي والفيزيائي وعالم الدين، فرفع شأن الإسلام وعلا بتحمل المسؤولية، ولما تخلى كلُّ واحد منا عن مسؤوليته، كان حال المسلمين كما نراه، تخلُّف في كل المجالات، والعيش عالة على الآخرين، الأوروبيين الذين كان أُسس علومهم ما وضعه المسلمون من مبادئِ العلوم المختلفة، ولله درُّ القائلِ يتحسَّر ويتندم على حال المسلمين اليوم، ويذكرهم بسلَفِهم قائلا: كذلك أخرج الإسلام قومي ![]() شبابًا مخلصًا حرًّا أمينَا ![]() وعلَّمه الكرامةَ كيف تُبنَى ![]() فيأبى أن يقيَّدَ أو يهونا ![]() وما فتئ الزمانُ يدور حتى ![]() مضى بالرَّكبِ قومٌ آخرونَا ![]() وآلَمَني وآلَمَ كلَّ حرٍّ ![]() سؤالُ الدَّهر: أين المسلِمونَا ![]() فليستشعر كلُّ واحد منَّا المسؤولية، وأولها مسؤوليته عن أسرته وأهلِه، وليتذكر كل واحد منَّا دائمًا قولَ الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |