خطوات إلى عبادات فيها حسنات ودرجات ومحو سيئات - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4952 - عددالزوار : 2055830 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4527 - عددالزوار : 1323649 )           »          احمى أسرتك وميزانيتك.. دليلك الشامل لشراء أفضل اللحوم الطازجة والمجمدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          4 خطوات تقلل من شيب الشعر وتجعله صحيا وحيويا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          4 وصفات سموزي مناسبة للرجيم.. نكهات لذيذة لحر الصيف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          طريقة عمل الفراخ في المقلاة الهوائية بطعم حكاية.. السر في العسل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          وصفات طبيعية لتفتيح الأندر أرم.. تقشير آمن وترطيب للبشرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          4 أفكار مختلفة لتصميمات مطبخ عصري.. موضة 2025 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          خلصي بيتك من السموم في 5 خطوات.. أهمها تغيير أدوات الطهي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          7 خضراوات تحتوي على فيتامين سي أكثر من البرتقال.. هتنور وشك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-08-2022, 10:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي خطوات إلى عبادات فيها حسنات ودرجات ومحو سيئات

خطوات إلى عبادات فيها حسنات ودرجات ومحو سيئات
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أعاذني الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.

فضلُ الله سبحانه وتعالى علينا عظيم، إذا كان ويجازينا بالكلمة الطيبة الأجرَ العظيم، كلمةُ "سبحان الله"، و"الحمد لله"، و"لا إله إلا الله" - أجرها كبير عند الله، لا يستوعبها عقلك، الأجر لا يستوعبه العقل أبدًا؛ لأن الحمد لله تملأ الميزان، تملأ ما بين السماء والأرض أجرًا وثوابًا عند الله؛ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (... وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ - أَوْ تَمْلَأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ...))؛ [(م) 1 - (223)].

فكيف إذا كان فيما تقوم به مشقةٌ أو نوعٌ من التعب، فهذا أجره مضاعف، ستعجبون من ذلك أثناء هذه الخطبة؛ حيث جعلتُها فقط عن أجرِ وثوابِ الخطوات إلى العبادات، وهو درجاتٌ وحسناتٌ، ومحوُ سيئات، أجرٌ عظيم لا ينكره إلا من ينكر الكتابَ والسنة، وينكر الأخبار التي جاءت عن الله جل جلاله، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وإذا كان الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾ [يس: 12].

وآثارهم حتى الآثار تكتب؛ جاء عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رضي الله تعالى عنهما، قَالَ: ((خَلَتِ الْبِقَاعُ حَوْلَ الْمَسْجِدِ))؛ خلت البقاع: أي: لا يوجد فيها أحد، يعني هناك متسع لبعض الناس أن يأتي ويسكن حول المسجد النبوي، ((وَكَانَتْ دِيَارُنَا نَائِيَةً))؛ أي: في أطراف المدينة، بعيدةً ((عَنْ الْمَسْجِدِ، فَأَرَدْنَا أَنْ نَبِيعَ بُيُوتَنَا فَنَقْتَرِبَ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَرِهَ أَنْ تُعْرَى الْمَدِينَةُ))؛ أي: أن تخلو من أطرافها، ولا يبقى فيها أحد، ((فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ الْمَسْجِدِ، قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ))، لماذا أرادوا هم هذا؟ يريدون أن يحافظوا على الصلوات الخمس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يشغلهم شاغل عن ذلك؛ ((فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ﴾ [يس: 12]))، فَقَالَ: يَا بَنِي سَلِمَةَ، أَلَا تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ))؛ أي: ألا تحتسبون أجر خُطاكم، ((إِلَى الْمَسْجِدِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: دِيَارَكُمْ))؛ أَي: الزموا ديارَكم وابقوا في أماكنكم ودياركم، ((فَإِنَّهَا تُكْتَبُ آثَارُكُمْ، إِنَّ لَكُمْ بِكُلِّ خَطْوَةٍ دَرَجَةً))، فخطوات البعيد عن المسجد أكثر بكثير من خطوات من هو بجانب المسجد، ((فَقَالُوا: مَا كَانَ يَسُرُّنَا أَنَّا كُنَّا تَحَوَّلْنَا))؛ [الحديث بزوائده عند: (خ) (655)، (خ) (1887)، (م) 279- (664)، (م) 280- (665)، (م) 281- (665)، (ت) (3226)، (جه) (784)، (جه) (785)، (حم) (12052، 14606، 15034، 15231) يعني: إن بقاءهم في أماكنهم أفضل لهم أجرًا وثوابًا.

خطوة بدرجة.
ولو سألتكم وسألت نفسي: كم خطوة بين بيتي وبين المسجد؟ ما علمت! وهناك أجهزة الآن تقيس الخطى، تعرفكم كم خطوة مشيتموها، لكن ما عند الله سبحانه وتعالى مقياس، لا تغيب عنه خطوة ولا نصف الخطوة، وإن حسبت اليوم خطواتك إلى المسجد، فلن تستطيع إحصاءها غدًا ولا بعد غد، وعند الله لن تضيع خطاكم، وما تنساه أنت ولا تعرفه لن يضيع.


فالخطوات إلى الصلوات الخمس في المساجد، درجات وحسنات؛ عَنْ عَبْدِاللهِ بن مسعود رضي الله عنه فيما رواه مسلم في حديثه الطويل قَالَ: ((... وَمَا مِنْ رَجُلٍ))، فالخطوة حتى يُكتَب لك بها الأجر لا بد لها من مقدمات، منها: وما من رجل ((يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ))؛ يعني: يتوضأ في بيته، لا يأتي يتوضأ على حساب المسجد إلا مضطرًّا، فمن أراد الثواب كاملًا يتطهر في البيت، ((ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ، إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً...))؛ [(م) 257- (654)].


فكم الدرجاتُ؟ وكم الحسنات؟ وكم مُحي عنا من السيئات؟ لا ندري عددًا، لكنها عند الله علامِ الغيوب.


والأعجب من ذلك ما ثبت عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ، كُتِبَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا عَشْرُ حَسَنَاتٍ))، إذًا، فهناك ثواب الخطوة حسنة، وثبت أن ثوابها عشرُ حسنات، إذًا فالثواب يزيد وينقص حسب النية، إذا كانت النية الذهاب للمسجد وخالصة لله، تختلف عمَّن يريد السوق، أو التجارة، ثم يصلي في المسجد، كلٌّ له أجره، لكن يزداد إذا كان الإخلاص أكثر، ((وَالْقَاعِدُ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَلَاةَ، كَالْقَانِتِ))؛ أي: القانت: القائم للصلاة، ((وَيُكْتَبُ مِنْ الْمُصَلِّينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهِ))؛ [ حم (17495)، صَحِيح الْجَامِع: (434)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (298)].


وهذا تنبيه إلى كثير ممن يقصر في صلاة الجماعة في المسجد، ولنستمع إلى ما ورد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ، فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ))، كم أجر الحاج؟ سنعلمه في الخطبة التالية، ((وَمَنْ مَشَى إِلَى صَلَاةِ تَطَوُّعٍ، وفي رواية: وَمَنْ مَشَى إِلَى سُبْحَةِ الضُّحَى))؛ أي: يخرج إلى المسجد حتى يصلي الضحى، ((لَا يَنْصِبُهُ إِلَّا إِيَّاهُ))، ليس له نية أخرى، ((فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ، وَصَلَاةٌ عَلَى إِثْرِ صَلَاةٍ))، التوالي بصلوات، ((لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا))، ولا معصية، ولا ما شابه ذلك، ما الأجر والثواب؟ ((كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ))؛ [(د) (558)، (د) (1288)، (حم) (22358)، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن، مسند الشاميين: (ج4/ ص315 ح3412)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (6556)، صَحِيح الْجَامِع: (6228)، (6556)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (320)، (446)].


هل هذا كثير على الله أن يكتب لك أجر الحاج وأجر المعتمر؟ هل هذا الأجر والثواب كبير على الكبير المتعال سبحانه؟ لا والله ليس بكثير ولا كبير، فإن تعجبوا من كرم الله فيما ذكرته لكم، إذًا، فاعجبوا أكثر مما سأذكره لكم، مما ثبت عن نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم.


معلوم أنَّ السَّنَةَ فيها ثلاثمائة وستون يومًا، فلو أنَّ رجلًا صام أيامها الثلاثمائة والستين، وقام لياليها الثلاثمائة والستين، مخلصًا محتسبًا، كم أجرُه؟ وكم نالَ من الثواب؟ ألا تعلمون أنَّ خطوة واحدة تخطوها في يوم الجمعة لصلاة الجمعة، تحصل بها على هذا الأجر إن شاء الله سبحانه وتعالى؟

لكن تمسَّكْ بما يوصلك إلى ذلك الثوابِ العظيم، والأجرِ الجسيم، فلنستمع إلى قوله صلى الله عليه وسلم الذي يبين لنا كيف نأخذُ هذا الأجر وكيف نصل إليه؛ ثبت عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ غَسَّلَ رَأسَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ))، حتى تأخذ الأجر الكامل اغسل رأسك، ((وَاغْتَسَلَ))؛ أي: واغسل جسمك في هذا اليوم الفضيل بنية الجمعة، ((وَبَكَّرَ))؛ أَيْ: رَاحَ مبكِّرا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، ((وَابْتَكَرَ))؛ مَعْنَاهُ: أَدْرَكَ أَوَّلَ الْخُطْبَةِ، وَأَوَّلُ كُلِّ شَيْءٍ بَاكُورَتُهُ، وَابْتَكَرَ الرَّجُلُ: إِذَا أَكَلَ بَاكُورَةَ الْفَوَاكِهِ، وكَرَّرَهُ لِلتَّأكِيدِ، حتى يحثَّ الناس أن يصلوا إلى هذا الأجر العظيم، وفي رواية: ((وَغَدَا وَابْتَكَرَ))، ((وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ، فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ))، إذًا ليس هناك أحاديثُ جانبيةٌ، ولا أحاديثُ دنيويةٌ حتى تأخذ الأجر، وفي رواية: ((فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ))؛ لم يتكلم بكلام لاغٍ فارغ، ((كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا))؛ [الحديث بزوائده عند: (حم) (6954، 16206)، (د) (345)، (د) (346)، (ت) (496)، (جه) (1087)، (س) (1381)، (س) (1384)، (س) (1398)، وانظر صَحِيح الْجَامِع: (6405)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (690)].

وفضلُ الله عظيم، أعظمُ مما نتخيَّل، وأعظم مما نفكِّر؛ لذلك ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ، ارْزُقْنِي إِنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمِ الـمَسْأَلَةَ، فَإِنَّهُ لاَ مُكْرِهَ لَهُ))؛ [(خ) (6339)، (7477)]، وفي رواية عند مسلم: ((وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ))، لا تطلب من الله شيئًا قليلًا، اطلب الكثير، والكبير من عند الكبير سبحانه، فأنت لا تطلب من عند إنسان فقير محتاج، ادخل على الله، واطلب ما شئت من خيري الدنيا والآخرة، وليعظم الرغبة؛ ((فَإِنَّ اللهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ))؛ [(م) 8- (2679)].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الآخرة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واهتدى بهداه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ))؛ أي: بيت الله الحرام، ((فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ))؛ لم يتكلم بالكلام الذي يكون بين الرجل وزوجته، كلام العشق والهيام ونحو ذلك، لم يكن في هذا الحج شيء من هذا، ولم يفسق؛ لم يرتكب ذنبًا ولا معصية، ((خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ))؛ [الحديث بزائده عند: (خ) (1723)، (م) 438- (1350)، (أحمد في مسنده) (10279)، (ت) (811)، (س) (2627)، (جه) (2889)]، كالطفل الصغير المولود حديثًا، هل عليه ذنوب؟ لا والله.

إذًا كيف هذا الحاجُّ إذا خلا من الرفث والفسوق يرجع كيوم ولدته أمه؟ كيف وهو محمَّل بالذنوبِ والخطايا طوال هذا العمر، قبل أن يذهب إلى بيت الله الحرام؟

هذا ما يوضحه فضلُ الله سبحانه وتعالى العظيم في هذا الحديث الكبير، فالخطوات التي يمشيها الحاجُّ والمعتمر ولا يريد بخطواته إلا العمرة والحج، لله سبحانه وتعالى، تمحو الذنوب ويرجع الحاج كيوم ولدته أمُّه لا ذنبَ عليه:
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: ((جَاءَ رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلثَّقَفِيِّ: يَا أَخَا ثَقِيفٍ))، وثقيف بعيدة عن المدينة بمئات الكيلومترات، ومع ذلك جاء هذا الرجل الغريب، فقابله النبي صلى الله عليه وسلم وعرفه، وقال: يا أخا ثقيف، ((سَلْ عَنْ حَاجَتِكَ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ أُخْبِرَكَ عَمَّا جِئْتَ تَسْأَلُ عَنْهُ، قَالَ: فَذَاكَ أَعْجَبُ إِلَيَّ - يا رسول الله - أَنْ تَفْعَلَ))، أن تخبرني بسؤالي الذي أنا جئت به، وهذا وحيٌ من الله إلى رسول الله، فالرسول لا يعلم الغيب، إلا إذا أعلمه الله سبحانه وتعالى، ((قَالَ: فَإِنَّكَ جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ)) تسعة أشياء؛ أولها عن: ((مَخْرَجِكَ مِنْ بَيْتِكَ تَؤُمُّ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، وَمَا لَكَ فِيهِ))، من أجر؟ ثانيها: ((وَعَنْ طَوَافِكَ بِالْبَيْتِ، وَمَا لَكَ فِيهِ؟))، ثالثها: ((وَعَنْ رَكْعَتَيْكَ بَعْدَ الطَّوَافِ، وَمَا لَكَ فِيهَا))، رابعها: ((وَعَنْ طَوَافِكَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَمَا لَكَ فِيهِ))، خامسها: ((وَعَنْ وُقُوفِكَ بِعَرَفَةَ، وَمَا لَكَ فِيهِ))، سادسها: ((وَعَنْ رَمْيِكَ الْجِمَارَ وَمَا لَكَ فِيهِ))، سابعها: ((وَعَنْ نَحْرِكَ، وَمَا لَكَ فِيهِ))، ثامنها: ((وَعَنْ حَلْقِكَ رَأسَكَ، وَمَا لَكَ فِيهِ))، تاسعها: ((وَعَنْ طَوَافِكَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَمَا لَكَ فِيهِ))، هذه الأسئلة، هل هذا الرجل جاء يريد أن يسألها أم لا؟ فماذا قال الثقفي؟ ((قَالَ: إِي وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، عن هَذَا جِئْتُ أَسْأَلُكَ، قَالَ)) رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي، جوابًا عن المسألة الأولى: ((أَمَّا خُرُوجُكَ مِنْ بَيْتِكَ تَؤُمُّ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ وَطْأَةٍ))؛ أي: خطوة، تضع القدم على الأرض، ((تَطَؤُهَا رَاحِلَتُكَ، يَكْتُبُ اللهُ لَكَ بِهَا حَسَنَةً، وَيَمْحُو عَنْكَ بِهَا سَيِّئَةً))، إذًا تذكَّروا الحديث الذي ذكرناه: ((رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه))، عدَّ خطواتٍ وعدَّ محو للسيئات، ثانيها: ((‌وَأَمَّا ‌طَوَافُكَ ‌بِالْبَيْتِ، فَإِنَّكَ لَا تَضَعُ رِجْلًا وَلَا تَرْفَعُهَا إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكَ بِهَا حَسَنَةً، وَمَحَا عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً))، كم خطوةً في الطواف الواحد؟ في السبعة أشواط، كم؟ علمها عند الله، ثالثًا: ((وَأَمَّا رَكْعَتَيْكَ))؛ ركعتي سنة الطواف ((بَعْدَ الطَّوَافِ، فَإِنَّهَا كَعِتْقِ رَقَبَةٍ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ))، كأنك اشتريت عبدًا كان حُرًّا من بني إسماعيل، فاشتريته، وأعتقته، وهذا أجره عظيم عند الله، رابعًا: ((وَأَمَّا طَوَافُكَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَكَعِتْقِ سَبْعِينَ رَقَبَةً))، خامسًا: ((وَأَمَّا وُقُوفُكَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ؛ فَإِنَّ اللهَ تعالى يَهْبِطُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي، جَاؤونِي شُعْثًا غُبْرًا))، والأشعث الذي تشعَّث شعر رأسه من قلة الدهن والتمشيط ونحو ذلك، والأغبر الذي عليه غبار السفر، جاؤوني شعثًا غبرًا ((مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ))، الْفَجُّ العميق: الطَّرِيق الْوَاسِع البعيد، ((يَرْجُونَ رَحْمَتِي وَمَغْفِرَتِي، فَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُكُمْ عَدَدَ الرَّمْلِ، أَوْ كَزَبَدِ الْبَحْرِ))؛ والزَّبَدُ: مَا يَعْلُو الْمَاءَ وَغَيْرَهُ مِنْ الرَّغْوَةِ، ورغوة البحر كم يكون عدد الفقاعات فيها؟ وكم عدد حبات الرمل؟ لو كانت الذنوب كذلك، ((لَغَفَرْتُهَا، أَفِيضُوا عِبَادِي مَغْفُورًا لَكُمْ وَلِمَنْ شَفَعْتُمْ لَهُ))، حتى من يدعو من أهل عرفة هناك يدعون لأهليهم ولذويهم وأصحابهم وأصدقائهم، هم شفعاء لكم عند الله على ذاك الموقف العظيم، سادسًا: ((وَأَمَّا رَمْيُكَ الْجِمَارَ، فَلَكَ بِكُلِّ حَصَاةٍ رَمَيْتَهَا تَكْفِيرُ كَبِيرَةٍ مِنَ الْكَبَائِرِ الْمُوبِقَاتِ الْمُوجِبَاتِ))، بكل حصاة وهي تصل أكثر من سبعين حصاة، سابعًا: قال: ((وَأَمَّا نَحْرُكَ))، كم الأجر في النحر والذبيحة التي تذبحها هناك؟ الحديث لم يبين عددًا؛ لعظم الأجر والثواب للذبائح والنسك؛ فقال: أما نحرك ((فَمَدْخُورٌ لَكَ عِنْدَ رَبِّكَ))، تجد ثوابه هناك، كم؟ لا ندري، ثامنًا: ((وَأَمَّا حِلَاقُكَ رَأسَكَ، فَبِكُلِّ شَعْرَةٍ حَلَقْتَهَا حَسَنَةٌ، وَيُمْحَى عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةٌ))، الثقفي ما صبر، محو للسيئات والخطايا، ما صبر فسأل النبي صلى الله عليه وسلم ((قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنْ كَانَتِ الذُّنُوبُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ؟)) فمَن عنده ذنوب قدر الخطى، وقدر حصا الرجم، وقدر الشَّعر، فإن كانت ذنوبه أقل من ذلك؟! ((قَالَ: إِذًا تُدَّخَرُ لَكَ حَسَنَاتُكَ))، تمحو الحسناتُ السيئاتِ، ما بقيت سيئة، تُكتب لك حسنات، تاسعًا: ((وَأَمَّا طَوَافُكَ بِالْبَيْتِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّكَ تَطُوفُ وَلَا ذَنْبَ لَكَ))، وأنت تذكر الحديث المذكور قبل قليل: ((كيوم ولدته أمُّه))، وأما طوافك بالبيت بعد ذلك فإنك تطوف ولا ذنب لك، ((يَأتِي مَلَكٌ حَتَّى يَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيْكَ، ثُمَّ يَقُولُ: اعْمَلْ لِمَا تَسْتَقْبِلُ))، أنت مولود جديد يا أيها الحاج، ((فَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا مَضَى))؛ [رواه (طب) في (الأحاديث الطوال)، حديث رقم: (61)، وانظر صَحِيح الْجَامِع: (1360)، (1868)، (5596)، وصَحِيح التَّرْغِيبِ: (1106)، (1112)].

هذا هو العمل الذي يقوم به الإنسان بسيط، وسهل وميسور، لكن الأجر عند الله عظيم وكبير، وكذلك السيئات نسأل الله السلامة، لا تستصغر سيئةً وأنت تقوم بفعلها، ولكن انظر إلى من عصيت، صحيح هذه صغيرة، لكن من هو الذي عصيته يا عبدالله؟ إنه الكبير المتعالِ، لا تنسَ ذلك؛ لذلك فُتحت أمامنا أبواب الرحمة، وأبواب التوبة، وأبواب الأوبة، وأبواب الرجوع إلى الله عز وجل، في كل وقت وحين، وأحسن شيء نذكر فيه الله عز وجل أن نصلي على رسول الله الذي صلى الله عليه في كتابه؛ فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه وسلم تسليمًا كثيرًا يا رب العالمين.

اللهم ارضَ عن الخلفاءِ الأربعة؛ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ، وسائر الصحابة أجمعين، وارضَ عنَّا يا رب العالمين معهم بمنِّك وكرمِكَ، يا أكرم الأكرمين.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.

اللهم لا تَدَعْ لنا في مقامنا هذا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا دَينًا إلا قضيتَه، ولا مريضًا إلا شفيتَه، ولا مبتلًى إلا عافيته، ولا غائبًا إلا رددته إلى أهله سالمًا غانمًا يا رب العالمين.

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 62.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 60.77 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.68%)]