|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() لكني أفقد جليبيبا د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم الحمدُ للهِ الباطنِ الظاهرِ، عالمِ مكنونِ السرائرِ، وأشهد ألا إلهَ إلا اللهُ العظيمُ القاهرُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه النبيُّ الحاشرُ، صلى اللهُ وسلمَ عليه وعلى آله وصحبِه وعلى كلِّ بَرٍّ طاهرٍ. أما بعدُ: فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ... ﴾ [البقرة: 278]. أيها المؤمنون! جليبيبٌ مولىً من الصحابةِ مغمورٌ، لم يُعرفْ إلا باسمِه المُفْرَدِ المجرَّدِ غيرَ منسوبٍ، وكان يعيشُ حياةً خافتةً من بريقِ الشهرةِ، بعيدةً عن حظوةِ الجاهِ؛ فلم يكن ممنْ يُؤْبَهُ لحضورِه إنْ حضرَ، ولا يُفتقدُ إن غابَ، وقد ابتلاه اللهُ بدمامةٍ في وجهِه، غيرَ أنَّ إيمانَه باللهِ ورسولِه صلى الله عليه وسلم وصِدْقَ بذلِه وتضحيتِه كانت أسبابَ حظوةٍ له عندَ اللهِ؛ رَفَعَ بها قدْرَه، وخلَّدَ ذِكْرَه، وأجرى له بها أجرًا غيرَ ممنونٍ، وغدتْ سيرتُه على وجيزِ سَرْدِها في دواوينِ الآثارِ برَكةً من بالغِ العظاتِ والعبرِ. عبادَ اللهِ! لم تكنْ أعباءُ النبوةِ وسياسةِ الخلْقِ تُشِغُلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن تلمُّسِ حاجةِ ذلك الرجلِ المغمورِ من أصحابِه والسعيِ في قضائِها؛ إذ قد رآه ذاتَ يومٍ فعَلمَ حاجتَه لزوجٍ يَسْكُنُ إليها ويأنسُ بها، فعرَضَ عليه الزواجَ، كما حدَّثَ أنسُ بنُ مالكٍ –رضيَ اللهُ عنه-قائلًا: كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَالَ لَهُ: جُلَيْبِيبٌُ، فِي وَجْهِهِ دَمَامَةٌ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم التَّزْوِيجَ، فَقَالَ: إِذًا تَجِدُنِي كَاسِدًا، فَقَالَ: «غَيْرَ أَنَّكَ عِنْدَ اللَّهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ» رواه أبو يعلى بإسنادٍ صحيحٍ. هكذا كان ظنَّه في نفسِه، وكان ظنَّه في الناسِ إنْ خَطَبَ منهم؛ إذ ليس فيه مَطْمَعٌ من دنيا يُغري الآخرين بتزويجِه. فما كان من رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلا أنْ جلّى له البصيرةَ في الميزانِ الذي يكون به بيانُ الأقدارِ وحقيقتِها؛ إذ ذاك ميزانُ اللهِ الدقيقُ في علْمِه ووزنِه، لا ميزانُ الناسِ الذي يتأرجحُ بالهوى ويطيشُ بالجهلِ؛ فلئنْ رآك الناسُ –يا جليبيبُ-كاسدًا غيرَ مرغوبٍ فيك، فأنت لستَ كذلك عند اللهِ، بل أنت عند اللهِ غالٍ، وكَفاك شرفًا بذاك! ثم طَفِقَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم باحثًا له عن زوجةٍ من خيرةِ بيوتِ الأنصارِ تَليقُ بغلاءِ جليبيبٍ عند اللهِ، وكان للأنصارِ –رضي اللهُ عنهم- أدبٌ جمٌّ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الزواجِ؛ كما أخبرَ عنهم أبو بَرْزةَ الأسلميُّ –رضي اللهُ عنه-في نبأِ تزويجِ جليبيبٍ الذي رواه الإمامُ أحمدُ بإسنادٍ صحيحٍ إذ يقولُ: " كانتِ الأنصارُ إذا كان لأحدِهم أيّمٌ لم يزوِّجها حتى يعلمَ هل للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فيها حاجةٌ؟ أم لا ". فجاء النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى بيتِ أنصاريٍّ كريمٍ، طالبًا منه تزويجَه ابنتَه بأسلوبٍ جَعَلَ فيه حاجةَ جليبيبٍ حاجةَ نفسِه؛ إذ أنزلَه مِنْزَالَه، وعبّرَ عنها بلسانِه، فقالَ: " زَوِّجْنِي ابْنَتَك "، ففرِحَ الأنصاريُّ فرحًا لم يكنْ للتريثِ فيه مجالٌ؛ فتلك بُغْيةٌ كان كلُّ ذي أيِّمٍ يتمنَّاها، فقال: نِعِمَّ وَكَرَامَةٌ -يَا رَسُولَ اللهِ- وَنُعْمَ عَيْنٍ! فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " إِنِّي لَسْتُ أُرِيدُهَا لِنَفْسِي "، قَالَ: فَلِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " لِجُلَيْبِيبٍ "، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُشَاوِرُ أُمَّهَا، فَأَتَى أُمَّهَا، فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ ابْنَتَكِ، فَقَالَتْ: نِعِمَّ، وَنُعْمَةُ عَيْنِي، فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ يَخْطُبُهَا لِنَفْسِهِ، إِنَّمَا يَخْطُبُهَا لِجُلَيْبِيبٍ؟ فَقَالَتْ: أَجُلَيْبِيبٌ؟! إِنِيْه[1]! أَجُلَيْبِيبٌ؟! إِنِيْه! أَجُلَيْبِيبٌ؟! إِنِيْه! لا- لَعَمْرُ اللهِ-؛ لا نُزَوَّجُهُ! مَا وَجَدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا جُلَيْبِيبًا وَقَدْ مَنَعْنَاهَا مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ؟! هكذا حُسِمَ القرارُ بأقوى أدواتِ الرفضِ وألفاظِه ومسبِّباتِه، وكان حوارُ الأبِ والأمِ وقرارُهما على مَسْمعٍ من ابنتِهما التي خطبَها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لجليبيبٍ، فَلَمَّا أَرَادَ الأب أَنْ يَقُومَ لِيَأْتِيَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيُخْبِرَهُ بِمَا قَالَتْ أُمُّهَا سألتِ الفتاةُ والديها: مَنْ خَطَبَنِي إِلَيْكُمْ؟ فَأَخْبَرَتْهَا أُمُّهَا، فأجابتْها ابنتُها حديثةُ السنِّ جوابًا يَنُمُّ عن قدْرِ ما وَقَرَ في قلبِها من عظيمِ الأيمانِ واليقينِ والثقةِ باللهِ وحسنِ اختيارِه والاستسلامِ لأمرِه القاضي بالاستجابةِ لأمرِ رسولِه صلى الله عليه وسلم؛ إذ هناءُ الحياةِ ثَمَّ، كما قال -تعالى-: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ [الأنفال: 24]، مستشعرةً وخيمَ مخالفةِ الأمرِ النبويِّ ورَدِّه وإنْ كان أمرَ استحبابٍ لا أمرَ إلزامٍ يترتبُ على مخالفتِه الوعيدُ بالإثمِ والجزاءِ؛ فذاك مقتضى الإيمانِ، وشعارُ أهلِه الذي قال اللهُ فيهم: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36]؛ وقدَّمتْ بين يدي جوابِ موافقتِها الدافعَ لقبولِها المبنيَّ على الإذعانِ المطلقِ لأمرِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: أَتَرُدُّونَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمْرَهُ؟! ادْفَعُونِي؛ فَإِنَّهُ لا يُضَيِّعْنِي، وفي رواية: أَتُرِيدُونَ أَنْ تَرُدُّوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمْرَهُ؟ إِنْ كَانَ قَدْ رَضِيَهُ لَكُمْ، فَأَنْكِحُوهُ، فَكَأَنَّهَا جَلَّتْ عَنْ أَبَوَيْهَا، وَقَالَا: صَدَقْتِ! فكان مَنْطِقُها الإيمانيُّ من نَسْجِ مَنْطِقِ هاجرَ أمِّ إسماعيلَ –عليهما السلامُ- حين قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا تاركَهما في وادٍ غيرِ ذي زرعٍ، فَتَبِعَتْهُ فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ، أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الوَادِي، الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَتْ: إِذَنْ لاَ يُضَيِّعُنَا (رواه البخاري)، فما كان من والديْها المؤمنيْن بعد سماعِهما ذكرى الإيمانِ إلا أنْ ثابا إلى قاعدةِ الاستسلامِ الإيمانيِّ المطلقِ لأمرِ الشرعِ -والشيءُ من معدنِه لا يُستنكَرُ-؛ فلم يكن لهما من أمرِهما خيرةٌ مع أمرِ اللهِ وأمرِ رسولِه صلى الله عليه وسلم، سيما ولغةُ الوثوقِ باللهِ التي فاهتْ بها ابنتُهما " لا يُضَيِّعُنِي " قد نقشتْ في قلبيْهما الثقةَ بحسنِ صنيعِ اللهِ لها وجميلِ ما يَنتظِرُ تلك الفتاةَ المؤمنةَ من حمْدِ العاقبةِ؛ إذ لا ضيعةَ على مَنْ وَكَلَ إلى اللهِ شأنَه واستسلمَ لأمرِه ؛ فكان اللهُ حسبَه، فانطلقَ أبوها إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُخْبِرًا إياه بموافقتِهم على ذلك الزواجِ الميمونِ، قارنًا رضاهم برضاه، قائلًا: شأنَك بها يا رسولَ اللهِ، إِنْ كُنْتَ قَدْ رَضِيتَهُ فَقَدْ رَضِينَاهُ، قَالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " فَإِنِّي قَدْ رَضِيتُهُ "، فَزَوَّجَهَا، فدعا لها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم دعوةً مجابةً في الرزقِ المباركِ الكثيرِ السهلِ الذي لا تعبَ فيه، فقال: " اللهُمَّ صُبَّ عَلَيْهَا الْخَيْرَ صَبًّا، وَلَا تَجْعَلْ عَيْشَهَا كَدًّا كَدًّا "، وقد رأى الأنصارُ إجابةَ تلك الدعوةِ فيها، قال أنسُ بنُ مالكٍ الأنصاريُّ –رضيَ اللهُ عنه-وهو أحدُ رواةِ الخبرِ: " فَلَقَدْ رَأَيْتُهَا وَإِنَّهَا لَمِنْ أَنْفَقِ ثَيِّبٍ فِي الْمَدِينَةِ ". وتولّى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذلك التزويجَ، وزوَّجَ جليبيبًا بتلك الفتاةِ المؤمنةِ، ونعمتِ الأمّةُ -كما نَعِمَ الزوجان- بذلك الزواجِ المباركِ الذي تولاه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم من حين كان فكرةً حتى استوى على ساقِ البيتِ وحُسْنِ العِشْرةِ؛ فكان أساسُ بنيانِه تقوى من اللهِ ورضوانًا، والدعوةُ النبويةُ بصبِّ الخيرِ عليه تغشاه كلَّ حينٍ باليُمْنِ والبركةِ؛ فما ظنُّكم بذلك العرشِ الزوجيِّ السامي وهذا أساسُه ومادةُ بنيانِه ومجدداتُ أحداثِه؟! الخطبة الثانية الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ.أما بعدُ، فاعلموا أنَّ أحسنَ الحديثِ كتابُ اللهِ... أيها المؤمنون! وما زالتْ شمسُ الإيمانِ مشرقةً على بيتِ جليبيبٍ وزوجِه –رضيَ اللهُ عنهما-، ومخزونُ التُّقى في قلبيْهما ينمو ويَعْظُمُ حتى دَنَتْ ساعةُ تمحيصٍ شديدٍ يَبِينُ فيها صدقُ الإيمانِ؛ وذلك حين آذَنَ مُؤْذِنُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في المدينةِ بالنفيرِ إلى غزاةٍ تُرفَعُ فيها كلمةُ اللهِ؛ لتعلوَ في الوجودِ، ويُذْعِنَ لها العبيدُ، فكان جليبيبٌ أحدَ كُماةِ هذا النفيرِ إذ خرجَ تاركًا في المدينةِ زوجَه وحِبَّه لما هو أحبُّ إليه منها، ولا يَعلمُ أيكونُ بعد ذلك لقاءٌ بها أم هو الوداعُ الدنيويُّ المُفْضِي إلى نعيمِ الآخرةِ ولقائِها السرمديِّ؟ نَفَرَ جليبيبٌ ولمّا يزلْ ذِكْرُه مغمورًا بين الناسِ غيرَ مأبوهٍ به غيرَ أنه عند اللهِ عزيزٌ، ولمّا حَمِيَ وَطيسُ المعركةِ كان جليبيبٌ كالأسدِ الهَصورِ في وَثَبَاتِ الفَتْكِ بأعداءِ اللهِ، وكانت تلك الغزاةُ نهايةَ أجلِه بخاتمةِ الحُسْنِ. روى مسلمٌ عن أبي برزةَ الأسلميِّ –رضيَ اللهُ عنه-أنَّه قال: فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْقِتَالِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: «هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟» قَالُوا: نَعَمْ، فُلَانًا، وَفُلَانًا، وَفُلَانًا، ثُمَّ قَالَ: «هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟» قَالُوا: نَعَمْ، فُلَانًا، وَفُلَانًا، وَفُلَانًا، ثُمَّ قَالَ: «هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟» قَالُوا: لَا، قَالَ: «لَكِنِّي أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا، فَاطْلُبُوهُ» فَطُلِبَ فِي الْقَتْلَى، فَوَجَدُوهُ إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ، ثُمَّ قَتَلُوهُ، فَأَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَوَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «قَتَلَ سَبْعَةً، ثُمَّ قَتَلُوهُ؛ هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ! هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ!» قَالَ: فَوَضَعَهُ عَلَى سَاعِدَيْهِ لَيْسَ لَهُ إِلَّا سَاعِدَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَحُفِرَ لَهُ وَوُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ غَسْلًا. هكذا كان مسكَ ختامِ حياةِ جليبيبٍ –رضيَ اللهُ عنه-، عاشَ مغمورًا في الأرضِ مشهورًا في السماءِ، ورَحَلَ بصمتٍ تاركًا في سيرتِه أبلغَ عظةٍ للمُؤْتَسين بأنَّ حُسْنَ الذِّكْرِ ما كان سماويًا ربانيًا وإنْ عاشَ صاحبُه مطمورًا بين الناسِ، وأنَّ أَثَرَ شجرةِ الصدقِ التي جُلِّلَتْ بسِرْبالِ الإخلاصِ الخفيِّ وسُقِيَتْ بمائه الصافي يبقى ويظهرُ ويتباركُ وإنْ رَحَلَ صاحبُه أو لم يُعْرَفْ، وأنَّ مِن خصيصةِ رشادِ الدعوةِ سَعَةَ قلبِ صاحبِها لِيشملَ في اهتمامِه بحثَ حاجةِ ذويْ المسْكنةِ والسعيَ في قضائِها؛ ائْتِساءً بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم إذ جعلَ مِن همِّه تزويجَ ذلك المولى المغمورِ، وتَفَقُّدَ حياتِه بعد وَضْعِ الحربِ أوزارَها، وقيامَه على تجهيزِه بعد استشهادِه حتى جَعَلَ ساعديْه المباركيْن سريرًا لذلك الجثمانِ الطاهرِ ليُدَلّى دفينًا في رَمْسِه، قد مضى مشهودًا له مِن لدنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بشهادةِ مكرَّرَةٍ بالثباتِ والاستقامةِ على المنهجِ القويمِ حياتَه المختومةَ بفوزِ الشهادةِ: " هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ! هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ! "؛ مبالغةً في اتحادِ طريقِهما واتفاقِهما في طاعةِ اللهِ تعالى -كما قال النوويُّ-. ولسانُ حالِ سيرتِه يَصْدَحُ بقلبِ كلِّ ناشدِ أسوةٍ بقولِ القائلِ: وكانتْ في حياتِك لي عِظاتٌ ![]() وأنتَ اليومَ أوعظُ منكَ حيّا ![]() ![]() ![]() [1] لَفْظَةٌ تَسْتَعْمِلُهَا الْعَرَبُ فِي تأكيد الْإِنْكَار.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |