|
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() بين جميل حمداوي وجاك دريدا محمد مختاري تُعدُّ المقاربة النقدية الشذريةُ الجديدةُ، التي أسَّسها الدكتور الناقد جميل حمداوي - منهجيةً إجرائيةً ذات جدوى كبيرة في دراسة أنماط الكتابة الشذرية؛ لأنها تتَّكئ على أدواتٍ منهجيةٍ غاية في الضبط والرصد النقديينِ، بحيثُ تُمَكِّنُ أي دارسٍ من "تفكيك" البِنْية الكتابية للشذرات. ونشدِّدُ هُنا على مُفردةِ "تفكيك"؛ لأنها تدلُّ ولا شكَّ على النزعة التقويضية لهاته المقاربة، مما يجعلُها تتلاءمُ وطبيعة التكوين الشذري نفسه، الذي يعتمدُ "المقاطع المتشظية، وأسلوب الكتابة اللانسقية، الذي يعتمد على المقطع، أو الشذرة، أو النص الطليق"[1]. وهذا "التفكيك" الذي نتحدَّثُ عنه هو نفسه التصور الذي نجده لدى الفيلسوف الفَرنسي جاك دريدا. إذًا فما أوجه التأثر بين المقاربة النقدية - الشذرية، وبين النقد التفكيكي؟ هذا ما سنحاولُ رصدَهُ في السطور التالية. لا يختلِفُ اثنانِ حول طبيعة التصور "الدريدي" من المنظور التفكيكي؛ ذلك أنه سعى من خلالِه إلى التشكيك في كل المقولات الغربية المركزية اللوغوسية؛ (كالعقل، والصوت، والأنا)، وبالتالي الإيمان بأنه لا وجود لعَلاقات متجانسة في شيءٍ ما تمكن من الوصول إلى حقيقته الحاسمة، مما يجعل - حسب الفيلسوف - كلَّ شيء غيرَ قابلٍ للحصر والضبط، هذا التصور نبتَ في بِنْية فلسفية صِرف، لكن سرعان ما انتقل إلى مجال الأدب، مع مجموعة من الأمريكيين؛ كـ"بول دو مان" Paul de Man، وهيرش Hirsh، أو ما يُعرف بجماعة "ييل"، ليتم إنباتُ التصور التفكيكي في البيئة الأدبية ويُجعل منهُ "منهجٌ" في دراسة الظواهر الأدبية، هذه المفردة (أي: كلمة منهج) التي نفاها مِرارًا دريدا عن تفكيكيته؛ وذلك ليجدَ حريته التامة في التعامل مع النصوص؛ لأن المنهج يفرض أدوات ميكانيزمية محددة لا يستطيع الناقد التملُّصَ منها. أما بخصوص المقاربة النقدية - الشذرية، فهي تؤمن بخصوصية التصور التفكيكي، وملاءمته لنقد الشذرة، خصوصًا وأن الشذرات عبارةٌ عن نصٍّ متفرع إلى نصوص متعددة، قد تصل العَلاقة بينها إلى حدِّ التناقض؛ لأنه من الصعب بمكانٍ حصر الدلالة المركزية لهذه البِنْية، ولَمَّا كانت الشذرات تحملُ هذا الطابع المتشظي واللانسقي، كان من الأجدى أن تتعرض للنقد التفكيكي الذي يتأسس على التشتيت والتقويض، هذا ما نجده في المقاربة النقدية - الشذرية، وبالخصوص الخطوات الثلاث التي سنأتي على تبيانها كالتالي: أولاً: آلية التدوين: تعودُ بنا مفردة "التدوين" المرادفة لمفردة "كتابة" إلى أعمال "دريدا" الأولى، خصوصًا في مؤلَّفه "الكتابة والاختلاف"[2]؛ إذ يؤكد فيه - من ضمن ما يؤكد - على ضرورةِ إيلاء الاهتمام لـ"لكتابة"، بما هي ثورة على المعتقدات المتجذِّرة في الميتافيزيقا الغربية، التي كانت ترفع من شأن الصوت والكلام؛ لأنهما يدلانِ على وجود المتحدِّث، مما يساهم بشكلٍ أكبر في إغناء التواصل وتحقيق الفائدة[3]، هذه المعتقدات مهَّدت لدريدا الإعلان عن "موت الكلام" وولادة الكتابة، وبالتالي الكف عن اعتبار الكتابة مجرَّد "ملحق" و"زيادة". وهذا ما نجده أيضًا في المقاربة النقدية - الشذرية؛ إذ تؤكد على أن الشذرات مظهرٌ من مظاهر انتقال الإبداع من الكلام الارتجالي إلى معانقة الكتابة والتدوين. ثانيًا: آلية التأجيل: حينما يكونُ "من الصعب أن يكتمل المعنى"[4]، وأن يتم حصره والحصول عليه، فذلك هو" التأجيل" نفسه الذي تحملُ معناه الكلمةُ التي أحدثتْ ضوضاء كبرى في الساحة الفلسفية والنَّقدية؛ نعني كلمة Différance، ذات اللاحقة "ance" بدل اللاحقة "ence" فالثانية تعني الاختلاف، أما الأولى، فقد ابتكرها دريدا من تلقاءِ نفسه؛ ليَخْرج بها عما درج عليه لسان موليير! وتعني هذه المفردة المبتكرة - من ضمن ما تعنيه بحسب دريدا - التأجيل والإرجاء، ذلك أن قراءة النص لا تعني الحصول على معناه الكامن وراء سطوره، بقدر ما تعني أن المعنى دائمًا في حالة زئبقية مستمرة، لا يمكن بأي حال الوصول إليه، فالحقيقة بالنسبة لدريدا غير موجودة أصلًا! وقد حاول العديدُ من الدارسين ترجمةَ هذه المفردة؛ من بينهم حسام نايل، الذي اقترح مصطلح "الاختلاف المُرجِئ"[5]. كما اقترح دارس آخر، وهو كاظم جهاد، مصطلح "الاخـ(ـتـ)ـلاف"[6]، بوضع التاء بين قوسين، وبأي حال من الأحوال، فمفردة Différance تُشير بقوةٍ إلى دلالة التأجيل، هذا ما ينطبقُ على المقاربة النقدية الشذرية؛ إذ تؤكد على أنه " دائمًا هناك تأجيل للمعنى النهائي، دائمًا هناك تراكم للمعاني وتراكب لها، بمعنى أن المعنى لا يتوقَّف عند شذرة معينة، بل ينفلت عبر الشذرات المتقطعة"[7]؛ ولذلك فمراعاة خاصية الشذرةِ الإرجائية تستلزم إجراءً يواكب هذا الإرجاء، وهو آلية "التأجيل". ثالثًا: آلية التقويض: يُعتبر مصطلح التقويض من المصطلحات الأشد "دريديةً" - (نسبةً إلى جاك دريدا) - ومركز العمل التفكيكي بالذات، استخدمه "جاك دريدا" في إلحاحه على هدم المقولات الميتافيزيقية "المتمركزة لوغوسيًّا"، وبالتالي السير في طريق الاختلاف والتفكيك والتشتيت، وكما يسعى دريدا مرارًا إلى تقويض الفلسفة الميتافيزيقيا، التي تمجِّد العقل والصوت والكلام والحقيقة، تسعى كذلك الشذرة إلى الثورة على كل المقاييس المنطقية الصارمة، والمعتقدات التي تعتمد على النسقية والنظامية، فالشذرة تثورُ على كل هذا، وتعلن تقويضها لفكرة النظام نفسه؛ لأنها تتأسس على التقطيع والتبديد واللانسقية والمعنى السابح والمؤجل، مما يجعل الكتابة الشذرية كتابةً تفكيكية وتقويضيةً بامتياز، والمقاربة الشذرية راعَت هذه الخاصية فجعلَتْها ضمن أدواتها الإجرائية الأساسية في نقد الشذرات ودراستها دراسة شاملة وكلية. ونهايةً، يتجلى لنا بوضوحٍ مدى جدوى هذه المقاربة الجديدة التي تأسَّست على يد الناقد المغربي جميل حمداوي؛ ذلك أنها تُوائم إلى حدٍّ بعيد طبيعةَ الكتابة الشذرية، مما يُبعِدنا عن المناهج غير المُجْدية، والتي تهدفُ إلى إفراغ النص من دلالته حينًا، وتحليل بِنْيته اللسانية حينًا آخر، فالمقاربة النقدية الشذرية تنمازُ بطبيعتِها الشاملة والحاوية لكل أنماط التشذير، وبخصوص تفكيكيتها (أي المقاربة)، فهذا أمر أساسي ومُجدٍ، بَلْهَ ضروري لمعالجة نصوص متميزة كالشذرات، التي يستعصي تحليلُها على المنهج الضيق. [1] جميل حمداوي، "الكتابة الشذرية بين النظرية والتطبيق"، ص13، منشورات المعارف 2014، ط 1. [2] جاك دريدا، "الكتابة والاختلاف"، ترجمة: كاظم جهاد، دار توبقال للنشر، 2000، ط 2، "ينظر المقال المعنون بـ: "نهاية الكتاب وبداية الكتابة"، ص 104 وما بعدها. [3] يعد سقراط، باعتباره أحد البدايات الأولى في الميتافيزيقا الغربية، فيلسوفًا يذم الكتابة ويعتبرها موتًا، كما قال عنه نيتشه: "سقراط، هذا الذي لا يكتب". [4] "الكتابة الشذرية"، م. س. ص 96. [5] مجموعة من الكتَّاب، "البنيوية والتفكيك: مداخل نقدية"، ترجمة: حسام نايل، دار أزمنة، ط/1. [6] "الكتابة والاختلاف"، م. س. ص 31. [7] "الكتابة الشذرية"، م. س. ص 96.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |