الخليل عليه السلام (7) ﴿ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من الببت ﴾ - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4952 - عددالزوار : 2055841 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4527 - عددالزوار : 1323657 )           »          احمى أسرتك وميزانيتك.. دليلك الشامل لشراء أفضل اللحوم الطازجة والمجمدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          4 خطوات تقلل من شيب الشعر وتجعله صحيا وحيويا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          4 وصفات سموزي مناسبة للرجيم.. نكهات لذيذة لحر الصيف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          طريقة عمل الفراخ في المقلاة الهوائية بطعم حكاية.. السر في العسل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          وصفات طبيعية لتفتيح الأندر أرم.. تقشير آمن وترطيب للبشرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          4 أفكار مختلفة لتصميمات مطبخ عصري.. موضة 2025 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          خلصي بيتك من السموم في 5 خطوات.. أهمها تغيير أدوات الطهي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          7 خضراوات تحتوي على فيتامين سي أكثر من البرتقال.. هتنور وشك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27-06-2022, 12:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي الخليل عليه السلام (7) ﴿ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من الببت ﴾

الخليل عليه السلام (7) ﴿ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من الببت ﴾
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل



الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آلِ عِمْرَانَ: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النِّسَاءِ: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الْأَحْزَابِ: 70-71].

أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَيُّهَا النَّاسُ:
يَعْظُمُ الرِّجَالُ بِعَظِيمِ أَعْمَالِهِمْ فِي دُنْيَاهُمْ؛ فَيُثْنَى بِهَا عَلَيْهِمْ، وَتُحْفَظُ سِيَرُهُمْ، وَتُذْكَرُ مَآثِرُهُمْ، وَيُقْتَفَى أَثَرُهُمْ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ الْخَلِيلَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُسْوَةً لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتِهِ؛ لِجَمِيلِ أَوْصَافِهِ، وَجَلِيلِ أَعْمَالِهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الْمُمْتَحَنَةِ: 4].

وَلِلْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَعْمَالٌ كَثِيرَةٌ جَلِيلَةٌ عَظِيمَةٌ؛ فَهُوَ الَّذِي دَعَا إِلَى التَّوْحِيدِ، وَنَبْذِ الشِّرْكِ، وَكَسْرِ الْأَصْنَامِ، وَنَاظَرَ عُبَّادَ الْأَوْثَانِ، وَهَمَّ بِذَبْحِ ابْنِهِ طَاعَةً لِلرَّحْمَنِ، وَابْتَنَى الْبَيْتَ الْحَرَامَ؛ فَكَانَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ، وَكَانَ الْخَلِيلُ قُدْوَةً لِأَهْلِ الْإِيمَانِ.

وَبِدَايَةُ بِنَائِهِ لِلْبَيْتِ الْحَرَامِ أَنَّ الْخَلِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَضَعَ هَاجَرَ وَابْنَهَا إِسْمَاعِيلَ فِي مَكَّةَ وَهِيَ وَادٍ مَهْجُورٌ لَا مَاءَ فِيهِ، وَرَضِيَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ بِذَلِكَ لَمَّا عَلِمَتْ أَنَّهُ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى، وَدَعَا الْخَلِيلُ بِدَعَوَاتٍ مُبَارَكَاتٍ اسْتَجَابَهَا اللَّهُ تَعَالَى؛ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:«... ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ، حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ، عِنْدَ دَوْحَةٍ فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ، وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ، فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ، وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ، وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ، ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا، فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ، أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: إِذَنْ لَا يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ، فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لَا يَرَوْنَهُ، اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ، ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: ﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ [إِبْرَاهِيمَ: 37]» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَلَمَّا كَبِرَ إِسْمَاعِيلُ وَبَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ؛ زَارَهُ أَبُوهُ الْخَلِيلُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَأَعْلَمَهُ بِعَزْمِهِ عَلَى بِنَاءِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ فَقَالَ لَهُ: «يَا إِسْمَاعِيلُ، إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ، قَالَ: فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ، قَالَ: وَتُعِينُنِي؟ قَالَ: وَأُعِينُكَ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَا هُنَا بَيْتًا، وَأَشَارَ إِلَى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلَهَا، قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ، فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي، حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ، جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ فَقَامَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ، وَهُمَا يَقُولَانِ: ﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الْبَقَرَةِ: 127]، قَالَ: فَجَعَلَا يَبْنِيَانِ حَتَّى يَدُورَا حَوْلَ الْبَيْتِ وَهُمَا يَقُولَانِ: ﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الْبَقَرَةِ: 127]» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «فَقَالَ: يَا إِسْمَاعِيلُ، إِنَّ رَبَّكَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ لَهُ بَيْتًا، قَالَ: أَطِعْ رَبَّكَ، قَالَ: إِنَّهُ قَدْ أَمَرَنِي أَنْ تُعِينَنِي عَلَيْهِ، قَالَ: إِذَنْ أَفْعَلُ، أَوْ كَمَا قَالَ: فَقَامَا فَجَعَلَ إِبْرَاهِيمُ يَبْنِي، وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ وَيَقُولَانِ: ﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الْبَقَرَةِ: 127]. حَتَّى ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ، وَضَعُفَ الشَّيْخُ عَنْ نَقْلِ الْحِجَارَةِ، فَقَامَ عَلَى حَجَرِ الْمَقَامِ، فَجَعَلَ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ وَيَقُولَانِ: ﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الْبَقَرَةِ: 127]» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَهَذَا الْفِعْلُ الْجَلِيلُ مِنَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِبِنَاءِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ مَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ؛ لِأَهَمِّيَّتِهِ؛ وَلِيَتْلُوهُ أَهْلُ الْإِيمَانِ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذِكْرِ ذَلِكَ: ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الْبَقَرَةِ: 127]؛ فَقَوَاعِدُ الْبَيْتِ أَسَاسَاتُهُ الَّتِي بُنِيَ عَلَيْهَا، وَهَذَا مِنْ أَجَلِّ الْأَعْمَالِ وَأَفْضَلِهَا، وَكُلُّ مَنْ صَلَّى إِلَى الْبَيْتِ أَوْ طَافَ بِهِ أَوْ عَكَفَ عِنْدَهُ؛ كَانَ لِإِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَجْرٌ عَلَى ذَلِكَ. وَمَعَ ذَلِكَ كَانَا يَسْأَلَانِ اللَّهَ تَعَالَى الْقَبُولَ، رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدِهِ إِلَى وُهَيْبِ بْنِ الْوَرْدِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ: «يَقَرَأَ ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّاثُمَّ يَبْكِي. وَيَقُولُ: يَا خَلِيلَ الرَّحْمَنِ، تَرْفَعُ قَوَائِمَ بَيْتِ الرَّحْمَنِ وَأَنْتَ مُشْفِقٌ أَنْ لَا يَقْبَلَ مِنْكَ».

وَمِنْ دُعَاءِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَثْنَاءَ بِنَاءِ الْبَيْتِ: الدُّعَاءُ بِالثَّبَاتِ عَلَى الْإِسْلَامِ لَهُ وَلِمَنْ آمَنَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، وَمَعْرِفَةِ الْمَنَاسِكِ، وَدَعَا بِالتَّوْبَةِ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ يَحْتَاجُ إِلَى التَّوْبَةِ فِي كُلِّ حَالٍ وَزَمَانٍ، فَيَتُوبُ مِنْ ذَنْبٍ اقْتَرَفَهُ، وَمِنْ طَاعَةٍ قَصَّرَ فِيهَا أَوْ أَخَلَّ بِهَا أَوْ لَمْ يَتَزَوَّدْ مِنْهَا. كَمَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ دَعَا وَهُوَ يَبْنِي الْبَيْتَ فَقَالَ: ﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [الْبَقَرَةِ: 128].

وَمِنْ مَحَبَّةِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأُمَّةِ الْإِسْلَامِ الْخَاتِمَةِ أَنَّهُ دَعَا لَهَا بِنَبِيٍّ يُعَلِّمُهَا الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، وَيُزَكِّي عَقَائِدَهَا وَشَرَائِعَهَا وَأَخْلَاقَهَا بِالْوَحْيِ الرَّبَّانِيِّ؛ فَكَانَتْ بِعْثَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِجَابَةً لِدَعْوَةِ أَبِيهِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ الْخَلِيلُ كَمَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الْبَقَرَةِ: 129]، وَعَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ قَالُوا: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنَا عَنْ نَفْسِكَ، فَقَالَ: دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى عِيسَى، وَرَأَتْ أُمِّي حِينَ حَمَلَتْ بِي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ بُصْرَى، وَبُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ.

فَسَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ؛ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [الْبَقَرَةِ: 281].

أَيُّهَا النَّاسُ:
حِينَ أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَذَكَرَ دُعَاءَهُ وَهُوَ يَبْنِي الْبَيْتَ الْحَرَامَ؛ أَعْقَبَ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ بِبَيَانِ سَفَهِ مَنْ رَغِبَ عَنْ مِلَّتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْتِزَامَ مِلَّتِهِ وَصِيَّتُهُ وَوَصِيَّةُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ لِمَنْ بَعْدَهُمْ؛ فَمَنْ حَادَ عَنْهَا حَادَ عَنِ الْخَيْرِ إِلَى الشَّرِّ، وَعَنِ التَّوْحِيدِ إِلَى الشِّرْكِ، وَعَنِ الْهُدَى إِلَى الضَّلَالِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِي إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [الْبَقَرَةِ: 130-133].

وَهَذَا الْإِسْلَامُ الَّذِي مَاتَ عَلَيْهِ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمَاتَ عَلَيْهِ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، هُوَ الَّذِي بُعِثَ بِهِ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَعَا النَّاسَ إِلَيْهِ، وَقَاتَلَهُمْ عَلَيْهِ، وَلَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى بِهِ. وَكُلُّ مَنْ رَغِبَ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ فَقَدْ رَغِبَ عَنْ مِلَّةِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَعَنْ دِينِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكُلُّ مُحَاوَلَةٍ لِدَمْجِ الْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ دِينُ الْخَلِيلَيْنِ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَدْيَانِ الْمُحَرَّفَةِ أَوِ الْمُخْتَرَعَةِ فَهِيَ مُحَاوِلَةٌ لِلَبْسِ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ، وَجَمْعِ التَّوْحِيدِ مَعَ الشِّرْكِ، وَذَلِكَ مَا لَا يَجُوزُ شَرْعًا، وَلَنْ يَقَعَ قَدَرًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ تَأَذَّنَ بِحِفْظِ الْإِسْلَامِ مِنَ التَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ وَالضَّيَاعِ. وَلَكِنْ يَضِلُّ بِهَذِهِ الْمَنَاهِجِ الْمُنْحَرِفَةِ مَنِ اتَّبَعَ أَهْلَ الضَّلَالِ فِيهَا، فَأَرْخَى سَمْعَهُ لَهُمْ، وَفَتَحَ قَلْبَهُ لِضَلَالِهِمْ، وَاسْتَبْدَلَ بِدِينِهِ دُنْيَاهُمْ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ * وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [آلِ عِمْرَانَ: 67 - 69]. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ، غَيْرُ الْمُشْرِكَةِ وَلَا الْيَهُودِيَّةِ وَلَا النَّصْرَانِيَّةِ...» رَوَاهُ أَحْمَدُ.

فَحَقِيقَةُ الْإِسْلَامِ هِيَ الِاسْتِسْلَامُ الْكَامِلُ لِلَّهِ تَعَالَى، بِالتَّمَسُّكِ بِدِينِهِ، وَاتِّبَاعِ شَرْعِهِ، وَالِامْتِثَالِ لِأَمْرِهِ، وَاجْتِنَابِ نَهْيِهِ، وَالثَّبَاتِ عَلَيْهِ إِلَى الْمَمَاتِ؛ ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا [النِّسَاءِ: 125].

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 59.34 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 57.67 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.82%)]