|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() المبادئ العشرة لعلم الفقه عبدالله بن عبده نعمان العواضي الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فإن أهل العلم قد جعلوا "المقدمة منقسمة إلى قسمين: مقدمة علم، ومقدمة كتاب. فمقدمة العلم: ما يتوقف الشروعُ على بصيرة عليها؛ لأنها تكون مشتملة على الحد، والموضوع، والغاية، والفائدة. ومقدمة الكتاب: ما يوجب الشروعُ بها زيادةً في البصيرة..."[1]. والذي يهمنا هنا هو المقدمة الأولى، فـ"ينبغي لكل مبتدئ في فنٍّ من فنون العلم أن يعرف مبادئه قبل الشروع فيه...فالمهم من ذلك معرفة الحد، وهو أصل كل علم، ومعناه: الوصف المحيط الكاشف عن ماهية الشيء. وشرطه: طَرْد وعكس، ومعنى الطَّرْد: إدخال المحدود، والعكس: إخراج ما عداه. فإن لم يطَّرِدْ وينعكس فليس بحدٍّ. والموضوع وهو: ما يقصد بيانه. والثمرة- ويقال لها: الفائدة أيضًا- وهي: ما ينتجه"[2]. وغير ذلك من المبادئ التي أوصلها بعض أهل العلم إلى عشرة، وقد نظَمَها نَظَمةٌ منهم: ابْنُ ذِكْرِيٍّ فِي قوله: فَأَوَّلُ الْأَبْوَابِ فِي الْمَبَادِيْ ![]() وَتِلْكَ عَشْرَةٌ عَلَى الْمُرَادِ ![]() الْحَدُّ وَالْمَوْضُوعُ ثُمَّ الْوَاضِعْ ![]() وَالِاسْمُ وَاسْتِمْدَادُ، حُكْمُ الشَّارِعْ ![]() تَصَوُّرُ الْمَسَائِلِ، الْفَضِيلَةُ ![]() وَنِسْبَةٌ، فَائِدَةٌ جَلِيلَةُ[3] ![]() لهذا سنتحدث عن علم الفقه في حدود هذه المبادئ العشرة في الصفحات الآتية: 1- حد علم الفقه: الفقه لغة: الْفِقْهُ: فَهْمُ الشَّيْءِ، وَكُلُّ عِلْمٍ بِشَيْءٍ فَهُوَ فِقْهٌ، واشْتِقاقه مِنَ الشَّقّ وَالْفَتْحِ، يُقَالُ: فَقِهَ الرجلُ بِالْكَسْرِ- يَفْقَهُ فِقْهًا إِذَا فَهِم وعَلِم، وفَقُهَ بِالضَّمِّ يَفْقُهُ: إِذَا صَارَ فَقِيهًا عَالِمًا. ويُقَال مِنْهُ: فقِه -بِالْكَسْرِ- يفقه فقَهًا بِفَتْح الْقَاف، وَقَالُوا: فَقْهًا أَيْضًا بسكونها. ويقال: فقُه- بالضم- إذا صار الفقه له سجيةً، وفقَه- بالفتح- إذا سبقَ غيرَه إلى الفهم، وفقِه -بالكسر- إذا فهِمَ. والفِقْهُ: العِلْمُ فِي الدِّين، يُقالُ: أُوتِيَ فلانٌ فِقْهًا فِي الدِّينِ؛ أَيْ: فَهْمًا فِيهِ. ويُقَال: فَقِهَ الرجل يَفْقَهُ فَهُوَ فَقِيهٌ، وأفْقَهْتُه أَنَا؛ أَي: بيَّنْتُ لَهُ تعلُّمَ الْفِقْه. وفَقِه فُلانٌ: عَني مَا بيَّنْتُ لَهُ، يَفْقَهُ فِقْهًا: إِذا فَهِمَه، ويقال: رَجُلٌ فَقُهٌ بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِهَا، وَامْرَأَةٌ فَقُهَةٌ بِالضَّمِّ[4]. الفقه اصطلاحًا[5]: العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسَب من أدلتها التفصيلية[6]. محترزات التعريف: 1- قوله: "العلم": العلم جنس، والمراد به الصِّناعة، كما تقول: علم النحو؛ أي: صناعته، وحينئذٍ فيندرج فيه الظنُّ واليقينُ؛ لأن إدراك الأحكام الفقهية قد يكون يقينيًّا، وقد يكون ظنيًّا، كما في كثير من مسائل الفقه. 2- قوله: "بالأحكام": خرج به- بالأحكام- العلم بالذوات، والصفات، والأفعال. 3- قوله: "بالأحكام الشرعية"؛ أي: الأحكام المتلقاة من الشرع؛ كالوجوب والتحريم، فخرج به الأحكام العقلية؛ كمعرفة أن الكلَّ أكبرُ من الجزء، والأحكام العادية؛ كمعرفة نزول الطَّلِّ في الليلة الشاتية إذا كان الجوُّ صَحْوًا. 4- قوله: "العملية": كالصلاة والزكاة، فخرج به ما يتعلق بالاعتقاد؛ كتوحيد الله ومعرفة أسمائه وصفاته، فلا يُسمَّى ذلك فقهًا في الاصطلاح، ويخرج به كذلك العِلْمُ بالأحكام الشرعية النظرية كالعلم بأن الإجماع حجة. 5- قوله: "المكتسب": يخرج به علمُ الله تعالى، وما يُلقيه في قلوب الأنبياء والملائكة من الأحكام بلا اكتساب. 6- قوله: "من أدلتها التفصيلية"؛ أي: العلم الحاصل للشخص الموصوف به من أدلتها المخصوصة بها، وهي الأدلة الأربعة، وهذا القيد يُخرِج التقليد؛ لأن المقلِّد وإن كان قول المجتهد دليلًا له؛ لكنه ليس من تلك الأدلة المخصوصة. والمراد بها: أدلة الفقه المقرونة بمسائل الفقه التفصيلية؛ فخرج به أصولُ الفقه؛ لأن البحث فيه إنما يكون في أدلة الفقه الإجمالية[7]. 2- موضوعه: موضوع علم الفقه: أفعال المكلفين من حيث ما يعرض لها من الوجوب والندب والحرمة والكراهة والإباحة، وغير ذلك كالصحة والفساد[8]. 3- ثمرته: للفقه بالشريعة ثمرات وفوائد وغايات كثيرة؛ منها: 1- تصحيح العبادات والمعاملات، وحصول العمل به على الوجه المشروع، والاحتراز من الخطأ في القيام بالعبودية. 2- الفوز بالسعادة الكبرى في الدنيا والآخرة. 3- تحصيل مَلَكة الاقتدار على الأعمال الشرعية[9]. 4- إذهاب العَنَت عن الناس بحلِّ قضاياهم الفقهية، وتعريفهم بالوجه المشروع حتى لا يقعوا في الإثم والتعدِّي على حق الله أو حق الخلق. 5- تكييف مستجدات الحياة المتعلقة بالعبادات أو المعاملات بالتكييف الشرعي، ومعرفة الحكم الفقهي فيها. 4- فضله: للفقه فضل كبير على سائر العلوم، ومما يبين فضيلته: أن الله تعالى دعا إلى الفقه في الدين فقال: ﴿ فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: 122]، ولا ريب أن علم الفقه بالمعنى الاصطلاحي داخلٌ في ذلك دخولًا أوليًّا؛ فكم من قضايا في الحرب والسلم مبناها على الأحكام الفقهية. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ))[10]. والحديث وإن كان المراد منه عموم الفهم في الدين على القول الصحيح، لكن علم الفروع من أهم ما يُعين على تلك الغاية. قال القاضي عياض في شرح هذا الحديث: "فيه فضل العلم والفقه في الدين؛ لأنه يقود إلى خشية الله تعالى وتُقاه، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]، وهذا يقود إلى الخير في الآخرة وعظيم الثواب"[11]. وقال المُظْهِري: "قوله: ((يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ))؛ أي: يجعله عالمًا بأحكام الدين، ويجعله ذا فهمٍ حتى يفهم من ألفاظ قليلة معانيَ كثيرةً، وخيرُ الدنيا والآخرة في العلم بأحكام الدين"[12]. وقال ابن الملقن: "والمراد (بالدين): الإسلام، ومنهم من فسَّر الفقه في الدين بالفقه في القواعد الخمس ويتصل بها الفروع"[13]. وقال السعدي: "والفقه في الدين يشمل الفقه في أصول الإيمان، وشرائع الإسلام والأحكام، وحقائق الإحسان... ودخل في ذلك: علم الفقه؛ أصوله وفروعه، وأحكام العبادات والمعاملات، والجنايات وغيرها"[14]. وقد تحدث أهل العلم عن فضل علم الفقه حديثًا كثيرًا، فمن ذلك: 1- قال الشافعي: "من حفظ القرآن عظُمَتْ حرمتُه، ومن طلب الفقه نبُل قدرُه، ومن وعى الحديث قويَتْ حجته، ومن نظر في النحو رقَّ طبعُه، ومن لم يصُنْ نفسه لم يصُنْه العلم"[15]. 2- وقال أبو زُرْعة الرازي: "عَلَيْكُمْ بِالْفِقْهِ؛ فَإِنَّهُ كَالتُّفَّاحِ الْجَبَلِيِّ يُطْعَمُ من سَنَتِه"[16]. 3- وقال البخاري للقاضي الوليد الهمداني حين قصده لطلب علم الحديث فذكر له مطالب ذلك وثمراته ثم قال له: "... وإلا تُطِق احتمال هذه المشاقِّ كلها فعليك بالفقه الذي يمكنك تعلمه وأنت في بيتك قارٌّ ساكن لا تحتاج إلى بُعد الأسفار، ووطء الديار، وركوب البحار، وهو مع ذا ثمرة الحديث، وليس ثواب الفقيه بدون ثواب المُحَدِّث في الآخرة، ولا عِزُّه بأقل من عِزِّ المُحَدِّث. قال: فلما سمعت ذلك نقض عزمي في طلب الحديث، وأقبلت على دراسة الفقه وتعلُّمه إلى أن صرت متفقِّهًا"[17]. 4- وقال ابن هبيرة: "فإن علم الفقه هو أفضل علوم الدين، وأعلى منزلة أهل المعرفة واليقين؛ لما جاء فيه عن سيد المرسلين: ((مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ))"[18]. 5- وقال الغزالي: "وأشرف العلوم ما ازدوج فيه العقل والسمع، واصطحب فيه الرأي والشرع، وعلم الفقه وأصوله من هذا القبيل؛ فإنه يأخذ من صفو الشرع والعقل سواء السبيل، فلا هو تصرُّف بمحض العقول، بحيث لا يتلقاه الشرع بالقَبول، ولا هو مبني على محض التقليد، الذي لا يشهد له العقل بالتأييد والتسديد. ولأجل شرف علم الفقه وسببه، وفَّر الله دواعي الخلق على طلبه، وكان العلماء به أرفع العلماء مكانًا، وأجلهم شأنًا، وأكثرهم أتْباعًا وأعوانًا؛ فتقاضاني في عنفوان شبابي اختصاص هذا العلم بفوائد الدين والدنيا، وثواب الآخرة والأولى، أن أصرف إليه من مهلة العُمُر صدرًا، وأن أخصَّ به من مُتنفَّس الحياة قدرًا..."[19]. 6- وقال ابن مفلح: "وفي خطبة مذهب ابن الجوزي: بضاعة الفقه أربح البضائع. وفي كتاب العلم له: الفقه عمدة العلوم. وفي صيد الخاطر له: الفقه عليه مدارُ العلوم، فإن اتسع الزمان للتزيُّد من العلم فليكن من الفقه؛ فإنه الأنفع، وفيه المهم من كل علم، هو المهم. ومن طلبة العلم من تعلو هِمَّتُه إلى فن من العلوم فيقتصر عليه، وهذا نقص، فأما أرباب النهاية في علوِّ الهمة فإنهم لا يرضون إلا بالغاية، فهم يأخذون من كل فن من العلم مهمَّه، ثم يجعلون جُلَّ اشتغالهم بالفقه؛ لأنه سيد العلوم، ثم ترقيهم الهمم العالية إلى معاملة الحق ومعرفته، والأنس به.. وقال الشافعي ليُونُس بن عبدالأعلى: عليك بالفقه؛ فإنه كالتّفاح الشامي يحمل من عامه، وأملى الشافعي على مصعب الزبيري أشعار هذيل ووقائعها، وآدابها حفظًا، فقال له: أين أنت بهذا الذهن عن الفقه؟ فقال: إياه أردت. وقال أحمد عن الشافعي: إنما كانت همته الفقه. وقال أبو حنيفة: ليس شيء أنفع من الفقه، وقال محمد بن الحسن: كان أبو حنيفة يحثنا على الفقه، وينهانا عن الكلام، وفي خطبة المحيط للحنفية: أفضل العلوم عند الجمهور بعد معرفة أصل الدين وعلم اليقين: معرفة الفقه"[20]. 7- وقال الكاساني: "لا علم بعد العلم بالله وصفاته أشرف من علم الفقه، وهو المسمى بعلم الحلال والحرام، وعلم الشرائع والأحكام، له بعث الرسلَ، وأنزل الكتبَ؛ إذ لا سبيل إلى معرفته بالعقل المحض دون معونة السمع، وقال الله تعالى: ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 269]، وقيل في بعض وجوه التأويل: هو علم الفقه"[21]. 8- وقال ابن نجيم: "أشرف العلوم وأعلاها، وأوفقها وأوفاها علمُ الفقه والفتوى، وبه صلاح الدنيا والعقبى، فمن شمَّر لتحصيله ذيلَه، وادَّرَع نهاره وليله، فاز بالسعادة الآجلة، والسيادة العاجلة. والأحاديثُ في أفضليته على سائر العلوم كثيرةٌ، والدلائلُ عليها شهيرةٌ، لا سيما وهو المراد بالحكمة في القرآن على قول المحققين للفرقان"[22]. 9- وقال أيضًا: "الفقهُ أشرفُ العلوم قدرًا، وأعظمُها أجرًا، وأتمُّها عائدة، وأعمُّها فائدة، وأعلاها مرتبة، وأسناها منقبة، يملأ العيون نورًا، والقلوب سرورًا، والصدور انشراحًا، ويفيد الأمور اتساعًا وانفتاحًا. هذا لأن ما بالخاص والعام من الاستقرار على سنن النظام والاستمرار على وتيرة الاجتماع والالتئام؛ إنما هو بمعرفة الحلال من الحرام، والتمييز بين الجائز والفاسد في وجوه الأحكام، بحوره زاخرة، ورياضه ناضرة، ونجومه زاهرة، وأصوله ثابتة، وفروعه نابتة، لا يفنى بكثرة الإنفاق كنزُه، ولا يبلى على طول الزمان عِزُّه. وإنيَ لا أسْطِيعُ كُنْهُ صِفاتِه ![]() ولَوْ أنَّ أعْضائي جميعًا تَكَلَّمُ[23] ![]() ![]() ![]() وأهله قِوَامُ الدِّينِ وَقُوَّامُهُ، وبهم ائتلافه وانتظامه"[24]. 10- وقال الشاعر: إذَا مَا اعْتَزَّ ذُو عِلْمٍ بِعِلْمٍ ![]() فَعِلْمُ الْفِقْهِ أَوْلَى بِاعْتِزَازِ ![]() فَكَمْ طِيبٍ يَفُوحُ وَلَا كَمِسْكٍ ![]() وَكَمْ طَيْرٍ يَطِيرُ وَلَا كَبَازِي[25] ![]() 11- وقال آخر: وَخَيْرُ عُلُومٍ عِلْمُ فِقْهٍ لِأَنَّهُ ![]() يَكُونُ إلَى كُلِّ الْعُلُومِ تَوَسُّلَا ![]() فَإِنَّ فَقِيهًا وَاحِدًا مُتَوَرِّعًا ![]() عَلَى أَلْفِ ذِي زُهْدٍ تَفَضَّلَ وَاعْتَلَى ![]() وَهُمَا مَأْخُوذَانِ مِمَّا قِيلَ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهِ: تَفَقَّهْ فَإِنَّ الْفِقْهَ أَفْضَلُ قَائِدِ ![]() إلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَأَعْدَلُ قَاصِدِ ![]() وَكُنْ مُسْتَفِيدًا كُلَّ يَوْمٍ زِيَادَةً ![]() مِنْ الْفِقْهِ وَاسْبَحْ فِي بُحُورِ الْفَوَائِدِ ![]() فَإِنَّ فَقِيهًا وَاحِدًا مُتَوَرِّعًا ![]() أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدِ[26] ![]() يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |