|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() التأمين على الحياة الشيخ صلاح نجيب الدق إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل، فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد: فإن الكثير من الناس يسألون عن حكم التأمين على الحياة، فأقول وبالله تعالى التوفيق: تعريف التأمين عند علماء الاقتصاد: التأمين: عقْدٌ يلتزم المؤمِّن بمقتضاه أن يؤديَ إلى المؤمَّن له أو إلى المستفيد، الذي اشترط التأمين لصالحه، مبلغًا من المال أو إيرادًا مرتبًا أو عوضًا ماليًّا، في حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر المبيَّن بالعقد، وذلك في نظير قسط أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمَّن له للمؤمِّن؛ [موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للدكتور علي السالوس، ص: 365]. التأمين في العصور القديمة: كان التأمين موجودًا منذ زمن بعيد، وإن لم يكن معروفًا بنظمه الحاضرة، وكان الإغريق عندهم مثل التأمين، فقد قامت جماعة من مُلَّاك العبيد بدفع أقساط معينة عن عبيدهم إلى الجمعيات التي كانت قد أُنشئتْ لهذا الغرض، في مقابل أن تدفع الجمعية ثمنَ العبد إذا هرَب من سيده. ويقول رجال التأمين: إن التأمين البحريَّ هو أقدم أنواع التأمين ظهورًا عام 1185م. ومن صور التأمين القديمة أن ربَّان السفينة إذا تعرض للخطر أثناء رحلتها، كان يملك الحق بإلقاء جزء من الحمولة، ويتحمَّل أصحاب البضائع الناجية قيمةَ ما ألقاه. أما التأمين البري بمختلِف أنواعه، فلم يظهر إلا في القرن السابع عشر الميلادي، عندما تعرضت مدينة لندن لحريق استمر أربعة أيام وذلك عام 1666م، غير أنه في بعض البلدان الأخرى لم يظهر إلا في القرن الثامن عشر، ونتيجة لاختلاف ظروف الحياة بظهور كثير من الصناعات، واكتشاف كثير من الاختراعات، فقد ظهرت أنواع جديدة من التأمين، وهي كثيرة ومتنوعة تزيد على مائة نوع. بداية ظهور التأمين في البلاد الإسلامية: بدأ ظهور التأمين في البلاد العربية أواخر القرن التاسع عشر عن طريق الشركات الإيطالية والبريطانية، وأخذت كثير من الشركات في البلاد الإسلامية تسير حذْوَ هاتين الشركتين، وتكاثرت المؤسسات التأمينية تبعًا لذلك، بل إن بعضًا من الدول العربية قامت بتبنِّي التأمين والإشراف عليه مباشرة، وسنِّ قوانين وأنظمة له، ولم تقف عند هذا الحد، بل جعلته إجباريًّا في بعض أنواعه. ولا يزال التأمين بصوره المختلفة ينمو ويزداد في كل مكان من العالم، وفي كل ناحية من نواحي حياة الشعوب الاقتصادية والاجتماعية؛ وذلك بفضل النمو الاقتصادي الذي يشهده العالم في شتى بقاعه الآن؛ [التأمين بين الحظر والإباحة لسعدي أبو جيب، ص: 11، ص: 12، التأمين في الشريعة والقانون للدكتور شوكت محمد عليان، ص: 13، ص: 16]. أركان عقد التأمين: أركان عقد التأمين ثلاثة؛ وهي: 1- مبلغ التأمين. 2- الخطر. 3- قسط التأمين. وسوف نتحدث عن أركان التأمين بشيء من الإيجاز. أولًا: مبلغ التأمين: قال الدكتور علي السالوس: "ذَكَرَ القانون ثلاثة أشياء يجوز أن تلتزم بأي منها شركة التأمين؛ وهي: مبلغ من المال أو إيراد مرتب أو أي عوض مالي آخر، الذي يمكن أن يكون معلومًا هو المبلغ من المال، أما العوض المالي الآخر، فقد يكون معلومًا، وقد يكون غير معلوم، والإيراد المرتب فيه غَرَرٌ فاحش (جهالة كبيرة) بل مقامرة، ومثل هذا ممنوع شرعًا، جائز قانونًا". وجاء في المادة 742 من القانون المدني المصري: يجوز أن يكون المرتَّب مقررًا مدى حياة الملتزَم له أو مدى حياة الملتزِم أو مدى حياة شخص آخر. والقِمار هنا واضح جليٌّ؛ حيث لا يدري أحدٌ من البشر متى تنتهي حياة أيٍّ من هؤلاء المُشار إليهم. ومبلغ التأمين الذي تلتزم به الشركة يراعى فيه الأضرار الناجمة عن الخطر المؤمَّن عليه؛ فعقد التأمين عقد معاوضة مالية، فهو كالبيع، ومبلغ التأمين كالثمن، والمعلوم في عقود المعاوضات أنها لا تصح مع الغَرَر الفاحش، وهو واضح هنا تمامًا؛ [موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للسالوس، ص: 365، ص: 367]. ثانيًا: الخطر: إذا كان مبلغ التأمين يشبه الثمن، فإن الخطر هو ما يشبه المبيع؛ حيث إنه العِوَضُ عن مبلغ التأمين، فهل سلم العوض هنا – وهو الخطر – من القمار والغرر الفاحش؟ لا، بل الغرر هنا أشد فحشًا، والمقامرة أكثر وضوحًا. فالخطر هو الركن الجوهري في عقد التأمين، وهو أمر غيبيٌّ، لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، ويقول شراح القانون المدني: يشترط في الخطر أن يكون غيرَ محقَّق الوقوع، وفي صورة وحيدة لعقد التأمين يكون فيها الخطر محقق الوقوع، وهو التأمين على الحياة إذا بقيَ حيًّا بعد مدة معينة، وكما هو ظاهر، فإن ذلك غير محقق الوقوع، فمن يضمن لنفسه البقاء ساعة واحدة؟! [موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للسالوس، ص: 367]. ثالثًا: قسط التأمين: هذا القسط هو المبلغ المالي الذي يدفعه المستأمَن للشركة مقابل التعويض عن الخطر، ومع أن المستأمن هو الذي يتحمل المبلغ، فلا دخلَ له في تقديره، ولا حقَّ له في الاعتراض على تحديده؛ حيث إن الشركة هي التي تقدِّر بحسب ما تراه تبعًا للخطر بحسب تقديرها هي أيضًا، فالعقد – إذًا - عقد إذعان، وإن كان من عقود التراضي؛ [موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للسالوس، ص: 367]. خصائص عقد التأمين: يمكن أن نجمل خصائص عقد التأمين فيما يلي: 1- عقد من عقود التراضي. 2- عقد ملزِم لطرفيه. 3- عقد من عقود المعاوضة، كالبيع والشراء. 4- عقد احتمالي؛ لأن ما يدفعه المؤمَّن له من بدل التأمين، وما يدفعه المؤمِّن من تعويض مجهول بالنسبة لكل منهما. 5- عقد مستمر، فلا بد من زمن ليتمَّ فيه تنفيذ التزامات الطرفين. 6- عقد من عقود الإذعان؛ إذ يخضع المؤمَّن له لشروط وقيود مطبوعة، مكتوبة بصورة مسبقة، تكاد تكون واحدة بين شركات التأمين في بلاد العالم؛ [التأمين بين الحظر والإباحة لسعدي أبو جيب، ص: 16، ص: 17، التأمين في الشريعة والقانون للدكتور شوكت محمد عليان، ص: 29، ص: 31]. أنواع التأمين: التأمين نوعان: الأول: التأمين الإسلامي (التأمين التعاوني): هذا النوع من التأمين لا يهدِف إلى الربح، بل إلى التعاون في تحمُّل الأضرار، وفي هذا التأمين تشترك مجموعة من الأشخاص، فيدفع كل منهم مبلغًا معينًا، ومن هذه المبالغ يتم مساعدة من يصيبه ضرر، فكل واحد منهم يعتبر مؤمِّنًا ومؤمَّنًا عليه. الثاني: التأمين التجاري (التأمين ذو القسط الثابت): هذا النوع من التأمين يهدف إلى الربح أساسًا، وهو الذي يُراد من كلمة التأمين إذا أُطلقت، وفيه يدفع المؤمَّن له مبلغًا من المال للمؤمِّن (شركة التأمين) على أن يتحمل المؤمِّن تعويض الضرر الذي يصيب المؤمَّن له، فإن لم يتعرض للضرر المحدد بعقد التأمين أصبح المبلغ المدفوع حقًّا للمؤمِّن (شركة التأمين)، ولا شيء للمؤمَّن له؛ [التأمين لسعدي أبو جيب، ص: 18، موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للسالوس، ص: 371]. أنواع التأمين التجاري: ينقسم التأمين التجاري من حيث موضوعه إلى قسمين رئيسين: أولًا: تأمين الأضرار: هذا النوع من التأمين يكون في التأمين على بعض الممتلكات، كالتأمين ضد السرقة أو الحريق وغير ذلك مما شاع في عصرنا، فيعوض المستأمِنُ بالمبالغ المتفَق عليها في وثيقة التأمين عند حدوث الخطر المؤمَّنَ من أجل الوقاية من أضراره، ويُلاحَظ هنا أن شركة التأمين عند دفع التعويض تنظر إلى مبلغ التأمين المتفَق عليه، ونسبة الضرر. مثال: إذا كان تأمين الحريق على بيت قيمته 800000 جنيه، بمبلغ 400000، ثم شبَّ حريق التَهَمَ نصف البيت؛ أي: ما يساوي 400000، فإن الشركة لا تدفع المبلغ المتفق عليه كاملًا، وإنما تدفع نصفه فقط، وهو نسبة الضرر الذي أصاب البيت. ويدخل تأمين الأضرار أيضًا في التأمين من المسؤولية، مثل مسؤولية المؤمَّن له عن حوادث السيارات أو العمل، أو أي ضرر يصيب أموال الغير، ويكون مسؤولًا عنه، فتقوم شركة التأمين بتعويض المؤمَّن له عند حدوث الحادث بأقل المبلغين: مبلغ التأمين المتفَق عليه، والمبلغ الذي التزم بدفعه لمن أصابه الضرر؛ [موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للدكتور علي السالوس، ص: 373]. ثانيًا: تأمين الأشخاص: المقصود بالتأمين على الأشخاص هو التأمين من الأخطار التي تتصل بالإنسان نفسه من حيث حياته أو صحته أو سلامته. ويشمل هذا النوع التأمينَ على الحياة، والتأمين ضد الحوادث الجسمانية. التأمين على الحياة: التأمين على الحياة عقد يلتزم بمقتضاه المؤمِّن مقابل أقساط بأن يدفع لطالب التأمين أو لشخص ثالث مبلغًا من المال، عند موت المؤمَّن على حياته، أو عند بقائه مدة معينة، وتسعى شركات التأمين لإغراء الناس، بل سلب أموالهم برضاهم، بإيجاد أنماط مختلفة وصور متعددة لهذا التأمين، وأشهرها التأمين لحالة الوفاة، والتأمين لحالة البقاء، والتأمين المختلط، وسوف نتحدث عنها بإيجاز. الحالة الأولى: التأمين لحالة الوفاة: وفي هذه الحالة يدفع مبلغ التأمين عند وفاة المؤمَّن على حياته، وله صور متعددة: الصورة الأولى: التأمين مدى الحياة: وفي هذه الصورة تدفع شركة التأمين مبلغ التأمين للمستفيد عند وفاة المؤمَّن على حياته. مثال: إذا كان التأمين لمدة معينة؛ عشرين سنة مثلًا، ومات المؤمَّن على حياته قبل هذه المدة، سقطت أقساط التأمين، واستحق المستفيد مبلغ التأمين كاملًا، وإن عاش المؤمَّن على حياته بعد المدة، توقف عن دفع الأقساط، ولكن لا يصرف مبلغ التأمين للمستفيد إلا بعد وفاة المؤمَّن عليه. وفي هذه الحالة إذا نظرنا إلى المدة التي تبقى فيها أقساط التأمين في ملك الشركة والفوائد الربوية التي تحصل عليها، عرفنا المبالغ الطائلة التي تحصل عليها الشركة وقلة ما تدفعه من مبلغ التأمين، والذي أمَّن على نفسه لمدة عشرين سنة ومات بعد مدة قصيرة، قد تكون أيامًا، فإن الشركة تخسر مبلغ التأمين. ويتضح جليًّا مما سبق اشتمال عقود التأمين التجاري على الربا والقمار والغرر الفاحش؛ [موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للسالوس، ص: 374]. الصورة الثانية: التأمين المؤقت: في هذه الصورة يقوم المؤمَّن على حياته بدفع قسط التأمين على أن تلتزم شركة التأمين بدفع مبلغ التأمين للمستفيد، إن مات المؤمَّن على حياته خلال مدة معينة، فإن لم يمُتْ ضاع ما دفعه، ولا تدفع له شركة التأمين شيئًا، وتأخذ المبالغ دون مقابل، والقمار في هذه الصورة واضح جَلِيٌّ. الصورة الثالثة: تأمين البقاء: المقصود بتأمين البقاء: هو بقاء المستفيد حيًّا بعد موت المؤمَّن عليه، وفي هذه الصورة تقوم شركة التأمين بدفع مبلغ التأمين للمستفيد إن بقي حيًّا بعد موت المؤمَّن على حياته، ولكن إذا مات المستفيد قبل المؤمَّن على حياته، انتهى التأمين وضاعت أموال المؤمَّن على حياته، والقمار في هذه الصورة واضح جَلِيٌّ. الحالة الثانية: التأمين لحالة البقاء: المقصود بالتأمين لحالة البقاء: هو بقاء المؤمَّن على حياته، وفي هذه الحالة يقوم المؤمَّن له بدفع مبلغ معين لشركة التأمين؛ حيث تلتزم الشركة بدفع مبلغ معين أيضًا للمؤمِّن عليه في وقت محدد إن ظل حيًّا إلى ذلك الوقت، فإن مات قبل الوقت المحدد، انتهى التأمين، وضاعت الأموال التي دفعها المؤمَّن عليه، ولا يستفيد منها ورثته. الحالة الثالثة: التأمين المختلط: وهذا النوع يجمع بين حالتي التأمين لحالة الوفاة والتأمين لحالة البقاء؛ ولذا سمي مختلطًا، في هذه الحالة تلتزم شركة التأمين بدفع مبلغ التأمين إلى المستفيد إذا مات المؤمَّن على حياته في خلال مدة معينة، أو تدفعه إلى المؤمَّن على حياته هو نفسه إذا ظل حيًّا عند انقضاء هذه المدة؛ ولذلك فإن أقساط التأمين أكبر من الحالتين الأوليين؛ [موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للسالوس، ص: 374، ص: 375]. التأمين ضد الحوادث الجسمانية: هذا هو النوع الثاني من نوعَيِ التأمين على الأشخاص، بعد التأمين على الحياة، وفي هذا النوع تلتزم شركة التأمين بدفع مبلغ من المال إلى المؤمَّن عليه في حالة إصابته بحادث جسماني خلال مدة التأمين، أو إلى المستفيد المعين إذا مات المشترِك في التأمين. والتأمين الصحي لهذه الشركات يلحق بهذا النوع، وقد يشمل جميع الأمراض، وقد يقتصر على الأمراض الجسمية، أو على العمليات الجراحية، أو على بعض الأمراض، ووثيقة التأمين تحدد الخطر المؤمَّن منه، وهو ما تلتزم به شركة التأمين؛ [موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للسالوس، ص: 375]. حقيقة عمل شركات التأمين الإسلامية: إن شركة التأمين الإسلامية تأخذ الأقساط المالية التي يدفعها المشتركون في التأمين، وتستثمرها لهم بالطرق المشروعة تحت رقابة من علماء الشريعة والمتخصصين في مجالات الاستثمار المختلفة، وهذه الأموال تعتبر أمانة تحت يد شركة التأمين، ولا تنتقل ملكية هذه الأموال إلى الشركة أبدًا، ثم تأخذ الشركة - باعتبارها عاملَ مضاربة - نسبةً معلومة من الأرباح في مقابل عملها، وتبقى - إلا باقي الأرباح مع رأس المال - ملكًا للمشتركين في شركة التأمين، وتدفع الشركة من هذا المال مبالغ التأمين لمن يصيبهم ضرر، أو يَلْحَقُ بهم خطرٌ تبعًا لنصوص وثائق التأمين، وهذا هو عنصر التكافل، وما يبقى بعد ذلك لا يكون ملكًا للشركة، بل يُرَدُّ إلى المشتركين في التأمين بعد حجز الاحتياطيات المطلوبة، وهكذا يكون كل مشترك في شركة التأمين الإسلامية مؤمِّنًا ومؤمَّنًا عليه في وقت واحد. مثال: إذا افترضنا أن مجموع ما أخذته شركة التأمين الإسلامية مائة مليون جنيه، وأنها استثمرته فزاد عشرين مليونًا، أخذت الشركة من الربح عشرة ملايين، ويبقى للمشتركين في التأمين من تعويضات بلغ ستين مليونًا، فإذًا يبقى خمسون مليونًا، وهو يمثل نصف الأقساط المدفوعة، وعند إذ قل ما يبقى للمستأمنين، وكلما قلت التعويضات، زاد ما يبقى للمستأمنين، وفي كلتا الحالتين لا تَغْرَم شركة التأمين الإسلامية شيئًا، ولا تَغْنَم، وإنما تَرُدٌّ ما بقي للمشتركين في التأمين؛ [موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للدكتور علي السالوس، ص: 371، ص: 372، فقه البيع والاستيثاق للدكتور علي السالوس، ص: 1433، ص: 1434]. مقارنة بين شركات التأمين الإسلامية وشركات التأمين التجارية: عندما تتسلم شركات التأمين التجارية قسط التأمين من المؤمَّن عليه، فإن هذا المبلغ من المال يصبح ملكًا لها؛ عوضًا عما تلتزم به الشركة من التعويض عند تحقق الخطر أو الضرر الذي بسببه تمَّ التأمين، فإن لم يحدُثْ خطر أو ضرر، كان القسط ملكًا للشركة بلا عوض، وإن كان مبلغ التأمين أكبر من قسط مبلغ التأمين الذي تمتلكه، فإنها تلتزم بدفعه؛ ومن هنا يظهر القمار والغرر الفاحش في عقود شركات التأمين التجارية. وأما في شركات التأمين الإسلامية، فإن قسط مبلغ التأمين الذي يدفعه المؤمَّن عليه للشركة لا يدخل في ملكها، ومبلغ التأمين لا تدفعه الشركة من أموالها الخاصة، والعلاقة بين الشركة وبين المستأمنين ليست علاقة معاوضة كالبائع والمشتري؛ [موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للسالوس، ص: 371]. شبهات الذين أباحوا التأمين التجاري والرد عليها: إن الذين أباحوا التأمين التِّجاريَّ مطلقًا أو بعضًا من أنواعه، قد استدلوا ببعض الشبهات التي تؤيد رأيهم، وسوف نذكر بإيجاز شديد بعضًا من هذه الشبهات، وردَّ أهل العلم عليها. الشبهة الأولى: قال الذين أباحوا التأمين التجاري: إنه يحقق مصلحة عامة وهامة جدًّا، فيكون حكمه الجواز، ولا فرق في ذلك بين التأمين على الأشياء، والتأمين على الحياة. الرد على هذه الشبهة: إن الاستدلال بالاستصلاح غيرُ صحيح، فإن المصالح في الشريعة الإسلامية ثلاثة أقسام: قسم شهد الشرع باعتباره فهو حجة، وقسم سكت عنه الشرع، فلم يشهد له بإلغاء ولا اعتبار، فهو مصلحة مرسلة، وهذا محل اجتهاد المجتهدين، والقسم الثالث ما شهد الشرع بإلغائه، وعقود التأمين التجاري فيها جهالة وغرر وقمار وربًا، فكانت مما شهدت الشريعة بإلغائه؛ لغلبة جانب المفسدة فيه على جانب المصلحة. الشبهة الثانية: قال الذين أباحوا التأمين التجاري: إن الأصل في الأشياء الإباحة، وهذا يعنى أن معاملات الناس التي تعود عليهم بالنفع مباحة، إلا ما ورد فيها دليلٌ مخصوص يقتضي غيرَ ذلك، فمقتضى هذه القاعدة تكون عمليات التأمين بكل أنواعها مباحة؛ لأنها من معاملات الناس النافعة، ولم يَرِدْ بخصوصها نصٌّ يمنعها. الرد على هذه الشبهة: هذا الاستدلال مردود على أصحابه؛ لأن الإباحة الأصلية لا تصلح دليلًا هنا؛ لأن عقود التأمين التجاري قامت الأدلة على مناقضتها لأدلة الكتاب والسنة، والعمل بالإباحة الأصلية مشروط بعدم المناقَل عنها، وقد وُجد، فبَطَلَ الاستدلال بها. الشبهة الثالثة: قالوا: لقد أصبح التأمين في العصر الحاضر أمرًا ضروريًّا لا يمكن الاستغناء عنه، والضرورات تبيح المحظورات؛ ولذا فإن التأمين التجاري جائز شرعًا. الرد على هذه الشبهة: هذا الاستدلال مردود على أصحابه، صحيح أن الناس سيقعون في حرج لو منعنا عنهم عقد التأمين بالكلية، بعد أن ألِفوه، وتغلغل في جميع حياتهم، ومع ذلك لا يجوز أن نلجأ إلى استخدام الضرورة لإباحة التأمين التجاري؛ لأن هناك التأمين التعاوني الذي يمكننا أن نوسع حدوده؛ ليشمل النواحي التي يحتاجها الناس. ومعلوم أنه لا يجوز اللجوء إلى استخدام الضرورة أو الحاجة، إلا إذا لم نجد سبيلًا غيرها. الشبهة الرابعة: قال الذين أباحوا التأمين التجاري: إن العُرْفَ مصدر شرعيٌّ للأحكام، وبما أن التأمين قد كثر تعامل الناس به وتعارفوا عليه، ولذا فهو جائز شرعًا. الرد على هذه الشبهة: لا يصح الاستدلال بالعرف، فإن العرف ليس من أدلة تشريع الأحكام، وإنما يُبنَى عليه تطبيق الأحكام، وفهم المراد من ألفاظ النصوص، ومن عبادات الناس في أيْمَانِهم، وسائر ما يُحتاج إلى تحديد المقصود من الأقوال والأفعال، فلا تأثير لعرف الناس فيما بيَّنت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة أمرَه، وحددت المقصود منه، وقد دلَّتِ النصوص الشرعية من الكتاب والسنة على منع التأمين التجاري، فلا اعتبار للعرف مع هذه النصوص. الشبهة الخامسة: قالوا: إننا نقيس التأمين على المضاربة؛ فإن التأمين يشبه المضاربة وفيه يكون المال من جانب المشتركين الذين يدفعون الأقساط، ويكون العمل من جانب شركة التأمين التي تستغل هذه الأموال والربح للمشتركين وللشركة حسب التعاقد. الرد على هذه الشبهة: هذا القياس غير صحيح لأسباب؛ هي: أولًا: رأس المال في المضاربة ملك لصاحبه، ولا يدخل في ملك العامل، أما في التامين، فالمال الذي يدفعه المؤمَّن له لشركة التامين يدخل في ملكها وتتصرف فيه كما تشاء. ثانيًا: في حال موت صاحب المال في المضاربة يستحق ورثته ذلك المال، وأما في التامين، فقد يستحق الورثة مبلغ التامين كله، ولو لم يدفع مورِّثهم إلا قسطًا واحدًا، وقد لا يستحقون شيئًا إذا كان المورِّث قد حدد المستفيد من غير ورثته. ثالثًا: الربح في المضاربة يكون بين الشريكين حسب الاتفاق، وأما في التامين، فربْحُ رأس المال وخسارته للشركة وليس للمستأمَن إلا مبلغ التأمين، أو مبلغٌ غير محدود؛ [التأمين بين الحظر والإباحة لسعدي أبو جيب، ص: 43، ص: 70، ص: 77، ص: 83، موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للدكتور علي السالوس، ص: 388، ص: 392، التأمين في الشريعة والقانون للدكتور شوكت محمد عليان، ص: 43، ص: 151]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |