|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() تعظيم الأئمة للسنة ونهيهم عن التقليد د. محمود بن أحمد الدوسري إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد: كثيرًا ما يؤكد أهل العلم على اتِّباع السُّنة، وينهون عن التقليد ويذُمُّونَه، ويَعِيبُون فاعِلَه، ومن أهم ما جاء عنهم: 1- قال ابن حزم رحمه الله: (إنَّ الفقهاء الذين قُلِّدوا مُبطلون للتقليد، وأنهم قد نهوا أصحابَهم عن تقليدهم، وكان أشدُّهم في ذلك الشافعي؛ فإنه رحمه الله بَلَغَ من التأكيد في اتِّباع صحاح الآثار، والأخذ بما أوجبته الحُجَّة، حيث لم يَبلغ غيره، وتبرَّأ ممَّن يُقلِّد جملة، وأعلنَ بذلك، نفع الله به، وأعظم أجرَه؛ فلقد كان سببًا إلى خيرٍ كثير)[1]. وقال أيضا: (فهذا مالكٌ ينهى عن تقليده، وكذلك أبو حنيفة، وكذلك الشافعي؛ فَلاحَ الحقُّ لمَنْ لم يغش نفسه، ولم تسبق إليه الضلالة، نعوذ بالله منها)[2]. 2- وقال ابن القيم رحمه الله: (وقد نهى الأئمة الأربعة عن تقليدهم، وذمُّوا مَنْ أخذ أقوالَهم بغير حُجة)[3]. 3- وقال الصنعاني رحمه الله: (وأما الأئمة الأربعة؛ فإنَّ كلًا منهم مُصرِّح بأنه لا يُقدَّم قوله على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم)[4]. 4- وقال أبو شامة رحمه الله: (فإذا ظهر هذا وتقرَّر؛ تبيَّن أنَّ التعصب لمذهب الإمام المقلَّد ليس هو باتِّباع أقواله كلها كيفما كانت؛ بل الجمع بينها وبين ما ثبت من الأخبار والآثار. والأمر عند المقلِّدين أو أكثرهم بخلاف هذا، إنما هم يؤولونه تنزيلًا على نصِّ إمامهم. ثم الشافعيون كانوا أَولى بما ذكرناه؛ لنصِّ إمامهم على ترك قولِه إذا ظُفِرَ بحديثٍ ثابتٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على خلافه)[5]. أقوال الأئمة في الرجوع إلى السُّنة: أقوال الإمام أبي حنيفة: 1- قال أبو حنيفة رحمه الله: (لا يحلُّ لِمَنْ يُفتي من كتبي أنْ يُفتي حتى يعلم من أين قلتُ)[6]. 2- وكان إذا أفتى يقول: (هذا رأي النعمان بن ثابت - يعني نفسه - وهو أحسن ما قدرت عليه، فمَنْ جاء بأحسن منه فهو أَولى بالصواب)[7]. 3- وقال - لأبي يوسف: (ويحك يا يعقوب! لا تكتب كلَّ ما تسمع مني؛ فإني قد أرى الرأي اليوم وأتركه غدًا، وأرى الرأي غدًا وأتركه بعد غد)[8]. أقوال الإمام مالك: 1- قال الإمام مالك رحمه الله: (إنما أنا بشرٌ أُخطئ وأصيب؛ فانظروا في رأيي؛ فكلُّ ما وافق الكتاب والسُّنة؛ فخذوه، وما لم يوافق الكتاب والسُّنة؛ فاتركوه)[9]. 2- وقال: (ليس من أحدٍ إلاَّ ويؤخذ من قوله ويُترك إلاَّ النبي صلى الله عليه وسلم)[10]. 3- قال ابن أبي حاتم: (باب: ما ذُكِرَ من اتِّباع مالكٍ لآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونُزوعِه عن فتواه عندما حُدِّثَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم خِلافَه. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ أخْبَرَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنُ أخي ابنِ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَمِّي يَقُولُ: سَمِعْتُ مَالِكًا يُسْأَلُ عَنْ تَخْلِيلِ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ، فَقَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ. قَالَ: فَتَرَكْتُهُ حَتَّى خَفَّ النَّاسُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ! سَمِعْتُكَ تُفْتِي فِي مَسْأَلَةٍ فِي تَخْلِيلِ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ؛ زَعَمْتَ أَنَّ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ، وَعِنْدَنَا فِي ذَلِكَ سُنَّةٌ. فَقَالَ: وَمَا هِيَ؟ فَقُلْتُ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَابْنُ لَهِيعَةَ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَمْرٍو الْمَعَافِرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ الْقُرَشِيِّ قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْلُكُ بِخِنْصَرِهِ مَا بَيْنَ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ". فَقَالَ: إِنَّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَمَا سَمِعْتُ بِهِ قَطُّ إِلاَّ السَّاعَةَ. ثُمَّ سَمِعْتُهُ يُسْأَلُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ فَأَمَرَ بِتَخْلِيلِ الأَصَابِعِ)[11]. أقوال الإمام الشافعي: 1- قال الإمام الشافعي رحمه الله: (كُلُّ مَا قُلْتُ؛ فكَانَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خِلافُ قَوْلِي مِمَّا يَصِحُّ، فَحَدِيثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْلَى، وَلا تُقَلِّدُونِي)[12]. 2- وقال: (إذا وجدتم في كتابي خلافَ سنة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعوا ما قلت)[13]. 3- عن الربيع قال: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، وَذَكَرَ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: تَأْخُذُ بِهِ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: (سُبْحَانَ اللَّهِ! أَرْوِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا لا آخُذُ بِهِ؟! مَتَى عَرَفْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثًا، وَلَمْ آخُذْ بِهِ؛ فَأَنَا أُشْهِدُكُمْ أَنَّ عَقْلِي قَدْ ذَهَبَ)[14]. أقوال الإمام أحمد: كان الإمام أحمد رحمه الله أكثر الأئمة جمعًا للسنة، وأشدهم تمسكًا بها؛ لذا (كان يكره وضع الكتب التي تشتمل على التفريع والرأي، ويحب التمسك بالأثر)[15]. قال ابن القيم رحمه الله: (كان رحمه الله شديدَ الكراهة لتصنيف الكتب، وكان يحب تجريدَ الحديث، ويكره أنْ يُكتب كلامُه، ويشتدُّ عليه جدًا؛ فعَلِمَ اللهُ حُسْنَ نيتِه وقصدِه، فكُتِبَ من كلامه وفتواه أكثر من ثلاثين سفرًا، ومَنَّ اللهُ سبحانه علينا بأكثرها فلم يَفُتْنا منها إلاَّ القليل)[16]. 1- قال الإمام أحمد رحمه الله: (الاتباع: أنْ يتَّبِعَ الرجلُ ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أصحابه، ثم هو من بعد في التابعين مُخيَّر)[17]. 2- وقال: (مَنْ رَدَّ حديثَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو على شفا هلكة)[18]. 3- وقال: (رأي الأوزاعي ورأي مالكٍ ورأي أبي حنيفة كلُّه رأي، وهو عندي سواء، وإنما الحُجَّةُ في الآثار)[19]. قال ابن تيمية رحمه الله: (وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ مُتَّبِعًا لأبِي حَنِيفَةَ أَوْ مَالِكٍ أَوْ الشَّافِعِيِّ أَوْ أَحْمَد: وَرَأَى فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ أَنَّ مَذْهَبَ غَيْرِهِ أَقْوَى فَاتَّبَعَهُ؛ كَانَ قَدْ أَحْسَنَ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي دِينِهِ، وَلا عَدَالَتِهِ بِلا نِزَاعٍ؛ بَلْ هَذَا أَوْلَى بِالْحَقِّ، وَأَحَبُّ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّنْ يَتَعَصَّبُ لِوَاحِدِ مُعَيَّنٍ، غَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ كَمَنْ يَتَعَصَّبُ لِمَالِكٍ أَوْ الشَّافِعِيِّ أَوْ أَحْمَد أَوْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَيَرَى أَنَّ قَوْلَ هَذَا الْمُعَيَّنِ هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي يَنْبَغِي اتِّبَاعُهُ، دُونَ قَوْلِ الإمَامِ الَّذِي خَالَفَهُ. فَمَنْ فَعَلَ هَذَا كَانَ جَاهِلًا ضَالًا؛ بَلْ قَدْ يَكُونُ كَافِرًا؛ فَإِنَّهُ مَتَى اعْتَقَدَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى النَّاسِ اتِّبَاعُ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ مِنْ هَؤُلاءِ الأئِمَّةِ دُونَ الإمَامِ الآخَرِ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُسْتَتَابَ، فَإِنْ تَابَ وَإِلاَّ قُتِلَ. بَلْ غَايَةُ مَا يُقَالُ: إنَّهُ يَسُوغُ أَوْ يَنْبَغِي أَوْ يَجِبُ عَلَى الْعَامِّيِّ أَنْ يُقَلِّدَ وَاحِدًا لا بِعَيْنِهِ، مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ زَيْدٍ وَلا عَمْرٍو. وَأَمَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: إنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْعَامَّةِ تَقْلِيدُ فُلانٍ أَوْ فُلانٍ؛ فَهَذَا لا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ. وَمَنْ كَانَ مُوَالِيًا لِلأئِمَّةِ مُحِبًّا لَهُمْ يُقَلِّدُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيمَا يَظْهَرُ لَهُ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلسُّنَّةِ فَهُوَ مُحْسِنٌ فِي ذَلِكَ. بَلْ هَذَا أَحْسَنُ حَالًا مِنْ غَيْرِهِ، وَلا يُقَالُ لِمِثْلِ هَذَا مُذَبْذَبٌ عَلَى وَجْهِ الذَّمِّ، وَإِنَّمَا الْمُذَبْذَبُ الْمَذْمُومُ الَّذِي لا يَكُونُ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلا مَعَ الْكُفَّارِ، بَلْ يَأْتِي الْمُؤْمِنِينَ بِوَجْهٍ، وَيَأْتِي الْكَافِرِينَ بِوَجْهٍ؛ كما قَالَ تَعَالَى - فِي حَقِّ الْمُنَافِقِينَ: ﴿ إنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ ﴾ إلَى قَوْلِهِ: ﴿ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 142-143]. وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْمُنَافِقِ؛ كَمَثَلِ الشَّاةِ الْعَائِرَةِ بَيْنَ الْغَنَمَيْنِ: تُعِيرُ إلَى هَؤُلاَءِ مَرَّةً، وَإِلَى هَؤُلاَءِ مَرَّةً"[20]. فَهَؤُلاءِ الْمُنَافِقُونَ الْمُذَبْذَبُونَ هُمْ الَّذِينَ ذَمَّهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ... وَمَنْ تَعَصَّبَ لِوَاحِدٍ بِعَيْنِهِ مِنْ الأئِمَّةِ دُونَ الْبَاقِينَ؛ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَعَصَّبَ لِوَاحِدٍ بِعَيْنِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ دُونَ الْبَاقِينَ؛ كالرافضي الَّذِي يَتَعَصَّبُ لِعَلِيٍّ دُونَ الْخُلَفَاءِ الثَّلاثَةِ وَجُمْهُورِ الصَّحَابَةِ؛ وَكَالْخَارِجِيِّ الَّذِي يَقْدَحُ فِي عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما. فَهَذِهِ طُرُقُ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالأهْوَاءِ الَّذِينَ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإجْمَاعِ أَنَّهُمْ مَذْمُومُونَ، خَارِجُونَ عَنْ الشَّرِيعَةِ وَالْمِنْهَاجِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم. فَمَنْ تَعَصَّبَ لِوَاحِدٍ مِنْ الأئِمَّةِ بِعَيْنِهِ؛ فَفِيهِ شَبَهٌ مِنْ هَؤُلاءِ، سَوَاءٌ تَعَصَّبَ لِمَالِكٍ أَوْ الشَّافِعِيِّ أَوْ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ أَحْمَد أَوْ غَيْرِهِمْ. ثُمَّ غَايَةُ الْمُتَعَصِّبِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا بِقَدْرِهِ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَبِقَدْرِ الآخَرِينَ؛ فَيَكُونُ جَاهِلًا ظَالِمًا، وَاَللَّهُ يَأْمُرُ بِالْعِلْمِ وَالْعَدْلِ، وَيَنْهَى عَنْ الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72]. وَهَذَا أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ أَتْبَعُ النَّاسِ لأبِي حَنِيفَةَ وَأَعْلَمُهُمْ بِقَوْلِهِ، وَهُمَا قَدْ خَالَفَاهُ فِي مَسَائِلَ لا تَكَادُ تُحْصَى؛ لِمَا تَبَيَّنَ لَهُمَا مِنْ السُّنَّةِ وَالْحُجَّةِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا اتِّبَاعُهُ، وَهُمَا مَعَ ذَلِكَ مُعَظِّمَانِ لإمَامِهِمَا، لا يُقَالُ فِيهِمَا مُذَبْذَبَانِ؛ بَلْ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ الأئِمَّةِ يَقُولُ الْقَوْلَ ثُمَّ تَتَبَيَّنُ لَهُ الْحُجَّةُ فِي خِلافِهِ؛ فَيَقُولُ بِهَا، وَلا يُقَالُ لَهُ مُذَبْذَبٌ؛ فَإِنَّ الإنْسَانَ لا يَزَالُ يَطْلُبُ الْعِلْمَ وَالإيمَانَ؛ فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ مِنْ الْعِلْمِ مَا كَانَ خَافِيًا عَلَيْهِ اتَّبَعَهُ، وَلَيْسَ هَذَا مُذَبْذَبًا؛ بَلْ هَذَا مُهْتَدٍ زَادَهُ اللَّهُ هُدًى، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114])[21]. قال ابن تيمية رحمه الله – في ثنائه على الإمامين أحمد والشافعي: (وَمَذْهَبُهُ [يعني: أحمدَ] أَنَّ أُصُولَ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ أَصَحُّ مِنْ أُصُولِ غَيْرِهِمْ، وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ هُمَا عِنْدَهُ مِنْ أَجَلِّ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ فِي عَصْرِهِمَا)[22]. وفي معرض ثنائه على فقهاء المحدِّثين – يقول اللكنوي رحمه الله: (ومَنْ نظر بعين الإنصاف وغاص في بحار الفقه والأصول متجنِّبًا الإعساف؛ يعلم علمًا يقينيًا أنَّ أكثر المسائل الفرعية والأصلية التي اختلف العلماء فيها: فمذهب المُحدِّثين فيها أقوى من مذهب غيرهم، وإني كلَّما أسير في شُعَبِ الاختلاف، أجِدُ قولَ المُحدِّثين فيها قريبًا من الإنصاف، لله دَرُّهُم وعليه شُكرهم كيف لا؛ وهم ورثةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم حقًّا، ونوَّابُ شرعِه صدقًا، حشَرَنا اللهُ في زمرتهم، وأماتنا على حبِّهم وسِيرتهم)[23]. قال الصنعاني رحمه الله: (وعندما صحَّ لنا هذا عن هؤلاء الأئمة - جزاهم الله أفضل الجزاء من الأمة - قلنا في أبيات: علامَ جعلتُم أيها الناس دِينَنَا ![]() لأربعةٍ لا شكَّ في فَضْلِهم عندي ![]() هم علماءُ الدِّين شرقًا ومغربًا ![]() ونورُ عُيونِ الفَضْلِ والحقِّ والزهدِ ![]() ولكنهم كالنَّاس ليس كلامُهم ![]() دليلًا ولا تقليدُهم في غَدٍ يُجدِي ![]() ولا زعَمُوا حاشاهم أنَّ قولَهم ![]() دليلٌ فيستهدي به كلُّ مَنْ يهدي ![]() بل صرَّحوا أنَّا نُقابِلُ قولَهم ![]() إذا خالَفَ المَنْصوصَ بالقَدْحِ والرَّدِّ ![]() وهذه نصوصهم رضي الله عنهم كما سمعتَ، وأقوالُ أئمة العلم في هذه كثيرة جدًا، على أنه معلوم من صفات العالِم: أنه لا يرتضي أنْ يُقَدِّم على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صحتِّه أو حُسنِه قولَ نفسه، ولا قولَ غيرِه، وإلاَّ لم يكن عالِمًا مُتَّبِعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: وإذا عرفتَ تصريحَ الأئمة؛ بأنه إذا صحَّ الحديثُ بخلاف ما قالوه؛ فإنه لا يُقلِّدهم أحدٌ في قولهم المخالِف للحديث، عرفتَ بأنَّ الآخِذ بقولهم مع مخالفة الحديث غيرُ مقلِّدٍ لهم؛ لأن التقليد حقيقة هو: "الأخذ بقول الغير من غير حُجَّة". وهذا القول الذي خالف الحديثَ ليس قولًا لهم؛ لأنهم صرَّحوا بأنهم لا يُتَّبَعون فيما خالف الحديث، وأنَّ قولهم هو الحديث، ولقد كثرت جنايات المقلِّدين على أئمتهم في تعصُّبِهم لهم)[24]. وقال ابن الشحنة رحمه الله: (إذا صحَّ الحديث، وكان على خلاف المذهب عُمِل بالحديث، ويكون ذلك مذهبه، ولا يُخرج مُقلِّدَه عن كونه حنفيًّا بالعمل به، فقد صحَّ عنه أنه قال: إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي)[25]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |