|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() تولي المرأة القضاء د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني تعريف القضاء: القضاء لغةً: من الفعل قضى، والقاف والضاد والحرف المعتل أصل صحيح يدل على إحكام أمر، وإتقانه، وإنفاذه لجهته، قال الله تعالى: ﴿ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ ﴾ [فصلت: 12]، أي أحكم خلقهن[1]. والقضاء:بالمد ويُقصر[2]، أصله قَضايٌ؛ لأنه من قضيت إلا أن الياء لما جاءت بعد الألف هُمزت[3]، ومعناه الفصل في الحكم، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ﴾ [الشورى: 14]، أي: لفُصل الحكم بينهم[4]. ومنه قول الله عز وجل في ذكر من قال: ﴿ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ﴾ [طه: 72]، أي اصنع واحكم، ولذلك سُمي القاضي قاضيا؛ لأنَّه يُحْكِم الأحكام، ويُنْفِذُها[5]. ويقال: قد قضى القاضي بين الخصوم، أي قد قطع بينهم في الحكم[6]. وسُميت المَنية قضاء؛ لأنه أمرٌ يُنْفَذُ في ابن آدم وغيره من الخَلق[7]. القضاء شرعا: عرَّفته الحنفية بأنه فصل الخصومات، وقطع المنازعات[8]. وعرَّفته المالكية بأنه الإخبار عن حكم شرعي على سبيل الإلزام[9]. وعرَّفته الشافعية بأنه الخصومة بين خَصمين فأكثر بحكم الله تعالى[10]. وعرَّفته الحنابلة بأنه الإلزام بالحكم الشرعي، وفصل الخصومات[11]. يتبين من هذه التعريفات أنها مقاربة للمعنى اللغوي، وتفيد جميعها أن القضاء إلزام بحكم شرعي عند التنازع والتخاصم. أدلة مشروعية القضاء: القضاء بين الناس أصل الشريعة، ومدار الأحكام، وخلافة الله سبحانه وتعالى في الخلق[12]، ودل على مشروعية القضاء الكتاب، والسنة، والإجماع، والمعقول. أما الكتاب: 1- فقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [ص: 26]. وجه الدلالة: هذه وصية من الله عز وجل لولاة الأمور أن يحكموا بين الناس بالحق والإنصاف المنزَّل من عنده تبارك وتعالى، ولا يعدلوا عنه فيضلوا عن سبيله[13]. 2- قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ﴾ [المائدة: 42]. وجه الدلالة: أمر الله سبحانه وتعالى بالحكم بين المتخاصمين بالحق، والعدل، وإن كانوا ظلمة[14]. 3- قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ﴾ [المائدة: 49]. وجه الدلالة: أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحكم بين الناس عربهم وعجمهم بحكم الله تبارك وتعالى الذي أنزله في كتابه العظيم، ولا يتبع أهواء من احتكموا إليه, وأمره بلزوم العمل بكتابه الذي أنزله إليه[15]. أما السنة: 1- فعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ، فَلَهُ أَجْرٌ»[16]. وجه الدلالة: إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بذلك دليل على مشروعية القضاء، وهذا فيمن كان من المجتهدين جامعًا لآلة الاجتهاد عارفًا بالأصول ووجوه القياس، فأما من لم يكن محلًا للاجتهاد فهو متكلف، ولا يعذر بالخطأ في الحكم بل يُخاف عليه أعظم الوزر[17]. قال النووي رحمه الله: أجمع المسلمون على أن هذا الحديث في حاكم عالم أهل للحكم، فإن أصاب فله أجران أجر باجتهاده، وأجر بإصابته، وإن أخطأ فله أجر باجتهاده[18]. 2- عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْيَمَنِ قَاضِيًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُرْسِلُنِي وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ، وَلَا عِلْمَ لِي بِالْقَضَاءِ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ سَيَهْدِي قَلْبَكَ، وَيُثَبِّتُ لِسَانَكَ، فَإِذَا جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْكَ الْخَصْمَانِ، فَلَا تَقْضِيَنَّ حَتَّى تَسْمَعَ مِنَ الْآخَرِ كَمَا سَمِعْتَ مِنَ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يَتَبَيَّنَ لَكَ الْقَضَاءُ»، قَالَ: فَمَا زِلْتُ قَاضِيًا، أَوْ مَا شَكَكْتُ فِي قَضَاءٍ بَعْدُ[19]. وجه الدلالة: هذا صريح في تولية القضاة، وفيه دليل على أن الحاكم لا يقضي على غائب، وذلك لأنه إذا منعه أن يقضي لأحد الخصمين وهما حاضران حتى يسمع كلام الآخر، فقد دل على أنه في الغائب الذي لم يحضره ولم يسمع قوله أولى بالمنع، وذلك لإمكان أن يكون معه حجة تبطل دعوى الحاضر[20]. 3- عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ، وَاثْنَانِ فِي النَّارِ، فَأَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِي الْحُكْمِ، فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ»[21]. وجه الدلالة: تقسيم النبي صلى الله عليه وسلم للقضاة دليل على مشروعية تولي القضاء، وهذا الحديث في تحذير القضاة أن يقضوا بالجور، أو يقضوا عن جهل، فمن فعل ذلك أتي كبيرة من أعظم الكبائر في ظلم العباد، ونقض عهد الله بالجور من بعد ميثاقه، وما أبعده من المغفرة المطلقة[22]. 4- عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: خَاصَمَ الزُّبَيْرُ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ فِي شَرِيجٍ مِنَ الحَرَّةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ أَرْسِلِ المَاءَ إِلَى جَارِكَ»، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ: «اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ احْبِسِ المَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الجَدْرِ، ثُمَّ أَرْسِلِ المَاءَ إِلَى جَارِكَ»، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللهِ إِنِّي لَأَحْسِبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65] [23]. وجه الدلالة: قضاء النبي صلى الله عليه وسلم بين الخصمين فيه مشروعية تولي القضاء بين الناس. أما الإجماع: فقد أجمع المسلمون على مشروعية نصب القضاء، والحكم بين الناس[24]. أما المعقول: 1- فلأن طباع البشر مجبولة على التظالم، والتنافس، ويقلُّ فيهم التناصف، فدعت الضرورة إلى من يحكم بينهم بالحق والتناصف[25]. 2- لأن عادات الأمم به جارية، وجميع الشرائع به واردة[26]. 4- لكثرة الاختلاف في أحكام الاجتهاد، ولا يتعين العمل بالمختلف فيه إلا بالحكم الفاصل، والقضاء القاطع[27]. تحرير محل النزاع: اتفق أهل العلم على مشروعية القضاء كما تقدم، ولكنهم اختلفوا في المرأة هل تصلح لتتولى منصب القضاء بين الناس؛ للفصل في القضايا المالية، والحدود، والقصاص، وغيرها على ثلاثة أقوال. وسبب اختلافهم: الاختلاف في القياس؛ هل يقاس قضاء المرأة على الإمامة الكبرى، أو الإفتاء، أو الشهادة؟ فمن قاس قضاءها على الإمامة الكبرى منع توليها القضاء. ومن قاسه على شهادتها في الأموال أجاز توليها القضاء في غير الحدود والقصاص. ومن قال بأن الأصل هو أن كل من يتأتى منه الفصل بين الناس فحكمه جائز إلا ما خصصه الإجماع من الإمامة الكبرى أجاز قضاءها في كل شيء[28]. أقوال العلماء في حكم تولي المرأة القضاء: القول الأول:لا يجوز للمرأة أن تتولى القضاء مطلقا. القائلون به: المالكية[29]، والشافعية[30]، والحنابلة[31]. الأدلة التي استدلوا بها: أولا: القرآن الكريم: 1- قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ﴾ [البقرة: 282]. وجه الدلالة: نبه الله عز وجل على ضلال النساء، ونسيانهن، والقضاءُ يحتاج فيه إلى كمال الرأي وتمام العقل والفِطنة[32]. 2- قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ [النساء: 34]. وجه الدلالة: فضل الله عز وجل الرجال على النساء في العقل والرأي، فهم يقومون عليهن بالنفقة، والإمارة، والقضاء، فلم يجز للنساء أن يقمن على الرجال[33]. ثانيا: السنة النبوية: 1- عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً»[34]. وفي لفظ: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ أَسْنَدُوا أَمْرَهُمْ إِلَى امْرَأَةٍ»[35]. وجه الدلالة: هذا الحديث عام في عدم تولية المرأة الإمارة، والقضاء بين الناس[36]، وإذا ولِّيت المرأة القضاء فسد أمرُ من وَلِيَتهُم[37]، ففيه دليل على أن المرأة ليست من أهل الولايات ولا يحل لقوم توليتها، ويدخل في ذلك القضاء؛ لأن تجنب الأمر الموجب لعدم الفلاح واجب[38]، وليس بعد نفي الفلاح شيء من الوعيد الشديد[39]. أجيب عنه من وجهين: أحدهما:أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك في الأمر العام الذي هو الخلافة بدليل قوله o: «وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ»[40][41]. نُوقش بأنَّ النبيصلى الله عليه وسلم لم يولِّ، ولا أحد من خلفائه، ولا من بعدهم امرأةً قضاء ولا ولاية بلد، ولو جاز ذلك لم يخل منه جميع الزمان غالبا[42]، فكان ذلك إجماعا[43]. الآخر: أن هذا الحديث واردٌ على سبب، وهو أنه لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن الفرس ملَّكوا عليهم بنت كسرى قال ذلك كما في رواية الحديث، ولم يكن ذلك إخبارا منه أن كل قوم يُولُّون عليهم امرأة فإنهم لا يُفلحون، وقد تقرر في علم الأصول أن وقائع الأعيان لا عموم لها[44]. نُوقش بأنَّ جمهور الأصوليين خلافا للمالكية على أن العام الذي ارتبط بوقوع حادثة خاصة يجب حمله على عمومه؛ لأن خصوص السبب لا يقضي على عموم اللفظ، وعلى هذا فلا يُقصر حكم العام على الحادثة الخاصة التي كانت سببا في وروده، بل يجري على عمومه ما لم يرد دليل يفيد تخصيصه، ولم يرد هنا ما يخصص حكم هذا الحديث، فيبقى على عمومه لا سيما وأن إجماع المسلمين على المنع العام[45]. 2- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَضْحَى، أَوْ فِطْرٍ إِلَى المُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ» فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ»، قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَلَيْسَ شَهَادَةُ المَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ» قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: «فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ» قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: «فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا»[46]. وجه الدلالة: وصف النبي صلى الله عليه وسلم المرأة بأنها ناقصة العقل، والدين، والقضاءُ يحتاج فيه إلى كمال الرأي، وتمام العقل، والمرأةُ ليست كذلك[47]، ومن كان بهذه المنزلة لا يصلح لتولي الحكم بين عباد الله وفصل خصوماتهم، فليس بعد نقصان العقل والدين شيء[48]. 3- عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ، وَاثْنَانِ فِي النَّارِ، فَأَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِي الْحُكْمِ، فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ»[49]. وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر فيه «رجل»، و«رجل»؛ فدل بمفهومه على اشتراط كون القاضي رجلا، وخروج المرأة[50]. 4- عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«إِذَا نَابَ أَحَدَكُمْ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحِ فَإِنَّمَا التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ»[51]. وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم منع المرأة من رفع صوتها؛ لأنها عورة، فيمتنع في القضاء أولى[52]. ثالثا: الآثار: عَنِ ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: «أَخِّرُوهُنَّ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ»[53]. وجه الدلالة من وجهين: أحدهما:إذا وُلِّيت المرأة القضاء كانت مُقدمةً، والرجال مؤخَّرين عنها، فلم يجز[54]، ولمَّا أُمِرْنَ بتأخير صفوفهن عن صفوف الرجال، وهذا غاية النقص لهن، فالقضاء أولى؛ لأنه موطن ورود الفجار[55]. الآخر:لما مُنْعنَ من إمامة الصلوات لنقص الأنوثة مع جواز إمامة الفاسق، كان المنع من القضاء الذي لا يصح من الفاسق أولى[56]. رابعا: الإجماع: 1- الإجماع العملي: لم يولِّ النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من خلفائه، ولا من بعدهم امرأةً قضاء ولا ولاية بلد فيما بلغنا، ولو جاز ذلك لم يخل منه جميع الزمان غالبا[57]، فكان ذلك إجماعا؛ لأنه غير سبيل المؤمنين[58]. 2- الإجماع القولي: حُكي الإجماع على أن المرأة لا تصلح أن تكون إماما، ولا قاضيا[59]. أجيب بأن الخلاف ثابت كما سيأتي. خامسا: من القياس: 1- قياس الأولى: • الأمة اتفقت على أن المرأة لا تؤذن؛ لأن صوتها عورة، فإذا لم يجز سماع صوتها وهي في المئذنة لا تُرى، فأولى وأحرى ألا تجوز مجالستها، ولا محادثتها ابتداء من قِبل نفسها[60]. • إذا لم يجز أن تكون المرأة إمامة للرجال، فلأن لا تكون قاضية أولى، مع أنه يجوز للفاسق إمامة الصلوات، والقضاء لا يصح منه، وحال القضاء آكد من حال الإمامة في الصلاة[61]. • لأنها مُنعت أن تقوم بجنب الرجل في الصلاة خوف الفتنة؛ فالقضاء أولى؛ لأنه موطن ورود الفجار[62]. 2- قياس الشمول[63]: قياسا على الإمامة العظمى؛ فإن الأمة أجمعت على أن المرأة لا تكون خليفة، فكذلك القضاء[64]. سادسا: من المعقول: 1- لأن القاضي لابد أن يحضر محافل الخصوم والرجال من الفقهاء والشهود والخصوم، والمرأة ليست أهلا لذلك، بل هي ممنوعة من مجالسة الرجال لما يخاف عليهم من الافتتان بها[65]. 2- لأن القضاء يحتاج فيه إلى كمال الرأي والإدراك، وتمام العقل والتبصر والفطنة، والمرأة ناقصة العقل والدين، قليلة الرأي، ولا تقبل شهادتها بمفردها ولو كان معها ألف امرأة[66]، ومن كان بهذه المنزلة لا يصلح لتولي الحكم بين عباد الله وفصل خصوماتهم، فليس بعد نقصان العقل والدين شيء[67]. 3- لأن القضاء يتضمن فصل القضاء فوجب أن تنافيه الأنوثة، كالإمامة[68]. 4- لأن من لم ينفذ حكمه في الحدود لم ينفذ حكمه في غير الحدود، كالأعمى[69]. القول الثاني: يجوز للمرأة أن تكون قاضية في غير الحدود، والقصاص. القائلون به: الحنفية[70]. الأدلة التي استدلوا بها: استدلوا بالقياس: قياسا على الشهادة؛ فالمرأة من أهل الشهادات في الجملة إلا أنها لا تقضي في الحدود والقصاص؛ لأنه لا شهادة لها في ذلك، وأهلية القضاء تدور مع أهلية الشهادة[71]. أجيب بأنه قياس مع الفارق؛ لعدم وجود ولاية في الشهادة، فجاز للمرأة أن تشهد بخلاف تولي الإمارة، فالأنوثة مانع منها[72]، والفرق هو أن الشهادة أقل رتبة من القضاء؛ لأنها تصح شهادتها دون الإمامة العظمى بخلاف الرجل العدل فتصح منه الشهادة والإمامة[73]. وقياسهم يبطل أيضا بالكافر، فإنه يجوز عندهم أن يكون شاهدا، ولا يجوز أن يكون حاكما، ولا قاضيا[74]. القول الثالث:يجوز للمرأة أن تكون قاضية مطلقا. القائلون به: الحسن البصري[75]، وابن جرير الطبري[76]، وابن حزم[77]، وابن القاسم من المالكية[78]. قال القاضي أبو بكر ابن العربي رحمه الله: لا يصح ذلك عن ابن جرير الطبري[79]. الأدلة التي استدلوا بها: أولا: الآثار: رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه ولَّى الشِّفاءَ -امْرَأَةً مِنْ قَومِهِ- عَلَى السُّوقِ[80]. أجيب عنه من وجهين: أحدهما:لم يصح؛ فلا يُلتفت إليه؛ فإنما هو من دسائس المبتدعة في الأحاديث[81]. الثاني:على القول بصحته، فإنه ولاها ليس للحكم، وإنما لتنقل له أخبار أهل السوق ممن لا يتقي الله في تجارته؛ فلا يلحق به القضاء[82]. ثانيا: القياس: قياسا على الإفتاء؛ فالمرأة يجوز أن تكون مفتية، فيجوز أن تكون قاضية[83]. أجيب بأنه قياس مع الفارق؛ فلا ولاية في الإفتاء، فجاز للمرأة أن تكون مفتيه بخلاف تولي الإمارة، فالأنوثة مانع منها[84]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |