|
ملتقى التنمية البشرية وعلم النفس ملتقى يختص بالتنمية البشرية والمهارات العقلية وإدارة الأعمال وتطوير الذات |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() بصلة المحب خروف هشام محمد سعيد قربان هذا عنوان غريب، يَبدو في ظاهِره ذا صِلة بأطعمة شهيَّة، مثل: "المندي" و"المظبي" التي يَسيلُ لها اللُّعاب، ولكن الحقيقة أنْ لا صِلَة مباشرة له بالأطعمة، بل هو عنوان مُشوِّق وجاذِب للقارئ، ويَحوي صورة بلاغيَّةً مُستعارة، تَدور حول الصِّلة بين قَبول الأفكار والمُقترَحات أو رفْضها على أساس غير عَقْلاني، وللأسف يَتمُّ ذلك أحيانًا - لدى بعضنا - على أساس عاطفي، هو مشاعرنا وحالتنا النفسيَّة، وبالتحديد حُبنا أو بُغضنا للشخص، أو الجِهة التي طَرحت وأنتجتْ هذا العطَاء الفكريَّ! إذا أسقطنا هذا العنوان على الصِّلة بين قَبول الفكرة ومشاعرنا تُجاه مصدرِها، رأينا وجَاهة الصورة الكامِنة فيه، فعطاءُ وجُهْد وفكْر من نُحب بالنسبة لنا، وإنْ كان صغيرًا وزهيدًا مِثل "البَصلة" - يَتلوَّن بميزان عواطفنا، ويُصبِح كبيرًا مثل"خروف العيد السمين". والعجيب أنَّ المغزى والصورة الكامِنة في هذا العنوان تَظلُّ صحيحة الدلالة، حتى لو تَلاعبنا بالألفاظ وعكسناها لتُصبح الجملة: "خروف من لا أحبُّه يُساوي بصلة"، وهذه صورة أخرى لممارسة خاطئة لدى البعض، فحينما نَستسلِم للهوى، نَرضى أنْ تكون المشاعر ميزان تقدير الأفكار والآراء وتَثمِينها، وعندئذٍ يَتضاءل حجمُ الفكرة الحقيقي من خروف يُشبِع جماعة، إلى بصلة عاطفية لا تُسمِن ولا تُغني من جوع، ويَا لَها من خسارة! يَستحثُّ هذا العنوان القارئَ لتأمُّل ودراسة ظاهرة وعادة غير صحيَّة، تَحرِم بعضَ الأوساط والجماعات من الاستفادة من نسبة كبيرة من العطاء الفكري لبعض أعضائها والمُنتَمين إليها بحُجَّة عاطفيَّة وغير مُنصِفة، هي (مشاعر جِهات التَّقييم وبعض أصحاب القرار تُجاه مَصدر الفِكرة)، وللأسف! فإنَّ هذه المشاعر تُتخذ أساسًا للتَّقييم، بدلاً من النَّظر إلى الآراء وتقديرها على أساس منهجي وعلمي ومُحايد، أساس مَتين يبيِّن بجلاء وإنصاف فائدة الفِكرة الكامِنة في أصالتها، وخلفيَّتها البحثية، ومستواها الإبداعي، ومدى تَناغُمها مع الأهداف المرحليَّة والمنظور الشمولي والمُستقْبلي. إنَّ الحكمة تَقتضي أحيانًا ضرورة التمهيد المُبكِّر لقَبول بعض أفكارنا؛ بالبناء المُبكِّر لجسور الودِّ وصِلات المحبَّة مع بعض المُتلقِّين والنَّاظرين في أطروحاتنا، فالمحبَّة - كما يقولون - هي طريق التلقِّي، ولكنَّ التحدِّي الأكبر هو التَّعالِي عن إقحام المشاعر في تقييم عطاء الآخرين أو التلاعب بها لمصلحتنا، وليس هذا المسلك المُقسِط الحَصيف بالغريب علينا، وإنْ نَسيَه أو تَناساه بعضُنا، فدينُنا الحنيف - كان ولم يزل - يَدْعونا إليه ويَحثُّنا عليه، ويُذكِّرنا عند غفْلتِنا أنْ نَتدبَّر ونُقرَّ ونَعمل بمبادئ عالية السند تَعلمناها منذ نعومة أظفارنا، مثل بعض الآثار المروية: ((الحكمة ضالَّة المؤمِن))، و((اطلْب العِلم ولَو في الصين))، و((صَدَقَك وهو كذوب))، وكقوله تعالى: ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا ﴾ [المائدة: 8]، ﴿ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ... ﴾ [آل عمران: 113]. إنَّ بيت القصيد في هذا الشأن هو أهمية وضرورة الاستغلال الأمثل والأكمل للطاقات الفكريَّة لكلِّ عضو في مَنظومة الأداء في كلِّ الأوساط، ولا يتحقَّق هذا الهدَفُ الأسمى إلا إذا تَعلَّمنا وتَعلَّم من يَعنيهم هذا الأمر فنًّا جديدًا، هو التعَالِي على المشاعر والعواطف وتَنحيتها، والنَّظر إلى الأفكار على أَساس علميٍّ وأمين، تَفوزُ به الفكرة على أساس إبداعها وجودتِها وآثارِها، وهذا الأمر ليس بالهين، ولكنَّه في الوقت ذاته ليس بالمستحيل، ويَحتاج إلى نقْد للذَّات ومحاسبتِها وكبْح جماحها، وإعادة صياغة بعض أنْماط تفكِيرنا، والتخلِّي عن بعض الأنماط والسلوكيات غير المفيدة، وتَعلُّم أساليبَ أفضل وأكثر نفعًا للتفكير وتقييم الأفكار، أساليب تَجعل همَّنا الأول والأوحد تقديم المَصَالح العُليا، وإثراء النتائج الكليَّة. ختامًا نتوجَّه إلى كلِّ مَن يُؤتَمن على النظَر في الأفكار والمقترحات الجديدة بأنْ يُسائلوا أنفسَهم هذه الأسئلة المُثيرة والحَرِجة، ويُجيبوا عنها بكلِّ تَجرُّد وإخلاص ويَقظةِ ضَمير: سؤال: هل تُؤثِّر مشاعرنا الخاصَّة علينا عند تقييم أفكارِ الآخرين؟ سؤال: هل خروف من لا نُحب يُساوي بصَلة؟ سؤال: هل تُساوي بصلة من نُحب خروفًا؟ سؤال: أم أنَّ البَصلة - في عيون العقلاء المُنصِفين - تَظلُّ بصلة، والخروف يظلُّ خروفًا؟
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |