|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() دروس ووقفات للأمة من تحويل القبلة الشيخ محمد عبدالتواب سويدان الْحَمْدُ لِله، نَحْمَدُكَ اللهُمَّ يا مَنْ أَعَزَ عِبَادَهُ بِإيمَانِهِمْ، وَخذلَ أَعَدَاءَهُمْ بِكُفْرِهِمْ وَعِصْيَانِهِمْ، نَحْمَدُكَ عَلَى نِعْمَةِ الإِسْلامِ، وَنَشْكُرُكَ إِذْ جَعَلْتَنَا مِنْ أُمةِ خَيْرِ الْأَنامِ، وَأَشْهَدُ أَن لاَ إلَهَ إلا أَنْتَ، بِيَدِكَ الْخَيْرُ وَأَنْتَ عَلَى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَشْهَدُ أَن مُحَمدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ اعْتَز بِاللهِ تَعَالَى، وَفَاخَرَ بِالإِسْلامِ، وَعَلمَ أَصْحَابَهُ الْفَخْرَ بِهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ عَلَى أثَرِهِمْ سَارَ إِلَى يَوْمِ الدينِ، أَمَّا بَعْدُ: فإن الله جعل مرور الأوقات تذكرة لعباده المؤمنين، وللمؤمن في كل وقت من الأوقات عبودية لله، ومن سعادة العبد أن يعرف شرف الزمن وقيمة الوقت، وأن يعرف وظائف الأوقات حتى يعمرها بطاعة الله، والمسلم دائمًا يهتم بواجب الوقت الذي هو فيه، ويغتنم الفرص في كل زمان ليحقق عبوديته لله -سبحانه- التي خُلق من أجلها. الوقفة الأولى: خصائص شهر شعبان: وإن لشهر شعبان عند الله -تعالى- فضيلة، وقد كانت الجاهلية تغالي في تعظيم رجب وتهمل شهر شعبان، فجعل الله له مِن الخصائص ما زاده مكانة في نفوس المسلمين، جعله الله شهر ختام لأعمال السنة: عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ صلى الله عليه وسلم: « ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ الناسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَب الْعَالَمِينَ، فَأُحِب أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ »؛ (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني). وقد خص الله شهر شعبان بليلة النصف المباركة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « إِن اللهَ لَيَطلِعُ فِي لَيْلَةِ النصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ »؛ (رواه ابن ماجه وابن حبان وابن أبي عاصم، وحسنه الألباني)، وقال صلى الله عليه وسلم: « إِذا كَانَ لَيْلَةُ النصْفِ مِنْ شَعْبانَ اطلَعَ الله إِلَى خَلْقِهِ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤمِنِينَ ويُمْلِي لِلْكافِرِينَ ويَدَعُ أهْلَ الحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتى يَدَعُوهُ »؛ (رواه البيهقي، وحسنه الألباني). - وخصه النبي صلى الله عليه وسلم بزيادة صيام: ففي حديث أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ قَالَ: « ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ الناسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَب الْعَالَمِينَ، فَأُحِب أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ »؛ (رواه النسائي، وحسنه الألباني). وتقول عائشة -رضي الله عنها-: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ حَتى نَقُولَ: لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتى نَقُولَ: لاَ يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ- اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ؛ (رواه البخاري)، ولمسلم عنها: "كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلا قَلِيلًا". • وخصه الله بحادثة تعلن للعالم تميز المسلمين عن غيرهم، وبراءتهم مِن كل ملة مخالفة، وهي: "حادثة تحويل القبلة". عباد الله، إن تحويل القبلة حادث جلل كان له تأثيره القوي في مصير الأمة الإسلامية ونفوس المؤمنين، ونفوس الجاحدين من اليهود والمشركين والمنافقين، وهو حادث غير وجه التاريخ بحق فقد اختلت الموازين عند اليهود الذين كان يعجبهم أنه صلى الله عليه وسلم يتجه إلى قبلتهم وكأنه يتبعهم، واختلت الموازين عند القرشيين من المشركين لَما أُعلن المسجد الحرام وهم حوله قبلة لأمة الإسلام إيذانًا بعودة المسلمين إليه وسلبه من أيدي هؤلاء المعاندين، واختلت الموازين عند المنافقين الذين ظنوا أن الإسلام أقوالٌ لا أفعال، وأنه ما سيدعوهم إلى العمل والاجتهاد لرفعة الإسلام والمسلمين، ولقد كان تحويل القبلة حدثًا عظيمًا، فيه من الدروس والعبر الكثير، والتي ينبغي الوقوف معها للاستفادة، ومنها: الوقفة الثانية: مكانة النبي وعالمية رسالته: أيها المسلمون، إن الله تعالى قد أخبر نبيه في مكة وقت معاندة المشركين له بقوله: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ﴾ [سبأ: 28]، وقوله: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 1]، وقوله لما اتهموه باتباع أساطير الأولين: ﴿ وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 5، 6]، وقوله لما اتهموه بأنه يعلمه بشر: ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ﴾ [النحل: 103]. كل هذه نصوص من القرآن الكريم نزلت في مكة المكرمة تشير إلى عالمية دعوة الإسلام ورسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه غير تابع لأهل الكتاب، ودعوته ليست مقتصرة على قومه فقط كما كان من قبله من الأنبياء. ولقد أخبر صلى الله عليه وسلم المسلمين وهو في مكة بعدما اشتد بهم الأذى من قريش بعالمية الدعوة وانتشارها، عن خباب بن الأرت رضي الله عنه، قال: (شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ قال صلى الله عليه وسلم -: كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصبٍ، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)؛ (رواه البخاري)، وكلامه صلى الله عليه وسلم يدل على انتشار الإسلام وعلى عالمية الدعوة الإسلامية، وأن المسألة مجرد وقت، وسيحدث كل هذا بتوفيق الله سبحانه، ولكن كيف ذلك والتبعية لازالت موجودة في القبلة إلى بيت المقدس قبلة اليهود أيضًا، كان لابد من هذا الحدث الذي يثبت عالمية الدعوة الإسلامية؛ فكان صلى الله عليه وسلم يقلب وجهه في السماء وكأنه ينتظر أمر الله تعالى، فقد كان يكنه في صدره صلى الله عليه وسلم وكل ما كان منه هو النظر وتقليب وجهه في السماء انتظارًا واشتياقًا لمنة الله تعالى ذلك. فقد ورد في البخاري عن البراء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، ولقد استجاب الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وحقق الله رجاءه، وما ذلك إلا لعظيم مكانته عند ربه، قال الله تعالى: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ﴾ [البقرة: 144]. فهو صلى الله عليه وسلم الذي شرح الله له صدره، ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره، وجعل الذلة والصغار على مَن خالف أمره، وأقسم بحياته في كتابه المبين، وقرن اسمَه باسمه فإذا ذُكِرَ ذُكِرَ معه كما في الخطب والتشهد والتأذين، وافترض على العباد طاعته ومحبته والقيام بحقوقه، وسد الطرق كلها إليه وإلى جنته فلم يفتح لأحد إلا من طريقه، فهو الميزان الراجح الذي على أخلاقه وأقواله وأعماله توزن الأخلاق والأقوال والأعمال، والفرقان المبين الذي باتباعه يميز أهل الهدى من أهل الضلال. وقد أخبر الله تبارك وتعالى بما سيقوله اليهود عند تحوُّل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، قبل وقوع الأمر بالتحويل، ولهذا دلالته، فهو يدل على صدق نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ هو أمر غيبي، فأخبر عنه صلى الله عليه وسلم بآيات قرآنية قبل وقوعه ثم وقع، وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [البقرة: 142]. الوقفة الثالثة: مكانة الأمة الإسلامية وفضلها: أيها المسلمون، إن للأمة الإسلامية مكانة عظيمة بين الأمم منها: أنها الأمة الوسط فقد قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143]، يقول ابن كثير في تفسيره: إنما حولناكم إلى قبلةِ إبراهيم عليه السلام، واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأمم، لتكونوا يوم القيامة شهداءَ على الأمم؛ لأن الجميع معترفون لكم بالفضل، فهذه الأمة هي الأمة الوسط في التصور والاعتقاد، وفي التفكير والشعور في التنظيم والتنسيق، في الارتباطات والعلاقات، وحتى في المكان في سُرةِ الأرض وأوسط بقاعها. ومنها إنها أعظم الأمم وأسبقها فضلًا، قال الله تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمةٍ أُخْرِجَتْ لِلناسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ ﴾ [آل عمران:110]. وعَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدهِ، أَنهُ سَمِعَ النبِي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (أَنْتُمْ تُتِمونَ سَبْعِينَ أُمةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللهِ)؛ (رواه أحمد وحسنه الألباني). وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (نَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَولُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَنَحْنُ أَولُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنةَ)؛ (رواه مسلم). • وروى الإمام أحمد: عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدعى نوح يوم القيامة، فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيدعى قومه فيقال لهم: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير وما أتانا من أحد، فيقال لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته"، قال: فذلك قوله: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمةً وَسَطًا ﴾ [البقرة: 143]. • ورى الإمام أحمد كذلك عن أبي سعيد الخدري أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجل والنبي ومعه الرجلان، وأكثر من ذلك، فيدعى قومه، فيقال لهم: هل بلغكم هذا؟ فيقولون: لا، فيقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم، فيقال له: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيدعى بمحمد وأمته، فيقال لهم: هل بلغ هذا قومه؟ فيقولون: نعم، فيقال: وما علمكم؟ فيقولون: جاءنا نبينا صلى الله عليه وسلم فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا، فذلك قوله عز وجل: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمةً وَسَطًا ﴾ [البقرة: 143]، قال: عدلًا؛ ﴿ لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى الناسِ وَيَكُونَ الرسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143]". نعم إنها أمة عدول لذلك، فهي تعدل فتفصل بمشيئة ربها تبارك وتعالى بين الأنبياء وأممهم، وتشهد على من سبقها من الأمم؛ تصديقًا بما أخبرها به نبيها صلى الله عليه وسلم، ولقد جعل الله هذه الخاصية أيضًا لهذه الأمة في الدنيا، فيشهدهم الله تعالى بصلاح الصالح فيهم وطلاح الطالح، ويجعل شهادتهم معتبرة؛ روى الحاكم في مستدركه وابن مردويه أيضًا، واللفظ له، من حديث مصعب بن ثابت، عن محمد بن كعب القرظي، عن جابر بن عبدالله، قال: شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة، في بني سلمة، وكنت إلى جانب رسول الله، فقال بعضهم: والله يا رسول الله، لنعم المرء كان، لقد كان عفيفًا مسلمًا، وكان... وأثنوا عليه خيرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنت بما تقول"، فقال الرجل: الله أعلم بالسرائر، فأما الذي بدا لنا منه فذاك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وجبت"، ثم شهد جنازة في بني حارثة، وكنت إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: يا رسول الله، بئس المرء كان، إن كان لفظًّا غليظًا، فأثنوا عليه شرًّا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعضهم: "أنت بالذي تقول"، فقال الرجل: الله أعلم بالسرائر، فأما الذي بدا لنا منه فذاك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وجبت"، قال مصعب بن ثابت: فقال لنا عند ذلك محمد بن كعب: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قرأ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى الناسِ وَيَكُونَ الرسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾. • وروي ابن مردويه وابن ماجه وأحمد عن أبي بكر بن أبي زهير الثقفي، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يوشك أن تعلموا خياركم من شراركم"، قالوا: بم يا رسول الله؟ قال: "بالثناء الحسن والثناء السيئ، أنتم شهداء الله في الأرض". الوقفة الرابعة: من الصحابة الكرام نتعلم: أيها المسلمون، إننا نتعلم من الصحابة كمال التسليم والانقياد لأوامر الله، فالمسلم عبدٌ لله تعالى، يسلم لأحكامه وينقاد لأوامره بكل حب ورضا، ويستجيب لذلك، ويسارع للامتثال بكل ما أُوتي من قوة وجهد، فأصل الإسلام التسليم، وخلاصة الإيمان الانقياد، وأساس المحبة الطاعة، لذا كان عنوان صدق المسلم وقوة إيمانه هو فعل ما أمر الله والاستجابة لحكمه، والامتثال لأمره في جميع الأحوال، لا يوقفه عن الامتثال والطاعة معرفة الحكمة واقتناعه بها؛ لأنه يعلم علم اليقين، أنه ما أمره الله تعالى بأمر ولا نهاه عن شيء، إلا كان في مصلحته سواء علم ذلك أو لم يعلمه؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَل ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36]. هذه الطاعة، وذلك التسليم الذي أقسم الله تعالى بنفسه على نفي الإيمان عمن لا يملكه في قوله تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتى يُحَكمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُم لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِما قَضَيْتَ وَيُسَلمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65]. والصحابة -رضي الله عنهم- ضربوا أروع الأمثال في سرعة امتثالهم لأوامر الشرع، فلما أُمِروا بالتوجه إلى المسجد الحرام سارعوا وامتثلوا، بل إن بعضهم لما علم بتحويل القبلة وهم في صلاتهم، تحولوا وتوجهوا إلى القبلة الجديدة في نفس الصلاة؛ فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ-رضي الله عنهما-، قَالَ: بَيْنَا الناسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلاَةِ الصبْحِ، إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِن رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الليْلَةَ قُرْآنٌ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشامِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الكَعْبَةِ؛ (رواه البخاري). • وعَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، أَن النبِي صلى الله عليه وسلم، صَلى قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتةَ عَشَرَ شَهْرًا، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ البَيْتِ، وَأَنهُ صَلى أَولَ صَلاَةٍ صَلاهَا صَلاَةَ العَصْرِ، وَصَلى مَعَهُ قَوْمٌ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمنْ صَلى مَعَهُ، فَمَر عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاللهِ لَقَدْ صَليْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قِبَلَ مَكةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ البَيْتِ؛ (رواه البخاري). ومِن مواقف الانقياد والتسليم عند الصحابة: • إراقة الخمور بمجرد التحريم: فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنْتُ أَسْقِي أَبَا عُبَيْدَةَ، وَأَبَا طَلْحَةَ، وَأُبَي بْنَ كَعْبٍ - رضي الله عنهم الخمْرَ فِي مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ، فَنَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مُنَادِيًا فَنَادَى: "فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أنَسُ، اخْرُجْ فَانْظُرْ مَا هَذَا الصوْتُ، قَالَ: فَخَرَجْتُ فَقُلْتُ: هَذَا مُنَادٍ يُنَادِي: "أَلَا إِن الْخَمْرَ قَدْ حُرمَتْ، فَمَا قَالُوا مَتَى؟ أَوْ حَتى نَنْظُرَ، بل قَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: يَا أَنَسُ، اذْهَبْ إِلَى هَذِهِ الْجِرَارِ فَاكْسِرْهَا، ثُم قَالُوا عِنْدَ أُم سُلَيْمٍ حَتى أَبْرَدُوا وَاغْتَسَلُوا، ثُم طَيبَتْهُمْ أُم سُلَيْمٍ ثُم رَاحُوا إِلَى النبِي -صلى الله عليه وسلم - فَإِذَا الْخَبَرُ كَمَا قَالَ الرجُلُ، قَالَ أَنَسٌ: فَمَا طَعِمُوهَا بَعْدُ، وَكَفَأَ الناسُ آنِيَتَهُمْ بِمَا فِيهَا، فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ؛ رواه أحمد والبخاري ومسلم. سرعة استجابة النساء في ارتداء الحجاب: فعَنْ صَفِيةَ بِنْتِ شَيْبَةَ قَالَتْ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ عَائِشَةَ قَالَتْ: وَذَكَرَتْ نِسَاءَ قُرَيْشٍ وَفَضْلَهُن، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِن لِنِسَاءِ قُرَيْشٍ لَفَضْلا، وَإِني وَاللهِ مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْ نِسَاءِ الأَنْصَارِ أَشَد تَصْدِيقًا بِكِتَابِ اللهِ، وَلا إِيمَانًا بِالتنْزِيلِ لَقَدْ أُنْزِلَتْ سُورَةُ النورِ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِن عَلَى جُيُوبِهِن انْقَلَبَ رِجَالُهُن إِلَيْهِن يَتْلُونَ عَلَيْهِن مَا أُنْزِلَ إليهن فيها، ويتلوا الرجُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ، وَعَلَى كُل ذِي قَرَابَتِهِ، مَا مِنْهُن امْرَأَةٌ إِلا قَامَتْ إِلَى مِرْطِهَا الْمُرَحلِ فَاعْتَجَرَتْ بِهِ تَصْدِيقًا وَإِيمَانًا بِمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتَابِهِ، فَأَصْبَحْنَ يُصَلينَ وَرَاءَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصبح معتجرات كأن على رؤسهنَّ الغربان؛ رواه أبو داود مختصرًا، وابن أبي حاتم في التفسير. والأعجب من ذلك: • خلع النعال أثناء الصلاة متابعةً للنبي -صلى الله عليه وسلم- الذي خلعه لنجاسة فيه، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَلَما رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ، فَلَما قَضَى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- صَلَاتَهُ، قَالَ: (مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ)، قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِن جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَن فِيهِمَا أَذًى....)؛ رواه أبو داود وصححه الألباني في مشكاة المصابيح)، والنماذج في هذا المعنى كثيرة من واقع الصحابة، ولكنها إشارة للعاقل. • والسؤال: أين هذا مِن حال مَن يجادلون في آيات الله بغير علم؟! وممن يطعنون في أصول الدين؛ لأنها لا تتوافق مع أهوائهم المنحرفة وعقولهم الخرِبة؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |