|
ملتقى القصة والعبرة قصص واقعية هادفة ومؤثرة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أتمنى لو معلمتي عرفت د. علي أحمد الشيخي قصة وعبرة أتمنى لو معلمتي عرفت [1] لاحظتْ معلمةٌ أمريكيَّة بإحدى مدارس مدينة دنفر بولاية كولورادو أن هناك فجوةً كبيرةً بينها وبين طلابها الصغار، وكان الأخطرُ في الأمر أن هذه الفجوة تأخذ في الازدياد تدريجيًّا؛ ما جعلها تفكِّر جديًّا في حلٍّ عمليٍّ ناجع يقرِّبها من طلابها الصغار، فاهتدت إلى إعداد مشروع أسمته: "أتمنى لو معلمتي عرفت"، يرتكز هذا المشروع على طلب الإجابة عن واجب منزليٍّ قدَّمته لطلابها يحوي سؤالًا واحدًا هو: ماذا تريد أن أعرف عنك؟ وفي اليوم التالي قدَّمَ لها الطلاب الواجب المنزليَّ، وعند قراءتها لإجاباتهم، صُدمت بما دَوَّنَه الأطفال في إجاباتهم عن سؤالها، فأحدُ الأطفال قال: أتمنى لو معلمتي عرفت أنني كم أشتاق إلى أبي، فأنا أذهب إلى غرفته كلَّ يوم فلا أجده، ولن أجده، فقد رُحِّل من قبل الحكومة إلى المكسيك نهائيًّا، وسأظل بلا أب! وقال آخر: أتمنى لو معلمتي عرفت أنني لا أملك أصدقاء ألعب معهم، فأمي لا تسمح لي باللعب مع أطفال الجيران والاختلاط معهم بتاتًا؛ ولهذا بقيتُ بلا أصحاب، على حين كتبت إحدى الطالبات: أتمنى لو معلمتي عرفت أنني لا أملك أقلامَ رصاصٍ حتى أؤدي واجباتي المنزلية، وقال طفل رابع: أتمنى لو معلمتي عرفت أن شقيقتي كفيفة، وأنا وحدي من يقوم بمساعدتها وخدمتها في البيت، وأجابت إحدى الطالبات عن سؤال المعلمة بقولها: أتمنى لو معلمتي عرفت أن أمي وأبي يتشاجران طوال اليوم، فأنا لهذا أكره العودة للمنزل، وفي الوقت نفسه لا أرغب في الذهاب إلى المدرسة؛ لأنني سأحاسب على دروس لم أذاكرْها، وواجبات لم أقم بحلها، ولقد كانت هذه الإجابات العفوية والصادقة مفتاحًا لتكتشف المعلمة جوانب إنسانيَّة خفيَّة لدى أطفالها الصغار تحتاج إلى تعاطُف منها وحكمة، فبدأت تتعامل معها جيدًا، وتعمل جاهدة على تذليل بعض العقبات، وحل ما يمكن منها، والأهم من ذلك كله أنها بدأت تتفهم خلفيات طلابها جيدًا، فغيَّرتْ طريقتها في إعطاء الواجب المنزلي، بأن جعلته يتوافق مع ظروف طلابها وتحدياتهم، وبشكل يجعل المدرسة عاملًا مساندًا، لا عاملَ ضغطٍ عليهم. وهذا المشروع لريادته، انتقل إلى كثير من المدارس الأمريكية، وتم تطبيقه بشكل ممنهج ومؤسسيٍّ، مما كان له الأثر والقبول لدى الطلاب والمعلمين، بل المجتمع بعامة. فما أحوجَ مدارسَنا إلى تبنِّي مثل هذا المشروع الإنسانيِّ الجميل، الذي سيعمل على ردم الفجوة بين المعلمين وطلابهم من جهة، كما سيعمل على ردم الفجوة بين المدرسة والبيت من جهة أخرى، فهل المعلمون بل وحتى المرشدون الطلابيون خاصة في مدارسنا لديهم المهارةُ والحس التربويُّ لتطبيق مثل هذه المبادرات التربويَّة الرائدة، فمثلًا قد يكون سبب تكرار تأخر طالب عن طابور الصباح هو مسؤوليته عن توصيل إخوته الصغار للمدارس نتيجة غياب أو انفصال الأب عن الأسرة أو وفاته، لكن المدرسة في الغالب تركز عقابها على السبب دون عناء البحث في المسبب، وهل يمكن لمدير المؤسسة أن يسألَ الموظف عن السبب الذي أخَّره عن الحضور المبكر للدوام يومًا ما، بدلًا من كيل الشتائم والتهم له جزافًا؟! وهل يمكن للجار أن يتفقَّد حالَ جاره، ويسأله عن السبب الذي أبكى ابنه مثلًا؟! وما ألطَفَ ما جاء في حُسن الجِوار والتكافل، ذلك الذي وجَّه إليه ديننا الإسلاميُّ الحنيف كما في الحديث الذي رواه جابر بن عبدالله رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا طبختم اللحمَ فأكثرُوا المرقَ؛ فإنه أوسعُ وأبلغُ للجيران))؛ (صحيح الجامع: 677، وصحَّحَه الألباني)، أو ما جاء في قصة ابن الجهم عندما أراد بيعَ داره، فدفع المشتري ثمنًا مناسبًا للدار، وعندما جلسوا لكتابة عقد البيع، قال ابن الجهم: هذا المبلغ ثمن الدار، فكم تدفع ثمنًا لجوار سعيد بن العاص، فقال المشتري: أنا اشتريت الدار، أما الجوار فليس متاعًا يباع، فقال ابن الجهم: والله لا أدع جوار رجل إذا رآني رحَّب بي، وإن غبت حفظني، وإن سألته أعطاني، وإن سكتُّ بادرني بالسؤال، وإن أسأت له أحسَنَ إليَّ، فلما سمع سعيد بن العاص ما قاله ابن الجهم عنه، أرسل له ضعف ثمن الدار، وقال له: أمسك عليك دارَك، بارَكَ الله لك فيها. ثمَّ هل يمكن للأغنياء وجمعيات البر الخيريَّة أن يبحثوا لصدقاتهم عن الفقراء المتعفِّفِين الذين قال الله فيهم: ﴿ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 273]؟ وذلك بدلًا من صرفها على المتسوِّلين الذين يطرقون الأبواب، وقد يكون بعضهم في غير حاجة للصدقة! وهلا سأل القريبُ قريبَه عن المبرِّرِ الذي دعاه للتصرف بسلوكٍ معين، بدلًا من الاعتماد على تفسيراتنا الخاطئة في كثير من الأحيان، ونتيجة لتلك التفسيرات كره بعضنا بعضًا، وشكَّ بعضنا في نيَّات بعض، وقَلَّت تبعًا لذلك لقاءاتُنا. ثمَّ هل للوالدين أن يسألوا أولادهم عن همومهم وأمانيهم، وكيف يمكنهم التعامل معها؟! وهلا قاموا بتنظيم برامجَ تربوية للأسرة لتدريب الأبناء على العبادات كالصلاة وبعض المهارات، وكذا تعريفهم بحقوقهم وواجباتهم، وحبذا لو ناقشوا مع الأبناء الأخطاءَ التي وقعوا فيها وكيفية المعالجة الصحيحة لها، بدلًا من معاقبتهم دون إيضاح ما كان ينبغي عليهم فعلُه، والأجمل أن تُبنى وثيقة قانونيَّة للأسرة يشارك في إعدادها الأبناءُ والبنات، تُربي فيهم الذوق في التعامل، وتُحدد فيها الأدوار والحوافز والعقوبات. ومضة: تأكَّد أيُّها المعلم، ويا أيها الأب أنك لن تحصل إلا على فرصة وحيدة لتربية هذا الطفل، فابذل فيها جهدك، وسخِّر كل إمكاناتك، واعلم أن بكاء الطفل أمامك قد يكون خوفًا منك، وأحيانًا يكون شوقًا إليك، فاستعن بالله في مهمتك، ﴿ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 35]. [1] د/ علي أحمد الشيخي: دكتوراه علم نفس تربوي، مساعد مدير تعليم القنفذة سابقًا (متقاعد).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |