|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() النكاح بغير إشهاد د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني عريف النكاح: النكاح لغة: الضم والتداخل، يقال: تناكحت الأشجار إذا انضم بعضها إلى بعض، وتداخلت، ويقال: نكح المطر الأرض إذا اختلط بترابها[1]. والنكاح يطلق على الوطء، يقال: امرأة ناكح في بني فلان، أي ذات زوج منهم، ويطلق على العقد دون الوطء، يقال: نكحت، أي تزوجت[2]. النكاح اصطلاحا: عرفته الحنفية بأنه عقد وُضع لتملك المتعة بالأنثى قصدا[3]. أي حل استمتاع الرجل من امرأة لم يمنع من نكاحها مانع شرعي[4]. قولهم: «قصدًا»: خرج به شراء الأمة للتسري، فإن الشارع إنما وضع هذا العقد لتملك المنفعة بالأنثى[5]. وعرفته المالكية بأنه عقد لحِل تمتع بأنثى غير محرَّم، ومجوسيةٍ، وأمة كتابية بصيغة[6]. قولهم: «غير محرَّم»: أي بنسب، أو رضاع، أو صهر، فلا يصح على محرم[7]. وعرفته الشافعية بأنه عقد يتضمن إباحة وطء بلفظ إنكاح، أو تزويج، أو ترجمته[8]. وعرفته الحنابلة بأنه عقد تزويج يعتبر فيه لفظ نكاح، أو تزويج، أوترجمته[9]. ولعلَّ الصواب مما تقدم أن يقال: النكاح هو عقد يبيح للرجل الاستمتاع بامرأة لم يمنع من نكاحها مانع شرعي بلفظ النكاح، أو ما يقوم مقامه. تعريف الإشهاد: الإشهاد لغة: مصدر أشهد؛ مشتق من «شهد»، والشين والهاء والدال أصل يدل على حضور وعلم وإعلام، ومن ذلك الشهادة تدل على الحضور، والعلم، والإعلام[10]. والشهادة: قول صادر عن علم حصل بمشاهدة بصيرة أو بصر، فتكون بالحضور مع المشاهدة، إما بالبصر، أو بالبصيرة، وقد يقال للحضور فقط[11]، وهي أن تقول: شهد علي فلان بكذا شهادة، وهو: شاهد وشهيد[12]. وقيل: الشهادة خبر قاطع، تقول: شهد الرجل على كذا[13]. والشاهد: العالم الذي يبين ما علمه، شهد عليه شهادة[14]. ويقال: شهد الشاهد عند الحاكم: أي بين ما يعلمه وأظهره، يدل على ذلك قوله تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [التوبة:17][15]، أي مقرِّين[16]. ويقال: استشهدت فلانا: إذا سألته إقامة شهادة احتملها[17]. ويقال: شهد له بكذا شهادة، أي: أدى ما عنده من الشهادة[18]. وبناء على ذلك فإن معنى الإشهاد يدور حول العلم، والإعلام عن حضور، أو غيره. الإشهاد اصطلاحا: مع أن ألفاظ الفقهاء اختلفت في تعريف الإشهاد إلا أنها متقاربة في المعنى. عرَّفته الحنفية: بأنه إخبار صدق لإثبات حق بلفظ الشهادة[19] في مجلس القضاء[20]. وعرَّفته المالكية: بأنه قول يوجب على الحاكم سماعه الحكمَ بمقتضاه إن عُدِّل قائله مع تعدده، أو حلَف طالبه[21]. وقيل: هو تنفيذ قول الغير على الغير[22]. وعرَّفته الشافعية: بأنه إخبار الشخص بحق على غيره بلفظ أشهد[23]. وعرَّفته الحنابلة: بأنه الإخبار بما علمه بلفظ خاص[24]. تحرير محل النزاع: اتفق أهل العلم على إظهار عقد النكاح؛ للتفريق بين المعقود عليها بنكاح وبغير المعقود عليها، واختلفوا هل هي شرط تمام يؤمر به عند الدخول، أو شرط صحة يؤمر به عند العقد[25] على ثلاثة أقوال. وسبب اختلافهم سببان: أحدهما: هل الشهادة في ذلك حكم شرعي؟ أم إنما المقصود منها سد ذريعة الاختلاف، أو الإنكار؟ فمن قال: حكم شرعي، قال: هي شرط من شروط الصحة. ومن قال: تَوَثُّق، قال: من شروط التمام[26]. الآخر: الاختلاف في صحة الأحاديث الواردة في اشتراط الإشهاد، فمن قال بصحتها قال بأن النكاح لا يصح إلا بالشهود. ومن قال بضعفها لم يشترط الشهود لصحة النكاح[27]. أقوال العلماء في حكم اشتراط الشهادة في النكاح: القول الأول: لا نكاح إلا بشاهدي عدل. القائلون به: عمر بن الخطاب[28]، وعلي بن أبي طالب[29]، وعبد الله بن الزبير[30]، وابن عباس[31]رضي الله عنهم، وعطاء بن أبي رباح[32]، والنخعي[33]، وجابر بن زيد[34]، ........................................ وقتادة[35]، وسعيد بن المسيب[36]، والحسن البصري[37]، وسفيان الثوري[38]، والأوزاعي[39]، والشافعية[40]، والحنابلة[41]، والحنفية[42]، والظاهرية[43]. الأدلة التي استدلوا بها: أولا: السنة النبوية: 1-عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ، وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ»[44]. 2- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ، وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ»[45]. وجه الدلالة من هذين الحديثين: أن النبي نفى كون النكاح بلا إشهاد، فدل على اشتراطه[46]. 3-عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «البَغَايَا اللَّاتِي يُنْكِحْنَ أَنْفُسَهُنَّ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ»[47]. وجه الدلالة: لو لم تكن الشهادة شرطا لم تكن زانية بدونها[48]. أجيب عن هذه الآثار: بأنها ضعيفة[49]. نُوقش بأن في حديث عائشة رضي الله عنها كفاية لصحة القول باشتراط الشهود[50]. ثانيا: المعقول: 1-لأن الحاجة مست إلى دفع تهمة الزنا عنها، ولا تندفع إلا بالشهود؛ لأنها لا تندفع إلا بظهور النكاح واشتهاره، ولا يشتهر إلا بقول الشهود[51]. 2- لأنه يتعلق به حق غير المتعاقدين، وهو الولد، فاشترطت الشهادة فيه؛ لئلا يجحده أبوه، فيضيع نسبه[52]. القول الثاني: النكاح جائز بغير شهود. القائلون به: ابن عمر[53]، والحسن بن علي[54]رضي الله عنهم، وعبد الله بن إدريس[55]، وعبد الرحمن بن مهدي[56]، ويزيد بن هارون[57]، وأبو ثور[58]، وعبيد الله بن الحسن[59]، ...................................... ورواية عند الحنابلة[60]، وابن المنذر[61]. الأدلة التي استدلوا بها: أولا: القرآن الكريم: قوله تبارك وتعالى: ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ﴾ [النساء: ٣]. وجه الدلالة: هذه الآية عامة في كل نكاح، ولم يذكر فيها الإشهاد[62]. أجيب بأن المقصود بها من يستباح من المنكوحات، ولم يرد في صفات النكاح[63]. ثانيا: السنة النبوية: 1- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْتَقَ صَفِيَّةَ، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا»[64]. وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها بغير شهود[65]. أجيب عنه: بأن هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يقاس عليه[66]. 2-أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله عنها بدون شهود[67]. أجيب عنه: بأن هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يقاس عليه[68]. 3- عَنْ عَلِيٍّ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلَا أُنْكِحُكَ أُمَيْمَةَ بِنْتَ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ؟»، قَالَ: بَلَى، قَالَ: «قَدْ أُنْكِحْتَهَا»، وَلَمْ يُشْهِدْ[69]. أجيب عنه من وجهين: أحدهما: أنه ضعيف[70]. الآخر: على فرض صحته أنه حضر العقد شهود لم يقل لهم: اشهدوا؛ إذ يبعد أن يخلو مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال بروزه من حضور نفسَين فصاعدا، وإذا حضر العقد شاهدان بقصد أو اتفاق صح العقد بهما، وإن لم يقل لهما: اشهدا، فلم يكن في الخبر دليل؛ لأن قول الراوي: ولم يُشهد، أي لم يقل لمن حضر اشهدوا[71]. ثالثا: الآثار: رُوي أن عليًّا رضي الله عنه زوج بنته أم كلثوم من عُمر رضي الله عنه، ولم يُشهد[72]. أجيب بأنه لا يصح عن عمر رضي الله عنه؛ إذ كيف يصح ذلك عنه، وقد روي عنه أنه رد نكاحا حضره رجل وامرأة، فقال: «هذَا نِكاحُ السِّرِّ، ولا أُجِيزُهُ»[73][74]. رابعا: المعقول: 1-الأخبار التي استدل بها القائلون على اشتراط الشهود واهية لا تثبت عند أهل المعرفة بالأخبار[75]. 2-لم يثبت دليل صحيح على اشتراط الشهود في النكاح[76]. أجيب عنهما بأنه ثبت اشتراط الشهادة في صحة النكاح كما تقدم. القول الثالث: النكاح جائز بغير شهود إذا أعلنوه. القائلون به: الزهري[77]، والمالكية[78]، وأهل المدينة[79]، وابن العربي[80]. الأدلة التي استدلوا بها: أولا: السنة النبوية: 1-عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي حَسَنٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَكْرَهُ نِكَاحَ السِّرِّ حَتَّى يُضْرَبَ بِدُفٍّ[81]. أجيب عنه: بأن إسناده واهٍ جدا, فيه الحسين متروك الحديث كذاب[82]. 2- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، «أَنَّ النَّبِيَّصلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ نِكَاحِ السِّرِّ»[83]. أجيب عنه من وجهين: أحدهما: بأنه لم يصح قط نهي عن نكاح السر إذا شهد عليه عدلان[84]. الآخر: نقول بموجب هذا الحديث، لكن نكاح السر ما لم يحضره شاهدان، فأما ما حضره شاهدان فهو نكاح علانية لا نكاح سر إذ السر إذا جاوز اثنين خرج من أن يكون سرا؛ لأنهما إذا أحضراه شاهدين فقد أعلناه[85]. 3- عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ»[86]. أجيب عنه من ثلاثة أوجه: أحدها: أنه ضعيف؛ لأجل عيسى بن ميمون، وهو ضعيف[87]. قال ابن حبان «ت 354هـ» رحمه الله: «يروي عن الثقات أشياء كأنها موضوعات فاستحق مجانبة حديثه والاجتناب عن روايته وترك الاحتجاج بما يروي لما غلب عليه من المناكير»[88]. الثاني: أن إعلانه يكون بالشهادة، وكيف يكون مكتوما ما شهده الشهود؟ أم كيف يكون معلنا ما خلا من بينة، وشهود؟ الثالث: أن يحمل إعلانه على الاستحباب كما حُمل ضرب الدف على الاستحباب دون الإيجاب[89]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |