|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أفول القمر صلى الله عليه وسلم صالح بن محمد الطامي الخطبة الأولى الحمدُ لله بَعَثَ نَبيّه صلَّى اللهُ عليه وسلم إلى عبادِه ﴿...شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45-46]، أَرسَلَهُ رحمةً للعالمين، وجعلَ بقاءَه بين عبادِه أمانًا لهم من العذابِ الأليم، والصلاةُ والسلامُ على مَن أَحَبَّ أُمَّتَه، وقَدَّمَ حُبَهُم يومَ القِيامَةِ على نفسِهِ بقوله (أُمَتي أُمَتي) وعلى آله وصحبِهِ وسلَّمَ تسليِمًا كثيرًا؛ أما بعد: فاتقوا اللهَ عِبادَ الله، فتقوى اللهِ بالسيرِ على خُطى النبيِّ صلى الله عليه وسلَّم؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب ﴾ [الحشر:7]. أُمَّةَ الإسلام، حَبِيبٌ جاءَ على فاقة أضاءَت بِقُدُومِه الدُنيا والقُلُوب، فسَالت مِن أجلِهِ شِعَابُ القَلبِ حبًّا لهُ وتفانيًا، أَسَرَ القُلُوبَ جَمالًا وأخلاقًا، واستَحكَمَ تعظِيمُهُ في الأرواحِ هَيبةً وإجلالًا، بَذَلَ نفسَهُ وجَسَدَهُ لأُمَّتِه، واستعذَبَ الآلامَ لإخرَاجِهِم مِن الظُلماتِ إلى النُور، صلَّى الله عليه وسلم. أُمَّةَ الإسلام، حياةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم مِن المَهدِ إلى اللَّحد، حَياةٌ مَلِيئَةٌ بالموَاقِفِ والعِبَر، لم تتجاوز ثلاثًا وستين سنة، منها أربعونَ قبلَ النبُوة، عَرَفَهُ الناسُ خِلالَها بأخلاقِهِ وأَمَانتِه، ودَانَت لهُ القُلُوبُ والأَرواح، وَفَاقَ أَقرَانَهُ وأترَابَهُ رَأيًا وتحكِيمًا صلى الله عليه وسلم. أُمَّة الإسلام، وبعد الأربعين عاشَ صلى الله عليه وسلم ثلاثًا وعشرين سنة، امتنَّ اللهُ بها على عِبادِه بِنُبُوتِه ورسالتِه قال جل وعلا: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِين ﴾ [آل عمران:164]، دعا بمكةَ ثَلاثَ عَشرَةَ سنة، فتقَاطَرَ غَيثُ الإيمانِ في القُلُوب، وأنارت بحكمَتِهِ وعِلمِهِ العُقُول، فأقبلَ الناسَ يرتوونَ مِن بَحرِ عِلمِهِ وأخلاقِه عذبًا زُلالًا، يزكي نُفُوسَهم وأخلاَقَهم، ويُطهِرُها من أوضارِ الجاهلية. أُمَّةَ الإسلام، وفي المدينة دعاء صلى الله عليه وسلم إلى الإسلامِ عَشر سنين، بَيَّنَ فيها أحكامَ الدِّين، ومَلَكَ الناسَ بأخلاقِهِ وحكمَتِهِ؛ كما قال جل وعلا: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم:4]، فجرى حُبُّهُ في نفوسِهِم وأرواحِهِم جريانَ الدمِ في العُروق، فأصبحوا يتساقطونَ في المعارك بين يديِهِ يفدُونَهُ بأرواحِهِم وأبناءِهِم. أيُّها المسلمون، أكرمَ اللهُ جل وعلا نبيَّه صلى الله عليه وسلم في آخرِ حياتِه بحجِ بيتِهِ الحرام، بعد أن طَهرها مِن الأصنامِ والأوثانِ والمشركين، فأقبلَ الناسُ إلى المدينةِ رجالًا وعلى كُلِّ ضامر، يروجونَ هذا الفضلَ العظيم، فحجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وبصحبَتِهِ عشراتِ الآلافِ مِن الصحابةِ رضي الله عنهم، أكَّدَ في حجتِهِ على معالمِ الإسلامِ والتمَسكِ بها، والبُعدِ عن معالمِ الجاهليةِ والحذرِ منها، ثم قال: (لعلي لا ألقاكُم بَعدَ عَامي هذا)! كلماتٌ خَفَقت مِن أجلِها قُلُوبُ الصحابةِ رضي الله عنهم، خوفًا من فِراقِه صلى الله عليه وسلم، أحقًّا سَيَغِيبُ القَمَر؟! تَمرُّ في خَيَالِهم أيامُهُم الجميلة، يأمُّهُم في الصلاة، يُحرِّكُ قُلُوبَهم بالآياتِ والمَواعِظ، يتبسَّمُ في وجُوهِهِم، يَحمِلُ صِبيانَهم ويُلاعِبَهم، يعودُ مَرِيضَهم، ويُواسي فقيرَهُم، يسمعُ حدِيثَهُم ويعجبُ مما يعجبون، يُمازِحُهم ولا يقولُ إلا حقًّا، يقضي حوائِجَهم، يجوعُ معهم، ويشبعُ معهم، ولا يستأثِرُ بشيءٍ مِن أُمورِ الدُّنيا دُونَهم، يا الله، أحقًّا سيغيب القمر؟! أقولُ ما سمعتُم وأستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات الأحياءِ منهم والأموات فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمدُ للهِ القائل: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُون ﴾ [الزمر:30]، والصلاة والسلام على نبينا محمد القائل: (إنَّما أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسولُ رَبِّي فَأُجِيبَ)؛ رواه مسلم، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد: فاتقوا اللهَ عبادَ الله، أيُّها المسلمون، إن مِن حِكمَةِ اللهِ تعالى أن جعلَ نَبيَّه صلى اللهُ عليه وسلم بشرًا مِن البشر، يَعترِيه ما يعتري البشر، يَفرحُ ويُسر، ويَحزنُ ويتألَّم، ويموتُ كما يَموتون، ليكونَ بذلك أسوةً لأُمَّتِه في حياتِهم وفي موتِهم، قال صلى اللهُ عليه وسلم: (إذا أُصِيبَ أحدَكُم بِمصيبةٍ فليذكُر مُصيبَتهُ بي، فإنها أعظمُ المصائب)؛ رواه مالكٌ والطبراني وصحَّحه الألباني. فيا أيُّها المُحِبُ لنبيه، يا مَن فقدتَ الأَحباب، وأحاطت بكَ الأَسقام، كيف لو رأيتَ النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم وهو يُودِعُ أحبَابَه وأصحَابَه في مرضِه الذي ماتَ فيه؟! يعاني مِن المَرضِ ويتأَلَّم، ويَعصِبُ رأَسَهُ ليُخفِفَ مِن صُدَاعِه، ويَغتسِلُ بِسبِعِ قِرَبٍ لِيُخفِّفَ مِن حَرَارةِ جِسمِه صلى اللهُ عليه وسلَّم, وفي كُلِ مَرَّةٍ يُغمى عليهِ ويُفِيق ثم يقولُ أصلَّى الناس؟ ويقولُ لأصحَابِه: إني أُوعَكُ كما يُوعَكُ رَجُلانِ مِنكُم، فلما ضَعُفَ واشتدَّ به المرض، أَمَرَ أبا بكرٍ لُيصَلِّيَ بالناس، فإذا سَمِعَ صلاتَهم وتلاوتَهم تحامَلَ على نفسِهِ حتى يَكشِفَ الستارَ الذي بينَهُ وبينَهم لِينظُرَ إليهم، ثمَّ يتبسَّمُ، كالمُوَدِع لهم صلى الله عليه وسلم. أيُّها المُحِبُ لنبيه، كيف لو رأَيتَهُ وهو يَجودُ بِنفسِهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم ورأسُهُ على صَدِرِ عائشةَ رضي الله عنها، وهو يَستنُّ بِسواكٍ رطب، لِيُطيِّبَ فاهُ قبل خروجِ رُوحِهِ صلى الله عليه وسلم؟! وكانَ بين يديِهِ ركوةٌ فيها ماء، فجعلَ صلى الله عليه وسلم يُدخِلُ يَدَهُ في الماء ويَمسَحُ بِهِ وَجهَهُ ويقول: (لا إله إلا الله، إنَّ للموتِ لَسَكرات)، فلما فَرَغَ مِنِ السِواكِ رفعَ يدَهُ أو إصبَعَهُ وشَخَصَ بصَرُهُ نحوَ السَّقفِ وهو يقول: (مع الذين أنعمتَ عليِهم مِن النبيِّين والصِّدِّيقين والشهداءِ والصالحين، اللهُمَّ اغفِر لي وارحمني، وألحقني بالرفيقِ الأعلى، اللهُمَّ الرفيقَ الأعلى)، ثُمَّ مالت يَدُهُ صلى الله عليه وسلم، إن لله وإنَّا إليه راجعون. أُمَّةَ الإسلام، تَسَرَّبَ النبأ، وطاشَتِ العُقُول ما بينَ مُصَدِّقٍ ومُكذِّب، وانعَقدت ألسِنَةُ الصحابَةِ رضي الله عنهم لا يدرون ما يقولون، فمِنهُم الواجمُ لا يتكلَّم، ومِنهُم الهائِمُ في سِكَكِ المدينة، ومِنهُم الباكي، والفاروقُ يُهدِّدُ ويُزمجِر، وأَظلمَت على أَهلِ المدينةِ أَرجَاؤُها وآفاقُها، حتى جاءَ أبو بكر رضي الله عنه، رجلٌ لطالَما غَرَسَ في قَلبِهِ بُذورَ التَصدِيقِ والتَسليم، وسقَاهَا بماءِ القُرآن، فَصَعَدَ المِنبَر وقال: أيُّها الناس، مَن كَانَ يَعبُدُ مُحمَّدًا، فإنَّ محمَّدًا قد مات، ومَن كَانَ يَعبُدُ اللهَ فإنَّ الله حي لا يَمُوت؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِين ﴾ [آل عمران:144]، دُهِشَ الصحابَةُ رضي الله عنهم! وأطرقوا كأنّما على رُؤوسِهمُ الطير! وقالوا: (أهذِهِ في كتابِ الله؟!)، وما زادَهُم إلا إيمانًا وتسليمًا، ورضوا بقضاءِ اللهِ وقَدَرِهِ، ولم يَقُوموا باتخاذِ ذلكَ اليومَ مأتَمًا إعلانًا لحبِّه، كما أنهم لم يتخِذُوا يومَ مَولِدِهِ عيدًا، وإنَّما جعلوا عَلامَةَ حُبِّهم له صلى الله عليه وسلم اتبَاعَه والسيرَ على نهجه. قال السعديُّ رحمَهُ الله في تفسيره: (وفي هذِهِ الآيةِ الكريمة إرشادٌ مِن اللهِ تعالى لعبادِهِ أن يكونوا بحالةٍ لا يُزعزِعُهم عن إيمَانِهم، أو عن بَعضِ لوازِمه فَقدُ رَئيسٍ ولو عَظُم، وفي هذِهِ الآية أَعظَمُ دليلٍ على فَضيلةِ الصدِّيقِ الأَكبَر أبي بكرٍ الصديقِ وأصحَابِهِ الذين قاتلوا المُرتَدين؛ لأَنَّهم ساداتُ الشاكرين) رضي اللهُ عنهم. اللهُمَّ أوردنا حَوضَ نَبِيِّكَ صلى اللهُ عليه وسلم، وارزقنا مِنهُ شربةً لا نظمأُ بعدَهَا أبدًا. هذا وصلُّوا وسلِّموا على مَن أمركم اللهُ بالصلاةِ والسلامِ عليه، قال اللهُ جل وعلا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلم وزدْ وبارك على عبدك ونبيك محمد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |