أسلوب القرآن الحكيم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         مشروبات دافئة بالقرفة والتفاح لمواجهة تقلب الطقس فى الخريف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          5 طرق لتعطير حمامك ومنحه رائحة منعشة.. منها استخدام صودا الخبز (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          مع بداية الخريف.. وصفات طبيعية تحافظ على نضارة وجمال بشرتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          5 خطوات بسيطة تساعد الأمهات على إدارة التوتر قبل عودة المدارس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          مقارنات الأطفال فى السابلايز والأدوات المدرسية.. إزاى تتعاملى معاها بحكمة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          5 تسريحات شعر تزيد التقصف ابعدى عنها.. أولها الكحكة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          4 مشروبات ديتوكس تعزز نضارة البشرة وتحافظ على ترطيبها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          طريقة عمل تارت الشوكولاتة بمكونات خفيفة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          أفضل تنسيقات غرفة الأطفال لخلق مساحة مبهجة.. موضة ديكور 2025 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          5 عادات بسيطة تساعدك على فقدان الوزن بسرعة مع بداية الخريف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 27-09-2021, 08:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,305
الدولة : Egypt
افتراضي أسلوب القرآن الحكيم

أسلوب القرآن الحكيم
د. محمود بن أحمد الدوسري



الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: الحديث عن "أسلوب القرآن الحكيم" يُجمَع في سبع مسائل:
المسألة الأُولى: معنى أسلوب القرآن.
المسألة الثانية: مُناسَبَتُهُ للعامَّةِ والخَاصَّة.
المسألة الثالثة: إرضاؤُهُ العقلَ والعاطِفةَ.
المسألة الرابعة: جَوْدَةُ سَبْكِهِ وإِحكامُ سَرْدِهِ.
المسألة الخامسة: تَعَدُّدُ أسالِيبِه واتِّحادُ مَعْنَاه.
المسألة السادسة: جَمْعُه بين الإِجمالِ والبَيانِ.
المسألة السابعة: إِيجازُ لَفْظِه وَوَفَاءُ مَعْنَاه.

المسألة الأُولى: معنى أسلوب القرآن:
معنى «الأسلوب» في اللغة: يُقال للسَّطْرِ من النَّخيل: أُسْلوب، وكُلُّ طريق ممتد فهو أُسْلُوب، والأُسلوب: الطَّريقُ، والوَجْهُ، والمَذْهَبُ، يقال: أنتم في أُسْلُوب سُوءٍ، والأُسْلُوب: الفَنُّ، يقال: أخذ فلان في أساليبَ من القول؛ أي: أفانينَ منه، وإِنَّ أَنْفَهُ لفي أُسْلُوب، إذا كان مُتكَبِّراً [1]. ويقال: سلكتُ أسلوبَ فلان في كذا: طريقَتَه ومذهَبَه. وطريقة الكاتب في كِتابَته. ويُقال: أخذنا في أساليبَ مِنَ القَولِ: فنونٍ متنوعةٍ. والجَمْعُ: أسالِيب [2]. «والأسالِيبُ الفُنُونُ المُخْتَلِفَةُ» [3].

معنى «الأسلوب» في الاصطلاح: الأسلوب في اصطلاح الأدباء وعلماء العربية هو: الطَّريقةُ الكلامِيَّةُ التي يسلكها المتكلِّم في تأليف كلامه واختيار ألفاظه ومفرداته. أو هو المذهب الكلامي الذي انفرد به المتكلِّم في تأدية معانيه ومقاصده من كلامه، أو هو طابع الكلام الذي انفرد به المتكلِّم [4].

معنى «أسلوب القرآن»: وبناءً على ما تقدم فإن أسلوب القرآن العظيم: هو طريقته التي انفرد بها في تأليف كلامه واختيار ألفاظه. وإذا كان الأمر كذلك فلا غرابة أن يكون للقرآن العظيم أسلوب خاص به، لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله؛ ذلك أنه كلام رَبِّ العالمين تبارك وتعالى.

وأساليبُ المتكلمين وطرائقُهم في عرض كلامهم من شعرٍ أو نثرٍ، تتعدَّدُ بتعدد أشخاصهم، وأذواقهم، بل تتعدَّدُ في الشخص الوحد أحياناً بتعدد الموضوعات التي يتناولها، والفنون التي يعالجها. ومن الجدير بالذكر هنا معرفة أنَّ الأسلوب غير المفردات والتراكيب التي يتألَّف منها الكلام، وإِنَّما هو الطَّريقة التي انتهجها المؤلِّفُ في اختيار المفردات والتراكيب لكلامه.

وهذا هو السر في أنَّ الأساليب مختلفة باختلاف المتكلمين مِنْ ناثرين وناظمين، مع أنَّ المفردات التي يستخدمها الجميع واحدة، والتَّراكيب في جملتها واحدة، وهذا هو السر أيضاً في أنَّ القرآن العظيم لم يخرج عن معهود العرب في لغتهم العربية، بل جاء كتاباً عربياً جارياً على مألوف العرب، فمن حروفهم تألَّفتْ كلماته، ومن كلماتهم تألَّفَتْ تراكيبه، ولكنَّ المعجِزَ والمدهش أنَّ القرآن قد أعجزهم بأسلوبه الفذِّ، ولو دخل عليهم مِنْ غير هذا الذي يعرفونه، لأمكن أن يُلتمس لهم عذر في ذلك، وأن يسلم لهم طعن، ولذلك قال الله تعالى: ﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ﴾ [فصلت: 44] [5].

تنوُّع أسلوب القرآن: مَرَّ المجتمع الأوَّل - الذي نزل عليه القرآن - في تحولِّه من حال إلى حال، بأحوال مختلفة يحتاج كُلٌّ منها إلى أسلوب خاص في مخاطبته.

فحين كان الكفر هو السائد بينهم: مالت الآيات إلى قِصَرِ الفواصل مع قُوَّة الألفاظ، بما يشتد قرعُه على الأسماع، ويصعق القلوب؛ ليوائم جَوَّ الرَّدْع والزَّجر والتَّقريع للمخاطَبين، وهذا هو الغالب في آيات السور المكية.

وحين ساد الإيمان وأقبلت القلوب على القرآن: طالت المقاطع والآيات في البيان المتأني والوقع الهادئ بما يريح الآذان، ويجذب القلوب؛ ليوائم جَوَّ المحبة والاتِّباع والانقياد، وهذا هو الغالب في آيات السور المدنية.

فتغَيُّر الأسلوبِ من حال إلى حال، دليلٌ واضح على أنَّ القرآن العظيم يشتمل على أساليب صالحةٍ لمخاطبة البشرية على كل حال. خاصةً إذا عَلِمنا أن أسلوب القرآن ليس موجَّهاً إلى شخص بعينه، ولا إلى جيل بعينه، بل خُوطبت به أجيال كثيرة ومتتابعة، إلى أن يرث الله الأرض ومَنْ عليها [6].

المسألة الثانية: مُناسَبَتُهُ للعامَّةِ والخَاصَّة:
ما دام القرآن العظيم مخاطَباً به الناس جميعاً، على امتداد الحياة كلِّها، فقد كان من حكمته أن يكون مناسِباً للعامَّة والخاصَّة، فمن خصائص أسلوبه: أنه لا يعلو عن أفهام العامَّةِ ولا يقصر عن مطالب الخاصَّة، فإذا قرأَتْهُ العامَّةُ أحسُّوا بجلالِهِ، وذاقوا حلاوته، وفهموا منه على قدر استعدادهم ما يُرضي عقولَهم وعواطفَهم، وكذلك الخاصَّة إذا قرؤوه، لكنهم يفهمون منه أكثر مما يفهمه العامَّة.

وهذان مطلبان لا يدركهما الفُصحاء والبُلَغاء من الناس، ولذلك لجأوا إلى قاعدةٍ يعتذرون بها فقالوا: (لكلِّ مقامٍ مقال)، أمَّا أنْ يأتي كلام واحد يُخاطَب به العلماء والعامَّة، والملوك والسُّوقَة، والأذكياء ومَنْ دونهم، والكبير والصَّغير، والذَّكر والأُنثى، والعرب والعجم، ويرى فيه كلٌّ منهم مطلبه ويدرك من معانيه ما يكفيه، فذلك ما لا يوجد إلاَّ في القرآن العظيم وحده.

فالآياتُ نفسُها لم تتبدل ولم تتغير، لكن فيها من العطاء بحيث يدرك منه كُلُّ قارئ قَدْرَ طاقتِه، وَوُسْعَ عقلِه وفكره، فلا يحمله ما لا يطيقه، ولا يقصر عن حاجته.

وهو لا يُخاطِبُ عامةً وخاصةً في عَصْرٍ من العصور، بل يُخاطِبُ أولئك في كل عصر ومِصْرٍ إلى أنْ يرث الله الأرض ومَن عليها. ولن تجد فيه الخاصَّةُ ـ فَضْلاً عن العامة ـ قصوراً في معانيه، ولا خللاً في تراكيبه، ولا عَيْباً في أساليبه.

والعامَّةُ كذلك - على الرغم مِنْ تَحَوُّل الأساليب وتغيُّرها من قرن إلى قرن - لا تنبو عن أفهامهم لفظة، ولا يلتوي على ألبابهم معنى، ولا يحتاجون فيه إلى ترجمان أكثر مما يحتاجون إلى فهم لغتهم العربية.

وهذا لا يكونُ ولن يكونَ أبداً في كلام البشر الناقص، الذي إِنْ أرضى العامَّة بمعانيه الواضحة، وحقائقه الظاهرة، هبط عن مستوى الخاصَّةِ ومشربِهم وأذواقِهم، وإِنْ أرضى العلماءَ منهم بدقائقه وإشاراته، عجزت عقولُ العامَّةِ عن فهمه، ومِنْ ثَمَّ تنصرف عنه أذهانُهم، وتَمُجُّه أذواقهُم [7].

والأعجب من ذلك - وليس عَجَباً في حقِّ الله - أن أسلوب القرآن العظيم تجده يوائم تطوُّر البشريَّة على مرِّ العصور، وتطوُّر عقولها، فلا تجد فيه إخلالاً، ولا تجد فيه تقادماً، بل عطاؤه متجدِّد باستمرار، ومعانيه متكاثرة على الدَّوام؛ فهي كالبحر الزَّخار والسَّيل الجرَّار، والأسلوب هو هو، والنظم نفسُه لم يتغيَّر ولكنَّه يستوعب كلَّ هذه المعاني وهذا من أسرار عظمة القرآن الكريم.

المسألة الثالثة: إرضاؤُهُ العقلَ والعاطِفةَ:
في الوقت الذي تُخاطب بعض الفلسفات في الإنسان عقلَه، وأخرى تخاطب قلبَه، فإنَّ القرآن العظيم في خطابه يُحَقِّق التَّوازن بمخاطبة العقل والقلب معاً، فيجمع بذلك الحقَّ والجَمالَ معاً، ففي كلِّ إنسان قُوَّتان:
1- قوة تفكير.
2- وقوة عاطفة ووجدان.

فقوة التَّفكير تغوص باحثةً عن الحقائق والمعاني المستترة. وقوة العاطفة تطفو فتبحث عن الجمال الظَّاهرِ، وهذه النفس الإنسانيَّة إمَّا أن تغوص مع تلك أو تطفو مع هذه، فلا تستطيع أنْ تغوصَ أو تطفو في لحظة واحدة، أو وقت واحد.

ولن يوجد إنسان سواء كان عالِماً، أو أديباً، أو شاعراً يُمسِك بالأمر من طرفيه. فيأتي بكلام واحد يفي بحاجة هاتين القوَّتين، ولو وُجِدَتْ عند أحدٍ من البشر فإنهما لا يعملان إلاَّ مناوبةً كُلَّما قويت واحدة، ضعفت الأخرى.

وهو أمر يجده الواحد من نفسه، فإذا قويت (قُوَّة الوجدان) تناقصت (قوة التَّفكير)، وحين تظهر (قوة التفكير) تضعف (قوة الوجدان). وقد أدرك العلماءُ ذلك فقالوا: لا يقضي القاضي وهو حاقن، أو جائع، أو غضبان؛ لأنَّ حرارة الغضب تستر العقلَ فلا يصلح للقضاء [8].

والشَّاهد من هذا: أنَّ (قوة التَّفكير) و(قوة الوجدان) تتنازعان في النفس الإنسانية، وتكون الغلبة لإحداهما، فإِنْ تكلَّم المتكلِّم ووَفَّى بحقِّ العقل بَخَسَ حَقَّ العاطفة، وإنْ وفَّى حقَّ العاطفة بَخَسَ حقَّ العقل، فإمَّا أن يأتي بكلام علمي مجرَّد يُرضِي به فكرَه وعقلَه، وإمَّا أن يأتي بكلام أدبي منمَّق يُرضي به عاطفتَه [9].

والقرآن العظيم وحده هو القادر على مُخاطبة العقل والقلب معاً، وأن يمزج الحقَّ والجمالَ فلا يبغي بعضُهما على الآخر.

وإنَّ المتأمِّلَ في كتاب الله تعالى يلحظ ذلك جلياً، ففي الوقت الذي تُورَدُ فيه الحجج والبراهين العقلية على البعث والإعادة - في مواجهة مُنكريها - لا يُهْمَلُ نصيب القلب من تشويق وترقيق، فَتُسَاقُ الأدلة سَوْقاً يهز القلوب هزاً، ويُمتعُ العاطفة امتاعاً، قال الله تعالى: ﴿ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ﴾ [يس: 78].

لقد أَوْرَدت هذه الآية الكريمة شُبهةً على البعث ثم ردَّت عليها بعبارة وجيزة، بليغة، فصيحة، تَنَاسقت فيها الألفاظ، وسمت فيها المعاني، مع دِقَّةٍ في الدلالة، وإِنَّ أفصح الفصحاء، وأعلم العلماء، لو اجتمعا لم يُقَرِّرا ذلك إِلاَّ في صفحات وصفحات، إنْ هما قَرَّراه.

ولنتأملْ قولَه تعالى: ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ﴾ [الأنبياء: 22]. عند ذلك يتبيَّن لنا أنه اجتمع في سبع كلمات عمق المقدِّمات اليقينية، ووضوح المقدِّمات المُسَلَّمة، مع دقة في التصوير لما يؤول إليه التنازع من فساد عظيم، فلو ابتغى مثلَه فلاسفةُ العصور كلِّها ما استطاعوا تقريره إلاَّ بعبارة طويلة جافَّة.

نماذج وصور: لننظرْ إلى القرآن العظيم وهو يسوق قصّة يوسف مثلاً، كيف يأتي من خلالها بالعظات البالغة، ويطَّلِعُ من خلالها بالبراهين السَّاطعة، وآداب الشَّرف، والعفاف، والأمانة، وخشية الله، إذ قال الله تعالى في فَصْلٍ من فصول تلك القصَّة الرائعة. ﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتْ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ [يوسف: 23]. فلنتأملْ في هذه الآية الكريمة كيف قُوبِلَتْ دواعي الغواية الثلاثة، بدواعي العفاف الثلاثة:
فدواعي الغواية الثلاثة:
1) مراودتُها له.
2) إغلاق الأبواب.
3) دعوتُها له: ﴿ هَيْتَ لَكَ ﴾.

ودواعي العفَّة الثلاثة:
1) قوله: ﴿ إِنَّهُ رَبِّي ﴾.
2) ﴿ أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾.
3) ﴿ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾.

فصوَّرت هذه الآية الكريمة - وهي تسوق قصَّة من القصص - جدلاً كبيراً بين أولياء الرحمن، وأولياء الشيطان، وبسطت جوانب القضيَّة، وشخَّصت الحدث، وكأنما تنظر إليه من زاوية خفيَّة. ليصل الشَّاب في النِّهاية والفتاة كذلك إلى إمكان الاستعلاء فوق المغريات مهما كانت جاذبيَّتُها، وذلك بعد أن مَلَكَ التَّعبير القرآني هنا أقطار النَّفس كلِّها، فامتلأت اقتناعاً بالعِفَّة.


وهكذا نجد القرآنَ كُلَّه يوجه العقول والقلوب معاً جنباً إلى جنب بأسلوب سائغ، ويسير على النفوس [10]، ينبئ عن عظمته، وعلوِّ شأنه، وتأثيره في النفوس وفاعليته.

المسألة الرابعة: جَوْدَةُ سَبْكِهِ وإِحكامُ سَرْدِهِ:
جودة السَّبك، وإحكام السَّرد، أمر في غاية الأهمية، ذلك أَنَّ الكلام هو مرآة المعاني، فإذا اتَّسق الكلام، وترابطت أجزاؤه، وتلاحمت أفراده وأُحْكِمَ سرده، صَفَتْ معانيه وانجلت، فجودة السَّبك وإحكام السَّرد ضرورة لصفاء المعاني، وتحقيقُ ذلك أمر صعب المرتقى، فهو يحتاج إلى مَلَكة راسخة، وَحِذْق مكين في علم الكلام [11].

و«القرآن الكريم تقرؤه من أوَّلِه إلى آخره فإذا هو محكم السَّرد، دقيق السَّبك، متين الأسلوب، قويُّ الاتصال، آخذ بعضه برقاب بعض في سوره وآياته وجُمَلِه، يجري دم الإعجاز فيه كله من أَلِفِه إلى يائه كأنه سبيكة واحدة، ولا يكاد يوجد بين أجزائه تفكك ولا تخاذل؛ كأنه حلقة مفرغة، أو كأنه سِمْط[12] وحيد، وعِقد فريد، يأخذ بالأبصار: نظمت حروفه وكلماته، ونسقت جمله وآياته، وجاء آخِرُه مساوقاً لأوَّله، وبدا أوَّلُه مواتياً لآخِره» [13].

ومَنْ أراد جودةً قويةً في سبك كلامه، وإحكاماً متناسقاً في سرده: فليختر موقعاً مناسباً لكل عبارة من كلامه، من حيث بداية الكلام، أو نهايته، أو مضمونه، أو خلاصته، وليحسن ربط الكلام بعضه ببعض، ومزج بعضه ببعض، وليختر أحسن الأساليب في ذلك، فقد يكون الإسناد مرة أفضل، وقد يكون التَّعليق أُخرى، وقد يكون العطف ثالثة، وقد تكون الإضافة رابعة وهكذا، ثم بعد ذلك عليه أن يُنَقِّي عباراته من الحشو، فإنْ أَتْقَنَ ذلك انتقل إلى المعنى الثاني وفَعَلَ به كما فعل بالمعنى الأول، وزاد على ذلك إتقان ربطه بالمعنى السَّابق وبالمعنى اللاَّحق.

وَرَصْفُ المعاني كرصف المباني: يَضَعها البَنَّاءُ لَبِنَةً لبنة، ويضع بين اللَّبِنات ما يربط بعضها ببعض، ثم يعود عليها كُلِّها بما يُغطِّي آحادها ويُظهرها كالسَّبيكة الواحدة، ثم يكرُّ أُخرى يُزيل ما خرج عن سمتها أو نبا عن حَدِّها، وعلى قدر إتقانه للبناء تكون مهارته. والمتأمِّلُ في كلام البشر يجد أكثرَهم لا يتقنون تنظيم أجزاء كلامهم، بل يسوقونه أشْتاتاً مفكَّكة، وكثيراً ما عاب النُّقَّاد فحولَ الشُعراء بسوء التَّخلص حين ينتقلون من معنى إلى معنى في القصيدة الواحدة.

وقد يضطر أصحاب البلاغة - للربط بين غرض وغرض - إلى استخدام أسماء الإشارة، أو أدوات التنبيه، أو كثرة التَّقسيم، والتَّرقيم، والتَّبويب، والعناوين، وعبارات: (أَمَّا بعد)، (ونقول كذا)، (قلت)، أو الإشارة في مقدمة الأبحاث إلى تقسيمه إلى أبواب، وفصول، ومباحث، كاعتذار مسبق للانتقال من معنى إلى معنى [14].

أمَّا القرآن العظيم فإنه على تنوُّع أغراضه، وطول نَفَسِه في سوره وآياته، ينتقل من مقصد إلى مقصد، غير مستعين بوسائل العجز المساعِدة، بل بطريقة بديعة أَخَّاذَة قد نشعر بها أو لا نشعر، ولن نُفَرِّقَ في ذلك بين أطول سورة في القرآن كسورة البقرة، وبين أقصر سور القرآن [15].

شبهة وردُّها: و«قد وَهَمَ مَنْ قال: لا يُطلْب للآية الكريمة مناسبة؛ لأنها على حسب الوقائع المفَرَّقة.
وفَصْلُ الخطاب، أنَّها على حسب الوقائع تنزيلاً، وعلى حسب الحكمة ترتيلاً وتأصيلاً، فالمصحف على وفق ما في اللَّوح المحفوظ مرتَّبةٌ سورُهُ كلُّها وآياته بالتوقيف، كما أُنزل جملة إلى بيت العِزَّة، ومن المعجز البيِّن أسلوبه ونظمه الباهر، والذي ينبغي في كُلِّ آيةٍ أنْ يُبحثَ أول كل شيءٍ عن كونها مكمِّلة لما قبلها، أو مستقلة، ثم المستقلَّة ما وجه مناسبتها لما قبلها، ففي ذلك عِلمٌ جَمٌّ، وهكذا في السور يطلب وجه اتصالها بما قبلها وما سِيقت له»[16][17].

قال الله تعالى: ﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [هود: 1]. ولاحِظْ أنَّ التَّفصيل في دائرة: الإحكام، الذي كان سوراً منيعاً، وكان كذلك؛ لأنَّ مُنَزِّله هو: ﴿ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 6]. والقرآن بذلك نعمة تُذْكَر فَتُشْكَر: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا ﴾ [الكهف: 1].
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 109.93 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 108.21 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.56%)]