|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوًّا لاحق محمد أحمد لاحق الخطبة الأولى إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ما ترك خيرًا إلا دلَّنا عليه، ولا ترك شرًّا إلا حذَّرنا منه. ونعوذ بالله من شر الشيطان الرجيم وشركه، وهمزه ونفخه ونفثه ووسوسته، ونعوذ بالله من شرور جنوده أجمعين. أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]. أما بعد: فستكون خطبتنا هذا اليوم عن أهم مهارة في الحياة، مهارة يجب علينا أن نُتقنها وأن نعلِّمها أولادنا وموظفينا وكافة المسلمين والبشر كافة، مهارة إذا أتقنها الإنسان كانت له سبب مهم في النجاة من النار، ودخول الجنة بإذن الله، وسبب في الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة، إنها مهارة اتخاذ القرار، ومفهوم اتخاذ القرار هو: عملية الاختيار الأمثل من بين خيارين أو أكثر. عباد الله، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الإنسان: 3]، وقال تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ [الليل: 5 - 10]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿ ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا ﴾ [النبأ: 39]، وقال تعالى: ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ﴾ [الكهف: 29]، وقال تعالى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 256]. أيها المسلمون، إن المتدبر في الآيات السابقة ليَعلم تمام العلم أن الله قد جعل للإنسان قدرة على الاختيار في الحياة الدنيا، وذلك من تمام عدله سبحانه وتعالى. عباد الله، تدبَّروا هذه الآيات؛ قال الله سبحانه وتعالى لأبينا آدم عليه السلام: ﴿ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ [البقرة: 35، 36]. عباد الله، إن الشيطانَ حاضرٌ في كل قرار يتخذه الإنسان في حياته؛ لكي يجعله يتخذ القرار الذي يُبعده على مصلحته في الدنيا والآخرة، فالشيطان يريد أن يكون الإنسان شقيًّا في الدنيا والآخرة، يريده مشركًا ضعيفًا مريضًا فقيرًا حزينًا بائسًا خاسرًا في الدنيا والآخرة، وإن كل قول وصمت وكل فعل وترك، وكل شعور إيجابي وسلبي، إنما هو قرار يتخذه الإنسان، وإن الله سبحانه وتعالى من تمام عدله أن أعطى الإنسان القدرة على الاختيار الأنسب، فالإنسان يختار أن يدخل الإسلام ويختار الخروج منه، ويختار الإيمان أو الكفر، ويختار الشكر أو الجحود، ويختار الطاعة أو المعصية..... إن حياتنا كلها عبارة عن اتخاذ قرارات، وقد نصيب وقد نخطئ، فإن أَصبنا سعِدنا في الدنيا والآخرة، وإن أخطأنا عمدًا أو إهمالًا شقِينا في الدنيا والآخرة. عباد الله، إن عملية البيع والشراء والزواج والطلاق، وأداء أركان الإسلام وتركها، والسفر والإقامة، واختيار التعلم أو الجهل، والإقدام على الطاعة أو المعصية، وإنفاق المال في الحلال والحرام، والمحافظة على الصحة والقيم، والتعامل الحسن مع جميع الناس، إنما هي قرارات، فمنا من يُحسن اتخاذ القرار ومنا مَن يسيء قراراته. اللهم اهدنا الصراط المستقيم في كل قرار نتَّخذه يا رب العالمين. بارك الله لي ولكم وللمسلمين في القرآن العظيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب ذي الطول، لا إله إلا هو إليه المصير، كل شيء هالك إلا وجهه، له الحكم وله الأمر وإليه ترجعون. وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، أما بعد: فقد أولى العلماء اهتمامًا كبيرًا في تحديد خطوات عملية إجرائية لاتخاذ القرار الرشيد، وإن العمل بهذه الخطوات لهو من التوكل على الله حقَّ توكُّله؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159]. وإليكم مراحل عملية اتخاذ القرار: 1- تحديد المشكلة وتشخيصها أو تحديد الهدف النهائي من التغيير. وهذه المرحلة من أهم المراحل التي يجب على الفرد توخي الدقة والإتقان في أدائها، فتحديد المشكلة وتحديد الهدف مرحلة حساسة تترتب عليها المراحل القادمة، فالخطأ في هذه المرحلة يؤدِّي إلى الفشل في جميع الخطوات التي تتبعها، وهنا واللهِ يحذر إبليس وجنوده، ويُكثِّفون جهودهم في هذه المرحلة لأهميتها، فمثلًا قرر إنسان أن يدخل الجنة، أو أن يزيد من دخله الحلال، أو أن يحافظ على صحته، أو أن يحلَّ مشكلة للمسلمين أو للبشر، هنا يحضر إبليس وجنوده لإفشال المشروع وإجهاضه في مهده، وإن قرَّر الإنسان أن يكفر أو يشرك أو يعصي الله، أو ينشر منكرًا، أو يطلق أو يفسد في الأرض، فإن إبليس وجنوده يُزينون الهدف ويزينون الخطوات، ويدعمون ذلك. 2- جمع البيانات والمعلومات والبدائل، في هذه المرحلة يجب أن نجمع المعلومات من مصادرها الصحيحة الموثَّقة، ويجب أن تكون مكتوبة واضحة كاملة، وهنا يجب استشارة أهل العلم الموثوقين كل في تخصُّصه. 3- تحديد البدائل المتاحة، وقد تكون اثنين أو أكثر، داخلية أو خارجية، سهلة أو صعبة، وهنا أيضًا يحضر إبليس وجنوده؛ إما بصرف الإنسان عما يحقِّق شكر الله، أو بتوجيهه لكفر النعم، أو بتقديم المفضول على الفاضل، ويسعى إبليس في هذه المرحلة إلى صرف الإنسان عن الموارد الصحيحة أو نقصها أو للتعجيل، أو التسويف أو إعجاز الإنسان وتكسيله، أو إعاقته أو إيقافه. 4- التقييم العلمي للبدائل واختيار أفضلها، وهناك مصفوفة جميلة ابتكرها الإنسان للمقارنة بين البدائل المتاحة؛ بحيث تكون البدائل في العمود الأيمن وتكون معايير الاختيار في رؤوس الأعمدة الأخرى، ثم نجعل لكل معيار نقاطًا إيجابية، ونجمع النقاط في كل صف لكل بديل، وسنحصل على أعلى نقاط للبديل الأفضل. 5- اختيار البديل المناسب. 6- التنفيذ الفوري للقرار، ومتابعته بعد عملية اختيار البديل المناسب، تأتي عملية التنفيذ، وتتبعها بداية ظهور الآثار والنتائج المترتبة عليها سلبية كانت أم إيجابية، وبروز نقاط القوة والضعف، وبدء عملية تقييم النتائج المترتبة، ومدى كفاءتها في تلبية المتطلبات التي وُضعت لأجلها، وفي حال عدم تحقق النتائج المرجوَّة من القرار يجب إعادة هيكلة قرارات بديلة وتصحيحيَّة، لسد الثغرات الحاصلة، وإيجاد البدائل والحلول المناسبة من جديد. إخواني الكرام، في هذه الأيام تبذل المملكة العربية السعودية جهودًا كبيرة على المستوى المحلي والدولي في مكافحة جائحة كورونا، ومن ذلك صرف لقاح كورونا مجانًا للجميع، ولم يتخذوا ذلك إلا بعد الاجتهاد والتمحيص، والآن بإمكانك أن تطبِّق الخطوات العملية لاتخاذ القرار بتلقي لقاح كورونا، وسوف تصل حتمًا إلى ما وصل إليه علماء الصحة وكبار المسؤولين، وعقلاء البشر. عباد الله، ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة؛ فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة عليَّ))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((أَوْلَى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاة)). اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وآل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد. السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. عباد الله، إني داعٍ، فأمِّنوا تقبَّل الله منا ومنكم، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله. اللهم إنا نسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد. يا ربنا الأكرم، يا حي قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر لنا وارحمنا واهدنا، وارزُقنا واشفِنا، واكفنا وعافنا واعفُ عنا. وأصلح لنا ديننا ودنيانا وآخرتنا، واصرِف عنَّا السوء والفحشاء، وكيد الأعداء وأن نقول عليك ما لا نعلم. اللهم احفَظ بلادنا وحكامنا وعلمائنا وقِيَمنا وتعليمنا، وحدودنا وانصر جنودنا، ومكَّن لنا في الأرض. اللهم اجعَل لنا في قلوبنا نورًا، وفي أبصارنا نورًا، وفي أسماعنا نورًا، وفي وجوهنا نورًا، وفي ألسنتنا نورًا، وفي أقلامنا نورًا، وفي حياتنا نورًا، وفي قبورنا نورًا، واجعَل لنا يوم الحشر نورًا، وعلى الصراط نورًا، ويوم ندخل الجنة نورًا. اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات. اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين، اللهم اغفر لهم واحْمِهم وعافِهم واعفُ عنهم، وأكرِم نُزلَهم، ووسِّع مُدخلهم، وجازهم بالحسنات إحسانًا وبالسيئات عفوًا وغفرانًا. اللهم أعنا على شكرك وذكرك وحُسن عبادتك، ربَّنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، وأقِم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوًّا لاحق محمد أحمد لاحق ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ﴾ [فاطر: 6] (2) الخطبة الأولى إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له يحيي ويُميت، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ما ترك خيرًا إلا دلَّنا عليه، ولا ترك شرًّا إلا حذَّرنا منه. ونعوذ بالله من شر الشيطان الرجيم وشركه وهمزه، ونفخه ونفثه ووسوسته، ونعوذ بالله من شرور جنوده أجمعين. أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد: فخطبتنا هذا اليوم عن أكبر عدو للبشرية، العدو اللدود الذي يرانا هو وقبليه من حيث لا نراهم، عدونا الذي يسعى بكل خيله ورَجْله وجنوده من الإنس والجن لإدخال الإنسان للنار، ويسعى ليشقى الإنسان في الدنيا والآخرة، ولا يستثني لا كبيرًا ولا صغيرًا، ولا ذكرًا ولا أنثى، ولا كافرًا ولا مؤمنًا، ولا غنيًّا ولا فقيرًا، ولا صحيحًا ولا مريضًا همه الأكبر أعاذنا الله منه هو أن يجعل أكثرنا غير شاكرين؛ قال الله سبحانه وتعالى يخبرنا عن خطته الخبيثة: ﴿ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 17]. الشيطان عدو البشرية من آدم عليه السلام إلى قيام الساعة، وقد طلب من الله أن يُمهلَه إلى يوم الدين فأجابه الله على طلبه؛ قال الله تعالى: ﴿ قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ﴾ [الحجر: 36 - 38]. إخواني المسلمين، إن عدونا إبليس حريص كلَّ الحرص أن يكون الإنسان جاهلًا بربه، فقيرًا ضعيفًا مريضًا نفسيًّا وجسديًّا؛ لأن هذه العوامل تساعده كثيرًا على تحقيق أهدافه الخسيسة، وقد أخبرنا الله عن حواره مع إبليس وعن حقده وحسده للإنسان؛ قال الله تعالى: ﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ ﴾ [الحجر: 39 - 44]. عباد الله، نظرًا لعِظم عداوة إبليس لنا وحقد علينا، وحسده لنا، ومكره بنا، وكيده المستمر لنا، فقد حذَّرنا الله العليم الخبير الرحيم منه، فقال: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَخِذُوهُ عَدُوًّا ﴾ [فاطر: 6]، بل إن الأنبياءَ والرسلَ كانت مهمتهم بعد إقرار التوحيد: التحذيرَ من الشيطان ومكره، وبالرغم من وضوح عداوة الشيطان للإنسان وثبوتها قطعًا، فإن هناك من البشر مَن يعمَل معه، ويُسخر طاقاته وأمواله وإمكاناته لخدمة الشيطان، وتحقيق أهدافه، حتى إن بعض البشر يقول: قد كنت جنديًّا لإبليس فارتقتْ *** بي الحال حتى صار إبليس من جندي إخواني، الحمد لله الذي أسبغ علينا نعمَه، وأنعم علينا بالإسلام في هذا البلد الأمين، وأنعم علينا بقادة مسلمين، واجعَلنا مسلمين والحمد لله الذي أخبرنا عن هذا العالم الغيبي الخطير، وعلَّمنا كيف نتعامل مع الشيطان، وكيف نحبط مخططاته، وكيف ننجو من حبائله وحيله، وكيف نهزمه، ونجعله خاسئًا خاسرًا مدحورًا. عباد الله، ليس للشيطان سلطان مباشر على الإنسان، وكيدُ الشيطانِ ضعيفٌ؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 76]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [النحل: 99]. عباد الله، لقد كشف الله سبحانه وتعالى للإنسان جميع حِيل الشيطان، وقد اشتغل علماء المسلمين بدراسة أحوال عدو البشرية، وبيَّنوا لنا إستراتيجياته ووسائله في إغواء الإنسان، وإليكم بعض ما قالوا: أولًا: نظرًا لأن إبليس مرافقًا للإنسان من عهد آدم عليه السلام إلى يومنا هذا، وإلى يوم البعث، فإن الشيطانَ خبيرٌ باحتياجات الإنسان وملذاته ومشاعره، وما يحب وما يكره، ومتى يغضب ومتى يرضى، ولذلك فالشيطانُ يعد لكل إنسان خطة مفصلة له حسب مكانته الاجتماعية وإمكاناته المادية والمعنوية، وظروف معيشته وحالته النفسية، وبُعده وقُربه من الله؛ بحيث يُبعده عن التوحيد وطاعة الله، وفعل كل جميل، ويجعله كافرًا بالله جاحدًا لنِعمه، مرتكبًا للمعاصي والمنكرات القولية والعملية والشعورية. ثانيًا: من أساليب الشيطان الوسوسة بالتدرج، فهو لا يأتي للإنسان الموحد ويوسوس له بالكفر، هذا مستحيل، لكنه يوسوس له بتقليل الطاعات شيئًا فشيئًا، حسب مرونته واستجابته، فيُزين له الراحة والعمل بالأساسيات، وترك السنن والمستحبات، فإن استجاب بدأ في تزيين المباحات والإكثار منها حتى يغفل، فإذا غفل عن العلم، بدأ يُزين له الباطل المختلف فيه، ويركز اهتمامه على فتاوى مَن يبيح الباطل، ويُكرهه في أقوال وأفعال مَن يخالفه، ثم يتدرج مع الإنسان في المحرمات فكريًّا وسلوكيًّا؛ حتى يعتاد ويألف المنكر، ويكره ويَنفِر من الحق وأهله. ثالثًا: يعمل إبليس بمبدأ المرحلية، وله في ذلك سبع مراحل، أو سبع خطوات لإغواء الإنسان عند إقناعه بالمعاصي والمنكرات والبدع والشرك، ركِّزوا معي: 1- مرحلة الفكرة، والفكرة تولد عندما يدرك الإنسان قولًا أو عملًا بسمعه وبصره وشمه وذوقه ولمسه، فمهمة إبليس وجنوده في هذه المرحلة فقط لفت انتباه الإنسان لما يغضب الله ورسوله؛ أي: يَحرِص كل الحرص أن يسمع الباطل أو يراه أو يشمه أو يتذوَّقه، أو يلمسه، ثم يكرر ذلك فقط. 2- مرحلة حديث النفس بعد أن تتكرر الفكرة بإحدى الحواس أو بمعظمها، يكرِّس إبليس وجنوده الوسوسة للإنسان؛ لكي يحدث نفسه بالشعور أو القول أو الفعل أو بهما معًا، ويكرِّر حديث النفس وفي هذه المرحلة يرغِّبون الإنسان ويشوقونه للباطل. 3- مرحلة الكلام: إذا بدأ الإنسان في مرحلة الكلام عن الباطل، فقد بدأ يفقد الحياء، فإذا تكلَّم عن الباطل ولو كان مازحًا، فإن إبليس يعلم أنه في مرحلة متقدمة نحو الهلاك والخسران، ويفرح بهذه المرحلة جدًّا جدًّا، ويضاعف جهوده هو وجنوده مِن الإنس والجن، ويصرفون على ذلك الأموال والأوقات، فيتكلم ويتكلم، ويكرر الكلام، ويكرر حتى تتوق نفسه للفعل ويهون عليه ذلك. 4- مرحلة الفعل: في هذه المرحلة ينصب إبليس راياته ويكون فَرِحًا مسرورًا، فقد حقَّق هدفًا متقدمًا، وهنا يعزل الشيطانُ الإنسان عن القرآن الكريم والسنة، وعن مجالس الخير والعلم وأهل العلم والفضل عزلًا كبيرًا، ويُزين له كل ما يدعم الباطل، ويُحببه في رموز الباطل ووسائله ويُحيطه بأصدقاء السوء، ويُزين له الانتقال إلى المرحلة التالية، وهي: 5- مرحلة الممارسة وهي مرحلة يمارس فيها الإنسان الباطلَ باحتراف وتلقائية ومتعة، ودون تركيز؛ أي: يُتقن فعل وقول الباطل ويُكرره، ويكون مهيَّأً للمرحلة التالية وهي: 6- مرحلة العادة: في مرحلة العادة يصبح الإنسان معتادًا لفعل الباطل، ويستثمر فيه ويدعو غيره له، ويعمل وكيلًا لإبليس، ويقتنع تمامًا بالباطل، ويضحِّي من أجْله، وربما يقاتل ويستعدي كلَّ مَن يخالفه، ويَخلع رداء الحياء كليًّا، ويرى أن مَن يخالفه متخلفًا، ويَكرَهه كرهًا شديدًا، ويقاوم العلم ويُعمَى بصرُه وبصيرتُه، ويلغي عقله، وتتحكم فيه عاطفته وشهواته. نسأل الله السلامة والعافية، ثم ينتقل إلى مرحلة الشخصية. 7- مرحلة الشخصية هذه هي المرحلة الخطيرة جدًّا جدًّا، ففي هذه المرحلة يُسخر الإنسان كل الوسائل والمال والجهود والأوقات، للمحافظة على هوية الباطل، ويقتنع الإنسان كامل القناعة بالسلوك الشيطاني، وتؤلَّف فيه الكتب والروايات، ويُقولِبُ الإنسانُ الإنسانَ، ويَحكم عليه من خلال قُربه وبُعده عن هذا السلوك. ويُصبح الإنسان ممن قال الله فيهم: ﴿ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ [الكهف: 104]. وفي هذه المرحلة لا يهتدي الإنسان؛ قال تعالى: ﴿ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيْلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ ﴾ [النمل: 24]. بارَك الله لي ولكم وللمسلمين في القرآن العظيم ونفَعنا بهدي سيد المرسلين، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب ذي الطول، لا إله إلا هو إليه المصير، كل شيء هالك إلا وجهه، له الحكم وله الأمر وإليه ترجعون، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، أما بعد: فإليكم وسائل عملية تُعيننا على التغلب على الشيطان وجنوده، وعلى النفس الأمَّارة بالسوء. إخواني الكرام، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 76]، ولكن عدونا إبليس ليس عدوًّا سهلًا، فقد أصبح له أتباع من الإنس والجن يعملون معه، ونيابة عنه، وينفذون خططه بأنفسهم وأموالهم، ولذلك لا بد من الاجتهاد في دفع ضررهم عن النفس؛ لكي ننجو ونكسب في الدنيا والآخرة. وإليكم بعض الخطوات العملية التي تساعد في التغلب على عدونا الإستراتيجي إبليس الرجيم. إخواني، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [النحل: 99]. ومن هذه الآية الكريمة نستنبط الخطوات العملية التالية لدفع الشيطان: 1) الإيمان بالله وملائكته وكتبه، ورسله وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، والعمل بمقتضى ذلك الإيمان. 2) أداء أركان الإسلام الخمسة أداءً كاملًا. 3) النوم بالليل في الظلام ٧ ساعات. 4) قراءة القرآن الكريم وتفسيره وقراءة السنة النبوية، والعمل بما فيهما. 5) التخطيط لاستثمار الوقت استثمارًا مثاليًّا. 6) اختيار شريك الحياة الصالح وإحسان عشرته. 7) تربية الأولاد تربية صالحة وتحفيظهم القرآن الكريم. 8) اختيار أصدقاء صالحين أخيار. 9) حضور الجمع والسماعات ودروس العلم وحلقاته ومجالسة العلماء. 10) أكل الحلال. 11) الطهارة باستمرار. 12) إغلاق السمع والبصر والشم والذوق واللمس عن كل منكر ومحرم ومكروه. 13) الابتعاد عن مواطن الشُّبه والمعاصي تمامًا. 14) إتقان الصلاة والخشوع فيها، وحضور القلب؛ لأن صلاة الإنسان تنهاه عن الفحشاء والمنكر. 15) حسن التعامل مع جميع الناس. 16) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 17) نشر العلم في كل زمان ومكان وبكل وسيلة. 18) العمل بالتجارة والصناعة والزراعة والوظائف. 19) المحافظة على الصحة النفسية والجسدية. 20) الاهتمام كل الاهتمام بالرؤية والرسالة والقيم والأهداف الإستراتيجية، أغرسها في أولادك وطلابك ومن حولك. رؤيتنا رضا الله، ورسالتنا عبادة الله بكل قول وصمت، وبكل فعل وترك، وبكل شعور إيجابي وسلبي مدى الحياة، وقِيمنا حب الله ورسوله، والأمانة والحياء والوفاء، والشكر لله وخلقه، والكرم والشجاعة، وحسن التعامل والعشرة والجيرة. أهدافنا الإستراتيجية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، تحقِّق الرؤية والرسالة، وتُعمِّق القيم وتؤكِّدها. 21- تجنُّب الغضب والوقاحة والشحناء والغيبة والنميمة، والبخل والجبن والهم والحزن، والعجز والكسل، والدَّين والكبر والخيانة، والكذب والحقد والحسد، والأنانية والأثرة وسوء الظن والشك والعزلة، فإنها من قيم الشيطان. 22- الدعاء بالهداية لنا ولكافة البشر، والاستعاذة من الشيطان الرجيم وشركه وجنده. عباد الله، ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة عليَّ))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((أَوْلَى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاة)). اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد. السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. عباد الله، إني داعٍ فأمِّنوا تقبل الله منا ومنكم.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |