
23-08-2021, 07:15 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,699
الدولة :
|
|
خطبة عن أسباب النجاة من عذاب القبر
خطبة عن أسباب النجاة من عذاب القبر
عبدالملك سعود الرفيق
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، أما بعد:
فإن أكبر ما يُقلق أهل الإيمان، ويُفزع أهل الإحسان، هو مصيرُهم يوم خروجهم من هذه الدنيا، إلى أين الذهاب؟ إلى رحمة أم عذاب؟ إلى نعيم أم جحيم؟ كَانَ عُثْمَانُ رضي الله عنه إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ، فَقِيلَ لَهُ: تَذْكُرُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ فَلا تَبْكِي، وَتَبْكِي مِنْ هَذَا؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "الْقَبْرُ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ، فَإِنْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ، فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ".
وسنتحدث اليوم عن أسباب النجاة من عذاب القبر، وأولها وأشملها الاستقامة على أمر الله تعالى، فهي سببٌ للنجاة من عذاب القبر: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصِّلت:30].
فالأعمال الصالحة حاجزٌ ومانع دون عذاب القبر، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ الْمَيِّتَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ إِنَّهُ يَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ حِينَ يُوَلُّونَ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا، كَانَتِ الصَّلَاةُ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَكَانَ الصِّيَامُ عَنْ يَمِينِهِ، وَكَانَتِ الزَّكَاةُ عَنْ شِمَالِهِ، وَكَانَ فِعْلُ الْخَيْرَاتِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، فَيُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، فَتَقُولُ الصَّلَاةُ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ، ثُمَّ يُؤْتَى عَنْ يَمِينِهِ، فَيَقُولُ الصِّيَامُ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ، ثُمَّ يُؤْتَى عَنْ يَسَارِهِ، فَتَقُولُ الزَّكَاةُ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ، ثُمَّ يُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ، فَتَقُولُ فَعَلُ الْخَيْرَاتِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ.."؛ صححه ابن حبان.
ومن أسباب النجاة من عذاب القبر: الدعاء والتعوذ بالله منه، ولَمَّا كان معظم الناس يتهاونون بالدعاء، وينسون التعوذ بالله من عذاب القبر، علَّمنا رسول الله وأمرنا أن نقول في آخر صلاتنا بعد التحية قبل السلام: ((اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال))، حتى إن بعض السلف كان يأمر مَن لم يقل هذا الدعاء بإعادة الصلاة.
ومن أسباب النجاة من عذاب القبر: اجتناب الأسباب الموجبة لعذاب القبر والتوبة إلى الله منها، ومن تلك الأسباب ترك الصلاة حتى يخرج وقتها، والافتراء والكذب على الناس، وأكل الربا، والزنا، وإفطار يوم من رمضان لغير عذر، والغلول، والمشي بالنميمة، وترك الاستبراء من البول، فعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين، فقال: إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يَستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة، ثم أخذ جريدة رطبة فشقَّها نصفين، فغرَز في كل قبر واحدة، فقالوا: يا رسول الله، لِمَ فعلت هذا؟ قال: لعله يُخفَّفُ عنهما ما لم يَيْبَسا.
ومنها قراءة سورة الملك؛ أي: حفظها والمبادرة إلى فَهْمها، فقد روى أصحاب السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن سورة في القرآن ثلاثون آية شفَعَت لصاحبها حتى غفر له: تَبَارَكَ الَّذِى بِيَدِهِ الْمُلْكُ).
ومنها: الشهادة في سبيل الله، فقد روى الترمذي وابن ماجه عن المقدام بن معدي كرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (للشهيد عند الله ستُّ خصال: يغفر له في أول دَفعة، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويُشفَّع في سبعين من أقاربه).
نعوذ بالله تعالى من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، ونسأله سبحانه حسن الختام، وقبول الأعمال، إنه سميع مجيب.
الخطبة الثانية
الحمد لله مثبِّت القلوب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كاشف الكروب، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أشرف المرسلين، أما بعد:
فمن أسباب النجاة من عذاب القبر: الموت مرابطًا في سبيل الله، والرباط هو الإقامة بثغور البلدان الإسلامية وحدودها لحراستها من العدو، وفضل الرباط عظيم، فعن فضالة بن عبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كل ميِّت يُختم له على عمله إلا الذي مات مرابطًا في سبيل الله، فإنه يُنمَّى له عمله إلى يوم القيامة، ويأمن من فتنة القبر))؛ رواه الترمذي.
وهناك مبشِّرات للعبد تبشِّره وتبشِّر كلَّ مَن يُحبه بأنه ناجٍ إن شاء الله من عذاب القبر، منها: الموت بداء البطن، ففي سنن الترمذي والنسائي بسند صحيح عن عبدالله بن يسار قال: كنت جالسًا وسليمان بن صُرد وخالد بن عرفطة، فذكروا أن رجلًا توفي مات ببطنه، فإذا هما يشتهيان أن يكونا حضَرَا جنازته، فقال أحدهما للآخر: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قتَله بطنُه، فلن يعذَّب في قبره)؟! فقال الآخر: بلى.
ومنها: الموت يوم الجمعة، ففي سنن أبي داود والترمذي بسند صحيح عن عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما مِن مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة، إلا وقَاه الله فتنة القبر).
هذه عباد الله أسباب العذاب وأسباب النجاة من عذاب القبر.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على نبيكم، كما أمركم مولاكم، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، وانصُر عبادك الموحِّدين.
اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلِح ولاة أمورنا.
اللهم ارزُقهم البطانةَ الصالحة الناصحة، وأبعدْ عنهم بطانةَ السوء.
اللهمَّ احفظ إخواننا المرابطين على الحدود، وثبِّت أقدامهم.
رَبَّنَا آتِنَافِيالدنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عباد الله، إنَّ الله يأمُر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القُربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغْي، يعظُكم لعلَّكم تذكَّرون
فاذكُروا الله العظيم يذكُركم، واشكُروه على نِعَمِه يزدْكم، ولَذِكرُ الله أكبر، والله يعلَمُ ما تصنَعون.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|