الذهول عن الحقيقة الكبرى - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1009 - عددالزوار : 122773 )           »          سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 121 - عددالزوار : 77555 )           »          الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-(سؤال وجواب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 62 - عددالزوار : 48976 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 191 - عددالزوار : 61472 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 76 - عددالزوار : 42844 )           »          الدورات القرآنية... موسم صناعة النور في زمن الظلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          تجديد الحياة مع تجدد الأعوام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الظلم مآله الهلاك.. فهل من معتبر؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          المرأة بين حضارتين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          رجل يداين ويسامح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22-08-2021, 10:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,564
الدولة : Egypt
افتراضي الذهول عن الحقيقة الكبرى

الذهول عن الحقيقة الكبرى
الشيخ عبدالله محمد الطوالة


الحمدُ للهِ، الحمدُ للهِ العليِّ الكبيرِ، العزيزِ القديرِ، أبدعَ الخلقَ وأحكمَ التدبيرَ، ﴿ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الحديد: 2]. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، ﴿ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ [غافر: 3]، وأشهدُ أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه، ومصطفاهُ وخليلهُ، البشيرُ النذيرُ، والسراجُ المُنيرُ، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحابتهِ المغاويرِ، والتابعين وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم المآل والمصير.

أمَّا بعدُ:
فأُوصيكم أيُّها النّاسُ ونفسي بتقوى اللهِ، فاتقوا الله رحمكم اللهُ، فرِزقُكم لن يأخُذَه غيرُكم فاطمئنُّوا، وعملُكم لن يقومَ به غيرُكُم فجِدُّوا فيه واجتهدوا، وربُّكم مُطَّلعٌ عليكم فاستَحيُوا منهُ وأحسِنوا، والموتُ آتٍ لا ريبَ فيهِ، فأعدوا لهُ واستعِدُّوا، ﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾ [الزمر: 56].

معاشر المؤمنين الكرام: يفاجئُ الإنسانُ أحيانًا بخبر وفاةِ شخصٍ عزيزٍ عليه، فيتأثرُ كثيرًا.. وهذا ما حدثَ لأحد الكتابِ المبدعين، والذي مرَّ بتجربةٍ قاسيةٍ قويةٍ جعلته يُسجلُ تجربتهُ في مقالٍ مُؤثرٍ رائع، عنوانه: "ذهولُ الحقائق".. أنقل لكم ما كتبهُ بشيءٍ من التصرف والاختصار - فالمقالُ طويلٌ إلى حدٍ ما - يقولُ الكاتب وفقهُ الله:
زارني أحدُ الأقارب، وهو في منتصف الأربعيناتِ من عُمره، وكانت بيني وبينهُ مودةٌ وعلاقةٌ خاصة، تناولنا أطرافَ الحديث وتناولنا الطعامَ سويًّا، ثم استأذنَ وذهب، وبعد يومين جاءني خبرُ وفاته، فلم أصدق، حتى اتصلتُ بشقيقه، فلما تيقنت الخبر.. ذهبتُ وحضرتُ الغُسلَ والصلاةَ والدفن.. ثم جلسنا في منزله للعزاء، كُل هذا وأنا لم أُفق بعدُ من هولِ الصدمةِ، عُدتُ لمنزلي ولا تزالُ صورتهُ عالقةٌ في مخيلتي، وأخذت استعيدُ كل كلمةٍ قالها لي حين كان في ضيافتي قبلَ يومين..

يقول الكاتب: مرَّت علي حوادثٌ ووفياتٌ كثيرة، لكنها المرةُ الأولى التي أحسستُ فيها بقرب الموت ودنو الأجلِ بصورةٍ قوية.. وتساءلتُ لماذا ننسى أنَّ هناكَ ساعةً سُجلت وحُددت لكُل واحدٍ منا سيُغادرُ فيها هذه الحياة؟.. وكُل منَّا يسيرُ إلى هذه الساعةِ بالعدِّ التناقصي، فمن كان يبعدُ عنها في العام الماضي ثلاثَ سنواتٍ مثلًا، فهو يبعدُ عنها اليوم سنتين، وسيكون بينه وبينها في العام القادم سنة واحدة، وهكذا فنحن نقتربُ في كل لحظةٍ من هذه النهاية الحاسمة؛ لننتقل بعدها إلى الدارِ الآخرة.. وتساءلتُ مليًّا: هذه الحقيقةُ الكبرى كيف غفِلتُ عنها؟ وأنا لا أقصدُ الغفلةَ العِلمية، بل الغفلة اليقينية.. فالقلبُ لم يُعايش هذه الحقيقةَ يقينًا وحِسًّا..

وما أعجبَ النفسَ وأحاسيسها؛ فبعضُ الناسِ يكرهُ ذكرَ الموتِ، يظنُ أنه حين يتحاشى ذكرهُ أن الموتَ سيبتعدُ عنه ولن يأتيه، أو أنه سيعيشُ سعيدًا، وأنهُ حين يذكرهُ سيكونُ قريبًا منه، أو أنه سيكونُ تعيسًا.. وهذا (الفِرارُ النفسي) من الموت صوَّرهُ القرآنُ تصويرًا دقيقًا فقال جلَّ وعلا: ﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ﴾ [الجمعة: 8]، وقال تعالى: ﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾ [ق: 19].. وهَبْ أنك استطعت الفِرار، فالفِرارُ لن ينفعك؛ ﴿ قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلا قَلِيلا ﴾ [الأحزاب: 16].. وحتى ولو كنتَ في أمنع الحصونِ وأقواها؛ ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ﴾ [النساء: 78].

يقول الكاتب: وأخذت أتذكرُ قوائمَ طويلةً من الأصدقاء والأقرباء والجيران، ممن ودعناهم في السنوات الماضية، وتذكرتُ علماءَ أجلاءَ كانوا ملأ السمعِ والبصر، تذكرتُ ابن باز وابن عثيمين وابن جبرين، والألباني والطنطاوي.. وغيرهم، وتذكرت رؤساءَ وزعماء وملوك.. دُفِنوا كُلهم بين أطباق الثرى.. وحين يتمعنُ الإنسانُ في هذه الحقيقة الكبرى، حقيقةُ الموت؛ تمرُّ به تساؤلاتٌ كثيرةٌ؛ فيتساءلُ بحسرةٍ: لم هذا التناقضُ بين ما نعتقدهُ - نصدق به - وبين ما نفعله؟ فإذا كنا نؤمنُ فعلًا بأن لحظة الفِراقِ قريبةٌ منا، فلماذا نغفلُ عن الاستعداد لها؟.

والعجيبُ يا عباد الله: أن القرآنَ قد ذكرَ هذه المشكلة، مشكلة الاختلافِ بين اليقين بقرب الأجلِ والاستمرار في الغفلة، فقال تعالى: ﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنبياء: 1].

يقول الكاتب: وبحثت عن سبب المشكلة، فاكتشفت أنه التأجيل والتسويف.. فهذه الخطايا التي لا نزال نواقعها باستمرارٍ وتكرار، مع يقيننا بالموت والحساب.. سببُ ذلك، التسويف وقولنا لأنفسنا أننا قادرون متى أردنا أن نقلع عنها، وبإمكاننا أن نتوب ونصلح أوضاعنا متى ما شئنا، ولكن الزمان يمضي، ويمضى، ونحن على نفس الحال؛ حتى يفجأنا ملك الموت بغتة.

أرأيت أخي الكريم: إنه الذهولُ عن الحقائق الكبرى تحت مظلة التسويف والتأجيل.

تأملوا هذه المشاهد القرآنية العجيبة:
المشهدُ الأول: لمن يحضرهُ الموت فيطلبُ التأجيلَ ليعملَ صالحًا، ولكن هيهات، فقد فات الأوان، ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون: 99 - 100].

المشهدُ الثاني: لمن يحضرهُ الموت فيسألُ اللهَ بُرهةً من الزمن ليتصدق، ولكن طلبَهُ يُرفض؟ قال تعالى: ﴿ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المنافقون: 10 – 11].

المشهدُ الثالث: لمن يحضرهُ الموت فيعلنُ التوبة، ولكن فات الأوان.. قال تعالى: ﴿ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [النساء: 18].

فالمسألة إذن تحتاجُ إلى قرارٍ حاسم، وأنَّ يكونَ هذا القرارُ قرارًا فوريًّا وعاجلًا.. فهو قرارٌ لا يحتملُ التأجيلَ، قرارٌ يجبُ أن يصدُر الآن، والآنَ قبلَ فواتِ الأوان، كما فات على جميع المؤجلين.. فهذه المشاهدُ الثلاث التي ذكرها القرآنُ لأناسٍ جاءتهم فرصٌ كثيرةٌ فأجلوها حتى حانَ أجلهم، وحين طلبوا الرجوعَ ساعتها رُفضَ طلبهم.. إنه مشهدٌ من أشدِّ المشاهدِ زلزلةً لمشاعر المؤمن، خصوصًا إذا وضعَ الإنسانُ نفسهُ مكانَ أصحابها.. وتخيَّلَ أنهُ الآن يسألُ اللهَ أن يعود للدنيا ليعملَ صالحًا، أو ليتصدقَ ويكون من الصالحين، أو ليتوبَ ويستغفر، ولكنهُ يواجَهُ بالرفض الحاسم؛ لأنه تجاوزَ الموعدَ النهائي، وانتهت فُرصُهُ للقبول؛ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179].
بارك الله..

الخطبة الثانية
الحمد لله كما ينبغي لجلاله وجماله وكماله وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبد الله وسوله الداعي إلى رضوانه.

أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين..
معاشر المؤمنين الكرام: يواصلُ الكاتبُ حديثهُ فيقول: لا أعرفُ مفهومًا عقليًا عميق التأثير، مثلَ المقارنةِ بين (أبديةِ الحياةِ الآخرة) و(محدوديةُ الحياةِ الدنيا)، فمقارنة المؤقتِ بالأبدي.. تجعلُ الدنيا برُمتها رقمًا تافهًا لا يستحقُ الذكرَ أبدًا، تأمَّل معي: فأبدية الآخرةِ ليست مئةَ سنةٍ، ولا ألفَ سنةٍ، ولا مليون، ولا مليار، ولكنه رقمٌ لا ينتهي.. أبد الآبد.. بلا نهاية، قارن ذلك بأكبر نصيبٍ من الدنيا تتخيله؛ وستخرجُ بقناعةٍ عظيمةٍ توصِلُك بإذن الله إلى أعظم مراتبِ العزمِ.

تأمَّل معيَ هذا المثال: لو قيلَ لك إنك ستبقى في بيتك الذي تسكنهُ الآن، ستبقى فيهِ سنةً واحدةً ثم ننقلك إلى قصرٍ فخم، لتبقى فيه بقيةَ عمرك، فما الذي ستفعلهُ، مؤكدٌ أنك ستتوقفُ عن أي تحسيناتٍ يتطلبُها وجودك في بيتك الحالي، لأنها في نظركَ مُؤقتةٌ ولا تستحقُ أن تهتم لها.. وإنما ستجعلُ كُل اهتمامِك مُنصبًا على التهيؤِ للقصر الفخم..

أخي المبارك: إذا كان هذا في مقارنةٍ بين منزلين أحدهما سنةٌ، والآخرُ لن يزيدَ عن المائة سنة، فكيف بالله عليك ستكونُ المقارنةُ بين منزلٍ مؤقتٍ، ومنزلٍ دائمٍ لا ينتهي أبد الآبد.. ليس هذ فقط، بل وبأعلى درجات السعادة والنعيمِ والملك العظيم، أو بأشدِّ درجات الألم والعذاب والجحيم.. كل ذلك أبد الآبد.. فهل تيقنت الآن، أن مفهوم (الأبدية) واعظٌ كبير الأثر، عظيمُ المفعول؟

يقول الكاتب: ولاحظتُ أن هناك فهمًا مغلوطًا، وهو أن استحضارَ الإنسانِ للموتِ يصرفُه عن بناء الحضارة.. والعكسُ هو الصحيح، فاستحضارُ الموتِ وما بعده هو الذي يدفعُ الإنسانَ للعمل المثمرِ الموافقِ لمراد الله؛ فالصلاةُ التي هي رأسُ العبادات لا يُطيقها إلا من يُوقنُ بالموت ولقاء الله، قال تعالى: ﴿ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 45 – 46].

وفي مواطن الجهاد لا يصبرُ إلا من امتلأت نفوسُهم بحقيقة الموت واليومِ الآخر.. قال تعالى: ﴿ فلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ، قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 249].

ومن يستحضرُ الموتَ والدارَ الآخرة، ويعملَ بمقتضى ذلك، فهو من الرجال الصادقين الثابتين: تأملوا جيدًا قوله جلَّ وعلا: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ، وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا ﴾ [الأحزاب: 23].

إذن فاستحضار الحقائق الكبرى كالموت ولقاء الله والدار الآخرة، يثمرُ تصحيحًا هائلًا في مسيرة الإنسان، ولتصبحَ أفعالَهُ في دائرة السؤال الكبير: هل هذا يقربُ من الله تعالى وينفعُ في الدار الآخرة أم لا؟.. ويجعل المرء يستشعر أهمية الوقت.. والذي كان يمر دون أن يتنبه له، ويجعله يتساءل حول جدوى كل ما يصنعهُ، فيزهدُ في كل ما يقتلُ الوقتَ بلا فائدةٍ حقيقية؛ من لقاءاتٍ وحفلاتٍ ومتابعةِ قنواتٍ ومكالماتٍ وأمورٍ لا تقربُ من الله.. ثم إن المؤمنَ المستحضرَ لحقيقة الموت ودنو الأجل يبخلُ بوقته أن يذهبَ بلا فائدة تنفعه هناك، ويوقنُ بروعة ما قالهُ الإمام الحافظ عبدالله بن عون: (ذكرُ الناس داء، وذكرُ الله دواء).

ويجعلهُ يحرصُ على أوقات الفراغ ودقائق الانتظار أن لا تذهب في غير ذكر الله جلَّ وعلا وطاعته..

أخي المبارك: تأمَّل كمثال، هذه الساعاتُ القليلةُ التي مضت منذُ فجرِ هذا اليوم فقط، ذهبت عليَّ وعليك، خُصِمت من أعمارنا، وقربتنا من آجالنا، فإن كنا عمرناها بالصالحات فستكون بإذن الله شاهدةً لنا، وإن ذهبت سُدى وغفلةً، فيا لها من حسرةً، ﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾ [الزمر: 56].. يا حسرةً على فرصٍ أُعطيت لنا ثمَّ سُلبت منا دونَ أن نستثمرها كما ينبغي.

ألم يقل صلى الله عليه وسلم: "نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ" [رواه البخاري].

ألم يقل صلى الله عليه وسلم: "اغتنم خمسًا قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك" [رواه ابن أبي شيبة والحاكم، وانظر: صحيح الجامع 1077].


ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان..

اللهم صلِّ على محمد....
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 57.45 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 55.77 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.91%)]