فضل الصدق ومضرة الكذب - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1234 - عددالزوار : 134618 )           »          إنه ينادينا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 24 - عددالزوار : 5444 )           »          السَّدَاد فيما اتفقا عليه البخاري ومسلم في المتن والإسناد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 59 - عددالزوار : 8161 )           »          ميزة جديدة لمتصفح كروم بنظام أندرويد 15 تتيح إخفاء البيانات الحساسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          كل ما تحتاج معرفته عن ميزة الصورة المستطيلة بإنستجرام.. اعرف التفاصيل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          إيه الفرق؟.. تعرف على أبرز الاختلافات بين هاتفى iPhone 14 Plus وGoogle Pixel 9 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          احمِ أطفالك من الإنترنت.. احذر ألعاب الفيديو لحماية أبنائك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          أبل تعمل على جهاز بشاشة تشبه شاشة الآيباد مع ذراع آلية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          طفلك يستخدم تطبيقات الموبايل سرا دون علمك.. كيف تكتشف ذلك؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          أدوات مهمة هتساعدك للحد من استخدام طفلك للإنترنت.. جربها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 20-06-2021, 03:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,970
الدولة : Egypt
افتراضي فضل الصدق ومضرة الكذب

فضل الصدق ومضرة الكذب

الشيخ حسين شعبان وهدان

الحمد لله الصادق في قِيله، والماحق لضلال البهتان وأباطيله، يحب الصادقين ومن كان معهم ويبغض الكاذبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، أعد لعباده الصالحين نعيمًا لا ينفد، وقرة عين الأبد، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبدالله ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، أوفى البرية لله إيمانًا، وأصدقهم لسانًا، وأطهرهم قلبًا، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:
فإن الصدق من أشهر أخلاق الإسلام، ومن أعظم نعوت الأنبياء العظام والأئمة الأعلام، وهو لازمة إيمانية ضرورية لكل المؤمنين، يميزهم ويحفظهم من مضرات الكذب وسقطاته، وإيمان من غير صدق يفقد بريقه، بل يكون عرضةً للضياع في مهب الريح.

وعندما تتدثر الحياة بالكذب، وينعدم الصدق، وينزوي أهله - فإن المعيشة عندئذٍ لا تُطاق عند الصالحين والصادقين وأولي الألباب، بل تصير مكانًا ضيقًا لهم وسط أناس يتنفسون كذبًا، ويكون أهل الصدق ساعتها شامات طاهرة نادرة في جبين الحياة.

صدق الله ورسوله:
وقد وصف القرآن الكريم رب العزة سبحانه وتعالى بالصدق، فهو من الكمالات الإلهية الواجبة له سبحانه مما يليق بذاته المقدسة؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴾ [النساء: 122]، وقال الله تعالى: ﴿ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 95]، وقال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ﴾ [النساء: 87]، وقال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ ﴾ [الفتح: 27].

وجمع القرآن العظيم وصف الصدق لله تعالى ونبيه الكريم صلى الله عليه وسلم في بيان قرآني واحد؛ قال الله تعالى: ﴿ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 22].

وعن صدق النبي الكريم صلى الله عليه وسلم تأتي شهادة رجل كان من أشهر أعدائه حين شهادته، ولكنه لم يقدر على إخفاء شمسه الساطعة في صدقه صلى الله عليه وسلم، وهو أبو سفيان بن حرب رضي الله تعالى عنه - وكان لا زال كافرًا - وقد راجعه قيصر الروم عن شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((... وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فزعمت أن لا، فعرفت أنه لم يكن ليدَعَ الكذب على الناس، ثم يذهب فيكذب على الله...))؛ [صحيح البخاري في حديث طويل (4553)].

وقد شهد له المقربون منه صلى الله عليه وسلم من أهل مكة في معاملاتهم اليومية حتى قبل البعثة الشريفة؛ إذ لم يجدوا له في باب الصدق عثارًا ولا توقفًا؛ قال عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: ((لما نزلت: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214]، صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا، فجعل ينادي: يا بني فهر، يا بني عدي، لبطون قريش، حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولًا؛ لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلًا بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقًا، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: تبًّا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴾ [المسد: 1، 2]))؛ [صحيح البخاري (4770)].

ولما كانوا أخبر الناس به وبأخلاقه الحسان التي عرفوها وما أنكروها؛ حيث نعتوه بالنعوت الطيبة ومنها أنه "الصادق الأمين"، فجمعوا له من حاله وصفًا بين الأمانة والصدق، وهما من أعز المطالب في باب الأخلاق، وهم الذين آذَوه لدعوته، وحملوه بكل السبل على ترك دينه، بيد أن أماناتهم كانت في يده، وقد أمَّن عليها ابن عمه سيدنا عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه ليلة الهجرة؛ ليردها إليهم.

ويتحدث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عن نفسه في باب الأخلاق نافيًا عن نفسه البخل والكذب والجبن على الإطلاق؛ وذلك من رواية مطعم بن جبير رضي الله عنه: ((أنه بينما يسير هو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الناس مَقْفَلَهُ من حنين، فعَلِقه الناس يسألونه، حتى اضطروه إلى سَمُرَةٍ فخطفت رداءه، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعطوني ردائي، لو كان لي عدد هذه العِضاهِ - كل شجر يعظم وله شوك - نَعَمًا لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلًا، ولا كذوبًا، ولا جبانًا))؛ [صحيح البخاري (2821)].

فضائل الصدق والصادقين:
وقد رغَّب الإسلام الحنيف في خلق الصدق، وشدَّد على وجوب التمسك به، وجعله من أمهات الفضائل والأخلاق المرضية؛ فعن عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق، حتى يكتب عند الله صديقًا، وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب، حتى يكتب عند الله كذَّابًا))؛ [صحيح مسلم (2607)]، ووصف الله تعالى أهل الصدق بأنهم أهل التقوى؛ قال عز وجل: ﴿ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الزمر: 33، 34].

والصادقون آمنون مطمئنون من الفتن والريب التي يجرها الكذب إلى أهله؛ فعن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((دَعْ ما يريبك إلى ما لا يريبك؛ فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة))؛ [ابن حبان في المقاصد الحسنة (256)].

والصدق نجاة من الأخطار، والكذب مورد الأخطار والفجار، ويأمر الإسلام أتباعه أن يسيروا في ركاب الصادقين؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119]، ولأهمية الصدق وفضله، فإن الإسلام الكريم يوصي أتباعه أن يغرسوا في نفوس الناشئة التدرب على الصدق؛ حتى يتعودوا عليه؛ فعن عبدالله بن عامر بن ربيعة رضي الله تعالى عنه قال: ((دعتني أمي يومًا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا، فقالت: ها، تعال أعطيك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أردتِ أن تعطيَه؟ قالت: أعطيه تمرًا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنكِ لو لم تعطِهِ شيئًا، كُتبت عليك كذبة))؛ [ابن حجر العسقلاني في تخريج مشكاة المصابيح (4/ 395)، وقال: حسن]، وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال لصبي: تعال هاك، ثم لم يعطه، فهي كذبة))؛ [الألباني في صحيح الترغيب (2942)، وقال: حسن لغيره].

ومن صدق مع الله تعالى في نيته ومطلبه، أعطاه الله تعالى ما يريد؛ فعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من طلب الشهادة صادقًا، أُعطيَها ولو لم تصبه))؛ [صحيح مسلم (1908)]، وهذه حال عبدٍ صدق مع الله في نيته فصدقه الله تعالى؛ فعن شداد بن الهاد الليثي رضي الله تعالى عنه: ((أن رجلًا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه، ثم قال: أهاجر معك، فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه، فلما كانت غزوة، غنم النبي صلى الله عليه وسلم سبيًا، فقسم وقسم له، فأعطى ما قسم له، وكان يرعى ظهرهم، فلما جاء دفعوه إليه، فقال: ما هذا؟ قالوا: قسم قسمه لك النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذه فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذا؟ قال: قسمته لك، قال: ما على هذا اتبعتك، ولكني اتبعتك على أن أرمى إلى ها هنا - وأشار إلى حلقه - بسهم، فأموت فأدخل الجنة، فقال: إن تصدق الله يصدقك، فلبثوا قليلًا، ثم نهضوا في قتال العدو، فأُتي به النبي صلى الله عليه وسلم يحمل قد أصابه سهم حيث أشار، فقال النبي: أهو هو؟ قالوا: نعم، قال: صدق الله فصدقه، ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قدمه فصلى عليه، فكان فيما ظهر من صلاته: اللهم هذا عبدك خرج مهاجرًا في سبيلك، فقُتل شهيدًا، أنا شهيد على ذلك))؛ [الألباني في صحيح النسائي (1952)].

التحذير من الكذب وبيان خطورته:
والكذب شر مستطير كاسمه، ويجلب اللعنة لأهله في الدنيا، والعذاب في الآخرة؛ قال الله تعالى: ﴿ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾ [آل عمران: 61]، وفي موقف الحشر الأعظم يظهر كل فرد بين الناس على حسب دينه وتقواه؛ حيث يكون أهل العلم والتطهر في حسن ونضارة، بينما أهل الكذب سود الوجوه؛ قال الله تعالى: ﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ ﴾ [الزمر: 60].

ومن أشنع ألوان الكذب ما يدعيه المدعون أنه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيضعون الأحاديث وينشرونها موافقة لمذهبهم وآرائهم، كأنهم جعلوا الدين قراطيس مختارةً حسب الهوى؛ قال المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن كذبًا عليَّ ليس ككذب على أحد، من كذب عليَّ متعمدًا، فليتبوأ مقعده من النار))؛ [صحيح البخاري (1291)].


مجالات الصدق والكذب الواقعية في الحياة:
وفي ميادين الحياة يتجلى الصدق والكذب رأي العين، وإن خالط اللسان بعض الإدعاء، وكل منهما له مناصرون ومؤيدون ومبرزون، فمن الناس من يصدق ويتحرى الصدق في حاله وقاله، ومنهم من يكذب كما يتنفس؛ لأنه قد تعود على الكذب، ولا يجد فيه عوجًا.

من أحوال الناس في الصدق والكذب حالات التمادح والثناء الزائف والزائد عن الحد، الذي يحيل الهر الضعيف إلى شاكلة الأسد، وهذا بلاء كبير، فترى أحدهم يمدح بشكل جزافي، وينزل الذكاء على البليد، والهمة على القاعد، والشجاعة على الجبان، والكرم على البخيل في تكاذب منكور، وإن هذه الوجوه المستخزية يجب أن يُثار فيها التراب جراءَ كذبهم؛ قال أبو هريرة رضي الله عنه: ((أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحثوَ في أفواه المدَّاحين التراب))؛ [سنن الترمذي (2394)، وقال: حديث غريب]، وعن همام بن الحارث رضي الله تعالى عنه: ((أن رجلًا جعل يمدح عثمان، فعمد المقداد، فجثا على ركبتيه، وكان رجلًا ضخمًا، فجعل يحثو في وجهه الحصباء، فقال له عثمان: ما شأنك؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيتم المداحين، فاحثوا في وجوههم التراب))؛ [صحيح مسلم (3002)]، وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألَّا نمدحه على طريقة مخالفة في دين الله؛ فقال: ((لا تُطْرُوني، كما أطرتِ النصارى ابنَ مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبدالله ورسوله))؛ [صحيح البخاري (3445) عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه].

وميزان العدل ألَّا يشهد الإنسان لأخيه إلا بما يعلم، وإلا فالسكوت أولى، وإذا رام المدح لأحد الناس فلا يحقق، بل عليه أن يقول: أحسب فلانًا؛ فعن نفيع بن الحارث رضي الله تعالى عنه قال: ((أثنى رجلٌ على رجلٍ عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ويلك، قطعت عنق صاحبك، قطعت عنق صاحبك مرارًا، ثم قال: من كان منكم مادحًا أخاه لا محالة، فليقل: أحسب فلانًا، والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحدًا، أحسبه كذا وكذا، إن كان يعلم ذلك منه))؛ [صحيح البخاري (2662)].

الخطبة الثانية
عباد الله، ومن مجالات الكذب المحرم ما يجرمه أهل شهادات الزور؛ فعن نفيع بن الحارث الثقفي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أخبركم بأكبر الكبائر، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئًا فجلس، فقال: ألا وقول الزور، فما زال يكررها، حتى قلنا: ليته سكت))؛ [صحيح البخاري (6273)]، وعلى أهل القضاء والمجالس الإصلاحية توخي العدل والقسطاس في الحكم، وعدم الجنوح إلى إغماض حق، أو رفعة باطل يجمله الهوى أو الشنآن؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [النساء: 135].

ومن صور الكذب المجتمعي ما يقع فيه البعض حال البيع والشراء، فيكذب البائع ويجمل سلعته بما ليس فيها، أو يخفي عيوبها طلبًا للربح، وهذا كله من صور الغش المنهي عنه، بل الصدق أفضل المراكب حينئذٍ؛ فعن حكيم بن حزام أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال: ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، أو قال: حتى يتفرقا، فإن صدقا وبيَّنا، بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا، محقت بركة بيعهما))؛ [صحيح البخاري (2079)].

ومن مزالق الكذب ما يتناقله الناس في مزاحهم بغرض الإضحاك، ويلفقون باطلًا يجمله الهوى والتنقص من الناس في غيابهم أو حضورهم، وهذا من ألوان الكذب والافتراء؛ فعن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنا زعيمٌ ببيت في ربض الجنة، وببيت في وسط الجنة، وببيت في أعلى الجنة، لمن ترك المراء وإن كان محقًّا، وترك الكذب وإن كان مازحًا، وحسن خلقه))؛ [الألباني في صحيح الترغيب (139)، وقال: حسن لغيره]، ومن المعلوم أن إيمان العبد فيه نقص إلا عندما يترك الكذب في المزاح؛ فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يترك الكذب في المزاحة، والمراء وإن كان صادقًا))؛ [المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 53)، وقال: إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما].

ومن صور الكذب المجتمعي ما يقع فيه أرباب الحرف والصنائع حين يخلفون في المواعيد، ويعطلون على الناس مصالحهم، وتلك عادة قد سرت مع كثير من الصناع وفي المدن والقرى؛ وقد قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا وعد أخلف))؛ [صحيح البخاري (2749) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه].

وفي الختام: أرجو ألَّا تلقيَ بنا الأماني الدنيوية بعيدًا عن مسالك الصدق ومنازع أهله، ففي الأفق ضباب وقد يعقبه ظلمة ويباب، قد لا يرى الناظر فيه بياض وجه يده من كثرة الكذب وتمويه الخداع، وذلك شأن الخفاف في الدين والمحرومين من التربية الصالحة في زمن نعومة الأظفار؛ فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((تأتي على الناس سنوات "خداعات" يُصدَّق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخوَّن فيها الأمين، وينطق الرويبضة، قيل: يا رسول الله، وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة))؛ [الحاكم في المستدرك (5/ 659)، وقال: صحيح الإسناد].

والله عز وجل هو العالم بما تخفيه الضمائر وما تبطنه السرائر؛ ﴿ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 3]، فإن مجتمعاتنا تحتاج إلى تصحيح في الأخلاق؛ بحيث يكون الصدق قوامها حتى نجعله العملة الدوارة فيما بيننا؛ قصدًا لوجه الله، واتقاء سخطه، والفرار من عذابه وعقابه، وطلبًا لجنته وثوابه.


اللهم اجعلنا من الصادقين، وارزقنا صحبة الصالحين برحمتك يا أرحم الراحمين.
والحمد لله أولًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا في البدء، ونسأله أن يرزقنا حسن الختام.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 82.53 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 80.81 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.09%)]