الدروس المستفادة من الظاهرة التعليمية الفنلندية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-(سؤال وجواب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 65 - عددالزوار : 52021 )           »          الحرص على الائتلاف والجماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 80 - عددالزوار : 45815 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 196 - عددالزوار : 64221 )           »          فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 374 - عددالزوار : 155243 )           »          6 مميزات جديدة فى تطبيق الهاتف الخاص بنظام iOS 18 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          إيه الفرق؟.. تعرف على أبرز الاختلافات بين هاتف iPhone 12 و Google Pixel 9 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          برنامج الدردشة Gemini متاح الآن على Gmail لمستخدمى أندرويد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          كيفية حذف صفحة Word فى 3 خطوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          خطوات.. كيفية إعادة ترتيب الأزرار وتغيير حجمها في مركز التحكم بـiOS 18 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى التنمية البشرية وعلم النفس
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى التنمية البشرية وعلم النفس ملتقى يختص بالتنمية البشرية والمهارات العقلية وإدارة الأعمال وتطوير الذات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20-06-2021, 02:42 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,565
الدولة : Egypt
افتراضي الدروس المستفادة من الظاهرة التعليمية الفنلندية

الدروس المستفادة من الظاهرة التعليمية الفنلندية


عبدالكريم بن مسعود جيدور






مدخل:
ماذا يمكن أن يستفيد العالَم من التجرِبة التعليمية الفنلندية؟ هذا هو السؤال الرئيسي الذي يُناقِشه الباحث: باسي سالبيرغ (Pasi Sahlberg) - المدير العام لمدارس تدريب المدرِّسين التابعة لوزارة التعليم الفنلندية - ومن أجل الإجابة عنه؛ حرَّر كتابه: دروس التجرِبة الفنلندية (Finnish Lessons)، مُتضمِّنًا خلاصة جهود أكثر من عشرين سنة من التعليم والبحث والمشاركة المَيدانيَّة في حركة الإصلاح التربوي الممتازة، التي شرَعت فنلندا في تطبيقها منذ الستينيات إلى يومنا هذا، كما يقوم هذا الباحث البارز بجهود كبيرة، ويتجوَّل حول العالم؛ للتعريف بتجرِبة بلاده، وشرْح وتفسير أسباب وعوامل الطفرة التعليمية، التي تَحقَّق معها طفرة تنمويَّة عجيبة، وإصلاح وأمن اجتماعي غير مسبوقٍ.

وقد لفت أنظارَنا هذا الكتابُ الهامُّ، وتتبَّعنا الوثائقيات والمحاضرات حول ما يُسمَّى: الظاهرة التعليمية الفنلندية (Finland Fenomenon In Education)، فوجدنا أن الأمر يستحقُّ الاهتمام، بل المزيد والكثير من الاهتمام والمتابعة؛ فإن هناك دروسًا وعِبرًا لا ينبغي للبُلدان العربية - وخاصة المعنيِّين المباشِرين بميدان التربية والتعليم - أن يَغفُلوا عنها؛ وذلك لأنها دروس نرى ثمارَها اليانعة، وفوائدَها الرائعة، قد أشرَقتْ على ذلك البلد الإسكندينافي الصغير، وغمَرت كلَّ مَرافِقه الحيوية والحساسة بالدفء والسكينة، وأي نعمة هي أعظم عند الله وعند العقلاء من الناس من نعمة الأمن والاستقرار؟!

1- مظاهر وعوامل تجرِبة الإصلاح التعليمي الناجحة في فنلندا:
1-1: التعليم النوعي لجميع المواطنين:
إن القرارات حول التدابير والسياسات التعليميَّة مُحدَّدة بموجب الدستور الفنلندي، وأول هذه التدابير أن الدولة تتحكَّم عمليًّا وبصورة مُلزِمة في 100% من مؤسسات التعليم، ويمنع الدستور الفنلندي تأسيسَ أية هيئة أو مؤسسة تعليميَّة خاصة مهما كان نوعها، كما يمنع منعًا باتًّا أيَّ نوع من التعليم الطفيلي، مِثل دروس التدعيم العشوائية وغيرها، وفي المقابل تَضمَن الدولة حصول جميع المواطنين على التعليم النوعي.

وفي تقرير إعلامي بعنوان: فنلندا؛ تجرِبة تعليمية بأداء راقٍ وإصلاح ناجح، أعدته مؤسسة بيرسون بمناسبة خمسينية منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، التي تَضُم 20 دولة من أبرز الدول الصناعية في العالم، تحدَّثت السيدة: هينا فيركونان (Henna Verkkunen) وزيرة التعليم الفنلندية قائلة:

أعتقد أن واحدًا من أهم الأسباب في الطفرة التعليمية التي تشهَدها فنلندا هو مبدأ المساواة، أو التعليم للجميع، فنحن نوفِّر لجميع المواطنين فرصًا متساوية للتعليم، بغض النظر عن مستواهم الاجتماعي أو الاقتصادي أو جنسهم؛ الدولة توفِّر فرصًا متساوية حيث يجلس الغني والفقير، والذكر والأنثى، الكل سواسية (Pearson Fondation, 2010).



درجة الماستر التقنية (متعددة التقنيات)
درجة الدكتوراه

تجربة العمل الميداني
درجة الإجازة (الليسانس)

درجة الماستر

درجة الباكالوريا التقنية (متعددة التقنيات)
الثانويات التقنية

درجة الباكالوريا
الجامعات

تكوين وتأهيل مهني داعم (في العمل)
تجربة العمل الميداني
التكوين والتأهيل المهني
مدارس التأهيل والتدريب المهني
شهادة الثانوية العامة
المدارس الثانوية

مرحلة إجبارية
التعليم الأساسي
(يبدأ في سن 7 سنوات، ويكتمل عند سن 16 سنة)

ما قبل المدرسة (الأقسام التحضيرية)

(FinnishLessons,2011) النظام التعليمي الفنلندي



1-2: التركيز الشديد على تكوين المكونين (التدريب المكثف للمدرس):
من أهم الأفكار الممتازة التي طبَّقها الفنلنديون في إصلاحهم الطويل المدى: فكرةُ التدريب المكثَّف والعالي للمدرِّس، وقد توصَّلوا إلى نتائجَ غيرِ مسبوقة في هذا المجال؛ حيث أصبحت مهنة المدرس هي المهنةَ المرغوبة والمحبوبة والمطلوبة؛ مرغوبة عند الطلاب الجامعيين، ومحبوبة عند التلاميذ، ومطلوبة في سوق العمل، وهذا انقلاب وثورة بأتم معنى الكلمة في ميدان التربية والتعليم؛ لأن مهنة المدرس فقدتِ الكثيرَ من هيبتها في جميع أقطار العالم، والعجيب أن فنلندا توصَّلت إلى هذه المعالجة الموفَّقة من دون أن ترتكِز على أساس التحفيزات والإغراءات المادية، والدليل على ذلك أن متوسط الأجر القاعدي للمدرس الفنلندي يصل إلى حوالي 29.000 $ حسَب معطيات سنة 2008، بينما كان متوسط الأجر للمدرس الأمريكي حوالي 36.000 $ خلال نفس السنة، وقد وضَّحت الوزيرة "هينا" هذا الجانبَ الهام قائلة:
من أهم الأسباب التي حقَّقت لبلادنا نتائجَ تعليميَّةً مُبهِرة - التكوين الأساسي المعمَّق والمكثَّف للمدرِّسين، ومن المعلوم أن مهنة المدرس تحظى بتقدير واحترام كبيرين جدًّا في المجتمع الفنلندي؛ ولذلك فإن المعاهد والجامعات تفرِض شروطًا جدّ صارمة على الطلاب المقبولين في هذه المهنة، وهذا يجعل أحسن وأكفأ طلابِنا يتوجَّهون إلى هذا الميدان.

وفي هذا الإطار يفرض القانون عندنا أن كل مدرِّس يجب أن يكون حاصلاً على درجة "الماستر" من إحدى الجامعات الفنلندية (Pearson Fondation, 2010).

ويقول تومي لانكينن (Tomi Lankinen) المدير العام للمجلس الوطني للتعليم في فنلندا (National Boardof Education):
لقد بدأنا الإصلاحات الوطنية في السبعينيات، وطبَّقنا حينها ما يُسمَّى: التعليم القاعدي (basic education)، وتَمَّ تدعيمه في الثمانينيات وفي التسعينيات، حيث تحوَّلنا إلى لامركزية إدارية وتنظيميَّة في التعليم (decentra lised)؛ تماشيًا مع زيادة عدد المدارس والطلاب، وكنا نركِّز تركيزًا كبيرًا على التكوين العالي للمدرسين؛ ولذلك تشكَّلت عندنا مع مرور الأيام فئات كبيرة من المدرسين على أعلى مستوى، وهم يتلقَّون تدريبات كثيرة وكثيرة جدًّا بشكل مستمر ودوري، وهذا هو السبب الرئيسي لنجاح تجرِبتنا.

إضافة إلى ذلك، فإن مهنة المدرس تُعَد من المهن المقدَّرة والمحترَمة جدًّا في بلادنا، وقد نُصنِّفها في المرتبة الثالثة بعد الطب والقضاء، وبطبيعة الحال فإن الأطفال الصغار يكتسِبون هذا التقدير من المجتمع (Pearson Fondation, 2010).

ويقول: باسي سالبيرغ (Pasi Sahlberg) - المدير العام لمدارس تدريب المدرسين التابعة لوزارة التعليم الفنلندية -:
إن مهنة المدرس هي مهنة مشهورة ومحبوبة جدًّا في فنلندا، وأعتقِد أن هذا ما ينبغي أن تكون عليه هذه المهنة في كل مكان في العالم، ولكن السؤال المهم هو: كيف تمكَّنتْ فنلندا من تطوير الإصلاحات لدرجة أن يصبح الطفل والتلميذ الصغير محبًّا، بل عاشقًا لهذه المهنة منذ مراحله المبكرة؟
والجواب على ذلك أن الإصلاح ارتكز على الإعداد الجيد لأهم عنصر في العملية التعليمية، وهو المدرِّس، وكان الهدف تزويد المدرس بعددٍ كبير من المهارات والمعرفة النظرية والتطبيقية، والتحقّق من توظيفه واستثماره لها بشكلٍ كاملٍ، وبالموازاة مع ذلك عزَّزنا وضاعفنا معدَّل مُساهَمة المدرس في المراحل الأساسية للنشاط التعليمي؛ ولذلك أصبح للمدرس في فنلندا دورٌ أساسي وكبير في تخطيط وإعداد المقرَّر، وله دَور حاسم في التقييم، (Finnish Lessons,2011).

1-3: التعليم الخاص وإجراءات التدخل والدعم المبكرة:
(Special education and early intervention ):
تُظهِر الإحصاءات الرسمية بأن نسبة 40% إلى 45% من الطلاب يتلقَّون أنواعًا وأنماطًا متنوِّعة من التدخل والدعم الخاص بعد إتمام حصص التدريس النظامية، التي تُسمَّى حصص الفَهْم العام، (comprehansive school)، (Finnish Lessons,2011)، أما التدخل المبكر (early intervention)، فإن هذا الإجراء يحتلُّ موقعًا هامًّا جدًّا في منظومة التعليم الفنلندية، وتوضِّح الإحصاءات الرسمية أن النسبة الأعلى للتلاميذ المستفيدين من تدخُّلٍ مُبكِّر خاص بصورة جزئية أو كلية، هي في الأقسام الابتدائية من القسم الأول إلى الثالث؛ (مركز الإحصاءات الرسمية، فنلندا، 2010).

والمقصود بالتعليم الخاص كلُّ تعليم يتم خارج إطار التعليم النمطي، وكل الدول تَعتبِر هذا النوع دعمًا أو تقوية للتلاميذ الضعاف، ولكن فنلندا هي الدولة الوحيدة التي تجعل هذا النوع من التعليم قسيمًا مباشرًا للتعليم العام، تتكفَّل به الدولة كليًّا، ويتم في نفس المدرسة، وقد شرح الباحث باسي سالبيرغ هذا المنظور كما يلي:
إن السياسة التعليمية في فنلندا ترتكِز على مبدأ هامٍّ، وهو إعطاء أقصى قدْر من الاهتمام للتلاميذ ذوي القصور النوعي أو الكمي، ويتلقَّى المدرسون تدريبًا مكثَّفًا على تقنيات الاكتشاف المبكر لهذه الفئة، وتقنيات مماثِلة لعلاج مشاكلها.

وفيما يَخُص الأقسام الخاصة وفكرة التدخل المبكر، نقول: إن الإحصاءات تُظهِر أن كل واحد من التلاميذ يجب أن يكون قد دخل إلى فصلٍ خاص مرة واحدة على الأقل خلال مشواره الدراسي، لا فرْق في ذلك بين المتفوق وغير المتفوق، وهذا يعني أن ما نُسمِّيه تعليمًا خاصًّا ليس خاصًّا في حقيقة الأمر.

وأعتقِد أن تطبيقنا لهذا المنظور الجديد مكَّنَنا من استدراك الفجوة النوعيَّة في التعليم العام، وتمكنا من إخراج متعلمين لا يعانون أيَّ نقصٍ عن المستوى العام، وهكذا ارتقى المعدَّل العام للجودة التعليمية (Pearson Fondation,2010).

وقد أكَّدت الوزيرة هينا نفْس هذا الموقف قائلة:
لدينا نوعان من الفصول الدراسية؛ فصول نظاميَّة للتعليم العام العادي، وفصول خاصة في إطار إجراءات التدخل المبكر لإعطاء مساعدات خاصة ومركَّزة جدًّا للتلاميذ الذين يُكتشَف أن لديهم قصورًا تعليميًّا، وهذه الفصول نظاميَّة أيضًا (تابِعة للتعليم الرسمي للدولة، وتوجد في نفس المدرسة)، (Pearson Fondation,2010).

وقد وضعت هذه التجرِبة الفنلندية خبراءَ التعليم أمام وقائعَ وبياناتٍ جديدة على قدْرٍ كبير من الأهمية، وعلى رأسها تَصدُّع الفكرة القائلة بأن طول مدة بقاء المدرس في الفصل هو دليل نجاح وكفاءة، وقد أوضحت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية المعطيات التالية:

1- متوسط عدد الساعات التي يقضيها المدرس في الفصل داخل الدول الأعضاء في (OECD) يَصِل إلى 703 ساعات سنويًّا.
2- متوسط عدد الساعات التي يقضيها المدرس في الفصل في فنلندا يصل إلى 592 ساعة سنويًّا.
وفسَّر التقرير سبب هذا المعدَّل المنخفض في فنلندا بأن المدرسين يركِّزون كثيرًا من أوقاتهم في تقديم الدعم للتلاميذ الذين يحتاجون إلى اهتمام خاص؛ (المصدر: التعليم في لمحة، تقرير: منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، 2010).


ومعنى هذا الكلام أن المدرس الفنلندي يعمل أقلَّ في الصفوف العامة، ويعمل أكثر بكثير في الصفوف الخاصة، هذه الصفوف قد تحتوي على طالب أو اثنين، وأحيانًا على طالب واحد فقط، يُقدِّم له المدرس أقصى ما يحتاجه من دعْم.

1-4: فريق رعاية الطلاب (student welfare team):
يتشكَّل أسبوعيًّا، ويتكوَّن من المدرسين ذوي الخبرة، يترأَّسه الأستاذ الخبير (يُعيَّن بواسطة لجنة رسمية)، ويُناقِش الفريق الحالات الخاصة للطلاب واحدة تِلْو الأخرى؛ يتم تحليل جميع جوانب المشكلة: النفسية والتربوية والتقنية، ويتَّخِذ الفريق قرارًا بشأن الإجراءات الداعمة، التي يُكلّف المدرس الخاص بتنفيذها.

وطبقًا للقانون الفنلندي فإن كل مدارس الدولة يجب أن تتوفَّر على مجلس رعاية مكوَّن من خبراء في التعليم والبيداغوجيا وعلم النفس.

1-5: مدارس تدريب المدرسين:
شرَحت جانيكا ساريمو (Jannika Sarimo) - أستاذة اللغة الإنجليزية في مدرسة تدريب المدرسين (Normaalikoulu) - العلاقةَ التنظيمية بين المعاهد والجامعات من جِهة، ومدارس تدريب المدرسين، كما يلي:
يلتحق الطالب بعد "الباكالوريا" بإحدى الجامعات أو المعاهد، وتقوم المعاهد باختيار الطلاب الممتازين للحصول على درجة "الماستر"، التي تمكِّنهم من الدخول إلى مسابقات مدارس تكوين المدرسين، وعددها خمسة في كامل البلاد، وهي تختار الطلاب من 10% فقط من بين أصحاب أعلى النتائج.

يتلقَّى الطلاب خلال عدد من الأسابيع دروسًا نظرية، ثم يَحضُرون إلى مدارس التدريب للتطبيق، ويكون التطبيق أولاً بين الطلاب أنفسهم على شكْل أزواج، ومن ثم بالدخول إلى الفصل الدراسي الحقيقي كملاحظين ثم كمدرسين تجريبيين، ويتلقَّون كمًّا كبيرًا جدًّا من الدعم، وبعد كل مرحلة يرجعون أيضًا إلى المعاهد وهكذا لمدة ثلاث سنوات.

والنتيجة أن الظفر بهذه المهنة يُعَد أمرًا صعبًا جدًّا، ونتيجة لهذه السياسة لا يمكن أن يصل إلى منصب مدرس في أي مستوى إلا النُّخبة من الأكْفاء، بل أكثر من ذلك؛ تُشير الإحصاءات إلى أن كثيرًا من أصحاب المهن الأخرى كالأطباء والمهندسين يدخلون مسابقات مدارس التدريب لمرات عديدة؛ من أجل الحصول على هذا الشرف.

1-6: دعم البحوث والتحريات العلمية الخاصة بميدان التعليم:
نوَّه الباحث إرنوليتينن (Erno Lihtinen) من جامعة توركو (Turku) إلى أن الدولة استثمرت أموالاً ضخمة في مَيدان البحث العلمي الخاص بالتربية والتعليم، وخاصة في مجالات: علم النفس التربوي، وعِلم التقويم المدرسي، والإدارة والسياسة التعليمية، والتعليم في الظروف الخاصة وغيرها؛ ونتيجة لذلك توفَّرت قاعدة بيانات قوية ومرتكِزة على أسسٍ علمية، وهي التي أَسنَدت ورفعتِ الإصلاح، ومنحت الفرصَ الملائمة لاقتراح السياسات الوطنية للتعليم، وتوفير بيئة التدريس الفعَّالة، ولا يجب أن ننسى أن هذه البحوث المعمَّقة لم تُهمِل جانب المقارنة؛ لأنها كانت تُتابِع ما يحدُث في الأنحاء الأخرى من العالم في ميدان التربية والتعليم والإصلاحات (Pearson Fondation,2010).

2- الدروس والأفكار المستفادة من التجرِبة التعليمية الفنلندية:
التجرِبة الفنلندية هي تجربة إستراتيجية بكل المقاييس؛ لقد وضعت تصورات منطقيَّة جدًّا وغير مُفرِطة لما يتوجَّب على منظومة التعليم أن تُنجِزه خلال عدد طويل من السنوات، واتَّبع المشرِفون عليها خططًا عشارية انطلاقًا من الستينيات، وحرَّكوا عجلةَ البحث والتحري العلمي الواسع النطاق، فتراكمت عندهم الوثائق والبيانات، التي وفَّرت - بعد إحصائها وتصنيفها - واحدة من أحسن قواعد البيانات التربوية في العالم، وقد منحتْهم هذه الإجراءاتُ أهمَّ خاصيَّة للنجاح، وهي استقلالية القرار فيما يخص التعديلات والإجراءات، ويضرب الباحث باسي مثالاً جيدًا لهذا الأمر، وذلك أن اللجان الفنلندية المكلَّفة بالإصلاح عكفت على زيارة البُلدان الناجحة في ميدان التعليم؛ للتشاور وأخذ الخبرة، فزاروا كثيرًا من البُلدان، ومن أهمها السويد، التي كانت الأولى في التعليم على مستوى العالم، وهي دولة جارة لفنلندا، وبينهما تاريخ وثقافة مشترَكة عميقة، وبعد نقاشات طويلة ومفصَّلة مع السويديين، وبعد العودة إلى الديار، ومراجعة قاعدة البيانات، قرَّر الفنلنديون بالإجماع عدم تطبيق التدابير السويدية إلا في بعض الجوانب الخاصة، وقرَّروا ضرورة ابتكارِ مفاهيمهم الإصلاحية الخاصة.

ورغم وصولهم إلى القمة الرقمية، وتَصدُّر قائمة التعليم العالمية، فإن المسؤولين في هذه البلاد يقولون: إن عملاً كبيرًا ما زال ينتظرهم، وأكَّد جميع المسؤولين المباشرين أن المرتبة الأولى في التعليم على مستوى العالم هي فخْر وتتويج للجهود، لكنها لم تكن أبدًا هدفًا من الأهداف الإستراتيجية لبلادهم، وقد تَطرَّق الباحث باسي سالبيرغ (Pasi Sahlberg) في كتابه الحافل: دروس التجربة الفنلندية (Finnish Lessons) - إلى هذه الطموحات في الفصل الأخير بعنوان: هل انتهى التفكير في مستقبل التعليم؟ وحدَّد ثلاثة أهداف إستراتيجية للعشرية الحاليَّة، وهي:
التميز من خلال تقديم تجرِبة تعليمية مختلفة.

الإصلاح التعليمي الناجح.

نقل وترجمة المعرفة العالمية المتغيِّرة، (انظر: Finnish Lessons,2011,p124-135).

خلاصة:
من منا لا يسمع عن نوكيا (NOKIA) العلامة التِّجارية الشهيرة في عالم تكنولوجيا الجوال، ولكن القليل من الناس يعرفون بأنها ليست يابانية ولا كورية؛ بل هي فنلندية، وظلَّت مصنَّفة أولى في عالم الجوال منذ 2006 وتراجَعت سنة 2012 إلى المركز الثاني خلف سيمسونغ (samsung) الكورية الجنوبية (والعجيب أن كوريا الجنوبية تحتل المركز الثاني في التعليم العالمي خلف فنلندا مباشرة)، وتُعَد فنلندا من أعلى الدول تطورًا في ميدان التكنولوجيات الدقيقة، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي وصلت إلى نسبة 100% من ربط شبكة الإنترنت المنزلي، وتُشير الإحصاءات الرسمية إلى أن 93% من المواطنين الفنلنديين حاصلون على مستوى الباكالوريا (المؤهل الثانوي) فما فوق، ونظرًا للأعداد الهائلة من المدرسين ذوي المستوى العالي الذين يتخرَّجون من مدارس التدريب الخمسة حول البلاد؛ تُشير البيانات إلى أن فنلندا ستصل إلى مرحلة ما بعد الاكتفاء الذاتي، حيث يمكِن أن يتوفَّر لكل طالبٍ مدرسٌ مستقل وربما أكثر.

إن هذه المعطيات هي حقائق وإنجازات، ويجب أن ننظر إليها على أنها حافز وفخْر إنساني، كما أنها دعوة إلى التدبُّر والتبصر في الكمال والإبداع الذي يستطيع الإنسان أن يُنتِجه لنشْر الخير وإعمار الأرض، ولا رَيب أن هذا الكمال الجزئي دليل قاطعٌ، وبرهان لامع ساطع، على الكمال المُطلَق، والعلم المحيط لصانع هذا الخَلْق ومُبدِعه - سبحانه وتعالى.

ثم إننا لا ينبغي أن نستطرد كثيرًا في الانبهار؛ لأن التجارِب الناجحة أقربُ إلينا مما نظن، ومما أذكره - وهو حقيقة لا ريب فيها - أن الأمهات في بعض المناطق في جنوب الجزائر يحفظن القرآن كله، ويُحفِّظن أولادهن، ويخرج الولد الصغير (حوالي 4 إلى 10 سنوات) يتلو ما حَفِظه والناس يَمرُّون من حوله، فإذا أخطأ في حرفٍ صوَّب له من كان قريبًا منه؛ وذلك لأن جميع الناس في تلك المنطقة يحفظون كتاب الله، وهذا الأمر قد رآه وأَثبته بعض البارزين من دعاة الأمة؛ أمثال الشيخ: عمر عبدالكافي - حفظه الله - وفي ثنايا تُراثنا من الأخبار ما يَزيد على العجب حَيرة وإجلالاً؛ فمن ذلك مثلاً: ما روي من أن غلام ثعلب النحوي (345 ه) أملى من حفْظه ما يشغَل ثلاثين ألف ورقة، مع ثبوت بُطلان ما اتَّهمه به حساده من الوضع؛ انظر: (فخر الدين قباوة، التحليل النحوي، 11)، والسؤال: إذا كان هذا ما يحفظه الغلام (الخادم)، فما الذي كان يحفظه الأستاذ؟ وأي نوع من التعليم هذا الذي يُحقِّق كل هذا الأثر العميق؟ ومما رواه محقِّقو الرُّواة أن أبا بكر الأنباري (328هـ) كان يحفظ ثلاثة عشر صندوقًا من الكتب، وكان يحفظ مائة وعشرين تفسيرًا من تفاسير القرآن بأسانيدها (نزهة الألباء، 367)، وروى ابن القيم أن شيخ الإسلام ابن تيميَّة تكلَّم في فاتحة الكتاب من بعد صلاة الفجر إلى الظهر، وكان درسًا عظيمًا فتح الله تعالى عليه فيه بالعجب، وهذا كله يعني شيئًا واحدًا، وهو أن التطوير ممكن، ولعله أقرب إلينا مما نظن، لكنه مشروط بسُنن وقوانين، أخذ بها السابقون، وأعاد استنساخها اللاحقون والمعاصرون، أما نحن، فلا نزال - ويا للأسف! - غافلين.

نسأل الله تعالى أن يُوفِّق القائمين على شؤون التعليم في البُلدان العربية لبذل جهود أكبر، وللاستفادة المعقولة من نجاحات غيرنا من الأمم، وصلى الله تعالى وسلَّم وبارَك على معلم الناس الخير.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 67.30 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 65.63 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.48%)]