|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() حسن الظن بالله د. عطية بن عبدالله الباحوث الخطبة الأولى الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، وأسعد وأشقى، وأضل بحكمته وهدى، ومنع وأعطى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي الأعلى، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله النبي المصطفى، والرسول المجتبى، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى؛ أما بعد: تعريف حسن الظن وحكمه: ♦ إن عبادة القلوب في المقام الأعظم عند الله؛ فبها يصلح العمل ويحسن، وبها يكون الإيمان، وبها تحصل الدرجات العلى عند الله، وإن حسن الظن بالله تاجُ الإيمان وأصله وزينته، فإذا كان المؤمن "يرجح جانب الخير على جانب الشر"[1]، فقد أحسن ظنه بربه. وعليه؛ فإن سوء الظن بالله قدحٌ في التوحيد، وخلل في المعتقد، وشعار أهل الكفر والنفاق؛ قال تعالى: ﴿ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ﴾ [آل عمران: 154]، فأهل النفاق في غزوة أحد "أساؤوا الظن بربهم وبدينه ونبيه، وظنوا أن الله لا يُتمُّ أمر رسوله، وأن هذه الهزيمة هي الفيصلة والقاضية على دين الله"[2]، فجعل الله أهل النفاق وأهل الكفر في كفة واحدة، يجمعهم سوء ظنهم بالله. وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تباغضوا، وكونوا إخوانًا، ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك))[3]، "فوُصف بكونه أشد الكذب مبالغةً في ذمه والتنفير منه، وإشارةً إلى أن الاغترار به أكثر من الكذب المحض؛ لخفائه غالبًا ووضوح الكذب المحض"[4]، فسوء الظن في المرتبة العليا من الكذب؛ لأن مادته مبنية من أصل فاسد، فلا يحالفها حظ من الخير أو التوفيق. حسن الظن والعمل: ♦ ومن أَحَسَنَ العمل كان هذا قربان مودة ومحبة يقدمه العبد بين يدي الله راجيًا منه القبول والعفو والغفران؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 218]، فبعد أن قدموا أعمال القلوب بالإيمان، وأعمال الجوارح بالهجرة والجهاد، أخذوا في التضرع والرجاء أن يجعل لهم رحمة بالقبول والغفران. ♦ ومن أساء العمل، فقد أساء الظن بالله؛ قال تعالى: ﴿ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [فصلت: 23]؛ يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذه الآية: "هؤلاء قوم كانوا يدمنون المعاصي ولا يتوبون منها، ويتكلمون على المغفرة، حتى خرجوا من الدنيا مفاليس، ثم قرأ: ﴿ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [فصلت: 23]"[5]. ♦ أما منهج أهل الإيمان؛ فهو ما ورد في حديث عائشة بنت الصديق قالت: ((سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ [المؤمنون: 60] قالت عائشة: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون، وهم يخافون ألَّا تُقبَلَ منهم، أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون))[6]، وحديث ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرَّ على أنفه فقال به هكذا، قال أبو شهاب: بيده فوق أنفه))[7]. ويقول الحسن البصري رحمه الله: "إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل، وإن الفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل"[8]. حسن الظن بالله والدعاء: ♦ وإن الدعاء وحسن الظن بالله قرينان يرفع أحدهما الآخر؛ فيستقيم السير إلى الله، وينال العبد ما ظن بربه؛ ففي الحديث: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي))[9]؛ قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: "قيل: معناه: بالغفران له إذا استغفرني، والقبول إذا أناب إليَّ، والإجابة إذا دعاني، والكفاية إذا استكفاني؛ لأن هذه الصفات لا تظهر من العبد إلا إذا أحسن ظنه بالله وقوي يقينه"؛ [انتهى][10]. ♦ فلا يدعو المؤمن إلا بيقين بفضل ربه ورحمته، وبقلب تعلق بالله، حتى إنه ليرى بجميل الظن ما الله فاعل؛ يبين هذا قوله صلى الله عليه وسلم: ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ))[11]. حسن الظن بالله وكشف الكرب: ♦ ومن كان في كربة فأنزلها بين يدي الله، يحفزه حسن الظن بالله - قُضيتْ عاجلًا أو آجلًا؛ ففي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: ((من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس، لم تسدَّ فاقته، ومن نزلت به فاقةً فأنزلها بالله، فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل))[12]، وهنا تظهر منارات التطبيق العملي للإسلام في تاريخ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يقول عبدالله بن الزبير: "لما وقف الزبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه، فقال: يا بني، إنه لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم، وإني لا أراني إلا سأقتل اليوم مظلومًا، وإن من أكبر همي لَدَيْني، أفترى يُبقي دَيْنُنا من مالنا شيئًا؟... قال عبدالله: فجعل يوصيني بدَيْنه، ويقول: يا بني، إن عجزتَ عنه في شيء، فاستعن عليه مولاي، قال: فوالله ما دريتُ ما أراد حتى قلت: يا أبَةِ، من مولاك؟ قال: الله، قال: فوالله ما وقعت في كربة من دينه، إلا قلت: يا مولى الزبير اقضِ عنه دينه، فيقضيه"[13]، يقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "والذي لا إله غيره ما أُعطي عبد مؤمن شيئًا خيرًا من حسن الظن بالله عز وجل، والذي لا إله غيره لا يحسن عبد بالله عز وجل الظن إلا أعطاه الله عز وجل ظنه؛ ذلك بأن الخير في يده"[14]. أقول ما سمعتم واستغفروا الله إن الله غفور رحيم. الخطبة الثانية الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه سبحانه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدالله ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه؛ أما بعد: حسن الظن بالله والموت: ♦ إن حسن الظن بالله رفيقُ دربٍ، ومعين ركب، وصاحب أنس، عندما ينزل صاحبه منازل الموت؛ فعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول: ((لا يموتنَّ أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل))[15]؛قال النووي رحمه الله تعالى: "ومعنى ((يحسن الظن بالله تعالى)): أن يظن أن الله تعالى يرحمه، ويرجو ذلك، ويتدبر الآيات والأحاديث الواردة في كرم الله سبحانه وتعالى، وعفوه ورحمته، وما وعد به أهل التوحيد، وما ينشره من الرحمة لهم يوم القيامة"[16]. ♦ وانظر إلى هذا الموقف الذي اختصر الحياة في لحظة، والنفس تقترب من مغادرة الجسد، يزور النبي صلى الله عليه وسلم شابًّا قد حضره الموت فقال له: ((كيف تجدك؟ قال: والله يا رسول الله، إني أرجو الله، وإني أخاف ذنوبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف))[17]. ♦ لا تشك وأنت مؤمن بالله، ولا تتردد وأنت تعمل لله، ولا تقنط وأنت تدعو الله، ولا تستسلم وأنت معك الله، ولا تخف عند سكرات الموت وأنت تحسن الظن بالله. الدعاء: ﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 127]. ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8]. ﴿ رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [آل عمران: 53]. ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ﴾ [آل عمران: 193]. اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصيبات الدنيا، ومتِّعْنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا. اللهم يا سميع الدعوات، يا مقيل العثرات، يا قاضي الحاجات، يا كاشف الكربات، يا رفيع الدرجات، ويا غافر الزلات، اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات. اللهم إنا نسألك لولاة أمورنا الصلاح والسداد، اللهم كن لهم عونًا وخذ بأيديهم إلى الحق والصواب والسداد والرشاد، ووفقهم للعمل لما فيه رضاك وما فيه صالح العباد والبلاد. ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201]. سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. [1] نضرة النعيم (5/ 1597). [2] تفسير السعدي. [3] البخاري (5143). [4] فتح الباري لابن حجر (10/ 482). [5] تفسير القرطبي. [6] صححه ابن العربي في عارضة الأحوذي، والألباني في صحيح الترمذي. [7] صحيح البخاري. [8] رواه أحمد في الزهد. [9] رواه البخاري (7405)، ومسلم (2675). [10] إكمال المعلم (8/ 172). [11] حسنه الهيثمي في المجمع، والألباني في صحيح الترمذي، وصححه أحمد شاكر في المسند. [12] أخرجه أبو داود (1645)، والترمذي (2326) واللفظ له، وأحمد (3696). [13] البخاري (3129). [14] رواه ابن أبي الدنيا في حسن الظن. [15] مسلم (2877). [16] المجموع (5/ 108). [17] أخرجه الترمذي، وحسنه المنذري والألباني.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |