شكر النبي صلى الله عليه وسلم لربه عز وجل - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5036 - عددالزوار : 2189899 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4618 - عددالزوار : 1470367 )           »          ليس ترفا..! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 109 - عددالزوار : 64152 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 207 - عددالزوار : 125101 )           »          حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 229 - عددالزوار : 146951 )           »          السَّدَاد فيما اتفقا عليه البخاري ومسلم في المتن والإسناد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 110 - عددالزوار : 25294 )           »          إعانة الفقيه بتيسير مسائل ابن قاسم وشروحه وحواشيه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 69 - عددالزوار : 24542 )           »          (وَلَن تَرضى عَنكَ اليَهودُ وَلَا النَّصارى) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          من أعظم ما يُفسد العلاقة بين زوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 06-06-2021, 04:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,496
الدولة : Egypt
افتراضي شكر النبي صلى الله عليه وسلم لربه عز وجل

شكر النبي صلى الله عليه وسلم لربه عز وجل
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل



الخلال النبوية (20)




الْحَمْدُ لِلَّهِ الْغَفُورِ الرَّحِيمِ، الشَّكُورِ الْحَلِيمِ؛ مَنَّ عَلَى عِبَادِهِ فَبَعَثَ لَهُمْ نَبِيَّهُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ كِتَابَهُ، وَهَدَاهُمْ لِدِينِهِ ﴿ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ﴾ [يُونُس: 108]، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ شَهَادَةً نَرْجُو بِهَا النَّجَاةَ وَالْفَوْزَ يَوْمَ النُّشُورِ، يَوْمَ يُبَعْثَرُ مَا فِي الْقُبُورِ، وَيُحَصَّلُ مَا فِي الصُّدُورِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى فِي كُلِّ أَحْيَانِهِ، وَيَشْكُرُهُ سُبْحَانَهُ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ، وَيَرْضَى بِقَدَرِهِ وَقَضَائِهِ، وَيَجْتَهِدُ فِي طَاعَتِهِ وَمَرْضَاتِهِ؛ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاحْمَدُوهُ عَلَى مَا هَدَاكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى مَا أَعْطَاكُمْ؛ فَإِنَّ شُكْرَهُ تَعَالَى دَأْبُ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ﴿ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ﴾ [الْإِسْرَاء: 3]، وَقَالَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾ [النَّمْل: 40].

أَيُّهَا النَّاسُ:
عَاشَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيَاتَهُ شَاكِرًا لِلَّهِ تَعَالَى، حَامِدًا لَهُ، رَاضِيًا عَنْهُ، مُبَلِّغًا دِينَهُ، صَابِرًا عَلَى الْأَذَى فِيهِ، قَانِعًا مِنَ الدُّنْيَا بِالْقَلِيلِ؛ رَغْبَةً فِي اللَّهِ تَعَالَى وَفِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَلَا عُرِفَتْ سِيرَةُ بَشَرٍ كَسِيرَتِهِ، وَلَا حُفِظَتْ أَخْبَارُ نَبِيٍّ كَمَا حُفِظَتْ أَخْبَارُهُ؛ فَصَلَوَاتُ رَبِّنَا وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.

وَشُكْرُ اللَّهِ تَعَالَى خَصْلَةٌ مِنْ خِصَالِ الْإِيمَانِ عَظِيمَةٌ، لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا إِلَّا الْخُلَّصُ مِنَ النَّاسِ. وَسِيرَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَارُهُ مَمْلُوءَةٌ بِتَجْسِيدِ هَذِهِ الْخَصْلَةِ مِنَ الْإِيمَانِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَفِي كُلِّ شُؤُونِهِ وَأَحْوَالِهِ.

وَفِي عِبَادَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُطِيلُ الصَّلَاةَ طُولًا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَيُرِيدُ بِإِطَالَتِهَا شُكْرَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا هَدَاهُ وَحَبَاهُ وَأَعْطَاهُ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: أَفَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا...» وَفِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي حَتَّى تَرِمَ أَوْ تَنْتَفِخَ قَدَمَاهُ، فَيُقَالُ لَهُ، فَيَقُولُ: أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا» رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ.

وَإِذَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحْضِرُ شُكْرَ اللَّهِ تَعَالَى فِي صَلَاتِهِ، فَيُطِيلُهَا حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ لِيُحَقِّقَ الشُّكْرَ؛ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رُبَّمَا سَجَدَ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ السُّجُودَ مِنْ أَبْيَنِ مَظَاهِرِ الْعُبُودِيَّةِ وَالذُّلِّ وَالْحُبِّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِي (ص) وَقَالَ: «سَجَدَهَا دَاوُدُ تَوْبَةً، وَنَسْجُدُهَا شُكْرًا» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ: «إِذَا جَاءَهُ أَمْرُ سُرُورٍ أَوْ بُشِّرَ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا شَاكِرًا لِلَّهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

وَرَغْمَ اسْتِحْضَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُكْرَ اللَّهِ تَعَالَى فِي صَلَاتِهِ وَسُجُودِهِ وَعِبَادَتِهِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ كَثِيرَ الدُّعَاءِ بِالشُّكْرِ، يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعِينَهُ عَلَى الشُّكْرِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَعَانَ الْعَبْدَ عَلَى شَيْءٍ تَحَقَّقَ لَهُ؛ فَالْأَمْرُ كُلُّهُ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى. وَمِمَّا حُفِظَ مِنْ أَدْعِيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ...» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا جَاءَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنْظَلَةَ قَالَ: «صَحِبْتُ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ فِي سَفَرٍ، فَقَالَ: أَلَا أُعَلِّمُكَ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا أَنْ نَقُولَ...» فَذَكَرَهُ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا اكْتَنَزَ النَّاسُ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ، فَاكْتَنِزُوا هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتَ...» فَذَكَرَهَا. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سُؤَالَ اللَّهِ تَعَالَى الْإِعَانَةَ عَلَى شُكْرِهِ سُبْحَانَهُ مِنَ الْكُنُوزِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَدَّخِرَهَا، وَيُحَافِظَ عَلَيْهَا، وَيُكْثِرَ مِنْهَا؛ لِيُعَانَ عَلَى تَأْدِيَةِ شُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ.

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عِنَايَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى: أَنَّهُ كَانَ يُوصِي خَاصَّةَ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِالْأَدْعِيَةِ الَّتِي فِيهَا طَلَبُ الْإِعَانَةِ عَلَى الشُّكْرِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ: «يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَقَالَ: أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ، لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ. فَقَدَّمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُقَدِّمَةٍ تُرَغِّبُ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حِفْظِ هَذَا الدُّعَاءِ، وَالْعِنَايَةِ بِهِ، وَالْحِرْصِ عَلَيْهِ؛ وَذَلِكَ بِحَلِفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّهُ يُحِبُّهُ، وَالْمُحِبُّ يَبْذُلُ النُّصْحَ لِمَنْ يُحِبُّ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْأَمِينُ النَّاصِحُ. ثُمَّ أَوْصَاهُ أَنْ يَدْعُوَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ بِهَذَا الدُّعَاءِ؛ وَالدُّعَاءُ عَقِبَ التَّشَهُّدِ مَظِنَّةُ الْإِجَابَةِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ الْعَظِيمُ يُبَيِّنُ مَنْزِلَةَ الشُّكْرِ مِنَ الدِّينِ؛ إِذْ أَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ فَرِيضَةً أَمْ نَافِلَةً، نَهَارِيَّةً أَمْ لَيْلِيَّةً، صَلَّاهَا الْمَرْءُ مَعَ جَمَاعَةٍ أَمْ مُنْفَرِدًا. وَالصَّلَاةُ دَائِمَةٌ مَعَ الْعَبْدِ؛ فَمَا أَحْوَجَ الْعَبْدَ لِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يُؤَدِّيَ شُكْرَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَحَرِيٌّ بِكُلِّ مُصَلٍّ وَمُصَلِّيَةٍ أَنْ يَجْعَلُوا هَذَا الدُّعَاءَ مِنْ صَلَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ وَصِيَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَاصَّةِ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.

وَمِنْ أَدْعِيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا» وَهَذِهِ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ فِي الشُّكْرِ، أَيِ: اجْعَلْنِي كَثِيرَ الشُّكْرِ عَلَى النَّعْمَاءِ وَالْآلَاءِ.

وَمَعَ كَثْرَةِ شُكْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّهِ تَعَالَى يُقِرُّ لِلَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ لَا يُبْلَغُ شُكْرَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ إِذْ سَمِعَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا يُنَاجِي رَبَّهُ فِي سُجُودِهِ فَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا بِالشُّكْرِ وَالصَّبْرِ وَالرِّضَا، اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَتَأَسَّوْا بِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 21].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
مِنْ حِرْصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ يُعَلِّمُ أُمَّتَهُ ذَلِكَ، وَيُرَبِّيهِ فِيهِمْ، وَيُبَيِّنُ لَهُمْ أَنَّ الشُّكْرَ مِثْلُ الصَّبْرِ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ لِلطَّاعِمِ الشَّاكِرِ مِثْلَ مَا لِلصَّائِمِ الصَّابِرِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.

وَقَدْ جَاءَ فِي الصَّبْرِ أَنَّهُ نِصْفُ الْإِيمَانِ؛ فَكَانَ الْإِيمَانُ شُكْرًا وَصَبْرًا، وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ؛ فَيَصْبِرُ الْعَبْدُ عَلَى مَشَقَّةِ الطَّاعَاتِ، وَيُؤَدِّيهَا بِإِحْسَانٍ؛ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَيَصْبِرُ الْعَبْدُ عَنِ الْمَعَاصِي وَهُوَ يَشْعُرُ بِالْخَجَلِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ نِعَمُهُ، وَذَلِكَ الشُّعُورُ مِنْهُ شُكْرٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَيَصْبِرُ عَلَى الْمَصَائِبِ إِذَا أَصَابَتْهُ مُسْتَحْضِرًا مُعَافَاةَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ فِي كُلِّ شُؤونِهِ، وَهَذَا الِاسْتِحْضَارُ شُكْرٌ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى نِعَمِهِ؛ وَلِذَا عَجِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَالِ الْمُؤْمِنِ فِي تَقَلُّبِهِ بَيْنَ الشُّكْرِ وَالصَّبْرِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَلَّمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ شُكْرَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَهُمَا ضَرُورِيَّانِ لِلْإِنْسَانِ، مُتَكَرِّرَانِ مَعَهُ؛ فَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُسْأَلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ شُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ، حَمَلْتُكَ عَلَى الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ، وَزَوَّجْتُكَ النِّسَاءَ، وَجَعَلْتُكَ تَرْبَعُ وَتَرْأَسُ، فَأَيْنَ شُكْرُ ذَلِكَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.


وَدَلَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى وَسِيلَةٍ يُحَقِّقُ بِهَا الشُّكْرَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، كُنْ وَرِعًا تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَكُنْ قَنِعًا تَكُنْ أَشْكَرَ النَّاسِ...» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

وَلْنَتَأَمَّلْ شُكْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْعَظِيمِ الَّذِي يَرْوِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَيَقُولُ: «دَعَا رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ أَهْلِ قُبَاءَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا طَعِمَ وَغَسَلَ يَدَهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ، مَنَّ عَلَيْنَا فَهَدَانَا وَأَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكُلَّ بَلَاءٍ حَسَنٍ أَبْلَانَا، الْحَمْدُ لِلَّهِ غَيْرَ مُوَدَّعٍ، وَلَا مُكَافَئٍ وَلَا مَكْفُورٍ، وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ مِنَ الطَّعَامِ، وَسَقَى مِنَ الشَّرَابِ، وَكَسَا مِنَ الْعُرْيِ، وَهَدَى مِنَ الضَّلَالَةِ، وَبَصَّرَ مِنَ الْعَمَى، وَفَضَّلَ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ خَلْقِهِ تَفْضِيلًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْكُبْرَى، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ.


وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 80.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 78.81 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.14%)]