وقفات مع العيد - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ماذا بعد الحج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          فقه الجزية وأحكام أهل الذمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          الستر فريضة لا فضيحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          إزالة الغفلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          موسى عليه السلام وحياته لله عز وجل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          العدل ضمان والخير أمان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الورد والآس من مناقب ابن عباس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 994 - عددالزوار : 122428 )           »          إلى المرتابين في السنة النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-05-2021, 02:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,521
الدولة : Egypt
افتراضي وقفات مع العيد

وقفات مع العيد



الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي التميمي




الخطبة الأولى
إنَّ الحمدُ للهِ؛ نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.


أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى، وَاعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثُاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.


عِبَادَ اللهِ: هَا هُوَ الْعِيدُ يَعُودُ، وَيُطِلُّ عَلَى الأُمَّةِ وَيَكْسُو الْمُسْلِمَ الْيَوْمَ فَرْحَةٌ عَظِيمَةٌ، يَشْعُرُ بِهَا بَيْنَ جَوَانِحِهِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "للصَّائِمِ فرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ"، فَيُعَبِّرُ عَنْهَا الْمُؤْمِنُ بِاحْتِفَالِهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْمُبْهِجِ.


عِبَادَ اللهِ: تَذَكَّرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْنَا بِأَنْ رَزَقَنَاالأَمْنَ وَالأَمَانَ، بِإِقَامَتِنَا لِشَرْعِهِ، وَاتِبَاعِنَا لِنَهْجِ نَبِيِّهِ، عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ؛ فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ دُعَاةِ الْفِتْنَةِ وَالشَّرِّ، الَّذِينَ يَسْعَوْنَ لإِبْدَالِ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيْنَا بِالأَمْنِ وَالاسْتِقْرَارِ، إِلَى التَّفَرُّقِ وَالتَّشَتُّتِ وَالضَّيَاعِ، ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ ﴾ [إبراهيم: 28- 29].


أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، بِمُجَرَّدِ دُخُولِ الْعِيدِ لَهَجَتِ الأَلْسُنَ بِتَكْبِيرِ اللهِ، فِي بُيوتِ اللهِ، وبُيوتِ المؤمِنينَ، وفِي مُصلياتِ العيدِ، والطرقاتِ وَفِي الأَسْوَاقِ، يَأْتَـمِرُ الْـمُكَبِّـُرونَ بِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى: ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185].


لَقَدْ تَشَنَّفَتِ الأَسمَاعُ، وعِبادُ الرَّحمَنِ يُحْيُونَ سُنَّةً عَظِيمَةً، سُنَّةَ التَّكْبِيرِ، يَلهَجُونَ بِالتَّكْبِيرِ فِي كُلِّ فِجَاجِ الأَرْضِ، فَشِعَارُنَا مِنْ لَيلِ العِيدِ التَّكبيرُ: (اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا)، وَتِلْكَ نِعْمَةٌ مِنَ اللهِ تَسْتَحِقُ الشُّكْرَ وَالْحَمْدَ.


أَيُّهَا المُسلِمُونَ، الشِّرْكُ مَعَ التَّوْحِيدِ ضِدَّانِ، لَا يَجْتَمِعَانِ. فَكَمْ مِنْ مُسْلِمٍ لَطَّخَ إِيمَانُهُ بِلَوْثَاتِ الشِّرْكِ، وَدَنَّسَ قَلْبَهُ بِسَيِّئَةِ البِدْعَةِ؟ ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر: 65].


يَا عبدَ اللهِ، اُنْظُرْ مَاذَا صَرَّفْتَ للهِ –تَعَالَى- مِنْ عَمَلِكَ، فَهَلْ أَخْلَصْتَ وَاتَّبَعْتَ فَتَسْعَى لِلْمَزِيدِ، أَم ابْتَدَعْتَ وَرَاءَيْتَ فَتَتُوب قَبْلَ يَوْمِ الوَعِيدِ؟


عِبَادَ اللهِ: الصَّلاةُ قُرَّةُ عُيونِ المُوَحِّدِينَ، وَدَأْبُ الصَّالِحِينَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132].

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ تَرْكُ الصَّلاةِ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ". فَكَمْ فَرَّطَ مُفَرِّطٌ فَي صَلَاتَيِّ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ، خَاصَّةً فِي العَشْرِ الأواخر، وأيام الأعياد! فَاحْذَرْ أَنْ تَكونَ مِنْهُمْ! وَكَمْ غَفَلَ غَافِلٌ عَنِ الصَّلَاةِ، فَمَا عَرَفَهَا إِلَّا بِرَمَضَانَ! فَخَابَ وَخَسِرَ مَنْ تَوَقَّفَ عَنْ أَدَائِهَا بَعْدَمَا ذَاقَ لذتهَا؛ فَالفَلَّاحُ فِي المحافظة والمواظبة عليها، وَالخُسْرَانُ فِي تَرْكِهَا.



عِبَادَ اللهِ: بِعِيدِنَا هَذَا اسْتَقْبَلنَا أَوَّلَ أَيَّامِ مَوَاقِيتِ الحَجِّ الزَّمَانِيةِ، وَالحَجُّ رُكْنٌ عَظِيمٌ، وَفَضْلُهُ عَظِيمٌ، وَجَاءَ فِي الحَدِيثِ: "مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَومِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"، (رواه البخاري).


عِبَادَ اللهِ: رَبُّوا أَبْنَاءَكُمْ عَلَى اتِّبَاعِ سُنَّةِ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِفهْمِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، فَفَهْمُهُمْ مُقَدَّمٌ عَلَى أَفْهَامِنَا، فَهُمْ أَقْرَبُ لِلتَّنْزِيلِ، وَأَفْهَمُ لِلتَّأْوِيلِ، وَكُونُوا مَعَهُم فِي جَمِيعِ مَرَاحِلِ حَيَاتِهِمْ، حَتَّى لَا تَذْهَبَ بِهِم الأَهْوَاءُ وَالأَمْزِجَةُ، بِاتِّبَاعِ مَنَاهِجِ الْخَلَفِ الَّتِي تَقُودُ إِلَى الهَلَاكِ وَالتَّلَفِ، الْحَذَرَ الْحَذَرَ أَن تَلْعَبَ بِهِمْ الْحَمَاسَةُ غَيْرُ الْمُنْضَبِطَةِ، وَالعَوَاطِفُ الهَوْجَاءُ، فَتَقُودُهُم لِلْبُعْدِ عَنْ السُّنَّةِ، وَمُقَارَفَةُ البِدْعَةِ، تَحْتَ تَأْثِيراتٍ خَارِجِيَّةٍ أَوْ دَاخِلِيَّةٍ، تَعْبَثُ بِأَفْكَارِهِمْ وَتَقُودُهُمْ لِزَرْعِ الفِتْنَةِ فِي بِلَادِهِمْ، وَتُغَيِّرُ سُلُوكهمْ، فَيُصبِحُوا بَدَلًا أَنْ يَكُونُوا لَبِنَاتٍ صَالِحَةً نَافِعَةً لِأَنْفُسِهِمْ وَلِمُجْتَمَعِهِمْ وَلِدِينِهِمْ، شَرًّا وَوَبَالًا وَنِقْمَةً عَلَيْكُمْ وَعَلَى مُجْتَمَعَاتِهِمْ.


عِبَادَ اللهِ: العِيدُ فُرْصَةٌ عَظِيمَةٌ لِلتَّصَافُحِ وَالتَّسَامُحِ، وَنَبْذِ الشَّحْنَاءِ مِنَ القُلُوبِ، فَلْتَتَصَافَحِ الْأَيَادِي، وَتَتَطَهَّرِ الْقُلُوبُ وَتُسَلُّ مِنْهُ السَّخِيمَةُ، وَيُنْزَعُ مِنْهَا دَاءُ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ الحَسَدُ وَالبَغْضَاءُ، كَمَا صَحَّ عَنِ الرَّحْمَةِ الْمُهْدَاةِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حيث قَالَ: "دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمُ: الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، وَهِيَ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُونَ حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَلِكَ لَكُمْ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ" (رواهُ الإمامُ أحمدُ بسندٍ صحيحٍ).


عِبَادَ اللهِ: صِلُوا أَرْحَامَكُمْ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" (رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ). وَاحْذَرُوا قَطِيعَةَ الرَّحِمِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوليْتُم أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ ﴾ [محمد: 22]، فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ.


عِبَادَ اللهِ: عَلَى كُلٍّ مِنَّا الأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ، بِالْحِكْمَةِ والْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، اسْتِجَابَةً لأَمْرِ اللهِ: ﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104]. فالْحَذَرَ الْحَذَرَ أَنْ تُرْتَكبَ الْمَعْصِيَةَ بِحُضُورِكَ أَوْ حُضُورِ أَهْلِكَ، فَلَيْسَ بِمِثْلِ هَذَا تُشْكَرُ النِّعْمَةُ، واللهُ يَقُولُ: ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185].


عِبَادَ اللهِ: احْذَرُوا البِدَعَ وَالمُحْدَثَاتِ، كَتَبَادُلِ التَّعَازِي عِنْدَ فِرَاقِ رَمَضَانَ، فَاللهُ شَرَع لَنَا الفَرْحَةَ، وَخَلَقَ لنَا العيدَ، لنفرَحَ فيهَ ونَسْعَدَ، فَاللهُ تَعَالَى قَالَ: ﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ وَالشُّكْرُ يَكُونُ بِالسَّرَّاءِ، والعيدُ مِنَ السَّرَّاءِ. وَالتَّعْزِيَةُ لا تكون إلا في المَصَائِبِ، وَهَلِ العِيدُ مِنَ الـمَصَائِبِ حَتَّـى نُعَزِّيَ عِنْدَ دُخُولِهِ؟


عِبَادَ اللهِ: احْرِصُوا – كُلَّ الحِرْصِ- عَلَى الْمُبَادَرَةِ بِقَضَاءِ رَمَضَانَ، لِمَنْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، فعليه بالمبادرة فيه قَبْلَ صِيامِ السِّتِّ، فَالصَّحِيحُ من أقوال أهل العلم ألا تُصَامُ السِّتُّ إِلَّا بَعْدَ قَضَاءِ مَا أَفْطَرَ فِيهِ الْعَبْدُ مِنْ رَمَضَانَ، فَالفَرْضُ أَوْلَى مِنَ النَّفْلِ، فَاللهُ يَقُولُ فَي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: "وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَلاَ يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَّرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ" (رواهُ البُخَارِيُّ). وَالقَضَاءُ هُوَ الفَرْضُ، الْمُحَبَّبُ إِلَى الرَّبِّ جَلَّ في عُلَاهُ.


وَهَنَاكَ مَنْ يَقُوْلُ إنَّ عَلَيَّ قَضَاء قَدْ يَصِلُ إِلَى شَهَرْ، فَلَوْ بَادَرْت بِالْقَضَاءِ قَبْلَ الْسِّتِّ لَفَاتَتْنِي الْسِّت، فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّ مَنْ اعْتَادَ صِيَامُ الْسِّتِّ، وَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا سَفَرٌ أَوْ مَرَضٌ أَوْ قَضَاء فَائِت، فَإِنَّ اللهَ يَكْتُبهَا لَهُ مِنْ فَضْلِهِ وَجُوْدِهِ وَرَحْمَتهِ وَكَرَمِهِ، لِحَدِيْثِ: "إذا مرض العبدُ أو سافر، كتب اللهُ تعالى له من الأجرِ مثلَ ما كان يعملُ صحيحًا مُقيمًا".


وَعَلَيْكُمْ بِالْمُبَادَرَةِ بِصِيَامِ الْسِّتِّ مِنْ شَوَّالِ، فَمَنْ صَامَهَا فَأَجْرُهُ كَمَنْ صَامَ الدَّهْرَ كُلَّهُ قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهرِ"، (رَوَاهُ مُسلِمٌ). أَيْ العَامَ كُلَّهُ.


عِبَادَ اللهِ: احْذَرُوا التَّهْنِئَةَ بِمَا يُسَمَّى عِيدَ الأَبْرَارِ، عِنْدَ الانْتِهَاءِ مِنْ صِيَامِ السِّتِّ مِنْ شَوَّالِ، فَلَيْسَ فِي الإسلامِ إِلَّا عِيدَانِ: الفِطْرُ وَالأَضْحَى، وَقَدْ نَصَّ شَيْخُ الإِسلامِ عَلَى بِدْعِيَّتِهِ.


عِبَادَ اللهِ: لَا تَنْسَوا فِي عِيدِكُمْ هَذَا، الفُقَرَاءَ وَالمَسَاكِينَ، تَصَدَّقُوا عَلَيْهِمْ، وَأَحسِنُوا إِلَيْهِمْ، وأَطْعِمُوهُمْ وَاكْسُوهُمْ، ارْحَمُوا العُمَّالَ، وَأَشْرِكُوهُمْ فَرْحَتَكُمْ وَلَا تُحَمِّلُوهُمْ مَا لا يَطِيقُونَ، فَتَتَعَامَلُوا مَعَهُمْ وَكَأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ جِنْسِ الْبَشَرِ، فَلَا فَرْحَةٌ لَهُمْ عِنْدَ بَعْضِنَا هَدَانَا اللهُ وَإِيَّاهُ، فَلَا لِبَاسٌ جَدِيدٌ لهم، وَلَا حَتَّى تَهْنِئَةٌ بِالعيدِ، فَمَا أَطْيَبَ أَنْ تُطْعِمَ خَادِمَكَ وَعَامِلَكَ مِنْ طَعَامِكَ، وَتُهَنِّئهُ بِالعِيدِ، يَسِّرْ لَهُ الاتِّصَالَ بِأَهْلِهِ، لِيُهَنِّئهُمْ وَيُهَنِّؤُهُ، فَلَا تَبْخَلْ عَليهِ وَلا عَلَى نَفْسِكَ، بِدَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ لإِسْعَادِهِ، تُخَفِّفْ عَنْهُ بِعَطْفِكَ وَرَحْمَتِكَ فِرَاقَهُ أَهْلَهُ، فَالرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ اللهُ.


وَقُلْ مِثْلَ هَذَا عَنِ العَامِلَاتِ فِي الْمَنَازِلِ، الَّلوَاتِي مَا دَفَعَهُنَّ لِلْعَمَلِ عِنْدَنَا إِلَّا الْعَوَزُ وَالْحَاجَةُ، وَشَظَفُ الْعَيْشِ، وَالْفَقْرُ وَالفَاقَةُ فِي بِلَادِهِمْ.


عِبَادَ اللهِ: تَذَكَّرُوا الأَيْتَامَ وَارْحَمُوهُمْ؛ فَبِرَحْمَتِهِمْ تَلِينُ القلوبُ القاسيةُ، وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْكُو قَسْوَةَ قَلْبِهِ، فَقَالَ لَهُ: "أَتُحِبُّ أَنْ يَلِينَ قَلبُكَ، وَتُدْرِكَ حَاجَتَكَ؟ ارْحَمِ الْيَتِيمَ، وَامْسَحْ رَأْسَهُ، وَأَطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِكَ"، وَفِي رِوَايَةٍ: "وَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ" (رواهُ أحمدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).


عِبَادَ اللهِ: اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، وَعَاشِرُوهُنَّ بِـالمَعْرُوفِ، وَأَدُّوا حَقَّ اللهِ لَهُنَّ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُنَّ خُلِقْنْ مِنْ ضِلَعٍ أَعْوَجٍ، إِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تُقِيمُوهُ كَسَرْتُمُوهُ، وَكُونُوا عَلَى رِقَابَةٍ بِتَرْبِيَةِ بَنَاتِكُمْ تَرْبِيَةً عَلَى نَهْجِ نِسَاءِ وَبَنَاتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

بَارَكَ اللهُ لِي ولَكُمْ فِي القرآنِ العَظِيمِ...


الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً.


أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ –عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.


أَيَّتُهَا الأَخَوَاتُ الْمُؤْمِنَاتُ، اتَّقِينَ اللهَ بِأَنْفُسِكُنَّ وَحَافِظْنَ عَلَى بُيُوتُكُنَّ، وَحَافِظْنَ عَلَى الْجِلْبَابِ الْأَسْوَدِ الْمَهِيبِ، وَاحْذَرْنَ دُعَاةِ الْفَسَادِ وَأَرْبَابِ الشَّهَوَاتِ، الدَّاعِيـنَ إِلَى نَزْعِهِ. أَطِعْنَ الْأَزْوَاجَ بِغَيْرِ مَعْصِيَةِ اللهِ.


أَيَّتُهَا الْأُخْتُ الْـمُسْلِمَةُ، الْـحَذَرَ الْحـذَرَ مِنَ اللِّبَاسِ الْعَارِي بَيـنَ الْمَحَارِمِ أَو النِّسَاءِ؛ فَبَعْضُ النِّسَاءِ لَا تُبَالِي؛ فَتَخْرُجُ فِي مُـجَتَمَعَاتِ النِّسَاءِ وَبَيْنَ مَـحَـارِمِهَا وَقَدْ كَشَفَتْ عَنْ فَخِذِهَا، أَوْ عَنْ بَعْضٍ مِنْهُ، وَبَعْضُهُنَّ تَكْشِفُ مَا بَيْـنَ سُرَّتِـهَا إِلَى صَدْرِهَا، وَبَعْضُهُنَّ تَكْشِفُ بَعْضَ صَدْرِهَا فَأَصْبَحَ لِبَاسُهَا لِبَاسَاً مُحَرَمَاً. وَبَعْضُهُنَّ تَلْبَسُ الْـمَلَابِسَ الضَّيِّقَةَ الَّتِـي تُـحَجِّمُ جَسَدَهَا؛ وَقَدْ نَـهَى الإِسْلَاُم عَنْ ذَلِكَ؛ حَيْثُ نَـهَى عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ ذَلِكَ؛ فَقِيلَ لَهْ: يَا أَمِيـرَ الْـمُؤْمِنِيـنَ، إِنَّـهَا لَا تَشِفُّ، أَيْ: إِنَّـهَا لَا تُظْهِرُ لَوْن الْبَشْرَةِ، فَقَالَ: لَكِنَّهَا تَصِفُ. فَمَا بَالَكَم بِلِبَاسٍ يَصِفُ وَيَشِّفُ! تَدَّعِي صُوَيْحِبَاتُ هَذَا اللِّبَاسِ أَنَّ هَذَا هَوَ التَّقَدُّمُ والتَّمَدُّنُ، بَل والعَجِيْبُ أَنَّ المُحَافِظَةَ عَلَى اللِّبَاسِ المُحْتَشِمِ يَصِفْنَهَا بِالمُتَخَلِّفَةِ والقرَوِيَّةِ، أَو كَبِيْرَةِ السِّنِ الجَّاهِلَة بِمَعْرِفَةِ الموضَاتِ؛ فَأَصْبَحَ المَعْرُوفُ عِنْدَ بَعْضِهِنَّ مُنْكَرًا، وَالمُنْكَرُ مَعْرُوفًا، وَلَا َحَولَ وَلَا ُقُوَّةَ إِلَّا بالله.


وَيَتَحَمُّلَ الآبَاءِ وَالأَزوَاجِ وَالأُمَّهَاتِ جُزءًا مِنَ المَسؤُولِيةِ، وَكَذَلِكَ التُّجَارِ الَّذِينَ يَتَسَابَقُونَ لِبِيْعْ هَذِهِ المَلَابِسِ، وَيُحْجِمُونَ عَن بَيْعِ المَلَابِسِ المُحْتَشِمَةِ، وَأَخْشَى وِاللهِ أَنْ يَنْطَبِقَ عَلَى بَعْضِ النِّسِاءِ قَوْلُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُؤوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).


فَالحَيَاءَ الحَيَاءَ؛ فَلَا تَلْبَسِي -أُخْتِي الْمُسْلِمَة- الضَّيقَ كَالبِنْطَالِ، فَلَيْسَ لَكِ أَمَامَ المَحَارِمِ مَنَ الْرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِلاَّ كَشْفُ الوَجْهِ، وَالسَّاعِدِ، واليَدِينِ، واَلقَدميِن، وَجُزْءٍ مِنَ السَّاقِ، بِلِبَاس ٍمُحْتَرَمٍ يَجْلِبُ لَكِ وِلِمُجَالِسِيكِ الوَقَارَ؛ فَمَا جَلَبَتْ هَذِهِ الأَلبِسَةُ لِأَصْحَابِهَا إِلَّا الْشَّرَ وَمَزِيدًا مِنَ الضَّياَعِ، وَاحْذَرِي التَّقْلِيدَ لِمَنْ عَصَيْنَ الله وَرَسُوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْعِي إِلَى إِرْضَاءِ رَبِّ الْعَبِيدِ.


حَمَاكِ اللهُ مِنْ كُلِّ شَرٍّ، وَوَقَاكِ مِنْ كُلَّ فِتْنِةٍ، وَأَصْلَحَ لَكِ الزَّوجَ وَالْوَلَدَ، وَجَعَلَكِ صَالِحَةً تَقِيَّةً.



اللهُمَّ تقَبَّلْ مِنَّا الصِّيَامَ وَالْقِيَامِ. الَّلهُمَّ احْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ. الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، "اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ"، اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرَ، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 65.89 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 64.21 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.54%)]