فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4942 - عددالزوار : 2040425 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4516 - عددالزوار : 1310309 )           »          تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1109 - عددالزوار : 129149 )           »          زلزال في اليمن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          المسيح ابن مريم عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14 - عددالزوار : 4819 )           »          ما نزل من القُرْآن في غزوة تبوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          أوليَّات عثمان بن عفان رضي الله عنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          القلب الطيب: خديجة بنت خويلد رضي الله عنها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          رائدة صدر الدعوة الأولى السيدة خديجة بنت خويلد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          طريق العودة من تبوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 14-03-2021, 07:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا

فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد





إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب: 70- 71].

أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أعاذنا الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين آمين.

نجد في كتاب الله سبحانه وتعالى قصصاً كثيرة، يأخذ منها المؤمن العبرة والحكمة ويعمل بمقتضاها، والله خلق خلقه والغالب على الخلق، والغالب على الناس عندما يمتلك الإنسان الصحةَ والعافيةَ ينسى ربه، فإذا مرض تذكّر! وإذا امتلك المال والغنى والثراء، والعيش الرغيد ينسى الفقراء والمساكين، وإذا كان في أمن وسؤدد وسِلمٍ ينسى ربه سبحانه وتعالى.

فقص علينا سبحانه وتعالى قصة أهلِ سبأ، قصَّها باختصار لكن فيها المواعظ والعبر، وكيف أنهم كانوا من أغنى الناس، والأمن عندهم حتى في طريقهم من اليمن إلى الشام، أمن وأمان، فـقال سبحانه وتعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ * وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ * فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [سبأ: 15 – 19].

قَالَ الْبُخَارِيُّ -رحمه الله- مفسراً (ج6/ ص121): [﴿ سَيْلَ الْعَرِمِ ﴾ [سبأ: 16]؛ السُّدُّ: -بالضم من خلق الله عز وجل، وبالفتح السَّدّ؛ من صنع الإنسان، فهذا كان سُدًّا وكان سَدًّا أيضاً، والسيل هذا كما قال البخاري هو: مَاءٌ أَحْمَرُ أَرْسَلَهُ اللهُ فِي السُّدِّ، فَشَقَّهُ وَهَدَمَهُ، وَحَفَرَ الوَادِيَ، فَارْتَفَعَتَا عَنِ الجَنْتَيْنِ، وَغَابَ عَنْهُمَا الـمَاءُ فَيَبُسَتَا، وَلَمْ يَكُنِ الـمَاءُ الأَحْمَرُ مِنَ السَّدِّ، وَلَكِنْ كَانَ عَذَابًا أَرْسَلَهُ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ شَاءَ].

[في القاموس السُّدّ: ما خلقه الله، وبالفتح: السَّد ما صنعناه]. الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري (3/ 410).

فمن هو سبأ؟ هل هو أرض أو امرأة سأل عن ذلك فروة بن مسيك المرادي، فـعَنْ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ الـمُرَادِيِّ -رضي الله عنه-، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وهو من اليمن- فَقُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلَا أُقَاتِلُ مَنْ أَدْبَرَ مِنْ قَوْمِي بِمَنْ أَقْبَلَ مِنْهُمْ؟) فَأَذِنَ لِي فِي قِتَالِهِمْ وَأَمَّرَنِي، -أي جعله أميرا عليهم- فَلَمَّا خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ، سَأَلَ عَنِّي: ("مَا فَعَلَ الغُطَيْفِيُّ؟") فَأُخْبِرَ أَنِّي قَدْ سِرْتُ، قَالَ: (فَأَرْسَلَ فِي أَثَرِي فَرَدَّنِي، فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ)، فَقَالَ: ("ادْعُ القَوْمَ")؛ -أي ادعُ قومَك- ("فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ فَاقْبَلْ مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ فَلَا تَعْجَلْ حَتَّى أُحْدِثَ إِلَيْكَ") قَالَ: (وَأُنْزِلَ فِي سَبَإٍ مَا أُنْزِلَ)، فَقَالَ رَجُلٌ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَا سَبَأٌ، أَرْضٌ أَوْ امْرَأَةٌ؟!) قَالَ: ("لَيْسَ بِأَرْضٍ وَلَا امْرَأَةٍ، وَلَكِنَّهُ رَجُلٌ وَلَدَ عَشْرَةً مِنَ العَرَبِ؛ ...") أهـ. (ت) (3222)، (د) (3988)، (حم) (2900)، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن.

قال السعدي رحمه الله تعالى: [سبأٌ قبيلة معروفة في أداني اليمن، ومسكنهم بلدة يقال لها: (مأرب)، ومن نِعَم الله ولطفه بالناس عموما، وبالعرب خصوصا، أنه قصّ في القرآن أخبارَ المهلكين والمعاقبين، ممن كان يجاور العرب، ويشاهد آثاره، ويتناقل الناس أخباره، ليكون ذلك أدعى إلى التصديق، وأقربَ للموعظة، فقال: ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ ﴾، أي: محلِّهم الذي يسكنون فيه ﴿ آيَةٌ ﴾، والآية هنا: ما أدرَّ الله عليهم من النِّعم، وصرَفَ عنهم من النِّقم، الذي يقتضي ذلك منهم؛ أن يعبدوا الله ويشكروه.

ثم فسّر الآية بقوله: ﴿ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ ﴾، وكان لهم وادٍ عظيم، تأتيه سيولٌ كثيرة، وكانوا بنَوا سدَّا محكمًا، يكون مجمعًا للماء، فكانت السيول تأتيه، فيجتمع هناك ماء عظيم، فيفرقونه على بساتينهم، التي عن يمين ذلك الوادي وشماله.

وتُغِلُّ لهم -أي تنتج لهم- تلك الجنتان العظيمتان، من الثمار ما يكفيهم، ويحصل لهم به الغبطة والسرور، فأمرهم الله بشكر نعمه التي أدرَّها عليهم من وجوه كثيرة:
منها: -أي من هذه النعم عليهم- هاتان الجنتان اللتان غالب أقواتهم منهما.

ومنها: أنّ الله جعل بلدهم، بلدة طيبة، لحُسْنِ هوائها، وقِلَّة وَخَمِها، وحصولِ الرّزقِ الرغد فيها.
ومنها: أنّ الله تعالى وعدهم -إن شكروه-؛ أن يغفر لهم وَيرحمهم، ولهذا قال: ﴿ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ﴾.

ومنها: أنّ الله لـمَّا علم احتياجَهم في تجارتهم ومكاسبهم إلى الأرض المباركة، -الظاهر أنها الشام- هيأ لهم من الأسباب ما به يتيسَّر وصولهم إليها، بغاية السهولة؛ من الأمن، وعدم الخوف، وتواصُلِ القُرَى بينهم وبينها، بحيث لا يكون عليهم مشقة، بحمل الزاد والمزاد.

ولهذا قال: ﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً ﴾، -[أي متواصلة يُرى بعضُها من بعض لتقاربها، -كل قرية تكون فيها ترى منها القرى الأخرى- فهي ظاهرة لأعين الناظرين، أو ظاهرة للسابلة لم تبعد عن مسالكهم، حتى تخفى عليهم]. الأساس في التفسير (8/ 4521).

و -جاء- [عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ قُرًى ظَاهِرَةً ﴾قَالَ: (مُتَوَاصِلَةً آمِنِينَ لَا يَخَافُونَ جُوعًا وَلَا ظَمَأً؛ أَيُّمَا يَغْدُونَ فَيَقِيلُونَ فِي قَرْيَةٍ وَيَرُوحُونَ -فيبيتون- فِي قَرْيَةٍ، أَهْلُ جَنَّةٍ؛ حَتَّى لَقَدْ ذُكِرَ لَنَا؛ أَنَّ الْمَرْأَةَ كَانَتْ تَضَعُ مِكْتَلَهَا -القفة أو السلة تضعها على رأسها- عَلَى رَأْسِهَا فَيَمْتَلِئُ قَبْلَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَغْتَرِفَ بِيَدِهَا شَيْئًا، وَكَانَ الرَّجُلُ يُسَافِرُ لَا يَحْمِلُ زَادًا وَلَا سِقَاءً مِمَّا بُسِطَ لِلْقَوْمِ، فَبَطِرَ الْقَوْمُ نِعْمَةَ اللَّهِ: ﴿ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَافَمُزِّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ، وَجُعِلُوا أَحَادِيثَ)]. تفسير عبد الرزاق (3/ 63)، رقم: (2415).

﴿ وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ ﴾؛ أي: سيرا مقدرا يعرفونه، -نصف نهار يصلون إلى القرية الأخرى، ونصف نهار آخر يصلون إلى القرية الأخرى- ويحكمون عليه، بحيث لا يتيهون عنه ﴿ لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ؛ أي: مطمئنين في السير، في تلك الليالي والأيام، غير خائفين. وهذا من تمام نعمة الله عليهم، أن أمَّنهم من الخوف.

فأعرضوا عن المنعِم -سبحانه-، وعن عبادته، وبطِروا النعمةَ وملُّوها، حتى إنهم طلبوا وتمنَّوا، أن تتباعد أسفارهم بين تلك القرى، التي كان السير فيها متيسِّرا.

[(فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا)؛ لَمَّا بَطِرُوا وَطَغَوْا، وَسَئِمُوا الرَّاحَةَ، وَلَمْ يَصْبِرُوا عَلَى الْعَافِيَةِ، تَمَنَّوْا طُولَ الْأَسْفَارِ، وَالْكَدْحَ فِي الْمَعِيشَةِ، كَقَوْلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ﴿ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها ﴾. [البقرة: 61] الْآيَةَ -يريدون هذا وكانوا يأكلون أطيب الطعام، وهو طائر السلوى، ويشربون أطيب الشراب وهو المن.

وَكَالنَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ حِينَ قَالَ: ﴿ اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا-محمد صلى الله عليه وسلم وما معه- ﴿ هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ [الأنفال: 32]، فَأَجَابَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَقُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ بِالسَّيْفِ صَبْرًا، فَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ تَبَدَّدُوا فِي الدُّنْيَا وَمُزِّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ، وَجُعِلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الشَّامِ فَلَوَاتٌ وَمَفَاوِزُ يَرْكَبُونَ فِيهَا الرَّوَاحِلَ، وَيَتَزَوَّدُونَ الْأَزْوَادَ]. تفسير القرطبي (14/ 290).

﴿ وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ﴾، بكفرهم بالله وبنعمته، فعاقبهم الله تعالى بهذه النعمة، التي أطغتهم، فأبادها عليهم، فأرسل عليها سيل العرم.

أي: السيل المتوعِّر، الذي خرّب سدَّهم، وأتلَف جنَّاتِهم، وخرَّب بساتينَهم، فتبدَّلت تلك الجناتُ ذاتُ الحدائقِ المعجَبة، والأشجارِ المثمرة، وصار بدلها أشجارٌ لا نفع فيها، ولهذا قال: ﴿ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ ﴾؛ يُقَالُ: الأُكُلُ: الثَّمَرُ، أي: شيء قليل من الأكل الذي لا يقع منهم موقعا، -لا يشبعهم كما كانوا يشبعون، ﴿ خَمْطٍ ﴾ -والخَمْطُ: الأَرَاكُ. ﴿ وَأَثْلٍ، وَالأَثلُ: الطَّرْفَاءُ.

﴿ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ﴾، وهذا كلُّه شجر معروف، وهذا من جنس عملهم.

فكما بدَّلوا الشكرَ الحسن، بالكفر القبيح، بُدِّلوا تلك النِّعمةَ بما ذُكر، ولهذا قال: ﴿ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلا الْكَفُورَ ﴾، أي: وهل نجازي جزاء العقوبة -بدليل السياق- إلا من كفر بالله وبطر النعمة؟

فلما أصابهم ما أصابهم، تفرّقوا وتمزّقوا، بعدما كانوا مجتمعين، وجعلهم الله أحاديثَ يُتَحدّث بهم، وأسمارا للناس، وكان يضرب بهم المثل فيقال: (تفرقوا أيدي سبأ)، فكل أحد يتحدث بما جرى لهم، ولكن لا ينتفع بالعبرة فيهم إلا من قال الله: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ، صبَّارٌ على المكاره والشدائد، يتحمّلها لوجه الله، ولا يتسخَّطها بل يصبر عليها. شكورٌ لنعمة الله تعالى يُقِرُّ بها، ويعترف، ويثني على من أولاها، ويصرفها في طاعته.

فهذا إذا سمع بقصّتهم، وما جرى منهم وعليهم، عَرَف بذلك أن تلك العقوبة جزاءٌ لكفرهم نعمةَ الله، وأنّ من فعل مثلهم، فُعِلَ به كما فعل بهم، وأنَّ شُكرَ الله تعالى حافظٌ للنِّعمة، دافعٌ للنِّقمة، وأنّ رُسُلَ الله، صادقون فيما أخبروا به، وأنّ الجزاء حقّ، كما رأى أنموذجه في دار الدنيا]. تفسير السعدي (ص:677، 678).
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الآخرة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:
أهل سبأ، إنهم بطروا وعاندوا: ﴿ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا ﴾ [سبأ: ١٩]، فباعد بين أسفارهم، وسلَبَهم النعيمَ الذي منحهم، فعاقبهم بأشجارِ الشوك وما لا خير فيهم، وعاقبهم بالتعب المشقة في الحِلِّ والترحال. فكما قيل: (البلاء موكل بالمنطق). البلاء يقع على الناس بمنطقهم، وهكذا حال كل من يكفر النعم، ويتبَطَّرُ على المعيشة، ويدعو على نفسه بالشرِّ.

لمـَّا قال قوم نوحٍ لنوح عليه السلام: ﴿ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [الأعراف: ٧٠]، طلبوا منه أن يأتيهم بما وعدهم، فوقع عليهم الرجس والغضب، والغرق.

وعادٌ قوم هودٍ عليه السلام: ﴿ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [الأحقاف: ٢٢] لم يسألوا الهداية، فجاءتهم الريح العقيم؛ ﴿ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَىٰ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ [الأحقاف: ٢٥].

وثمودٌ قوم صالح عليه السلام، طلبوا منه تنفيذ تهديده: ﴿ فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ[الأعراف: ٧٧– ٧٨].

وقوم لوطٍ عليه السلام كذبوه وعاندوه، فقال لهم: ﴿ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾[العنكبوت: 29]، ﴿ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ * مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ﴾. [هود: ٨٢ – ٨٣].

وبنو إسرائيل بطِروا معيشتَهم التي كانت عسلَ المنِّ، وطيورَ السلوى، وطلبوا الفوم والعدس والبصل، فقال الله عز وجل: ﴿ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ [البقرة: ٦١].

والمشركون واجهوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بجهلهم: ﴿ وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ[الأنفال: ٣٢].

وفي هذا [مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُفَّارَ مَكَّةَ فِي غَايَةِ الْجَهْلِ حَيْثُ قَالُوا: ﴿ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَاالْآيَةَ، وَلَمْ يَقُولُوا: فَاهْدِنَا إِلَيْهِ، وَجَاءَ فِي آيَاتٍ أُخَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا، كَقَوْلِهِ عَنْهُمْ: ﴿ وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ ﴾ [ص: 16]. وَقَوْلِهِ: ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [الحج: 47]، ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ [العنكبوت: 53]، الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ سبحانه: ﴿ وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [هود: 8]، وَذَكَرَ عَنْ بَعْضِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ شِبْهَ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ فِي قَوْمِ شُعَيْبٍ: ﴿ فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [الشعراء: 187]، وَقَوْلِهِ عَنْ قَوْمِ صَالِحٍ: ﴿ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الأعراف: 77]. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (2/ 53).

فلماذا انتشر بين المسلمين في هذه الآونة؛ الدعاء بالشر، وقالة السوء، وتمني الضُّرّ؟ فهذا يدعو على عموم المسلمين بالهلاك! وذاك يدعو على ما حوله بالدمار! فهو يفرح بانتشار الفوضى، ويرقص طرباً على مآسي إخوانه المسلمين، ويصفِّق منتشياً لما يحدث لهم من التشريد والتهجير والتغريب، وكلّ هذا ونحوه من إرادة التغيير والتبديل من السيء -في زعمه- ولكن إلى الأسوأ في الحقيقة، هذا من كفران النعم، فأخشى ما أخشاه أن ينطبق علينا قوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: ١١٢].


اللهم صل على الرحمة المهداة؛ نبينا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.
اللَّهُمَّ إِنّا نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ؛ فِي دِينِنا وَدُنْيَانا وَأَهْلِينا وَأموالِنا، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنا، وَآمِنْ رَوْعَاتِنا، اللَّهُمَّ احْفَظْنا مِنْ بَيْنِ أيدينا وَمِنْ خَلْفِنا، وَعَنْ أيماننا وَعَنْ شِمَائلِنا، وَمِنْ فَوْقِنا، وَنَعُوذُ بِكَ أَنْ نُغْتَالَ مِنْ تَحْتِنا، اللَّهُمَّ احْفَظْنا بِالْإِسْلَامِ قَاعِدين، وَاحْفَظْنا بِالْإِسْلَامِ رَاقِدين، وَلَا تُطِعْ فينا أعداءً ولا حَاسِدين، وَنَسْأَلُكَ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ خَزَائِنُهُ بِيَدِكَ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ كُلِّ شَرٍّ خَزَائِنُهُ بِيَدِكَ.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.
﴿ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 99.09 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 97.37 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.74%)]