هل ينطبق علينا وصف الذين جاؤوا من بعدهم؟ - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1428 - عددالزوار : 140939 )           »          معالجات نبوية لداء الرياء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          التربية بالحوار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          صور من فن معالجة أخطاء الأصدقاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          في صحوةِ الغائب: الذِّكر بوابة الحضور (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          آيات السَّكِينة لطلب الطُّمأنينة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (العليم, العالم. علام الغيوب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          سبل إحياء الدعوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          التساؤلات القلبية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          الحب الذي لا نراه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-03-2021, 09:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,202
الدولة : Egypt
افتراضي هل ينطبق علينا وصف الذين جاؤوا من بعدهم؟

هل ينطبق علينا وصف الذين جاؤوا من بعدهم؟ (1)


الشيخ : أحمد شريف النعسان






عناصر الخطبة

1/ أصناف المجتمع المسلم في عصر النبوة وصفة كل صنف 2/ الأدب عنوان السعادة 3/ أحق وأولى الناس بالتأدب معهم 4/ فضل الأدب مع السلف وخطر سوء الأدب معهم 5/ بعض صور الأدب مع السلف 6/ التعاسة والشقاء في سوء الأدب مع السلف


اقتباس

أيُّها الإخوة الكرام: أدَبُ المرءِ عُنوانُ سعادَتِهِ وفلاحِهِ في الدُّنيا والآخرةِ, وقِلَّةُ أدَبِهِ عُنوانُ شقائِهِ وبَوارِهِ في الدُّنيا والآخرةِ, فما استُجلِبَ خيرُ الدُّنيا والآخرةِ بِمِثلِ الأدَبِ, وما استُجلِبَ حِرمانُها بِمِثلِ قِلَّةِ الأدَبِ. إنَّ أحقَّ من نَتَأدَّبُ معَهُم بعدَ الأدَبِ مع الله -تعالى-, ومع سيِّدِنا رسولِ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-, هُم…










الخطبة الأولى:


الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فيا عباد الله: لقد صَنَّفَ ربُّنا -عزَّ وجلَّ- المجتَمَعَ الإيمانِيَّ ثلاثَةَ أصنافٍ:

الصِّنفُ الأوَّلُ: هُمُ المهاجرونَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُم-, وقد شَهِدَ اللهُ -تعالى- لهم بالصِّدقِ فيما عاهَدوا اللهَ -تعالى- عليه.

والصِّنفُ الثَّاني: هُمُ الأنصارُ -رَضِيَ اللهُ عَنهُم-, وقد شَهِدَ اللهُ -تعالى- لهم بالفلاحِ بِبَرَكَةِ سَلامةِ صُدورِهِم.

والصِّنفُ الثَّالثُ: هُمُ الذينَ جاؤوا من بعدِ المهاجرينَ والأنصارِ, وهؤلاءِ ضَمِنَ اللهُ -تعالى- لهم الفلاحَ والنَّجاحَ والرِّضا عنهُم بشرطِ الاتِّباعِ للمهاجرينَ والأنصارِ, قال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 100].

أيُّها الإخوة الكرام: لقد ذَكَرَ اللهُ -تعالى- الصِّنفَ الثَّالثَ من المجتَمَعِ الإيمانِيِّ وَوَصَفَهُم بالاتِّباعِ لا بالابتِداعِ, وَصَفَهُم بالأدَبِ الظَّاهِرِ والباطِنِ, قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحشر: 10].

فالوصفُ الأوَّلُ لهم: هوَ أدَبُهُم مع السَّلَفِ الصَّالِحِ, ومن مَظاهِرِ هذا الأدَبِ: الدُّعاءُ لهم.

أمَّا الوصفُ الثَّاني: فهوَ أدَبُهُم مع المؤمنينَ حيثُ صُدورُهُم خاويةٌ من الغِلِّ تُجاهَ من يقولُ: لا إله إلا اللهُ, مُحمَّدٌ رسولُ الله.

أيُّها الإخوة الكرام: أدَبُ المرءِ عُنوانُ سعادَتِهِ وفلاحِهِ في الدُّنيا والآخرةِ, وقِلَّةُ أدَبِهِ عُنوانُ شقائِهِ وبَوارِهِ في الدُّنيا والآخرةِ, فما استُجلِبَ خيرُ الدُّنيا والآخرةِ بِمِثلِ الأدَبِ, وما استُجلِبَ حِرمانُها بِمِثلِ قِلَّةِ الأدَبِ.

يا عباد الله: إنَّ أحقَّ من نَتَأدَّبُ معَهُم بعدَ الأدَبِ مع الله -تعالى-, ومع سيِّدِنا رسولِ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-, هُم أصحابُ سيِّدِنا رسولِ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- من المهاجرينَ والأنصارِ, من الذينَ آمَنوا قبلَ الفتحِ وبعدَ الفتحِ.

كيفَ لا نلتَزِمُ الأدَبَ معَهُم, واللهُ -تعالى- يقولُ في حقِّهم: (لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [الحديد: 10]؟

كيفَ لا نلتَزِمُ الأدَبَ معَهُم, واللهُ -تعالى- يقولُ في حقِّهم: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) [الفتح: 18]؟

كيفَ لا نلتَزِمُ الأدَبَ معَهُم, واللهُ -تعالى- يقولُ في حقِّهم: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 100]؟

كيفَ لا نلتَزِمُ الأدَبَ معَهُم, وسيِّدُنا رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- يقولُ في حقِّهم: "اللهَ اللهَ فِي أَصْحَابِي, اللهَ اللهَ فِي أَصْحَابِي, لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضاً بَعْدِي, فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ, وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ, وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي, وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللهَ -تَبَارَكَ وَتعالى-, وَمَنْ آذَى اللهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ؟" [رواه الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-]؟

كيفَ لا نلتَزِمُ الأدَبَ معَهُم, وسيِّدُنا رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- يقولُ في حقِّهم: "لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي, لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي, فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ" [رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-]؟

كيفَ لا نلتَزِمُ الأدَبَ معَهُم, وسيِّدُنا رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- يقولُ في حقِّهم: "دَعُوا لِي أَصْحَابِي, فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقْتُمْ مِثْلَ أُحُدٍ أَوْ مِثْلَ الْجِبَالِ ذَهَباً مَا بَلَغْتُمْ أَعْمَالَهُمْ" [رواه الإمام أحمد عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-]؟

يا عباد الله: فَوَصفُ الذينَ جاؤوا من بعدِ المهاجرينَ والأنصارِ هوَ الأدَبُ مع مَن سَبَقَهُم بالإيمانِ, ومع مَن شَهِدَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- لهم بالفلاحِ والنَّجاحِ, وإنَّ سُوءَ الأدَبِ معَهُم عُنوانُ شقاءِ هذا العبدِ وخُسرانِهِ وبَوارِهِ في الدُّنيا والآخرةِ.

يا عباد الله: ومَن كانَ من أهلِ الأدَبِ مع المهاجرينَ والأنصارِ -رَضِيَ اللهُ عَنهُم-, فهوَ كذلكَ من أهلِ الأدَبِ مع التَّابِعينَ وتابِعِيهِم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ, وخاصَّةً من الأئمَّةِ الأربعةِ أصحابِ المذاهِبِ الذينَ بِبَرَكَتِهِم وَصَلَ إلينا الفِقهُ المُستمَدُّ من الكتابِ والسُّنَّةِ.

يا عباد الله: إنَّ الأدَبَ مع السَّلَفِ الصَّالِحِ سَببٌ للنَّجاةِ من الضِّيقِ والشَّدائِدِ, وكيفَ لا يكونُ الأدَبُ معَهُم سَبباً للنَّجاةِ من الضِّيقِ والشَّدائِدِ وقد نجَّى اللهُ -تبارَكَ وتعالى- ذاكَ الرَّجُلَ الذي حُبِسَ في الغارِ مع صاحِبَيهِ حينَ انطَبَقَت عليهِمُ الصَّخرةُ بِبَرَكَةِ أدَبِهِ مع والِدَيه؟ روى الإمام البخاري عن ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قال: قال رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ, حَتَّى أَوَوُا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ, فَدَخَلُوهُ فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنْ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الْغَارَ, فَقَالُوا: إِنَّهُ لَا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ, فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَكُنْتُ لَا أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلاً وَلَا مَالاً فَنَأَى بِي فِي طَلَبِ شَيْءٍ يَوْماً فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا, فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلاً أَوْ مَالاً, فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدَيَّ أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ, فَاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا, اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ, فَانْفَرَجَتْ شَيْئاً".

فيا عباد الله: إذا أرَدنا النَّجاةَ مِمَّا نحنُ فيه من شِدَّةٍ وضِيقٍ, فعلينا بالتِزامِ الأدَبِ مع سَلَفِنا الصَّالِحِ من المهاجرينَ والأنصارِ والتَّابِعينَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُم جميعاً-, وخاصَّةً مع أصحابِ المذاهِبِ الأربعةِ التي تَلقَّتْها الأمَّةُ بالقَبولِ.

يا عباد الله: إنَّ سُوءَ الأدَبِ مع السَّلَفِ الصَّالِحِ والتَّابِعينَ سَببٌ للمِحنةِ والابتِلاءِ, وكيفَ لا يكونُ سَبباً للمِحنةِ والابتِلاءِ وقدِ ابتلى اللهُ -عزَّ وجلَّ- ذاكَ الرَّاهِبَ الذي طَرَقَت عليه أمُّهَ بابَهُ فتأوَّلَ عَدَمَ الرَّدِّ عليها بإقبالِهِ على الصَّلاةِ, فما ماتَ حتَّى ابتُلِيَ؟ روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "كَانَ رَجُلٌ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ: جُرَيْجٌ, يُصَلِّي, فَجَاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ, فَأَبَى أَنْ يُجِيبَهَا, فَقَالَ: أُجِيبُهَا أَوْ أُصَلِّي؟ ثُمَّ أَتَتْهُ, فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ الْمُومِسَاتِ, وَكَانَ جُرَيْجٌ فِي صَوْمَعَتِهِ, فَقَالَتْ امْرَأَةٌ: لَأَفْتِنَنَّ جُرَيْجاً, فَتَعَرَّضَتْ لَهُ, فَكَلَّمَتْهُ فَأَبَى, فَأَتَتْ رَاعِياً فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا, فَوَلَدَتْ غُلَاماً, فَقَالَتْ: هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ, فَأَتَوْهُ وَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ, فَأَنْزَلُوهُ وَسَبُّوهُ, فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى, ثُمَّ أَتَى الْغُلَامَ, فَقَالَ: مَنْ أَبُوكَ يَا غُلَامُ؟ قَالَ: الرَّاعِي, قَالُوا: نَبْنِي صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ, قَالَ: لَا, إِلَّا مِنْ طِينٍ".

فإذا تأوَّلَ هذا الرَّجُلُ عَدَمَ الرَّدِّ بإقبالِهِ على الله -عزَّ وجلَّ- بالصَّلاةِ, فكيفَ بمَن يجترِئُ على سُوءِ الأدَبِ مع الصَّحبِ الكِرامِ من المهاجرينَ والأنصارِ, ويجترِئُ على سُوءِ الأدَبِ مع التَّابِعينَ, وخاصَّةً من الأئمَّةِ الأربعةِ؟

يا عباد الله: إنَّ من صُوَرِ الأدَبِ مع السَّلَفِ الصَّالِحِ, وخاصَّةً من المهاجرينَ والأنصارِ والتَّابِعينَ وأصحابِ المذاهِبِ الأربعةِ.

أولاً: عَدَمُ البحثِ عن هَفَواتِهِم.

ثانياً: التَّرَحُّمُ والتَّرضِّي عنهُم كُلَّما ذُكِروا.

ثالثاً: الدِّفاعُ عنهُم إذا أُسيءَ إليهم.

رابعاً: كَثرَةُ الدُّعاءِ لهم, وخاصَّةً كما ذَكَرَ ربُّنا -عزَّ وجلَّ- في القرآن العظيم عن لِسانِ الذين جاؤوا من بعدهم: (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحشر: 10].


أيُّها الإخوة الكرام: لو نَظَرنا إلى كلِّ شَقِيٍّ في هذهِ الحياةِ الدُّنيا, فإنَّا نَجِدُ أنَّ الذي ساقَهُ إلى هذا الشَّقاءِ هوَ قِلَّةُ الأدَبِ مع السَّلَفِ الصَّالِحِ من المهاجرينَ والأنصارِ والتَّابِعينَ, فقليلُ الأدَبِ مع مَن لم يوَقِّرِ الكبيرَ هوَ ليسَ من هَدْيِ سيِّدِنا رسولِ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-, ألم يقلِ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرِ الْكَبِيرَ, وَيَرْحَمِ الصَّغِيرَ, وَيَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ, وَيَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ" [رواه الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُما-].

فإذا كانَ هذا جزاءُ من تَرَكَ الأدَبَ مع الكبيرِ, فكيفَ إذا كانَت قِلَّةُ الأدَبِ مع مَن شَهِدَ اللهُ -تعالى- لهم بالصِّدقِ والفلاحِ ومن تَبِعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ القيامةِ؟

اللَّهُمَّ لا تَحرِمْنا الأدَبَ مع المهاجرينَ والأنصارِ والتَّابِعينَ, ولا تَحرِمْنا الأدَبَ مع عِبادِكَ المؤمنينَ خاصَّةً ومع النَّاسِ عامَّةً.

أقول هذا القول, وأستغفر الله لي ولكم, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 61.33 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 59.66 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.73%)]