|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() التفاؤل في أوقات الأزمات الشيخ د. : عبد الحي يوسف عناصر الخطبة 1/ سوء أحوال الأمة في سائر المجالات 2/ شدة معاناة الصحابة السابقين إلى الإسلام 3/ أهمية التفاؤل بنصر الإسلام وعز المسلمين 4/ تحريم اليأس والقنوط من رحمة الله 5/ اغتنام عشر ذي الحجة اقتباس فإن الناظر في حال أمة الإسلام يجد أمورًا لا تسرّه، يجد شعوبًا متفرقة دويلات هنا وهناك، ثروات منهوبة، شريعة لله مغيبة، أحكامًا لله معطلة، بعدًا عن دين الله -عز وجل- في الهدي والأخلاق والسلوك، تقصيرًا في العبادات، إقبالاً على المنكرات، يجد أمة الإسلام أمة مسفوكة دماؤها، منهوبة ثرواتها .. الخطبة الأولى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ * يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) [سبأ:1-2]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وعظيمنا محمدًا رسولُ الله الرحمة المهداة والنعمة المسداة، والسراج المنير، والبشير النذير أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الذين (آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الأعراف:157]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:71]. أما بعد: فإن الناظر في حال أمة الإسلام يجد أمورًا لا تسرّه، يجد شعوبًا متفرقة دويلات هنا وهناك، ثروات منهوبة، شريعة لله مغيبة، أحكامًا لله معطلة، بعدًا عن دين الله -عز وجل- في الهدي والأخلاق والسلوك، تقصيرًا في العبادات، إقبالاً على المنكرات، يجد أمة الإسلام أمة مسفوكة دماؤها، منهوبة ثرواتها، كثيرة حروبها، يجد أمة الإسلام لا قيمة لها ولا وزن، يُقضَى الأمر حين يغيبون، ولا يُستأذنون وهم شهود، في كل بلد أمير للمسلمين ومنبر. أنى اتجهت إلى الإسلام في بلد *** تجده كالطير مقصوصا جناحاه ويح العروبة كان الكون مسرحها *** فأصبحت تتوارى في زواياه كم صرفتنا يد كنا نصرفها *** وبات يملكنا شعب ملكناه هذا هو حال الأمة الذي لا يخفى على صغير ولا كبير من المسلمين، هذا الواقع الذي لخصته في هذه الكلمات لا يكاد يخفى على واحد منا، منا من يعرفه إجمالاً، ومنا من يحيط به تفصيلاً. لكنني أقول لكم معشر المسلمين أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-: إن رسولنا -عليه الصلاة والسلام- علمنا أن نتفاءل بغد أطيب ومستقبل أحسن، وحال أفضل، وأن نثق بالله -عز وجل- مهما ادلهمت الخطوب مهما عظمت الأخطار، مهما أحاط بنا الأعداء، مهما مكر بنا الجبارون والمتكبرون. علمنا -صلوات ربي وسلامه عليه- أن نتفاءل، أن نأخذ بالأسباب، وأن نكل الأمور إلى الله. نبينا -عليه الصلاة والسلام- لما كان في مكة كان أصحابه -رضوان الله عليهم- يعذَّبُون، ويُطاردَون ويُجوَّعون، يؤتى بالرجل فيجوَّع ويُعطَّش ويُلقَى في حر الشمس، ويُوضع على صدره الصخرة العظيمة يقول له الكفار: "واللات والعزى لا ندعك حتى تكفر بمحمد وإله محمد". وكان يأتيه أصحابه ودماؤهم تسيل، بل بعضهم قُتل تحت التعذيب؛ كسمية بنت خياط أم عمار بن ياسر -رضوان الله عليهم أجمعين-، بعضهم فقد بصره من شدة التعذيب كزميرة الجارية الرومية -رضي الله عنها- حتى قال المشركون: "أذهب بصرَها اللات والعزى"، فقالت لهم: "كذبتم وبيت الله لا تنفع اللات والعزى، ولا تضر، ما أذهب بصري إلا الله، وهو قادر على أن يرده، فردَّ الله عليها بصرها". هؤلاء الصحابة -رضوان الله عليهم- الذين أُخرجوا من ديارهم، وأُوذوا في سبيل الله، ونِيلَ منهم ما نيل؛ يأتي أحدهم وهو خباب بن الأرت، ودمه يسيل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- متوسد بردة له في ظل الكعبة، قال خباب: يا رسول الله! ألا تدعو لنا، ألا تستنصر لنا؟! يشكو للنبي -عليه الصلاة والسلام-، نحن في شدة، نحن في عنت، نحن في ضيق، الأعداء بنا متربصون وهم علينا متسلطون إلى متى هذا العذاب؟! فماذا قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ حدثه عن حال مَن سبق وعلّق قلبه بالغد المشرق؛ قال له: "والذي نفسي بيده لقد كان يؤتى بالرجل ممن كان قبلكم فيوضع المنشار على رأسه، حتى يفرق بين رجليه، ويمشّط ما دون لحمه وعظمه بأمشاط الحديد، ما يرده ذلك عن دينه، والذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم قوم تستعجلون". يقول لهم: لا تستعجلوا، لا يكن أحدكم قصير النظر، لا يجاوز نظره أنفه، بل علّقوا أمالكم بالله، لا تيأسوا من روْح الله، لا تقنطوا من رحمة الله، اعلموا أن الله لا يخلف الميعاد، وهو الذي قال: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [غافر:51-52]. موقف آخر -أيها المسلمون عباد الله- في طريق الهجرة رحلة محفوفة بالمخاطر والمشركون قد رصدوا مائة ناقة لمن يأتي بمحمد -صلى الله عليه وسلم- حيًّا أو ميتًا ومائة أخرى لمن يأتي بالصديق أبي بكر حيًّا أو ميتًا. دخل -عليه الصلاة والسلام- في الغار في القصة المعروفة، لما دمعت عين أبي بكر، وقال: "يا رسول الله: لو نظر أحدهم تحت قدميه لأبصرنا"، ماذا قال له -عليه الصلاة والسلام-؟ قال له: "يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما؛ لا تحزن إن الله معنا". فماذا كانت النتيجة؟ قال الله -عز وجل-: (فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:40]. ثم بعد ذلك لما خرج إلى الغار، وأدركهما سراقة بن مالك الجشعمي، وهو يمنّي نفسه بأن يفوز بجائزة قريش فساخت أقدام فرسه مرة بعد مرة، قال: "فعلمت أنه ممنوع من الله"، لن يصل إليه أحد بسوء كما قال الله له (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة:67]، فعلمت أنه ممنوع، قال: فبشرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال لي: "يا سراقة! كيف بك إذا لبست سوار كسرى بن هرمز"؟!، لا يحدّثه عن الجزيرة العربية ولا يحدثه عن اليوم أو غد وإنما يحدثه عن مستقبل الأيام عن فتح بلاد فارس، وأن المسلمين سيغنمون أسورة كسرى ومن معه، وأن سراقة بن مالك سيلبس تلك الأساور. مرت الأيام والشهور والسنين، وتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبدأت حركة الفتوحات وفُتحت بلاد فارس، وجيء إلى عمر -رضي الله عنه- بالأقباض بالغنائم فاستدعى سراقة بن مالك وألبسه سواري كسرى، وقال: "الحمد لله الذي كسا سراقة بن مالك -أعرابياً بوالاً على عقبيه من بني جشعم- سواري كسرى بن هرمز". ثم لما وصل إلى المدينة -صلوات ربي وسلامه عليه- نزل في أعاليها في ديار بني عمرو بن عوف، تفاؤلاً بعلو دينه، ثم لما كانت غزوة الأحزاب والمسلمون محاصرون قد جاءت قريش والأحابيش وبنو تميم وبنو فزارة وأعانهم اليهود كما قال ربنا -جل جلاله-: (إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) [الأحزاب:10]. في تلك الحال والمسلمون يحفرون الخندق عرضت لهم كُدْيَةٌ أي صخرة يضربونها بمعاولهم، فما تؤثر فيها، فشكوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فدعا بماء قال فيه ما شاء الله أن يقول، ثم نضح تلك الصخرة، ثم ضربها بمعوله فخرج منها نور عظيم قال: "الله أكبر أُوتيت مفاتيح الروم، ثم ضربها بمعوله فخرج منها نور عظيم قال: الله أكبر أوتيت مفاتيح فارس، ثم ضربها بمعوله فخرج منها نور عظيم قال: الله أكبر أوتيت مفاتيح اليمن". فماذا قال المنافقون؟ قالوا: إن محمدا يعدنا كنوز كسرى وقيصر والواحد منا ما يأمن أن يخرج ويبول، (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً) [الأحزاب:12]. أما المؤمنون الطيبون الصالحون الصادقون فقالوا: (هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)، الله لا يخلف الميعاد. أيها المسلمون عباد الله: إن مطلوبًا منا أن نتفاءل، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحب الفأل الحسن يسمع الكلمة فيتفاءل بها إذ قيل له: يا رسول الله إني رأيت في المنام أن في دار ابن طاب نأكل من تمرها، فإنه يقول: "طاب ديننا إن شاء الله". حين يأتيه صحابي آخر يقول: يا رسول الله رأيت أن في دار ابن عقبة يقول -عليه الصلاة والسلام- "العقبة لنا إن شاء الله". حين يذهب إلى خيبر -صلوات الله وسلامه عليه- فيرى اليهود وهم يحملون المساحي والفؤوس والمكاتل قد خرجوا للزراعة، ماذا قال -عليه الصلاة والسلام-؟! قال: "الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين". قال أهل العلم: "تفاءل -عليه الصلاة والسلام- لما رأى في أيدي القوم فؤوس ومساحي ومكاتل، وهي الأدوات التي تُستعمَل للهدم والتخريب، تفاءل بأن الله -عز وجل- سيخرب ديار اليهود وستكون الدائرة للمسلمين عليهم". يا أيها المسلمون يا عباد الله: لو نظرنا في واقعنا الذي نعيشه من جهة أخرى سنجد إقبالاً من الشباب على دين الله، سنجد استمساكًا بهدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، سنجد أن الناس يكثرون من السؤال عن الحلال والحرام، سنجد إقبالاً على المساجد، إقبالاً على حِلَق العلم ومجالس الذكر، سنجد أن السواد الأعظم من جمهور المسلمين راغبون بل طامحون في تحكيم شريعة الله، في إنفاذ أحكام الله، سنجد أن راية الجهاد إذا رُفعت في أرض من أرض الله في فلسطين في أفغانستان في غيرها؛ فإن قلوب المسلمين تهفو للتضحية في سبيل الله للجهاد بأموالهم وأنفسهم، هناك أحوال كثيرة تحمل الإنسان على أن يتفاءل لهذه الأمة بغد مشرق. إياكم والتطير، إياكم والتشاؤم فإنها سبيل المشركين وحيلة العاجزين، التشاؤم. أيها المسلمون عباد الله: ليس من خُلق المسلم، بل هي صفة أهل الشرك قال أهل الكفر (قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ) [النمل: 47]، هؤلاء هم قوم صالح (اطَّيَّرْنَا) أي تشاءمنا، وقال الله عن كفار آخرين أنهم قالوا لرسلهم: (إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ) [يس:18] ، وقال الله عن قوم فرعون (فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) [الأعراف:131]. الآن بعض المسلمين يتشاءم، إيمانه ضعيف، إيمانه مهزوز لو أنه سمع إنسانًا يذكر كلمة سفرجل يقول سفر وجلاء، إذا سمع كلمة الياسمين، يقول يأس ومين، لو أنه خرج من بيته فرأى أبرص أو أعمى أو أعرج تشاءم ورجع، لو أنه رأى طائر أسود أو بهيمة سوداء يتشاءم ويرجع!! لا ما هكذا علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بل علمنا أن نتفاءل: "ليس منا من تطير أو تُطير له، أو تَكهن أو تُكهن له، أو سحر أو سُحر له". علمنا -صلوات ربي وسلامه عليه- أن الأقدار كلها بيد الله، وأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن (مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ) [فاطر:2]، لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون. هذه عقيدة المسلمين. ولذلك فلو أن الإنسان رأى شيئًا أو سمع كلمة تشاءم منها؛ فإنه يذكر الله يقول: "اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا يأتي بالخير غيرك، ولا إله إلا أنت"، يذكر الله -عز وجل- ثم يمضي إلى ما أراد، والله -عز وجل- هو حسبه ونعم الوكيل. هذه هي العقيدة التي تعلمانها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهذا هو الهدي الذي سار عليه المسلمون. أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يرزقنا إيمانا صادقا ويقينا ليس بعده كفر ورحمة ننال بها شرف كرامته في الدنيا والآخرة، توبوا إلى الله واستغفروه.. الخطبة الثانية: الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُ الله ورسوله النبي الأمين بعثه الله بالهدى واليقين لينذر من كان حيًّا، ويحق القول على الكافرين، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين وآله وصحبه أجمعين، وحشر الجميع تحت لواء سيد المرسلين. أما بعد: أيها المسلمون: فاتقوا الله حق تقاته، وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون، واعلموا إخوتي في الله أن بين أيدينا أيامًا طيبة مباركة فاضلة، قد أقسم الله بها في كتابه فقال جل من قائل: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر:1-2]. هذه الليالي العشر هي الليالي الأول من شهر الله الحرام، من شهر ذي الحجة، هذه الأيام التي قال فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله تعالى من هذه الأيام"، يعني عشر ذي الحجة، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء". قال أهل العلم: هذه الأيام أيام فاضلة؛ لاجتماع أمهات العبادات فيها؛ ففيها الصيام وفيها نوافل الصلاة وفيها نوافل الذكر والإكثار من الذكر (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) [الحج:30]. وهذه الأيام المباركة كذلك يُكثِر فيها الموفَّق من قراءة القرآن، يُكثر فيها من أنواع العبادات، يكثر فيها من ذكر الله تسبيحًا وتكبيرًا وتحميدًا وتهليلاً، يكثر فيها من الصدقات، يكثر فيها من نوافل الصلاة والصيام، يكثر فيها من الصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يتقرب إلى الله بصلة الأرحام، يتقرب إلى الله بخير ما يحضره من عمل؛ لأن الأعمال تتفاضل إذا كان للزمان حرمة أو كان للمكان حرمة. فأوصيكم ونفسي -أيها المسلمون- بتقوى الله، وأن نُري اللهَ -عز وجل- من أنفسنا خيرا في هذه الأيام المباركة، وأن نتقرب إليه بخير ما يحضرنا من عمل، ثم تكون خاتمة تلك الصالحات أن نتقرب إلى الله بنحر الأضاحي في يوم العيد، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من إراقة دم، وإنه ليقع من الله بموقع قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفسًا". (لَن يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ) [الحج: 37]، تقربوا إلى الله -عز وجل- بذبح الأضاحي، وتقربوا إلى الله -عز وجل- بإطعام الفقراء والمساكين والصدقة على الجياع وأهل الحاجة، فـ"من أطعم مسلمًا على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقى مسلما على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم، ومن كسا مسلما على عُري كساه الله من حلل الجنة". وإن شبابًا من أهل هذه البلاد قد شرعوا في جمع صدقاتكم وما تجود بها أيديكم من أجل أن يدخلوا الفرحة على المسلمين من فقراء هذه البلاد في يوم العيد. أسأل الله -عز وجل- أن يهل علينا شهر ذي الحجة بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما يحب ويرضى.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |