بذل المعروف – في صنائع المعروف - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تعملها إزاى؟.. كيفية إضافة صفحات متعددة إلى مركز التحكم بأيفون (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          كيف تضاعف المسافة فى صفحة Word فى 4 خطوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          اختصار جديد بواتساب يضع علامة على الكل كـ"مقروء" لمستخدمى أندرويد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          Google تعمل على ميزة تساعدك فى العثور بسرعة على المحادثات الجماعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          ميزة تدوين الملاحظات التلقائية باستخدام الذكاء الاصطناعى تتوفر فى Google Meet (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          Gmail يحصل على مميزات AI لمساعدتك فى إتقان فن كتابة الرسائل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          تحديث جديد لتطبيق Google Messages.. اعرف أبرز مميزاته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          كيفية تثبيت Microsoft Teams على جهاز الكمبيوتر فى 3 خطوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          واتساب يطرح تأثيرات وفلاتر الواقع المعزز لمستخدمي أبل.. كيف تستخدمها؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          إيه الفرق؟.. تعرف على أبرز الاختلافات بين هاتفى iPhone 13 Mini وGoogle Pixel 9 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-02-2021, 09:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,541
الدولة : Egypt
افتراضي بذل المعروف – في صنائع المعروف

بذل المعروف – في صنائع المعروف (1)


الشيخ : خالد بن علي أبا الخيل



عناصر الخطبة

1/ فضل بذل المعروف وفعل الخير للغير 2/ أنواع المعروف والإحسان للغير وصوره 3/ الترغيب في بذل الخير وإعطائه 4/ ثمرات بذل الخير والمعروف والإحسان إلى الآخرين.


اقتباس

هناك عبادة عظيمة وتحفة ثمينة وخصلة جميلة؛ إنها العطف على المسلمين ورحمة المحتاجين، ومساعدة المعوذين، والبذل للفقراء والمساكين، ومواساة المؤمنين؛ إنها صنع المعروف وبذل الخير للغير في السر والمكشوف. إنها صنائع المعروف، وما أدراك ما صنائع المعروف؟! كل نفع متعدٍّ وبذل مجدٍ، أبوابها متنوعة ونوافذها متعددة؛ كشف كربة، وإطعام وصدقة، وسقاية ماء وشفاعة وسداد دين وإعانة، إصلاح بين المتهاجرين، وحسن معاملة وعيادة مريض، وتشييع جنازة…










الخطبة الأولى:


الحمد لله الذي شرع المعروف وجعله بين الناس مألوفًا، وأشهد أن لا إله إلا الله الرحيم الرءوف، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بين صنائع المعروف صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه خير من بذلوا المعروف ونصحوا كل مبصر ومكفوف.

عباد الله: خير الوصايا وأجمل الهدايا تقوى رب البرايا.. فاستعدوا أيها الناس لما أمامكم واستكثروا من حسناتكم واصنعوا المعروف بينكم، وحسنوا أخلاقكم، وابتعدوا عن معصية ربكم تدخلوا جنة ربكم وتحظوا بمرافقة نبيكم وتسعدوا في حياتكم.

أيها المسلمون: هناك عبادة عظيمة وتحفة ثمينة وخصلة جميلة؛ إنها العطف على المسلمين ورحمة المحتاجين، ومساعدة المعوذين، والبذل للفقراء والمساكين، ومواساة المؤمنين؛ إنها صنع المعروف وبذل الخير للغير في السر والمكشوف.

إنها صنائع المعروف، وما أدراك ما صنائع المعروف؟! كل نفع متعدٍّ وبذل مجدٍ، أبوابها متنوعة ونوافذها متعددة؛ كشف كربة، وإطعام وصدقة، وسقاية ماء وشفاعة وسداد دين وإعانة، إصلاح بين المتهاجرين، وحسن معاملة وعيادة مريض، وتشييع جنازة.

فالمعروف كلمة شاملة كل ما عُرف بالشرع خيره وحسنه، والأصل فيه ما ثبت في السنة "كل معروف صدقة"، "ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق". رواه مسلم رحمه الله.

وعند أحمد والترمذي "كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ, وَإِنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ, وَأَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ أَخِيكَ"، "والمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه"، "ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته"، "ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"، وفي القرآن: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).

وصنع المعروف بابه واسع ونفعه جامع ونوعه شاسع، ومن تلك الأبواب: إعانة المكروب على كربه، وتفريج همه، وقضاء دينه، والوقوف في صفه، وإدخال السرور عليه وكذا مواساة المصابين والمكلومين وتسلية المكلومين والمحتاجين والفقراء والمعوذين والأرامل والأيتام والمساكين.

ومن تلك الأبواب -وفقني الله وإياكم للسنة والكتاب-: الدعوة إلى الله، وتعليم الناس وتذكيرهم ونصحهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وكذا المعونة على الدعوة حثًّا ومعنى، بذلاً ومالاً، كل في حسبه وميدانه وخدمة دينه وأعماله.

ومن صنائع المعروف -وفقكم الله لكل معروف-: بذل الخير للغير كالشفاعة الحسنة "واشفعوا تؤجروا" (مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا) .

والتوسط بين الطرفين لنفع الشخصين وإزالة البغضاء والميل والإصلاح بين المسلمين لاسيما حق الضعيفين المرأة والضعيف كالعامل والخادم والمأكول ماله، والمهضوم حقه والمتأخر راتبه، والمتحمل حماله والذي أصابته جائحة وعصر وفاقة.
مَن يَفعَلِ الخَيرَ لا يَعدَم جَوازِيَهُ *** لا يَذهَبُ العُرفُ بَينَ اللَهِ وَالناسِ

ومن صنائع المعروف -أيها الأخ الكريم المحفوف-: طيب الكلام وطلقة الوجه والبشاشة والابتسامة قال الله تعالى: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ)، وقال سبحانه: (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ).

وفي السنة "اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فكلمة طيبة" متفق عليه، بل والكلمة الطيبة صدقة. (متفق عليه).

وفي مسلم: "لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى وجه أخاك بوجه طليق"، بل: "وتبسمك في وجه أخيك صدقة".

ومن أعظم الصنائع وأجل المعروف المتعدي الجامع: الصلح بين المتقاطعين، والمتهاجرين والمختلفين والمتشاحنين والمتباغضين، والمتشاديين والمفترقين، لاسيما الزوجين والأخوين والأبوين والجارين، والصديقين والزميلين، وإزالة الضغائن والشحناء والتلاعن والصخب والبغضاء، قال المولى جل وعلا: (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء:114].

وقال سبحانه: (فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ) [الأنفال: 1]، وقال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) [الحجرات: 12]، فكم ممن وفق لهذا الباب فأصلح وبادر وأنجح؟!

ومن تلك الأبواب: سلامة الصدر للمسلمين وطهارة القلب للمؤمنين، والدعاء لهم بظهر الغيب.

ومن صنائع المعروف والهدى: إزالة وإماطة الأذى حسا أو معنى، فالحسي إزالته عن الطريق "وتميط الأذى عن الطريق صدقة"، والبعض يكل هذا العمل لعمال النظافة وأن هذا من شؤونهم أو جهات مختصة وما علم هذا أن إزالة الأذى إنما له عند الله منزلة وقربة ورفعة وجائزة ثمينة استمع لها علك ترفع الهمة ، ففي صحيح السنة "مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق، فقال: والله لأنحّين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم، فأدخل الجنة"، بل ورآه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقلب في الجنة.
وإماطة الأذى من الإيمان.

وأما الأذى المعنوي فهو صيانة الأذهان وحماية الاعتقاد والإيمان من العقائد الفاسدة والمذاهب المنحرفة الكاسدة.

ومن المعروف والخير المألوف: قضاء الحاجات والوقوف عند الأزمات، "فمن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته" كما في البخاري -عليه رحمة الله-، "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" كما في مسلم -عليه رحمة الله-.

ويدخل في هذا الباب أبواب شتى وأعمال تترى: كالتنفيس والستر والعفو والصلح وإنظار المعسر، وإعانة الضعيف والرجل البسيط في قضاء مهمته كالعلاج والتوظيف وقضاء الدين، ورفع الظلم والشفاعة له، ودلالته لما فيه نفعه وصلاحه والوقوف مع الإنسان عند المضائق وشدة الحاجة والمأزق ونفعه وبره وسده خلته والإحسان إليه في حاجته.
وأفضل الناس ما بين الورى رجلٌ *** تُقضى على يدهِ للناس حاجاتُ
لا تمنعن يد المعروف عن أحد *** ما دمت مقتدراً فالسعد تارات
واشكر فضائل صنع الله إذا جعلت *** إليك لا لك عند الناس حاجات

ومن صنع المعروف بفئة الشباب: دلالتهم على ما فيه صلاحهم ومساندتهم في حوائجهم وشغلهم بما يعود عليهم نفعه في دينهم ودنياهم.

ومن صنائع المعروف والبر وجميل الظروف: رحمة الناس والشفقة عليهم ودعوتهم وبذل النصح لهم والتيسير عليهم، وإقراضهم والتوسعة عليهم وحفظهم في أموالهم وأعراضهم وممتلكاتهم، ومحبة الخير لهم وكره الشر لهم ونصر ظالمهم بكفّه عن الظلم ونصر مظلومهم بالوقوف معه في الضيم.

ومن صنائع المعروف أمة الخير والمعروف: زيارة مرضاهم واتباع جنائزهم ومواساتهم وتعزيتهم، والسلام عليهم ورد السلام عليهم، وإجابة دعوتهم وتشميت عاطسهم ونصحهم وبذل النصح لهم إذا طلبوا النصيحة، وإبرار مقسمهم وستر عوراتهم وغض الطرف عن أحوالهم
ولم أر كالمعروف: أما مذاقه *** فحلوٌ وأما وجههُ فجميلُ

ومن صنائع المعروف أيها المؤمن المألوف: الصبر على الناس وطلباتهم، فالعالم يصبر على من يستفتيه، والموظف يصبر على مراجعيه، والباذل الكريم يصبر على سائليه، والداعية يصبر على ما يلاقيه، وصاحب الجاه يصبر على طالبيه، والبائع يصبر على مشتريه والدائن يصبر على متأخريه، والأب والأم يصبران على أبنائهم وبناتهم تربية وحسن التعامل فيه.
يد المعروف غنمٌ حيث كانت *** تحمَّلها شكورٌ أو كفور
ففي شكر الشَّكور لها جزاءٌ *** وعند الله ما كفر الكفور

المعروف ليس مقصورًا وليس له حد محصور، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإرشادك الرجل الضال في الطريق، وتبصيرك رديء البصر أو الأعمى في الطريق، والحث على الجليس الصالح الرفيق والتعاون على البر والتقوى والتناهي عن الإثم والعدوان.

ومنه (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) ومنه (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) [الإنسان:8]، وإكرام الضيف وإزالة الجور والحيف والصبر والحلم والتعليم وبذل العلم وتعليم الجاهل وإرشاد الضال وإعانة الصانع والصنع لأخرق، وكف الشر من المعروف، والإحسان إلى الجار والقريب من أفضل المعروف الدار، قال ابن عباس " المعروف أيمن زرع، وأفضل كنز"
اقض الحوائج ما استطعت *** وكن لهمِّ أخيك فارِج
فلخير أيام الفتى *** يوم قضى فيه الحوائج


قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو التواب الرحيم..


الخطبة الثانية:


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..

ومن المعروف والخير المحفوف: إعانة المعاقين والرأفة بهم ونصرتهم والذين لا يسألون الناس إلحافا، وتفقد المحتاجين ومساعدة المتزوجين وتفقد المتعففين وقضاء حاجة المحتاجين.

ومن صوره أن تصبّ من دلوك في إناء جارك فلا تمنع عنه ماءك ومتاعك، "يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك".

ومن صوره: إرشاد التائهين والتوسعة في الطريق راكبا أو راجلا أو سائرا، واحترام كبير السن وتوقيره وعونه وقضاء حاجاته وتقديمه.

ومن صور المعروف: شحذ همم الموهوبين، وإعانة العاجزين والمجنونين والمعتوهين، وهداية الحائرين.

ومن صور المعروف: إدخال السرور على المهمومين والمكروبين، وكذا رحمة الصغار وإقالة المشترين، والسماحة في البيع والشراء بين المسلمين، والتوسط للآخرين في أمور الدنيا والدين، وتسهيل معاملة المراجعين، وتبسيط معاملتهم والنصح في أعمالهم بالصدق والإخلاص والجودة، وإنقاذ من ولغ في بالمعصية والبدعة والأهواء المضلة.

ومن نماذج المعروف أن الأقربين أولى بالمعروف كالوالدين والإخوة والأقارب، فأولى الناس أنت تصنع لهم معروفا بذلا ودعوة ومالاً وصلة واتصالاً هم أقاربك، فبعض الناس يصل البعيد وينفع الناس وينسى أقرب الناس فنسى أقاربه وأحبابه ووالديه وإخوانه.

ومن صنائع المعروف: التفاؤل بالنصر والعز وبذل الإحسان لكل إنسان عرفته أم لم تعرفه في كل زمان ومكان.

ومن صنائع المعروف: الاقتراحات الهادفة والتصحيحات الهادئة والاستشارات الأسرية الناجعة والكلمات الطيبة النافعة.
وإذا امرؤ أهدى إليك صنيعة *** من جاهه فكأنها من ماله
من يزرع الخير يحصد ما يسرّ به *** وزارع الشرِّ منكوس على الرّاس

ومن اصطناع المعروف -جعلني الله وإياكم ممن يقف مع المحتاج والملهوف- الإصغاء لمن ابتلي بالمصائب وتعددت إليه النوائب واشتد به الكرب وضاق به الخطب فأصغِ إليه ونفّث له ويسِّر سبيله وهوِّن طريقه وذكِّره بالثواب لمن صبر وأناب، فنعم الصديق عند الضيق!!
ولابُدَّ من شَكْوَى إِلى ذي مُروءَةٍ *** يُوَاسِيكَ أَوْ يُسْلِيكَ أو يَتَوَجَّع

ومما يرغب في صنع المعروف ثماره وفوائده وعظيم أجره ومآثره، ومن ذلكم -بارك الله فيكم- أن فعل المعروف يقي مصارع السوء والمكروه، وكذا أهله هم أهل هم أهل المعروف في الآخرة، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن كان في عون أخيه كان الله في عونه، ومن نفَّس عن مؤمن نفس الله عنه، ومن ستر مؤمن ستره الله..

وأن المعروف من النفع المتعدي للغير وان فعله يحقق (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) ويحقق كمال الإيمان "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، وأن فاعله يتصدق على نفسه صدقة معنوية وحسية، فـ"كل معروف صدقة"، وأن فاعله له مثل أجر فاعله فالدال على الخير كفاعله، وباذل المعروف من أعظم المحسنين، والله لا يضيع أجر المحسنين، والله يحب المحسنين، وصاحب المعروف داخل في باب النصح والدعوة للخير والتعاون على البر والهدى، وثاني عشرها: ذهب المفطرون بالأجر، وثالث عشرها: صرف البلاء وسوء القضاء، وخاتمتها: دخول الجنة ومغفرة الذنوب وستر العيوب.

وأخيرا: فاجعل شعارك (وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ)، (وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا)، ومسارك (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) وديثارك (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ) ومنهجك "كل معروف صدقة وفي كل كبد رطبة أجر"، "ولا تحقرن من المعروف شيئًا"
لا تحقرن من المعروف أصغره *** أَحْسِن فعاقبة الإحسان حسناه

فَسِرْ على هذه القواعد لفعل الخير والمعروف والعوائد وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، والمعروف لا يضيع وأجره في الدنيا والآخرة حرز منيع.
إن الصنائع في الكرام ودائع *** تبقى ولو فني الزمان بأسره
واصنع المعروف وشعارك إنا (لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا)، إخلاصه وإسراره وعدم العوض، وانتظاره من أعظم حسناته وادخاره.
وخلاصة المعروف بكلمة مختصرة "فعل الخير للغير" ، في خطبتنا هذه ألقينا فضل المعروف وأنواعه وصوره والترغيب في بذله وإعطائه، وفي الجمعة القادمة بإذن الله الحلقة الثانية "آداب الصانع والمصنوع له ونماذج وصور له".

اللهم اجعلنا من أهل المعروف يا دائم المعروف..
يا مُصْبِحون على الفضيلة والندى…
يتلون بعد الفرض آيات الهدى
صلوا على خير العباد وسلموا…
ما غرد الطير المحلق في المدا

اللهم صلِّ وسلّم وبارك على نبينا وحبيبنا محمد…

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11-02-2021, 09:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,541
الدولة : Egypt
افتراضي رد: بذل المعروف – في صنائع المعروف

بذل المعروف – في صنائع المعروف (2)


الشيخ : خالد بن علي أبا الخيل



عناصر الخطبة

1/ آداب صانع المعروف 2/ من علامات الإخلاص في بذل المعروف 3/ فضل صنع المعروف لكل محتاج وملهوف 4/ تعجيل المعروف من المسارعة للخيرات 5/ آداب من صُنع له المعروف.


اقتباس

ومن سمات المعروف وصنعه لكل محتاج وملهوف: أن يبادر إلى حاجة أخيه وقضائها ولو لم يردها ويطلبها، فإذا علمت بحاجة أخيك، فبادر لصنع المعروف وبرك بأخيك. جاء مدين إلى سفيان بن عيينة يسأله العون على قضاء حاجاته فأعانه، ثم بكى فقالت له زوجته: ما يبكيك؟ فقال: “أبكي أن احتاج أخي فلم أشعر بحاجاته حتى سألني”. فإذا علمت أو مرت عليك معاملة، وعندك نصح وتوجيه، فابذلها لأخيك بعلمه أو بغير علمه إن كانت مصلحة محققة..








الخطبة الأولى:


الحمد لله…

يا مَنْ يَمْلِكُ حَوائِجَ السّائِلينَ، يَا مَنْ لَيْسَ مَعَهُ رَبٌّ يُدْعَى، يَا مَنْ لَيْسَ فَوْقَهُ خَالِقٌ يُخْشَى يَا مَنْ لَيْسَ دُونَهُ إِلَهٌ يُتَّقَى، يَا مَنْ لَيْسَ لَهُ وَزِيرٌ يُرْشَى يَا مَنْ لَيْسَ لَهُ نَدِيمٌ يَغْشَى، يَا مَنْ لَيْسَ لَهُ حَاجِبٌ يُنَادَى يَا مَنْ لَا يَزْدَادُ عَلَى كَثْرَةِ السُّؤَالِ إِلَّا كَرَماً وَجُوداً يَا مَنْ لَا يَزْدَادُ عَلَى عِظَمِ الذُّنُوبِ إِلَّا رَحْمَةً وَعَفْواً ، حمدًا لك حمدا يا ربنا..

وأشهد أن لا إله إلا الله إله من في الأرض ومن في السماء، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أكرم عبد سأل ودعا.

أما بعد: فاتقوا رب الأرض والسماء تفوزوا في الدنيا والأخرى، فالتقوى عز وتمكين وهدى وواحة إيمان وصفاء، من أراد تفريج كربه وتنفيس همه وقضاء دينه وشفاء مرضه وقضاء حاجاته وصلاح زوجه وهداية ولده ورضا ربه فعليه بتقوى الله وصلاح قلبه.

أيها المسلمون: مضى معنا في الجمعة الماضية الحلقة الأولى بذل المعروف في صنائع المعروف، أنواع المعروف وثوابه وثماره والعطاء المألوف، ومعنا ما وعدنا الحلقة الثانية والخطبة التالية "آداب وسمات وأخلاق وصفات صناع المعروف المصنوع له والملهوف".

أيها المسلمون: أما صانع المعروف فإليه الآداب والخلوف: إخلاصه وإسراره وعدم العوض وانتظاره وانتظار المدح وجزاءه، قال الله -جل جلاله-: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا) [الإنسان:9]، وقال سبحانه: (إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ).

ومن السبعة "رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" (رواه الشيخان عليهما رحمة الله).

ولهذا من صنع معروفا وتعجل أجره فله ما نوى، وربما باء بإثمه، فعند أحمد في مسنده لما سأل عدي بن حاتم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المعروف والخير الذي كان يصنعه أبوه بالجاهلية ابتغاء المدح والذكر الحسن، قال له: "إن أباك أراد شيئا فأدركه".

بل جاء الوعيد لمن تقصد قبول ذلك فعند أبو داوود -رحمه الله-: "من شفع لأخيه بشفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا"، فهذا من تقصد واشترط لا مَن أُهدي له من غير شرط وشرط.

ومن علامات الإخلاص في بذل المعروف: استواء المدح والذم، ونسيان رؤية الأعمال في الأعمال.

ومن الآداب أمة السنة والكتاب: أن يبذله لمن يستحقه من إنسان أو بر أو فاجر، أو حيوان بأن يبذله لكل ضعيف محتاج أو قريب أو أقرب صاحب دين ومنهاج.

ومن تلك الآداب أيها الإخوة والأصحاب: أن يستر معروفه، وهذا أدعى للإخلاص وعظيم المثوبة.

سمع ابن سرين رجلاً يقول لرجل: فعلت إليك وفعلت إليك، فقال ابن سرين: "اسكت فلا خير في المعروف إذا أُحصي".
وقالت العرب: إذا صنعت المعروف فاستر وإذا صُنع لك فانشر.

ومن آدابه: استصغاره وعدم المن به فالمن سبب لضياعه وحبوطه قال سبحانه (لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى)، وقال سبحانه (وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ) [المدثر:6]، والمان بالمعروف أحد الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم كما رواه مسلم -رحمه الله-.

وقد قيل: المنة تهدم الصنعة.
أفسدت بالمن ما أسديت من عمل *** ليس الكريم من أسدى بمنان

فبعض الناس يخدم الناس لكن يمنّ به على من خدمه بذكره بين الفينة والأخرى، أو إذا حصل فراق وجفاء فتح ملفات المعروف وأفشى أو إذا ذُكر في مجلس ما، قلت قادحًا ذامًّا: سبق أن صنعت له معروفًا وإحسانًا.

ومن آدابه وحسن صنعه وصفاته أن يعلم صانع المعروف أنه يعامل الله بالمعروف فبذلك لا ينظر في أيّ وادٍ صنعه ولا فيمن صنعه وسواء شكر عليه أم لا فهو يعامل الله فينتج عند ذلك الصدق والإحسان والإخلاص والصبر دون منّ وامتنان.

فيا صاحب المعروف عاملْ ربك في معروفك، ولا تنظر إلى ما بين يديك من صغير أو كبير من ضعيف أو غني أو فقير.

وعلى صانع المعروف ألا يستصغر شأن صنع المعروف، وهو صغير في عينك عظيم عند ربك، ورب عمل صغير كبرته النية.

وفي الصحيحين يقول سيد الثقلين: "لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس".

وفي الصحيح: "ولا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق".
وفي الصحيح "كل معروف صدقة".
وفي الصحيح "لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة".

واستمعوا إلى تلك القصة العجيبة والحادثة الغريبة حدثت في وقت النبوة، تقول عائشة: "جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها فذكرت الذي صنعت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال "إن الله قد أوجب لها بها الجنة أو أعتقها بها من النار".

ومن تلك الآداب -وفقكم للبر والصواب- نسيان المعروف، وهذه مرتبة عالية ومنزلة رفيعة، وهي أن تنسى ما يصدر منك من إحسان حتى كأنه لم يصدر لإنسان، قال رجل لبنيه: "إذا اتخذتم عند رجل يدًا فانسوها فالله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ومن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره".

ومن سمات المعروف وصنعه لكل محتاج وملهوف: أن يبادر إلى حاجة أخيه وقضائها ولو لم يردها ويطلبها فإذا علمت بحاجة أخيك، فبادر لصنع المعروف وبرك بأخيك.

جاء مدين إلى سفيان بن عيينة يسأله العون على قضاء حاجاته فأعانه، ثم بكى فقالت له زوجته: ما يبكيك؟ فقال "أبكي أن احتاج أخي فلم أشعر بحاجاته حتى سألني".

فإذا علمت أو مرت عليك معاملة، وعندك نصح وتوجيه، فابذلها لأخيك بعلمه أو بغير علمه إن كانت مصلحة محققة.

ومن ذلك المبادرة إلى صنعه والمسارعة بالخير والمسابقة فلاحظ (فَاسْتَبِقُواْ) (فَاسْتَبِقُواْ) (سَابِقُوا)، وفي السنة "التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة".

فَيَوْمُكَ إِنْ أَغْنَيْتَهُ عَادَ نَفْعُهُ عَلَيْكَ *** وَمَاضِي الأَمْسِ لَيْسَ يَعُودُ
ولا تُرجِ فعلَ الخيرِ يومًا إلى غدٍ *** لعلَّ غدًا يأتي وأنت فَقِيدُ

فتعجيل المعروف من المسارعة للخيرات وفعل الطاعات، قال ابن عباس: "لا يَتِمُّ المَعْرُوفُ إلَّا بِثَلَاثِ خِصَالٍ: تَعْجِيلُهُ وتَصْغِيرُهُ وسَتْرُهُ، فإِذا عَجَّلْتَهُ هَنَّأْتَهُ، وإذَا صَغَّرْتَهُ عَظَّمْتَهُ، وإِذَا سَتَرْتَهُ أَتْمَمْتَهُ".

وفي تعجيله أيها الإخوة فائدتان؛ فائدة للصانع مبادرة ومصارعة فقد فتح لك من الخير نافذة وفائدة للمصنوع له وهو كما قال ابن عباس "هنأته" بمعنى أفرحته وأسعدته وقضيت حاجاته ونهمته، فأدخلت عليه سرورا، فلاحت تلك الدعوات والمسرات لمن صنع له معروفا وخيرات وكذا الإحسان على صنعه وعلى بذله وصنعه لمن يستحقه ولمن لا يستحقه وصنعه ونسيانه وعدم الترفع عليه والاستعجال في صنعه، وعدم النظر إلى المصنوع له، ومن أي طبقة يكون منه فبعض الناس يصنع للكبار وينسى الصغار، يصنع لأهل الرتبة العلية وينسى أهل المسكنة والضعفة، يصنع لمن يحمده وينسى من يدعو له أو من تولى منصبًا وجاهًا فجعل يستغل بالمعروف أناسًا دون أناس، وأشخاصًا لهم مصالح دون أشخاص، فالمعروف لا يفرق في الأداء ويُفعل لكل شخص احتاجه، ولا يربط المعروف بمصالحه.

واحذر استحقار من تصنع له، فتهدم أجرك وتفوت حسناتك، فرب حقير فيه الأجر الكبير، ورب كبير صغّره سوء النية والتدبير، وحذارِ استحقار أي معروف باستصغاره، فرب عمل كبير مردود، ورب عمل صغير مقبول محمود.

ولا تنظر تلك الدعوات والكلمات الطيبات، فبعض الناس يحسن لأجل أن يدعو له المؤمن، وآخر يحسن ليسمع الثناء والكلام الحسن، أو يحسن ليُذْكَر عبر الصحف والمجلات ويثنى عليه هنا وهنالك في الجلسات.

ومن المحذورات: اصطناع المعروف والخيرات: عدم الترفع والاستكبار ورؤية صاحبه باستحقار، فبعض الناس يصنع المعروف للناس لكن بعلو وتكبر والتماس، ويرى حاجة الناس إليه فيذلهم ويستعبدهم.

ومن الآداب: أنك إذا أبغضت شخصا أو كان لك عدوا فاصنع المعروف فيه لتزول تلك الشحناء والبغضاء.

"قام رجل من مجلس خالد بن عبد الله القسري، فقال خالد: إني لأبغض هذا الرجل، وما له إليّ من ذنب، فقال رجل من القوم: أوْلِه أيها الأمير معروفًا. ففعل؛ فما لبث أن خفّ على قلبه، وصار أحد جلسائه"
فأكبر معين للمتخاصمين: المعروف والإحسان؛ يسل سخيمة الجنان.

ومن الآداب أمة العقل واللباب أن من شرع فيه عليه أن يكمله ويتمه، فكثير ممن يشرع في معروف لأيتام أو مساكين أو فقراء أو محتاجين أو نوافذ خير ودعوة أو صلاح وتنفيس كربة لا يكمله كسلاً وتهاونًا فتورًا وإهمالاً أو إحباطًا وتثبيطًا.

قال بعض السلف "إتمام المعروف أشد من ابتدائه"، فالابتداء بالمعروف نافلة وإكماله فريضة، فإذا بدأت بمعروف بمعاملة أو واسطة أو جاه أو سداد دين، أو تفريج كربة أو معاونة ومساعدة، فأكمل عملك، وأتم معروف ولا تجعل عقبات في طريقك أو شياطين إنس أو جن يعيقونك.

وبعض الناس يقوم بمعروف أو معاملة، فإذا توسط في الطريق قال لصاحبه أكمل مشوارك وسر مسارك، فحينئذ يدع صاحبه لا في العير ولا في النفير.

والبعض إذا فعل معروفا وتوسط في المسار كسل وترك العمل والمسار، ولتعلم أن معروفك هذا محل اختبار هل تفيء وتستمر فتنال الثواب والأجر أم تتقاعس وتقصر.

قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية:


الحمد لله حمدا حمدا والشكر له شكرا شكرا، نحمدك يا مولانا حمدا كثيرا طيبا مباركا.

سمعنا شيئا من آداب فاعل المعروف وإليكم آداب المصنوع له من تلك القطوف، فأولها وأساسها شكر الله أولا وأخرا؛ أن سخر لك من يصنع لك المعروف، ويعينك على حاجتك في أمور دينك ودنياك فهو المحمود الأجل وله الحمد في الآخر والأول.

قال عز وجل: (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا) [النحل:83]، قال عون بن عبد الله "إنكارهم إياها أن يقول الرجل لولا فلان أصابني بكذا وكذا، ولولا فلان لم أصب بكذا وكذا".

وقد أسدي إلى بعض السلف معروف، فشكر الله ثم عاد إلى صاحبه في اليوم الثاني فشكره على معروفه، وقال: استحييت من الله أن أضيف شكرك إلى شكره.

ومن آداب المصنوع له: شكر صاحب بالدعاء والثناء المحمود، فعند الترمذي وأبي داود عليهم رحمة الله: "من لا يشكر الناس لا يشكر الله"، وجاء عند النسائي وأبي داود عليهم رحمة الله "من أتى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه".

ومن تيسير اللطيف الخبير أن من دعا فقد أدى صنع المعروف، فعند الترمذي عليه رحمة الله "من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرا، فقد أبلغ في الثناء".
قال بعض الحكماء: "إذا قصرت يدك عن المكافأة فليطل لسانك بالشكر".
وقال آخر: "حق النعمة أن تحسن لباسها وتنسبها إلى صاحبها".

وما أجمل قول القائل:
سعيت ابتغاء الشكر فيما صنعت بي *** فقصّرت مغلوبا وإنّي لشاكر
واحذر أن تكون من قول القائل:
وزهدني في كل خير صنعته إلى *** الناس ما ألقاه من قلة الشكر

فافعل المعروف ولا تنتظر الجزاء والشكر كما قال ابن عباس: "لا يزهدنك في المعروف كفر من كفره، فإنه يشكرك عليه من لم تصنعه له".

ومن الآداب يا ذوي الألباب: أن يقبل المعروف الذي أسدي إليه ولا يتشرط فما على المحسنين من سبيل.
وعند أحمد في مسنده عنه عليه الصلاة والسلام: "من بلغه معروف عن أخيه من غير مسألة ولا إشراف نفس فليقبله ولا يرده فإنما هو رزق ساقه الله".

ومنها أن تطلب حاجاتك من الكريم دون اللئيم، فالكريم يخفيه واللئيم يبديه قال ابن عباس "ثلاثة لا أكافئهم؛ رجل بدأني بالسلام، ورجل وسع لي في المجلس، ورجل اغبرَّت قدماه في المشي إليّ إرادة التسليم عليّ، فأما الرابع فلا يكافئه عني إلا الله، قيل: ومن هو؟ قال: رجل نزل به أمر فبات ليلته يفكر بمن ينزله، ثم رآني أهلاً لحاجته فأنزلها بي"، أراد من ذلك من طلب المعونة منه.
وأفضل الناس من بين الورى رجل *** تُقضى على يده للناس حاجات
لا تمنعن يد المعروف عن أحد *** ما دمت مقتدرا فالسعد تارات
واشكر فضائل صنع الله إذ جعلت *** إليك لا لك عند الناس حاجات
وإذا طلبت حجاتك من كريم قادر*** رفع رأسك عن الذل والحقائر
إذا طلبت إلى كريمٍ حاجةٌ*** فلقاؤه يكفيك والتسليم
وإذا طلبت إلى لئيمٍ حاجةً*** فألح في رفقٍ وأنت مديم

ومنها أنك إذا طلبت معروفا فاستعن بالله أولا وآخرا، وتوكل عليه وثق به وإنما هذا سبب من الأسباب، وعلق قلبك برب الأرباب فلا تعلق قلبك بأشخاص أو أصحاب مناصب وأموال، وكذا لا تسئ الظن بمن ردّك أو منعك فقد تكون له ظروف مانعة وأعذار حاجزة، ولا تنكر من فعل بك معروفا وأحسن إليك عملا مألوفا، فحسن العمل من الإيمان وبقاء الدعاء والثناء من شيم الرجال، وكلما كان الإنسان أعز وأرفع عن مسألة الناس والنظر لما في أيدي الناس عاش عزيزا كريما فعز المؤمن استغنائه عما في أيدي الناس.

إذا انقطعت أطماع عبد عن الورى *** تعلق بالرب الكريم رجاؤه
فأصبح حرًّا عزة وقناعة *** على وجهه أنواره وضياؤه
وإن علقت بالعبد أطماع نفسه *** تباعد ما يرجو وطال عناؤه

هذا ما تيسر في هذه الحلقة الثانية، وفي الجمعة القادمة الحلقة الثالثة جعلني الله وإياكم مفاتيح للخير مغاليق للشر، نصنع المعروف بكل بر وخير معروف، وستكون بإذن الله عن مواقف وصور ونماذج وعبر وآثار سلفية في فعل المعروف للإنسانية.

هذا وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته وأن يجعلني وإياكم من أنصار دينه وشرعه..





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 14-02-2021, 06:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,541
الدولة : Egypt
افتراضي رد: بذل المعروف – في صنائع المعروف

بذل المعروف – في صنائع المعروف (3)


الشيخ : خالد بن علي أبا الخيل






عناصر الخطبة

1/ بعض الآثار السلفية في بذل المعروف والخيرية 2/ تفضيل السلف قضاء الحاجات على العبادات القاصرات 3/ صور واقعية من أفعال السلف في بذل الخير والإحسان إلى الناس 4/ وصايا وأقوال أثرية في بذل المعروف.


اقتباس

كان زيد اليامي إذا كانت الليلة مطيرة، أخذ شعلة من النار، فطاف بها على عجائز الحيّ فقال: “أتريدون ناراً؟”، فإذا أصبح طاف على عجائز الحي فقال: “ألكم في السوق حاجة؟ أتريدون شيئاً؟ وعن معمر “أن طاووساً أقام على رفيق له مريض يخدمه حتى فاته الحج”.. سل نفسك عن هذه المواقف والعبر، ما هي الدروس والدرر، هل مشيت في حاجة فقير أو إعانة مسكين أو شاب يريد الزواج أو مهموم ومكروب، أو مريض لعلاجه أو أخرق لدلالته، أو أعمى لمسيرته، أو مظلوم لشفاعته، أو قاطع لوصلته، أو متشاحن لإصلاحه أو ظالم لرده؟!…








الخطبة الأولى:



الحمد لله العلي ذي الكرم الواسع الكريم واهب الحكم، ثم الصلاة والسلام ما جرى نبع الصفا وازدان مكحل النقا على النبي أحمد المختار خير الورى وزينة الأطهار وآله وصحبه ذو الهدى ومن بهديه تزكى واقتدى.

عباد الله: اتقوا الله جل في علاه فأعظم ما يكسب رضاه ويمنح هداه ويسعد العبد في دنياه هي تقواه سبحانه لا إله سواه.

أيها المسلمون: نحن مسافرون في هذه الدنيا وسوف نغادر الحياة بلا رجعة ترجى، نعم مسافرون، ومن شان المسافر التهيؤ والاستعداد وأخذ الحذر من المخاطر فهلا استعددنا لسفرنا لليوم الآخر بالعمل الصالح الطاهر.

أيها الناس: مضى معنا في الجمع الماضية بذل المعروف في صنائع المعروف، فمضى الحلقة الأولى صوره وأنواعه والحلقة الثانية آدابه وأخلاقه، ومعنا في هذه الجمعة الحلقة الثالثة "نماذج سلفية وصور واقعية وأقوال أثرية، اللهم اجعلنا من أهل المعروف الناهين عن المنكر والأمرين بالمعروف يا صاحب الجود والبر والمعروف.

فنأخذ من همم القوم ما نرفع الهمم واللوم؛ علها تكون لنا حافزة وللخيرات حائزة وللمعروف باذلة ولحب الخير للغير نافعة. فاستمعوا أيها المسلمون الآثار السلفية في بذل المعروف والخيرية.

جاء عن الحسن وابن سيرين أن فعل المعروف يؤجر عليه وإن لم يكن له فيه نية.
وسئل الحسن عن الرجل يسأله آخر حاجة وهو يبغضه فيعطيه حياء هل له فيه أجر؟ فقال: "إن ذلك من المعروف وإن في المعروف أجرا".
وقال ابن عباس -رضي الله عنه- "المعروف أيمن الزرع وأفضل كنز".

ومن الآثار السلفية في بذل المعروف للبرية ما قاله محمد بن المنكدر لما سُئل أي الدنيا أعجب إليك؟ قال: "إدخال السرور على المؤمن".

وقال محمد بن واسع: "مَا رَدَدْتُ أَحَدًا عَنْ حَاجَةٍ أَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهَا، وَلَوْ كَانَ فِيهَا ذَهَابُ مَالِي".

وكانوا يفضلون قضاء الحاجات على العبادات القاصرات، قال الحسن: "لئن أقضي لمسلم حاجة أحب إليَّ من أن أصلي ألف ركعة".

وقال طاووس" إذا أنعم الله على عبد نعمة ثم جعل إليه حوائج الناس فإن احتمل وصبر وإلا عرض تلك النعمة للزوال ".

إنَّ ابتداء العرف مجدٌ باسقٌ *** والمجد كلُّ المجد في استتمامه
إنَّ الهلال يروق أبصار الورى *** حسناً وليس كحسنه لتمامه
وكان يقال: "في كل شيء سَرَفٌ إلا في المعروف".

وإذا امرؤٌ أهدى إليك صنيعةً *** من جاهه فكأنًّها من ماله
وكان يقال "من أسلف المعروف كان ربحه الحمد والثناء المحمود"
ولم أر كالمعروف أما مذاقه *** فحلو وأما وجهه فجميل

وقال عبدان: "ما سألني أحد حاجة إلا قمت له بنفسي، فإن تمت وإلا قمت له بمالي، فإن تمت وإلا استعنت بالإخوان، فإن تمت وإلا استعنت بالسلطان".

الله أكبر بدون ملل ولا كلل ولا ضجر، همم عالية وقمم سامية عرفت أن حياته ليست في هذه الدار الفانية فباتت تدخر أعمالها للدار الباقية، قال ابن عباس: "إن لله عباداً يستريح الناس إليهم في قضاء حوائجهم وإدخال السرور عليهم أولئك هم الآمنون يوم القيامة".

وقال الضحاك في قوله في قصة يوسف (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) كان إحسانه إذا مرض رجل بالسجن قام عليه، وإذا ضاق عليه المكان وسع له، وإذا احتاج إلى جمع مال سأل له.

وقال وهب بن منبه: "إن أحسن الناس عيشاً من حسن عيش الناس في عيشه، وإن من ألذ اللذة الأفضال على الإخوان".

ولما تمثل رجل عند عبد الله بن جعفر بقول الشاعر:
إن الصنيعة لا تكون صنيعة ***حتى يصاب بها طريق المصنع
فإذا اصطنعت صنيعة فاعمد بها *** لله ولذوي القرابة أودع

قال: هذان البيتان يبخّلان الناس، لا ولكن أمطر المعروف إمطاراً فإن أصاب الكرام كانوا له أهلاً وإن أصاب اللئام كنت له أهلا.
وما هذه الأيام إلّا معارة *** فما استطعت من معروفها فتزوّد
فإنك لا تدري بأيّة بلدة *** تموت ولا ما يحدث الله في غد

فاصنع في كل يوم معروفا وكن للخير باذلا مألوفا، قال بعضهم:
أيام المرء ما أغاث فيه المضطر، واحتسب فيه الأجر، وارتهن فيه الشكر، واسترق فيه الحر.
وقال المهلب: "عجبت لمن يشتري المماليك بماله ولا يشتري الأحرار بمعروفه".
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته *** وإن أنت أكرمت اللئيم تمرد

وقال إبراهيم بن آدم: "ذهب السخاء والكرم والجود والمواساة، فمن لم يواسِ الناس بماله وطعامه وشرابه فليواسهم ببسط الوجه والخلق الحسن، لا تكونون في كثرة أموالكم تتكبرون على فقرائكم ولا تميلون إلى ضعفائكم، ولا تبسطون إلى مساكينكم".
لا خيل عندك تهديها ولا مال *** فليسعد النطق إن لم يسعد الحال

وقال النضر بن شميل: "ما رأيت أرحم بمسكين من شعبة".
وقال الزبير بن بكار: "كان للعباس بن عبدالمطلب ثوب لعاري بني هاشم وجفنة لجائعهم".

وقال حسان بن أبي سنان: "لولا المساكين ما اتجرت".
وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "لئن أعول أهل بيتا من المسلمين شهرا أو جمعة أو ما شاء الله أحب إليَّ من حجة بعد حجة".

وكانوا يخفون أعمالهم متاجرةً مع ربهم، فهذا عليّ بن الحسن يُبَخَّل، فلما مات وجدوه يقوت مائة أهل بيت بالمدينة!!

وآخر يوقف نفسه للحوائج طلبا ونيلا لتلك الجوائز، فكان عبد الله الواسطي قد وقف نفسه على مصالح المسلمين والمشي في قضاء حوائجهم.

وقال أبو عمر الزاهد: "ترك قضاء حقوق الإخوان مذلة، وفي قضاء حقوقهم رفعة، نعم الرفعة بالتعاون والتواصي والمعروف والمنعة، فهلا نأخذ درسًا في قضاء إخواننا وأخواتنا من ديون باهظة وفقر ومسكنة، وشفاعة ووساطة، وبذل وتضحية، وتوسعة وفرحة وبشاشة وابتسامة، سل نفسك ماذا صنعت لإخوانك، ماذا بذلت لمجتمعك، ماذا نفعت وعلمت، ونصحت وأرشدت، وذكرت ونبهت.

سل نفسك عن هذه المواقف والعبر، ما هي الدروس والدرر، هل مشيت في حاجة فقير أو إعانة مسكين أو شاب يريد الزواج أو مهموم ومكروب، أو مريض لعلاجه أو أخرق لدلالته، أو أعمى لمسيرته، أو مظلوم لشفاعته، أو قاطع لوصلته، أو متشاحن لإصلاحه أو ظالم لرده؟!

فاجعل هذه الصور وما سيأتي من عبر شاحذة لهمتك رافعة لسيرك باذلة لاجتهادك وعملك، ولا تقتصر على فعل المعروف للأفراد والأحياء، بل للمسلمين جمعاء من طرقات ومجمعات وعلوم شرعيات ومؤسسات بناءة ونوافذ نافعة في أمور الدنيا والآخرة على أنواع الأطياف والمستويات والتخصصات والحاجات والعاهات والإعاقات.

الأنبياء -أيها الأوفياء- أسرع الناس نفعا وأحرصهم دفعًا فإبراهيم بذل ماله ومنزله للضيفان وإطعام الإنسان، وموسى أخبر عنه الرحمن (وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) [القصص: 23- 24].
وهذا عيسى يدعو ربه (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ) أي نفاعًا للناس أينما اتجهت.

وهذا نبينا كان يقضي الحوائج حتى أرهقه التعب فكان يصلي قاعدًا تقول عائشة بعدما "حَطَمَهُ الناس" أي بكثرة حوائجهم، وكما شفع لمغيث عند زوجته بريرة بل حتى الحيوان لما رأى الجمل حينما ذرفت عيناه قال: "من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟" فجاء فتى من الأنصار فقال: "أفلا تتقي اللهَ في هذه البهيمة التي مَلَّكَكَ اللهُ إياها؟ فإنه شكى إليَّ أنك تُجيعه".
تَرَاهُ إذا ما جِئْتَهُ مُتَهَلّلاً *** كأنّكَ تُعطيهِ الذي أنتَ سائِلُهْ
ولو لم يكنْ في كفِهِ غيرُ روحِهِ *** لجادَ بها، فليتقِ اللهَ سائلُهْ

وصار على هذا المنهج وبذل المعروف أصحابه كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة الأكرمين الباذلين النافعين، فرضي الله عن الصحابة أجمعين وجمعنا بهم في أعلى عليين إنه سميع قريب مجيب دعوة الداعين والحمد لله رب العالمين.


الخطبة الثانية:


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..


ومن صور المعروف ونماذجه -أيها الإخوة- ما ورد عن عبد الله بن سلمة قال: كان سلمان -رضي الله عنه- "إذَا أَصَابَ شَاةً مِنَ الْمَغْنَمِ ذَبَحَهَا، فَقَدَّدَ لَحْمَهَا، وَجَعَلَ جِلْدَهَا سِقَاءً، وَجَعَلَ صُوفَهَا حَبْلا، فَإِنْ رَأَى رَجُلاً قَدَ احْتَاجَ إِلَى حَبْلٍ لِفَرَسِهِ أَعْطَاهُ، وَإِنْ رَأَى رَجُلاً احْتَاجَ إِلَى سِقَاءٍ أَعْطَاهُ".

وكان زيد اليامي إذا كانت الليلة مطيرة، أخذ شعلة من النار، فطاف بها على عجائز الحيّ فقال: "أتريدون ناراً؟"، فإذا أصبح طاف على عجائز الحي فقال: "ألكم في السوق حاجة؟ أتريدون شيئاً؟

وعن معمر "أن طاووساً أقام على رفيق له مريض يخدمه حتى فاته الحج".
ومن جميل المواقف والصدق والتآلف ما جاء عن ابن شبرمة أنه قضى حاجة كبيرة لبعض إخوانه، فجاء يكافئه بهدية فقال: "ما هذا؟ قال: لما أسديته إليّ" فقال: "خذ مالك عافاك الله، إذا سألت أخاك حاجة فلم يجهد نفسه في قضائها، فتوضأ للصلاة، وكبّر عليه أربع تكبيرات، وعدّه من الموتى".

ومن ذلكم -بارك الله فيكم وأسعد حالكم- قول عبدالله بن ربيعة: "لئن أخدم رجلاً من المسلمين على علة يومًا واحدًا أحب إليَّ من كذا وكذا ".

وعن إبراهيم بن مسعود قال: "كان رجل من تجار المدينة يختلف إلى جعفر بن محمد فيخالطه، ويعرفه بحسن الحال، فتغيرت حاله فجعل يشكو ذلك إلى جعفر بن محمد..
فقال جعفر:
فلا تجزع وإن أعسرت يومًا *** فقد سعدت في الزمن الطويل
ولا تيأس فإن اليأس كفر *** لعل الله يغني عن قليل
ولا تظنن بربك ظن سوء *** فإن الله أولى بالجميل
قال: فخرجت من عنده وأنا أغنى الناس

ومن صور المعروف وإعانة الملهوف: ما كان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- يحلب لعجائز الحي أغنامهم، فلما استُخلف قالت جارية منهم: الآن لا يحلبها، فقال أبو بكر: بلى وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه –يعني الخلافة- عن شيء كنت أفعله"، فهمها علت رتبتك وعلا منصبك فلا تبخل بمعروفك وجودك.

كان عمر -رضي الله عنه- يتعاهد الأرامل فيجلب لهن الماء بالليل ورآه طلحة يدخل بيت امرأة فدخل إليها فإذا هي عجوز عمياء مقعدة فسألها ماذا يصنع هذا الرجل عندك؟ قالت هذا له منذ زمن كذا وكذا يتعاهدنا يأتيني بما يصلحني، فقال طلحة: ثكلتك أمك يا طلحة عثرات عمر تتبع؟!

وقال مجاهد: صبحت ابن عمر في السفر لأخدمه فكان يخدمني.
وكان أبو وائل يطوف على نساء الحي وعجائزهم كل يوم يشتري لهن حوائجهن وما يصلحهن.

ومن صور صنائع المعروف وبذل الخير والقطوف ما ذكر عن علي زين العابدين: فقد كان أناس من أهل المدينة لا يدرون من أين معاشهم، فلما مات فقدوا ذلك الذي كانوا يؤتون بالليل، ولما غسلوه وجدوا بظهره أثر مما كان ينقله بالليل إلى بيوت الأرامل.

وهذا عبد الله بن المبارك كان ينفق من ماله على الفقهاء، وكان من أراد الحج من أهل مرو إنما كان يحج من نفقته وكان يؤدي عن المديون دينه، ويشترط على الدائن ألا يخبر مدينه باسمه فيخرج من السجون بدون علم من سدد دينه.

قمة في الإخلاص، وعلو في التنافس والخلاص، كيف لو رأى من صنع ذرة من معروف فنشر اسمه وأذاع صيته ومن بعطيته وغضب لعدم ذكر معرفته.

ولما جاء رجل إلى الحسن بن سهل يستشفع به في حاجة فقضاها فأقبل الرجل يشكره، فقال له الحسن بن سهل: علام تشكرنا ونحن نرى أن للجاه زكاة؟ كما أن للمال زكاة ثم أنشأ الحسين، يقول:
فرضت علي زكاة ما ملكت يدي *** وزكاة جاهي أن أعين وأشفعا
فإذا ملكت فجد وإن لم تستطع *** فأجهد بوسعك كله أن تنفعا

بل إن الأمر وصل بسلفهم وإخوانهم أن يقضوا حاجاتهم دون أن يلتقوا بهم حتى لا يحصل لهم ذل وحياء، وليكون أقرب للإخلاص والوفاء، فعن مطرف بن الشخير قال لبعض إخوانه: يا أبا فلان إذا كانت لك إلي حاجة فلا تكلمني، ولكن اكتب في رقعة، ثم ارفعها إلي؛ فإني أكره أن أرى في وجهك ذل السؤال.
لحمل الصخر من قمم الجبال *** أحب إليَّ من منن الرجال
يقول الناس لي في الكسب عار *** فقلت العار في ذل السؤال

وقيل:
تحسبن الموت موت البلى*** إنما الموت سؤال الرجال
كلاهما موت ولكن ذا *** أخف من ذاك لذل السؤال

فهذه نماذج وصور ومواقف وعبر وكلمات ودرر ليست للتسلية أو قضاء الوقت ومجرد سرد قصص واقعية، بل للاقتداء والاهتداء والتأسي والعمل والسخاء، وختام ثلاث الحلقات والخطب والكلمات بذل المعروف في صنائع المعروف من أجل الأعمال وجميل الخصال وهمة الرجال، فاجعل شعارك وخلاصة ذلك فعل الخير للغير.

أسأل الله الكريم أن ينفعنا بما سمعنا وبما قلنا..




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 121.53 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 118.94 كيلو بايت... تم توفير 2.59 كيلو بايت...بمعدل (2.13%)]