|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() وصفة نبوية فريدة الشيخ د. : علي بن عمر با دحدح عناصر الخطبة 1/ كثرة الجدال في مسائل لا طائل تحتها 2/ وصية نبوية فريدة وجليلة 3/ من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه 4/ أي أساس نميز ما يعني وما لا يعني؟ 5/ مفاسد برامج المسابقات واكتشاف المواهب 6/ وجوب التفكر في الكلام قبل النطق به 7/ أعظم الأحاديث في الورع 8/ فوائد انشغال العبد بما يعنيه. اقتباس خوضٌ في أحاديث لا منتهى لها، وجدالٌ في مسائل لا طائل تحتها، وخلافاتٌ في قضايا لا ناقة لنا فيها ولا جمل،.. الناس داكوا أسبوعهم فيما مضى في بعض الأمور التي تعرفونها؛ الطيار وحرقه.. وكيف تم؟ وهل يجوز؟ وهل هو أسير؟ وهل هي دولة؟ وهل هذا مفبرك؟ وهل هذه حقيقة؟ وهل هذا فن؟ وهل هذا كذا وكذا،.. وعندما تعاظم الأمر ارتسمت أمام عيني وصية نبوية فريدة تحل المشكلات، تحافظ على الأوقات، تمنع الآفات، توجه إلى المهمات، تشحذ العزيمة والإرادة فيما ينفع ويبقى، وتصرف عن أن تكون الجهود مبذولة فيما يضر ولا ينفع، إنها جوامع كلم المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، قال: “من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه” … الخطبة الأولى: معاشر المؤمنين.. وصية الله لكم في كل آن وحين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]. معاشر المسلمين.. خوضٌ في أحاديث لا منتهى لها، وجدالٌ في مسائل لا طائل تحتها، وخلافاتٌ في قضايا لا ناقة لنا فيها ولا جمل، ونوعٌ من متابعات ومشاهدات وانقضاء لأوقات كثيرة وجهود كبيرة في أمور يصح فيها أنها لا تسمن ولا تغني من جوع، وليس المقام هنا مقام تفصيل في مثل هذا، لكن الناس داكوا أسبوعهم فيما مضى في بعض الأمور التي تعرفونها. الطيار وحرقه.. وكيف تم؟ وهل يجوز؟ وهل هو أسير؟ وهل هي دولة؟ وهل هذا مفبرك؟ وهل هذه حقيقة؟ وهل هذا فن؟ وهل هذا كذا وكذا، وأحسب أن لا أحد لم يتابع ذلك، أو هذا أُقيل من منصبه وهذا عُيّن في مكانه، وذاك ذهب عن أمارته، وهذا جاء إلى وزارته، وهذا يصح وهذا لا يصح. وعندما تعاظم الأمر ارتسمت أمام عيني وصية نبوية فريدة تحل المشكلات، تحافظ على الأوقات، تمنع الآفات، توجه إلى المهمات، تشحذ العزيمة والإرادة فيما ينفع ويبقى، وتصرف عن أن تكون الجهود مبذولة فيما يضر ولا ينفع، إنها جوامع كلم المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، إنها كلمات معدودات لكنها تشكل مناهج في الحياة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" (رواه الترمذي وغيره). لا أظن أحداً من الحاضرين لا يحفظ هذا الحديث، لكنني أزعم -وأنا أولكم- أننا لا نأخذ به كما ينبغي، وإلا لما صُرفت تلك الأوقات وكانت تلك المجادلات والمتابعات التي أشرت إلى بعض منها، "من حسن إسلام المرء". وتأملوا جميل القول وبليغه في قول المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، حسن إسلامه: أي كماله وصحته، لا يكون الإسلام كاملاً وصحيحاً حتى تأتي بهذه القيمة العظيمة وتلك الوصية الفريدة، كيف يكون ذلك؟ بالانقياد لشرع الله ائتماراً بأوامره واجتناباً لنواهيه ووقوفاً عند حدوده وآدابه. إن كان عندك وقت أو لديك جهد بعد أن تقوم بذلك كله فابحث حينئذ أن تضيعه هنا أو هناك، أما إذا كنت وأحسبك لو كنت صادقاً مع نفسك إن كنت موقناً بأنك مقصر في أوامر لم تأت بها أو لم تكتمل أو لم تأت بها كاملة، أو نواهٍ ما زلت تقاربها أو تقارفها أو أمور من الآداب والحدود لا تراعيها فأحسب أنك معنيٌ بذلك ولست معنياً بغيره. قال: "ما لا يعنيه" العناية هي الاهتمام بالشيء وشدة الاهتمام به وعظمة السعي والطلب له، سبحان الله، كم نرى اليوم من يسعى ويجد ويسأل هنا وهناك ويتابع هذا وذاك ويترقب هنا وهناك لأمر لا يخصه، لن يزيد في إيمانه لن يجعله يكسب حسنة إضافية، لِمَ كل هذا؟. وقال: "تركه ما لا يعنيه" كيف وعلى أي أساس نميز ما يعني وما لا يعني؟، ليس ذلك بحكم الهوى وطبع النفس بل بحكم الشرع وهدي الإسلام العظيم، ذلك هو الميزان. ما لا يعنينا تدخل فيه أمور كثيرة، ما لا يعنينا المحرمات والمشتبهات والمكروهات كلها لا تعنينا، فينبغي أن نجتنبها، أن نحذر منها، ألا يكون لنا بها مساس لا من قريب ولا من بعيد ولا انشغال إلا بما يعيذنا منها ويجنبنا إياها، ما لا يعنينا: ما لا يهمنا في ديننا ولا دنيانا، ولا حالنا ولا مستقبلنا، من لغو القول وعبث الفعل وسفساف الفضول، وكم من لغو القول عندنا وكم من عبث الفعل في واقعنا، وكم من الفضول وما لا ينفع ولا يجدي في مجتمعاتنا، ما لا يهمنا مما يتصل بالقلب خواطر وأفكار تتفتق عنها الأذهان فيما لا يجدي ولا ينفع. واسمحوا لي أن أستحضر أمراً وجدته يهجم عليّ فيما يُقدم في القنوات من أفكار البرامج والمسابقات التي فيها تفتقٌ ذهني وإبداعٌ لكنه ينتهي إلى أمر فارغ لا قيمة له، كيف يرقص هذا؟ أو كيف تغني تلك؟، وانظروا إلى ما قد نفتق فيه الذهن ليكون ميداناً في المسابقة العلمية أو العملية ومدى عنايتنا بهذا وذاك، كل أمر لا يعنينا من أمر اللسان أو فعل الجوارح. ودعونا نقف هنا وقفة فيها قليل من التفصيل، الله -جل وعلا- وصف المؤمنين وذكر من أوصافهم: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) [المؤمنون: 3]، واللغو كل باطل من القول وما لا نفع فيه، ولنتأمل كذلك قول الحق جل وعلا: (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ) [النساء: 114]، والباقي (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ). وكلنا فيما أحسب يحفظ حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت"، ذكر النووي وغيره من الشراح أن الكلام على ثلاثة أنواع: – أمر استبان نفعه؛ فالنطق به مطلوب إما على سبيل الندب أو الوجوب. – وأمر استبان غيه؛ فالإمساك عنه مطلوب إما على سبيل الحرمة أو الكراهة. – وأمر لا تدري نفعه من غيه؛ فانظر إلى ما غلب فخذ به وإلا فأمسك عنه. هل لو كنا نفكر في كل كلام سننطق به أو حديث في المجالس سنخوض فيه نضعه تحت هذا الميزان، كم من الكلمات سنمسك عنها، كم من الأحاديث سنوقف الخوض فيها، وهناك مثل صيني طريف هكذا قرأته أن أحدهم يقول: يا رب امنحني رقبة كرقبة الزرافة أي: في طولها، لماذا؟ قال: حتى إذا صعد الكلام يكون هناك وقت لأفكر قبل أن أنطق. وهنا مواقف كثيرة ينبغي أن ننتبه لها، في سنن الترمذي وابن ماجه عن أم المؤمنين أم حبيبة -رضي الله عنها- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وذكر الله عز وجل"، فكّر.. تدبر فيما ينطق به لسانك، بل إن الأمر فيما رأيت خطير إنه يتعلق بأعظم ما ينبغي أن يشغلنا. وإليكم هذا الحديث الذي رواه الترمذي -ورواته ثقات، وخرّجه غيره وحسنه بعض أهل العلم-: توفي رجل فقال أحد الصحابة أبشر بالجنة، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أو لا تدري فلعله تكلم فيما لا يعنيه أو بخل بما لا يغنيه"!! "فلعله تكلم فيما لا يعنيه"، ليس الأمر سهلاً حتى نضحك ونقول مشِّ حالك، ونخوض ونشغل أوقاتنا فتقسو قلوبنا وتلغو ألسنتنا وتنصرف عن الجاد والنافع من القول والفعل وجهتنا، وهكذا وهكذا، وإن جئنا للفعل فالأمر كذلك، كم من الأفعال ينبغي أن توزن بميزان الشرع، لا أعني بها المحرمات فتلك أمورها محسومة لكن كثيراً من المشتبهات ينبغي للمرء أن يتوقاها وأن يجتنبها. وكلنا أيضاً نحفظ الحديث الشريف المعروف: "الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام"، ينبغي أن نتورع، وهذا الحديث: أي: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" قال بعض أهل العلم: "إنه أعظم الأحاديث في الورع" لكي نتورع، لكي نجتنب حتى ما لا بأس فيه أو ما قد يترخص الناس فيه، نربأ بأنفسنا عنه لما نحتاج إليه. ومن الأمور الداخلة في هذا الأمر هو تعرض الإنسان لما لا يحسن وتكلفه لما لا يستطيع، كم من الأمور نتقدم لفعلها ونحن غير عالمين بها ولا خبراء فيها وكم من المناصب قد تُعرض علينا فنقبلها ونحن نعلم أننا لسنا أهلاً لها ولا علم لنا بما فيها، فنكون أيضاً قد تعرضنا لما لا يعنينا، وهذا داخل في هذا، وكم ستنتظم أمور أمتنا لو أننا أخذنا بمثل هذا المقياس النبوي على مثل هذا الفهم الذي يذكره علماؤنا وأئمتنا، وكذلك الخوض في الأمور التي لا نفع فيها والتي لا ينبني عليها عمل وكم من هذا في واقعنا. وهنا حديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "ذروني ما تركتكم" متى قاله؟ في حجة الوداع، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبيّن وجوب الحج فقام رجل وقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ أفي كل عام يا رسول الله؟ فقال: "لو قلت نعم لوجبت، ذروني ما تركتكم؛ فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن أمر فاجتنبوه"، هذه وصية نبينا -صلى الله عليه وسلم-، أكثر الأسئلة التي ربما نسمعها لا ينبني عليها عمل، وتضيع فيها الأوقات. وقد ورد كذلك في معنى نهيه عليه الصلاة والسلام: "كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال" أي الأسئلة التي لا يترتب عليها عمل، وكثيرة هي الأسئلة من هذا النوع في الجن والملائكة والأمور الغيبية التي ينبغي أن نمسك عنها، وهذا يدل على أننا غير معنيين بما يعنينا فأصبحنا فارغين فنبحث عما يشغلنا. مرة في الحرم المكي في العشر الأواخر في وقت الاعتكاف في سنة من السنوات مرّ شاب يطلب من بعض الناس إذا عندكم أسئلة فقلت: لِمَ؟ قال: آخذ الأسئلة وأمر بها على الحِلق كلها وأنظر في الإجابات وهو المفترض أن يكون معتكفاً وأن يكون مصلياً، وتالياً وذاكراً وداعياً، يشغل نفسه ليس لسؤال يهمه بل يجمع أسئلة وليس لينفع الناس بل ليقارن بين الأقوال، كم هي شهوة خطيرة!! كم هي فتنة خطيرة أن نمضي وراء تلك الأمور كما نرى في أحوال بعض شبابنا، هنا انتهينا من الأمر الأول وانتبهوا إلى أنه الأمر الأسهل ترك ما لا يعنينا، الآن ينبغي أن تنصرف عما لا يعنيك إلى ما يعنيك، وهذا حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- في صحيح مسلم في كلمة أيضاً بليغة موجزة من النبي -صلى الله عليه وسلم- قال فيها: "احرص على ما ينفعك"، ما الذي يعنينا؟ يعنينا: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) [الإسراء: 36]. ما الذي يعنينا؟ يعنينا: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 16-18]. ما الذي يعنينا؟ (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء) [يونس: 61]. ما الذي يعنينا؟ كل ذلك يعنينا وكل ذلك ينبغي أن يكون نصب أعيننا نقضي فيه أوقاتنا ونبذل فيه جهودنا وننطق به ألسنتنا ونشتغل به بتفكير وتدبير بعقولنا وحياة بقلوبنا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) [الزخرف: 80]، هذا الذي يعنينا، يعنينا أننا سنموت، سنكون في قبورنا وسيأتي الملكان ويسألاننا. ما الذي يعنينا؟ يعنينا أننا سنقف بين يدي ربنا ليس لنا إلا أعمالنا ولن يغنينا كل هذا الهذر والمذر والفراغ والجدل الذي صرف عن كثير من حياة القلب وحسن القول وصحة العمل وحياة القلب وما ينبغي أن نلتفت له، لو انصرفنا إلى ما يعنينا لكانت هناك فوائد كثيرة: أولها: اغتنام الوقت فيما يجب أن يُستثمر فيه، واليوم وقتنا مهدر هنا وهناك، أقول ارجع إلى الأمس فقط وانظر إلى يومك كله كم كان حظ متابعة وسائل التواصل وإرسالها وقراءتها وكم كان حظ تلاوة القرآن، كم كان حظ الانشغال بجدل في هذه المسائل وحظ الالتفات إلى التفسير وتدبر القرآن والعمل به، كم كان حظ انشغالنا بجدل أثار الحفائظ والنفوس وأوجد الخلاف والنزاع بينما لم نذهب في الجانب الآخر لنسعى إلى الإصلاح أو لنصل الأرحام أو لنسعى إلى طلب العلم لو نظرنا إلى يوم واحد لرأينا أننا لم نستثمر هذه الوصية النبوية الفريدة التي تعالج كل هذه الأدواء بهذه الكليمات النورانية النبوية. لو أننا اعتنينا بما يعنينا سيحصل أمر آخر، وهو التركيز على الواجب وحينئذ ننتقل إلى الإتقان والإجادة، كم من عمل نحن معنيون به لا نعطيه حظه من الوقت والجهد فيخرج ناقصاً مشوهاً ونكون سبة بين الأمم في قوة الإنتاج وفي حسن الأداء، لماذا؟ لأننا أثناء العمل انشغلنا بمكالمة هنا وبقول هنا وبجدل هناك وبمطالعة صحيفة لأننا لا نعتني بواجباتنا وأعمالنا كما يجب وكما ينبغي وكما قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء"، وكما بيّنت لنا الآيات والأحاديث أن الإتقان في العمل الواجب الذي يُنتظر منك لنفسك أو لأهلك أو لدينك أو للآخرين مما يجب عليك تقديمه له فإن الأمر جدّ عظيم. من الفوائد قلة الخلاف، كثير من الخلافات والنزاعات ليست الكلامية بل التي وصلت إلى المحاكم كان أكثرها أو كثير منها دخول فيما لا يعنيه، هذا تكلم فيما لا يعنيه فرد عليه الآخر فاختصما فتنازعا فتعصب لهذا جمع ولهذا جمع وإذا بقضية تكبر وتنشأ كأننا في الجاهلية حينما نستحضر حرب داحس والغبراء التي دامت أربعين عاماً لأمر تافه عارض، واليوم أحسب أننا أشد جاهلية في بعض الأحوال مما فعل أهل داحس والغبراء، والأمر يطول. ومن الفوائد العظيمة: راحة النفس لأن الخوض فيما لا يعني يقلق الإنسان ويشغل باله ويعظم همه وهو ينبغي أن يكون مرتاحاً، (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) [طه: 131]، كم تنصرف أبصارنا ماذا عند هذا؟ وماذا فعل هذا؟ وماذا قال هذا؟ ومن أين أتى هذا؟ وإذا بنا نبقى مشغولين ومهمومين والله عز وجل أراحنا من ذلك كله. ومن الفوائد سلامة المجتمع، فلا يعود هذا الصراع وذلك النقاش، بل تتحول المجالس إلى النافع المفيد بدلاً من هذا الهذر والمذر الذي لا فائدة فيه. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن يحسن إسلامهم بترك ما لا يعنيهم. الخطبة الثانية: أيها الإخوة.. أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فإنها أعظم ما يقدم به العبد على مولاه. وإن من أعظم أسباب التقوى ومحصلاتها ترك المرء لما لا يعنيه، وفي ذلك فوائد ذكرتها وأخرى غيرها ينبغي أن نسعى إلى تحصيلها والاشتغال بها. ومن ذلك تحصيل الأجر والثواب فإن الإمساك عن لغو القول وعن التدخل فيما لا يعني هو تعظيم لفرصة يقوم بها الإنسان بعمل فيه خير، وأمر مهم جداً أن النفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية، وإذا لم تعتن بما يعنيك فإنك ستنشغل تلقائياً بما لا يعنيك. فإذا وجدت نفسك منشغلاً بما لا يعنيك فاعلم أنك مقصر فيما يعنيك، وهذا ينبغي أن يكون موضع حساب ذاتي لكل واحد منا مع نفسه، سيما كما قلت في هذه المتابعات الإعلامية التي شغلت الناس وأربكتهم وأزاغت أفكارهم وصرفتهم عن كثير من واجباتهم، حتى طلابنا شغلوا بذلك عن تحصيل علمهم، حتى موظفينا شغلوا بذلك عن أداء وظائفهم، حتى مثقفينا شغلوا بذلك عن واجبهم تجاه مجتمعاتهم. أصبحت الأمور كلها أو كثير منها دائر في أمر ينبغي أن ننتبه له وأن نحرص على اجتنابه ولا يعني ذلك ألا نعيش الواقع ولا نعرفه ولا ندرك الأحداث ولا نتابعها، لكن ذلك يكون بمقياس وبقدر وبأثر مرجو للنفع والفائدة. فما فائدة أن أتابع أمراً إذا لم أتعظ وأعتبر؟، وما فائدة أن أتابع حدثاً إذا لم أستخلص منه ما يفيدني في واقع حياتي؟، وما فائدة أن أنقل خبراً دون أن يكون له أثر إيجابي فيمن أنقله لهم؟ كل ذلك ينبغي أن يكون حاضراً في أذهاننا، ومن اشتغل بالناس شُغل عن أمر نفسه، نحن نحسن أن نسأل عن فلان ما فعل، وفلان ما قال، وفلان قصر، وفلان لم يحسن، وفلان عندما قال لم يتقن، وفلان وفلان…، وحينئذ لا نلتفت إلى أنفسنا وما ينبغي أن يكون أو نكون عليه. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح ليس داخلاً فيما لا يعني لأنك إذا جئت تنصح إنساناً وتعظه بالأسلوب الشرعي قال: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"، لا، يعنيني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنه واجب عليّ وسمة من سمات هذا الدين وصفة عظيمة لمدح هذه الأمة فينبغي أن أقوم به. وينبغي أن نقارن أيها الإخوة: قارن بين حال ما يعنيك وحال ما لا يعنيك، قارن بين قولك وعملك فحينئذ ستجد المعادلة التي تقوّم وتصوب حالك. كلمة لعمر بن عبدالعزيز -رحمه الله- أختم بها وهي هذا المقياس: "من عدّ كلامه من عمله قلّ كلامه إلا فيما يعنيه"، من عد كلامه من عمله إذا كان يقول ثم يبحث هل نفذ ما قال هل اعتنى بما قال، فإنه في المقابل سوف يقل كلامه فيما لا يعنيه. أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يحفظنا عما لا يعنينا، وأن يشغلنا بما يعنينا، وأن يضبط في ذلك قلوبنا وخواطرنا ونياتنا، وأن يجعل في ذلك استثمار أوقاتنا وطاقاتنا وجهودنا.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |