من حسن إسلامك - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4952 - عددالزوار : 2055934 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4527 - عددالزوار : 1323763 )           »          احمى أسرتك وميزانيتك.. دليلك الشامل لشراء أفضل اللحوم الطازجة والمجمدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 60 )           »          4 خطوات تقلل من شيب الشعر وتجعله صحيا وحيويا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          4 وصفات سموزي مناسبة للرجيم.. نكهات لذيذة لحر الصيف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          طريقة عمل الفراخ في المقلاة الهوائية بطعم حكاية.. السر في العسل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          وصفات طبيعية لتفتيح الأندر أرم.. تقشير آمن وترطيب للبشرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          4 أفكار مختلفة لتصميمات مطبخ عصري.. موضة 2025 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          خلصي بيتك من السموم في 5 خطوات.. أهمها تغيير أدوات الطهي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          7 خضراوات تحتوي على فيتامين سي أكثر من البرتقال.. هتنور وشك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-02-2021, 12:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي من حسن إسلامك

من حسن إسلامك


الشيخ د. : محمد بن عبد العزيز الخضيري






عناصر الخطبة

1/ وصية نبوية عظيمة 2/ علامة حسن إسلامك 3/ وجوب الكف عن بلايا اللسان 4/ حفظ فضول النظر فيما لا يعني 5/ الضابط فيما يعني وفيما لا يعني هو شرع الله 6/ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما يعني المسلم 7/ مما يعين الإنسان على ترك ما لا يعنيه.


اقتباس

من أعظم أسباب الراحة عدم انشغالك بما لا يعنيك، فإذا أردت أن تكون مرتاح البال واسع الصدر، سليم القلب من كل أحد خاليًا من الهم والغم، بعيدًا عن أسباب الغل والحقد والحسد، فانشغل عن الناس، واترك كل ما لا يعنيك، ستجد أثر ذلك على حياتك وعلى سلامة صدرك.. اترك كل ما لا يعينك من الأقوال وكل ما لا يعني من الأخبار وكل ما لا يعني من تفقد شؤون الناس، والبحث في خصائصهم وأحوالهم، وكل ما لا يعني من المبصرات والمرئيات،.. اترك كل ما لا يعنيك ولا يسرك أن تراه في صحيفتك يوم القيامة اتركه لله، فإن هذا علامة على حسن إسلامك وعلى انصرافك لما لا يعنيك…









الخطبة الأولى:


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يوصي أمته بوصايا من أعمال الخير وجوامع الكلم التي إذا حفظ الإنسان منها جملة حصل بها خيرا كثيرا، وانتفع منها في سائر شؤون حياته، ومن ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".

ومعنى هذا الحديث العظيم أن دينك إذا أردت أن يكون حسنا، وإيمانك إذا أردت أن يكون كاملا، وديانتك إذا أردت أن تكون سالمة من كل شائبة فعليك بهذه الخصلة.

هذه الخصلة التي عزت على كثير من الخلق، وقصَّر عنها كثير من الناس، وغفل عنها حتى الصالحون من عباد الله، وهي ترك ما لا يعني، ما هو الذي لا يعني؟

هو كل شيء لا ينفعك في دينك ولا دنياك، هو كل شيء لا تعده في أخرتك، هو كل شيء لا يسرك أن تراه في صحيفتك، لذا ينبغي أن يكون إسلامك حسنًا وإيمانك كاملا أن تترك كل شيء لا تراه في صحيفتك محسوبا لك عند ربك.

كل ما لا يعينك من الأقوال وكل ما لا يعني من الأخبار وكل ما لا يعني من تفقد شؤون الناس، والبحث في خصائصهم وأحوالهم، وكل ما لا يعني من المبصرات والمرئيات، كل ما لا يعني من التجولات والتحولات والمسيرات والذهاب والإياب في الأرض.

كل ما لا يعنيك ولا يسرك أن تراه في صحيفتك يوم القيامة اتركه لله، فإن هذا علامة على حسن إسلامك وعلى انصرافك لما لا يعنيك.

قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه أبو هريرة: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، ولا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل" (رواه مسلم).

يعني اعمل بكل شيء يوصلك إلى النفع في خاصة نفسك مع أولادك وأهل بيتك، مع موظفيك ومن تعمل معهم، احرص على ما ينفعك وإن أصابك شيء فلا ترجع بالملامة على القدر، وتقول: لو أني فعلت كذا لكان كذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فهذا من تقدير الله الذي لا محيد عنه ولا مناص عنه، ولهذا يا عبد الله ترتاح لأنك فرغت جهدك وعملت في سائر وقتك بما ينفعك وما يعود عليك بالنفع.

ولو تأملت أحوال الناس لوجدت أن الفرق بينهم يكمن في هذا تجد إنسان ناجحا متقدما متفوقا يكسب السمعة الحسنة والمال الوفير والمكانة العالية لا يكسبها بنوم ولا يكسبها بعجز ولا بكسل، وإنما يكسبها بحرصه على ما ينفعه، وانشغاله عما لا يعنيه ولا ينفعه فهو منشغل عنه تارك له غير آبِه به.

وأما ذلك الرجل الذي تجده دائما يسأل ويتفقد عن أحوال الناس وأخبار العالم ما يجري هنا وهناك مما يعنيه وما لا يعنيه ومما له فيه يد وما ليس له فيه يد، ففي الغالب أنه تجده منصرفًا عما يعنيه منشغلاً عما هو بصدده، بل بما أوجب الله عليه وهذا شاهدوه وانظروا إليه فيما ما تعرفون من الناس، بل في أنفسكم فمتى رأيت نفسك منشغلاً بما لا يعنيك فاعلم أنك قد ضيعت على نفسك فرصًا.

يقول العلماء: "إن من أعظم ما ينشغل الإنسان عنه ويترك فيه ما لا يعنيه أمر الكلام، أمر اللسان الذي قال فيه ربنا -سبحانه وتعالى-: (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18]، وقال جل من قائل: (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ) أي مما يتحدثون به (إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 114].

وقال جل وعلا في وصف المؤمنين: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ) [المؤمنون: 1- 4].

ما هو اللغو؟ اللغو هو كل ما لا ينفع، هو كل ما لا يكون تحته خير، ابتعد عنه، تجنبه، تجنب أن تتحدث فيه، بل وتجنب أن تستمع إليه؛ لأنه يبلبل قلبك ويقلق نفسك ويغمك ويهمك.

ألا ترى نفسك أنك جئت إلى مجلس وأنت منشرح الصدر مسرور الخاطر، ثم جلست فسمعت رجلاً يقول كلمة تمنيت أنك لم تسمعها حياتك كلها كدّرت عليك مجلسك وكدّرت عليك يومك، وأصبحت مغتمًّا لأجلها أياما وليالي، تتمنى أن تنسى تلك الكلمة ولا تذكر منها شيئًا.

ولذلك برَّأ الله أهل الجنة من اللغو فقال جل من قائل: (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا *حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا * وَكَأْسًا دِهَاقًا * لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا) [النبأ:31 -35]، لا يسمعون فيها كلاما لاغيا لا منفعة فيه ولا خير فيه، ولا يسمعون فيها كذبا ولا تكذيبا فلا أحد في الجنة يكذب، فلا تسمع خبرا كاذبا، ولا يمكن أن تجد أحدا في الجنة يكذبك فيقول لك بعدما تحكي واقعة لنفسك أو قصة مرت بك "كذبت" أو هذا غير صحيح.

ووصف الله عباد الرحمن بقوله: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)[الفرقان: 72].

فكونوا يا عباد الله من أولئك القوم الذين يُلجمون ألسنتهم، ويعصمون أفواههم من أن يتكلموا بشيء لا ينفعهم يوم أن يلقوا ربهم .

اترك ما لا يعنيك من النظر، وهذا إن كان في عصر مضى موجودًا فهو أكثر وجودا في عصرنا هذا بعدما انتشرت المقاطع في أجهزة الكمبيوتر وأجهزة الهواتف الذكية، فأصبح الإنسان مشغوفا برؤية ما جرى لفلان وفلان، انظر لهذه اللقطة، انظروا إلى هذا الرجل ما يصنع، انظروا إلى هذا الفتى ماذا يفعل، انظروا إلى هؤلاء كيف يتسابقون، وإلى هؤلاء كيف يتضاربون ..

ويمضي وقت الإنسان فتقول له بعد أن رأى عشرًا أو عشرين مقطعًا يا فلان ماذا استفدت؟ ماذا انتفعت؟ فيقول فقط وسعت صدري!! والله ما وسعت صدرك خدرت صدرك ستشعر كأنك شربت خمرًا ضاع بها جزء من عمرك؛ لأن ضيق الصدر ستلاحقك بعد انتهائك من تلك المقاطع جزاءً لك على ما ضيعت من عمرك.

لو أنك أخذت كتاب الله قرأت فيه، لو أنك سبّحت الله -عز وجل-، لو أنك صليت على النبي -صلى الله عليه وسلم-، لو أنك قرأت في كتاب مفيد أو في علم نافع أو استمعت إلى محاضرة أو إلى برنامج تنتفع به لكان خيرًا لك من هذا الذي أنت تفعل، إي والله.

وكثيرا ما يضيع الإنسان وقته برؤية المشاهد والمناظر التي تغمّه، مناظر مباهج الدنيا التي لا يقدر عليها فهو ينظر إليها ويتحسر ويقول: فلان أعطي وأعطي، وأنا لم أعطَ، فلان عنده قصر كبير وفيلا فخمة وأنا ما عندي إلا شقة مؤجرة فيتحسر قال الله -عز وجل- (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا)[طه: 131] لا تمدن عينيك إلى ما وسع فيه على أقوام من الخلق؛ فإن هذا لا ينبغي لك لأنه يعود عليك بالألم، ولأنه يجعلك تزدري نعمة الله عليك، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم".

وهنا يأتي سؤال مهم في هذا الحديث العظيم المهم، يا ترى ما هو الذي لا يعني؟ وما الضابط فيه؟ هل الشيء الذي لا أهتم أنا به أو لا أرغب فيه ينبغي لي أن أتركه؟ أقول: لا، الضابط فيما يعني وفيما لا يعني هو شرع الله؛ لأن بعض الناس يجعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما لا يعني، فإذا رآك تقول للناس يا فلان اتق الله، أرضِ والديك، يا فلان أصلحْ ما بينك وبين زوجتك، يا فلان أحسن إلى إخوانك، يا فلان قم إلى الصلاة..
قال يا أخي أيش دخلك، لا تتدخل فيما لا يخصك، اترك ما لا يعنيك..!!

سبحان الله! هذا عين البهتان لشريعة الرحمن، هذا مما يعني؛ لأن الله أمرني أن آمر بالمعروف، وأمرني أن أنهى عن المنكر، وجعلني مسئولاً يوم القيامة عن ذلك: "من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".

واليوم ما ضرنا يا إخواني إلا كوننا نشتغل جميعا فيما لا يعنينا، ونترك ما يعنينا، ومن أعظمه وأجله بعد ذلك الله -عز وجل- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

إي والله يا إخواني ما صار فينا من هو مرآة لأخيه ينصحه ويخاف عليه ويحثه على الخير وينهاه عن الشر، ما بقي فينا من شر متأصل ولا ظهرت هذه المظاهر التي تفشت في مجتمعنا وأصبحت مثل السوس في هذا المجتمع الذي بُني على الديانة والأمانة وعلى الصلاح والخير، ولكن بدأت تظهر فينا مظاهر سيئة للأسف؛ بسبب أني سكت وأنت سكت وتواطئنا جميعا على السكوت، ففشت وظهرت هذه المنكرات، ثم أصبح الناس بعد ذلك ينكرون على من ينكر عليهم، ويستهزئون بمن يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر.

فالضابط في ترك ما لا يعني هو شرع ربنا -سبحانه وتعالى-، ليست آرائك وليست أهوائك وليست الآراء المضلة والمذاهب الفاسدة والبدع الزائغة، بل هو شرع الله وليس غيره.

أقول قولي هذا وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية:


الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، أحمده سبحانه وأشكره وأثني عليه الخير كله، وأستغفره وأصلي وأسلم على الهادي البشير والسراج المنير محمد بن عبد الله وآله وصحبه ومن صار على منهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد: فإن مما يعين على ترك ما لا يعني علم الإنسان بأن الله -سبحانه وتعالى- يراه ويسمعه، ألم يعلم بأن الله يرى، فإذا كنت تعلم أن الله يراك، فهل ينبغي أن يراك على ما لا ينبغي.

لو قلت لك: إن فلانا وهو أمير أو وزير أو كبير في قومه يشاهدك الآن كيف ستضع نفسك؟ لو قلت لك: إن فلانا يسمعك الآن عبر سماعة الهاتف تكلم، فلن تتكلم إلا بكلام موزون، وأنا أقول لك: إن الله يسمعك، وإن الله يراك في كل أوقاتك وفي كل أحوالك، فإياك أن يراك على ما ينبغي أن تكون عليه، إياك أن تكون على حال يسمع منك شيئًا لا يرضيه.

ومما يعين الإنسان على ترك ما لا يعنيه: علم الإنسان بأن كل شيء يُكتب ويحسب، قال الله -عز وجل-: (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18]، وقال جل من قائل: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الكهف:49]، ويقول -جل من قائل- مؤكدًا هذا الأمر: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) [الأنبياء:47].

أيضًا مما يعينك على ترك ما لا يعنيك : علمك بأن من أعظم أسباب الراحة عدم انشغالك بما لا يعنيك، فإذا أردت أن تكون مرتاح البال واسع الصدر، سليم القلب من كل أحد خاليًا من الهم والغم، بعيدا عن أسباب الغل والحقد والحسد، فانشغل عن الناس واترك كل ما لا يعنيك، ستجد أثر ذلك على حياتك وعلى سلامة صدرك، وقد قال الله -عز وجل- مبينًا أهمية سلامة الصدر: (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 88- 89]، سليم من الشرك، وسليم من الحسد، وسليم من الحقد والضغينة لعباد الله المؤمنين.

ومما يعنيك على ترك ما لا يعنيك: علمك بأن كل اشتغال بما لا يعني يفوّت عليك ما يعني، فالذي يعنيك ويهمك سيفوت عليك إذا اشتغلت بما لا يعنيك ولا يهمك، هذا الشاب الذي يجلس أوقاته الطويلة يتابع المباريات نسأله هل ستكسب منها مالاً؟ يقول لك: لا، هل ستكسب منها جاهًا؟ يقول لك: لا، هل ستكسب منها علمًا؟ يقول لك: لا، هل ستكسب منها أجرًا في الآخرة؟ يقول لك: لا، بقول ثقة قل له: فلماذا هذه الأوقات وهذه الأعمار؟! يقول لك: أتسلى!! تتسلى في وقت أنت فيه بحاجة إلى كل دقيقة من عمرك، ألست في حاجة لتتزوج، ألست في حاجة لتبني لك بيتًا ومجدًا ومستقبلاً؟ أو أنك جعلت هذا على بند الصدقات والزكوات والعينات التي تنتظرها من ذوي اليسار من قومك مع الأسف.

عيب والله وأنت قادر على أن تعمل وتكدح وتحصل المال بيدك تكون يدك السفلى، فكل ما هممت بمشروع تلفت يمين ويسار، وإذا قيل لك يا فلان لِمَ لَمْ تحصل ما تبني به مستقبلك وتعفّ به نفسك وأهل بيتك، يقول يا أخي ما في فرص عمل؟

سبحان الله .. والله لو ذهبت إلى سوق الخضار وأخذت عشرة صناديق وبعتها في أحد الشوارع أو أحد الميادين لحصلت من وراء ذلك خيرا كثيرا.

ومن جرب عرف وبدلاً من هذا التسكع والاشتغال فيما لا يعني ساعات طويلة تذهب عليك وأنت تتابع المقاطع لا تنفعك ولا تعنيك وفي الوقت ذاته تقتل فيه الذي ينفعك ويعنيك، عيب عليك إن كنت رجلاً ينبغي لك أن تبادر إلى ترك هذه العادة السيئة والخبيثة والتي لا تعود عليك إلا بالندم والحسرة والحزن والهم والغم بل والذل في الدنيا حتى الذل بين أقربائك وأصدقائك.

اسمعوا أحبتي هذا الحديث الذي يحرّك في قلبك الهمة للعمل وترك ما لا يعنيك، توفي رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال رجل: أبشر بالجنة. يقول هذا بعد موته مطمئنا أن هذا مات على ملة الإسلام وأنه يستحق الجنة مباشرة.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "أو لا تدري فلعله تكلم بما لا يعنيه أو بخل بما لا يغنيه".

ودخل أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- على رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في مرض موته ووجهه يتهلل يعني مستبشرًا فرحًا، فسألوه عن سبب تهلل وجهه، فقال: "ما من عمل عندي أوثق من خصلتين" قيل: ما هما؟ تتوقعون أنه يقول الصلاة أو يقول بر الوالدين، قال شيئا عجيبا؟

قال: "ما من عمل عندي أوثق من خصلتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، وكان قلبي سليما للمسلمين"، انظروا أنا مستبشر وفرح؛ لأن معي هاتين الخصلتين، وأنا واثق -إن شاء الله- أن أحصل بهما خيرا عند الله -سبحانه وتعالى- وهما أوثق عمل عندي.

فتأملوا يا عبد الله هذا الأمر جيدًا، واستعينوا بالله على تحقيقه، وتدارسوه فيما بينكم ولينصح كل منا أخاه، ثم صلوا بعد هذا على نبي الهدى والرحمة محمد بن عبد الله، اللهم صلّ على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 64.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 63.04 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.59%)]