فضل قضاء حوائج المسلمين - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         سبب اشتهاء السكريات قبل الدورة: هل هي الهرمونات؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          أطعمة غنية بالفسفور: تعرف عليها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          نوبات القلق: دليلك الشامل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          كل ما يهمك عن الخردل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          علاج صداع الجيوب الأنفية: أهم الطرق المنزلية والطبية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          الحساسية عند الأطفال: كل ما تحتاج معرفته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          فوائد البابايا الخضراء: غذاء خارق لصحتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          قصور الغدة الدرقية في المملكة العربية السعودية: بين نقص التشخيص وضرورة التوعية الصحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          فحص tsh: الفحص الأهم لقياس نشاط وصحة الغدة الدرقية! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          كم ساعة نوم يحتاج طفلك؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-02-2021, 12:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,511
الدولة : Egypt
افتراضي فضل قضاء حوائج المسلمين

فضل قضاء حوائج المسلمين


الشيخ د. : عبد الحي يوسف






عناصر الخطبة

1/ فضائل يوم الجمعة 2/ لا تدوم الدنيا على حال 3/ لماذا شبَّه القرآن الدنيا بالماء؟ 4/ مهمة عظيمة يتصدى لها الموفقون من عباد الله 5/ الله لطيف بعباده 6/ فضل مساندة المحتاجين وتفريج كربات المكروبين 7/ الجزاء من جنس العمل 8/ نماذج من سعي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قضاء حوائج الناس.


اقتباسكم من إنسان ينام قرير العين هو على فراشه نائمًا، لا يقوم الليل ولا يقرأ قرآنًا، بل هو نائم في نوم عميق تُقرع أبواب السماء عشرات الدعوات له؛ من جائع أطعمه، أو عارٍ كساه، أو مكروب نفَّث عنه، أو مستدين قَضَى عنه دَيْنه، هؤلاء يدعون له بالخير، يدعون له بالبركة، يدعون له بالرحمة؛ لأنه كان في سحابة نهاره أو فيما مضى من لياليه وأيامه ساعيًا في قضاء حوائج المسلمين. كل منا بحاجة إلى الناس، الغني عن الناس رب العالمين (إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) الله الصمد الذي تصمد له المخلوقات لقضاء حوائجهم، أما هو -جل جلاله- فما يحتاج لأحد يطعم ولا يُطعم يجير ولا يجار عليه وهو على كل شيء قدير…











الخطبة الأولى:


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في سبيل ربه حق الجهاد، ولم يترك شيئًا مما أمر به إلا بلغه، فتح الله به أعينًا عميًا وآذانًا صمًّا وقلوبًا غلفًا، وهدى الناس من الضلالة، ونجاهم من الجهالة، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، وهداهم بإذن ربه إلى صراط مستقيم، اللهم صلّ وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واهتدى بهداه.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم – وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وإنما توعدون لآتٍ وما أنتم بمعجزين..

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد أيها المسلمون عباد الله، فإنكم في يوم من أيام الله -عز وجل- هو خير يوم طلعت عليه الشمس يوم تضاعف فيه الحسنات، وتكفر فيه السيئات وترفع فيه الدرجات، السعيد الموفق من بكَّر إلى المسجد، والسعيد الموفق من استمع وأنصت، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَسَّلَ وَبَكَّرَ، وَابْتَكَرَ وَدَنَا، وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا" (رواه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني)، وذلك على الله يسير أسأل الله تعالى أن يكتب لنا ذلك الأجر، وأن يضاعف لنا الثواب وأن يجعلنا من الفائزين في هذا اليوم العظيم.

ثم اعلموا -أيها الإخوة المسلمون- إن الله -تعالى- خلقنا في هذه الدنيا لنقاسي آلامها ونكابد شدتها كما قال جل من قائل: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) [الكهف:7]، لنبلوهم أي لنختبرهم، وقال جل من قائل (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)[الإنسان: 2].

الله -جل جلاله- جعل ابن آدم في هذه الدنيا متقلبا بين شدة ورخاء، وضيق وسعة، وعسر ويسر، وفقر وغنى، وسقم وصحة، هكذا إلى نهاية الدنيا، لا تستقر على حال، ولذلك فإن ربنا -جل جلاله- في القرآن دائما يشبه الدنيا بالماء: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ) [يونس:24].

الله -جل جلاله- يضرب المثل للدنيا بالماء؛ لأن الماء لا يستقر على حال، وكذلك الدنيا لا تستقر على حال كم من غني افتقر!، كم من صحيح في سقم!، كم من ميسور قد صار معسورًا!

هكذا الدنيا تتقلب، ومن أجل هذا حثنا ربنا -جل جلاله- ونبينا المختار -صلى الله عليه وسلم- أن يسعى في قضاء حوائج الناس، في تنفيس كروبهم في تفريج همومهم في إدخال السرور عليهم هذه مهمة عظيمة يتصدى لها الموفقون من عباد الله.

الله -جل جلاله- امتن على أنبيائه ورسله -صلوات الله وسلامه عليهم- لأنه قد نفث قلوبهم وفرج همومهم يقول جل من قائل: (وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) [الأنبياء:76]، (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) [الصافات: 75- 76]، (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ * وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ * وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ) [الصافات: 114- 120].

وكذلك محمد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يوم أُحد كانوا في كرب عظيم في شدة شديدة في بلاء وهم وغم فنفَّث الله عنهم كما قال جل من قائل: (إِذْ تُصْعِدُونَ) أي في الجبل (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ) لا يلتفت أحد لأحد، كل منهم همّه نفسه بعضهم ألقى بسلاحه وبعضهم ولَّى مدبرا ما ردّته إلا حطام المدينة (وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [آل عمران:153].

هكذا رب العالمين -جل جلاله- يمتن على عباده المؤمنين، يا مسلم يا عبد الله انظر حولك كم من مكروب! كم من مهموم! كم من مريض! كم من مبتلى! هذه سنة الله -عز وجل- في خلقه، السعيد الموفق من سعى في تنفث تلك الكربات في تفريج هاتيك الهموم في قضاء تلكم الحاجات، هذا هو الموفق من عباد الله.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- -صلى الله عليه وسلم-: "أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى الله أَنْفَعُهُمْ لِلّنَاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى الله سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِيَ عَنْهُ دَيْناً أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعاً، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِي المُسْلِمِ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا المَسْجِدِ شَهْرًا".

ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يَخْذُلُهُ، وَلاَ يَحْقِرُهُ"، "من نفَّث عن مؤمنٍ كُربةً من كرب الدنيا نفث الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يسًّر على معسرٍ يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة".

هكذا قال -عليه الصلاة والسلام- الجزاء من جنس العمل: "من كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومن نفَّث عن مسلم كربة من كربات الدنيا نفَّث الله عنه كربة من كربات يوم القيامة".

الله -جل جلاله- يجازي عباده بما يصنعون مع الناس، بما يصنعون مع خلق الله -عز وجل-، فمن أحسن إلى الناس أحسن الله إليه، من أطعم جائعًا، من كسا عاريًا من سعى في قضاء حاجة في تنفيث كربة الله -عز وجل- يُعامَله بصنيعه.

ولذلك قال علمائنا: كم من إنسان ينام قرير العين هو على فراشه نائمًا، لا يقوم الليل ولا يقرأ قرآنًا، بل هو نائم في نوم عميق تُقرع أبواب السماء عشرات الدعوات له؛ من جائع أطعمه، أو عارٍ كساه، أو مكروب نفَّث عنه، أو مستدين قَضَى عنه دَيْنه، هؤلاء يدعون له بالخير، يدعون له بالبركة، يدعون له بالرحمة؛ لأنه كان في سحابة نهاره أو فيما مضى من لياليه وأيامه ساعيًا في قضاء حوائج المسلمين.

كل منا -أيها الناس- بحاجة إلى الناس، الغني عن الناس رب العالمين (إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)، الله الصمد الذي تصمد له المخلوقات لقضاء حوائجهم، أما هو -جل جلاله- فما يحتاج لأحد يطعم ولا يُطعم يجير ولا يجار عليه، وهو على كل شيء قدير، هو بكل شيء عليم هو غني عن العالمين -سبحانه وتعالى-، أما أنا وأنت وهو وهي فكلنا بحاجة بعضنا إلى بعض.

يقول بعض الحكماء لولده: "يا بني! لقد ذقت الطيبات كلها فما وجدت أطيب من العافية، ولقد ذقت المرارات كلها فلم أر أمرّ من الحاجة إلى الناس، ولقد نقلت الحديد والصخر فلم أجد أثقل من الدَّيْن، ولقد عاداني الأعداء فما وجدت أعدى من نفسي إذا جهلت". هذه النفس إذا كانت جاهلة فهي أعدى أعدائك.

يا أيها المسلمون يا عباد الله: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما كان يقول هذه الكلمات بلسانه بل كان يسعى في قضاء حوائج الناس في تنفيث الكربات، يقول جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما-: توفي أبي وعليه دَيْن -أبوه: عبد الله بن عمرو بن حرام السلمي رضي الله عنه، قُتل يوم أحد شهيدًا- يقول جابر: توفي أبي وعليه دين فجاءني غرمائه فسألتهم أن يأخذوا التمر بما عليه، ويخلّوا النخيل الذي تركه عبد الله بن عمرو بن حرام، فأبوا أن يروا فيه وفاء، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشكو إليه ما أجد يشكو إليه ما أجد.

يشكو إليه بأن أباه مات شهيدًا، لكن عليه دَيْن، هؤلاء الغرماء يقفون ببابه يقرعونه ويطالبون بحقوقهم، ماذا قال لهم الرءوف الرحيم -صلى الله عليه وسلم- قال له: "إذا جددته فوضعته في المربد آذنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجاء ومعه أبو بكر وعمر فجلس عليه ودعا بالبركة، ثم قال ادعُ غرماءك فأوفهم، فما تركت أحدًا له على أبي دين إلا قضيته، وفضل ثلاثة عشر وسقًا؛ سبعة عجوة وستة لون، أو ستة عجوة وسبعة لون، فوافيت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المغرب فذكرت ذلك له فضحك فقال: ائت أبا بكر وعمر فأخبرهما، فقالا: لقد علمنا إذ صنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما صنع أن سيكون ذلك".

فرَّج عنه كذلك المسلم بالعمل لا بالقول والحديث في سنن أبي داود عن عبد الله الهوزني قال لقيت بلالاً مؤذن رسول الله بحلب، فقلت: «يا بلال حدثني كيف كانت نفقة رسول الله؟ "، قال: " ما كان له شيء كنت أنا الذي ألي ذلك منه منذ بعثه الله إلى أن توفي، وكان إذا أتاه الإنسان مسلما فرآه عاريًا يأمرني فأنطلق فأستقرض فأشتري له البردة فأكسوه وأطعمه، حتى اعترضني رجل من المشركين فقال: يا بلال إن عندي سعة فلا تستقرض من أحد إلا مني ففعلت، فلما أن كان ذات يوم توضأت ثم قمت لأؤذن بالصلاة فإذا المشرك قد أقبل في عصابة من التجار فلما أن رآني قال: يا حبشي! قلت: يا لباه، فتجهمني وقال لي قولا غليظا وقال لي: أتدري كم بينك وبين الشهر؟ قال: قلت: قريب. قال: إنما بينك وبينه أربع فآخذك بالذي عليك، فأردك ترعى الغنم كما كنت قبل ذلك.

يقول له: سأعيدك عبدا كما كنت أولا، يقول بلال -رضي الله عنه-: فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس الناس حتى إذا صليت العتمة رجع رسول الله إلى أهله، فاستأذنت عليه فأذن لي، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي! إن المشرك الذي كنت أتدين منه قال لي كذا وكذا، وليس عندك ما تقضي عني ولا عندي، وهو فاضحي، فأذن لي أن آبق –أن أهرب- إلى بعض هؤلاء الأحياء الذين قد أسلموا حتى يرزق الله رسوله ما يقضي عني.

يقول -رضي الله عنه-: فخرجت حتى إذا أتيت منزلي فجعلت سيفي وجرابي ونعلي ومجنّي عند رأسي حتى إذا انشق عمود الصبح الأول أردت أن أنطلق، فإذا إنسان يسعى يدعو: يا بلال أجب رسول الله، فانطلقت حتى أتيته فإذا أربع ركائب مناخات عليهن أحمالهن فاستأذنت فقال لي رسول الله: "أبشر فقد جاءك الله بقضائك"، ثم قال: "ألم تر الركائب المناخات الأربع؟" فقلت: بلى فقال: "إن لك رقابهن وما عليهن فإن عليهن كسوة وطعاما أهداهن إليَّ عظيم فدك –قرية قريبة من المدينة- فاقبضهن واقض دينك"، ففعلت فذكر الحديث.

ثم انطلقت إلى المسجد فإذا رسول الله قاعد في المسجد فسلمت عليه فقال: "ما فعل ما قبلك؟" قلت: قد قضى الله كل شيء كان على رسول الله، فلم يبقَ شيء، قال: "أفضل شيء؟" قلت: نعم، قال: " انظر أن تريحني منه، فإني لست بداخل على أحد من أهلي حتى تريحني منه "، فلما صلى رسول الله العتمة دعاني فقال: "ما فعل الذي قبلك؟" قال: قلت: هو معي لم يأتنا أحد فبات رسول الله في المسجد وقصَّ الحديث حتى إذا صلى العتمة يعني من الغد دعاني قال: "ما فعل الذي قِبَلك" قال: قلت: قد أراحك الله منه يا رسول الله فكبر وحمد الله شفقًا من أن يدركه الموت وعنده ذلك، ثم اتبعته حتى إذا جاء أزواجه فسلم على امرأةٍ امرأة حتى أتى مبيته، فهذا الذي سألتني عنه».

هكذا كان صلوات ربي وسلامه عليه حتى قالت له خديجة -رضي الله عنها-: "والله لا يخزيك الله أبداً؛ إنك لتحمل الكلّ –أي: الضعيف- وتقري الضيف –أي: تكرمه- وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق".

أسأل الله -عز وجل- أن يرزقنا الاقتداء به والسير على نهجه، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، توبوا إلى الله واستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية:


الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُ الله ورسوله النبي الأمين بعثه الله بالهدى واليقين لينذر من كان حيًّا ويحق القول على الكافرين، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين وآل كل وصحب كل أجمعين، وأحسن الله ختامي وختامكم وختام المسلمين وحشر الجميع تحت لواء سيد المرسلين.

أما بعد فاتقوا الله حق تقاته، واعلموا إخوتي في الله أن الأمر بتنفيث الكربات إذا كان في حق المسلمين جميعا فهو آكد ما يكون إذا كان الناس في أرض غربة في أرض وحشة، وهم قلة يخافون أن يتخطفهم الناس، مطلوب منكم في مثل هذه البلاد أن يؤاخي بعضكم بعضًا، وأن يرحم بعضكم بعضًا، وأن يحنو بعضكم على بعض، وأن يسعى بعضكم في قضاء حوائج بعض؛ فإن الأجر عند الله عظيم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سره أن يستجيب الله دعوته فلينفث كربة أخيه المسلم".

إذا أردت أن تكون دعوتك مجابة أن تكون حاجاتك عند الله مقضية اسعَ في تنفيث كربة إخوانك، والله لا يضيع أجر المحسنين.

اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد ولا تدع لنا ذنبا إلا غفرته..

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 62.60 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 60.93 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.67%)]