تعظيم الأشهر الحرم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1174 - عددالزوار : 131444 )           »          3 مراحل لانفصام الشخصية وأهم أعراضها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          متلازمة الشاشات الإلكترونية: كل ما تود معرفته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          ما هي أسباب التعرق الزائد؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          أضرار الوجبات السريعة على الأطفال: عواقب يُمكنك تجنبها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          الوقاية من القمل بالقرنفل: أهم الخطوات والنصائح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          علاج جفاف المهبل: حلول طبيّة وطبيعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          الوقاية من القمل في المدارس: دليل شامل للأهل والمعلم! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          الوقاية من التهاب الكبد: 9 خطوات بسيطة لصحة أفضل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          الوقاية من الجلطات: دليلك الشامل لصحة أفضل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 16-01-2021, 01:42 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي تعظيم الأشهر الحرم

تعظيم الأشهر الحرم
عبدالله بن عبده نعمان العواضي







إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1].

أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسوله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

يقول الله تعالى: ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [القصص: 68].
أيها الناس، في هذه الآية الكريمة يخبر الله تعالى عباده بأنه يخلق ما يشاء ويختار من خلقه ما شاء؛ لأن الخلق خلقه والملك ملكه، لا راد لحكمه ولا معقب لقضائه ولا مانع لاجتبائه ولا غالب لأمره.

فلقد اختار الله تعالى الملائكة عليهم السلام لسكنى سماواته والتفرغ لعبادته، وتفويضهم بمهمات بين عباده، واصطفى من بينهم جبريل عليه السلام فجعله سيدهم ومقدمهم، ووكله بأشرف مهمة وهي السفارة بينه وبين رسله عليهم السلام.

واختار سبحانه وتعالى بني آدم على سائر خلقه بالعقل، وتسخير جميع ما في الكون لهم. قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ [الإسراء: 70].

واصطفى سبحانه وتعالى الإنس ورجال الإنس فجعل الأنبياء والرسل منهم، وفاضل بينهم، فاصطفى أولي العزم، واصطفى من بينهم سيدنا محمداً عليه الصلاة والسلام فكان سيد ولد آدم.

قال تعالى: ﴿ وَإِذَا جَاءتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ ﴾ [الأنعام: 124].
وقال: ﴿ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً ﴾ [الإسراء: 55].

أيها المسلمون، ومن مظاهر اصطفاء الله: اصطفاء الأزمنة والأمكنة، ففي الزمان نرى أن الله اختار أشهر الحج والأشهر الحرم على غيرها من الشهور، واصطفى رمضان على سائر شهور العام، واصطفى يوم الجمعة على سائر أيام الأسبوع، واصطفى يوم النحر على سائر الأيام، واصطفى ليلة القدر على بقية الليالي.

وفي الأمكنة نجد أن الله تعالى اجتبى مكة والمدينة وبيت المقدس على سائر المدن، واصطفى المساجد على غيرها من بقاع الأرض.

عباد الله، إن هذا الاختيار والاصطفاء من الله رب العالمين قائم على الحكمة والعلم، والملك والقدرة، والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
ولهذا يقول تعالى في اجتباء الرسل من أهل السماء والأرض: ﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [الحج: 75].

والمعنى- كما قال ابن كثير رحمه الله تعالى -: "أنه تعالى يختار من الملائكة رسلاً فيما يشاء من شرعه وقدره، ومن الناس لإبلاغ رسالته، إن الله سميع بصير، أي: سميع لأقوال عباده، بصير بهم، عليم بمن يستحق ذلك منهم كما قال: ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ [الأنعام: 124].

وحينما بعث الله رسولنا محمداً عليه الصلاة والسلام قال بعض المشركين: ﴿ لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ﴾ [الزخرف: 31]، فرد الله عليهم: ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [الزخرف: 32].

أمة الإسلام، إننا نعيش هذه الأيام في شهر عظيم من شهور العام، في الشهر الثالث من الأشهر الحرم، وهو ذو القعدة الحرام.
قال تعالى: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 36].

عباد الله، إن من نعمة الله على البشر أن علمهم وألهمهم علم التوقيت؛ حتى يضبطوا أمر دينهم ودنياهم.
لقد كانت الشهور القمرية أقدم شهور التوقيت التي عرفها الإنسان وأضبطها؛ لتعلقها بسير القمر؛ ولأن استنادها للأحوال السماوية أبعد لها عن تناول أيدي البشر لها بالتبديل والتغيير.

وأما التوقيت بالشهور الشمسية فلم يعرفه البشر إلا بعد معرفتهم لعلم الفلك والميقات.
والشهور القمرية هي التي تبدأ بمحرم وتنتهي بذي الحجة، وهي شهورنا وتاريخنا أهل الإسلام؛ لارتباط بعض عباداتنا بها كالصوم والحج والأعياد والطلاق والخلع والكفارات، وعدد النساء، وغير ذلك.

إخواني الكرام، لقد تعارف العرب قبل الإسلام على هذه الشهور وسموها بأسماء ترتبط بأحوال تحدث فيها أو تتعلق بها.
فالمحرم سموه بذلك لتأكيد تحريمه؛ لأنه من الأشهر الحرم، وهو شهر العودة من الحج. وصفر سمي بذلك لخلو بيوتهم منهم، حين يخرجون للقتال والأسفار، يقال: صفر المكان: إذا خلا.

وشهر ربيع؛ لارتباعهم فيه أي: إقامتهم لإصلاح الربع وهو المسكن. وجمادى؛ لجمود الماء فيه في البرد، ورجب، من الترجيب وهو التعظيم، وقد كانت قبيلة مضر تحرم رجب نفسه بدون نساء؛ ولذلك خصه رسول الله بنسبته إليهم فقال: (رجب مضر)[2].

وشعبان؛ لتشعب القبائل وتفرقها للقتال بعد الشهر المحرم: رجب. ورمضان، من شدة الرمضاء، وهو الحر. وشوال، من شول الإبل، وهو رفعها أذنابها للطراق، وذو القعدة؛ لقعودهم عن القتال والترحال، وذو الحجة؛ لإقامتهم للحج فيه.

أيها المسلمون، لقد أوحى الله تعالى إلى خليله إبراهيم عليه السلام أن يبلغ الناس أن الله تعالى قد كتب عليهم الحج فبلغهم، وبلغهم أيضاً المواقيت الزمانية لذلك، وهي: شوال وذو القعدة وذو الحجة. ولتباعد أقطار الناس وللثارات التي كانت تجري بينهم كانت الأشهر المحرمة أربعة لأداء مناسك الحج والعمرة، فحرم قبل شهر الحج شهراً هو ذو القعدة، وحرم شهر ذي الحجة لإيقاع الحج فيه، وحرم شهراً بعده هو المحرم؛ ليرجعوا إلى أقصى بلادهم آمنين، وحرم شهر رجب في وسط الحول؛ لأجل زيارة البيت والاعتمار فيه لمن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب لزيارته ثم يعود إلى وطنه آمناً.

وقد بقي عند العرب من هذه الشعيرة الحنيفية بقايا، ولكن لما كانت حياتهم مصبوغة بالحل والترحال والثأر والقتال شق عليهم أن يقعدوا أربعة أشهر بدون قتال؛ لما فيهم من القوة الغضبية والسطو والحمية فلأجل هذا بدأوا يتلاعبون في حرمة هذه الأشهر بما سموه بالنسأ، وهو التأخير، مثل أن يحلوا شهر المحرم عاماً ويحرموا عوضه شهر صفر عاماً آخر، وهكذا.

وكان أول من نسأ الشهور على العرب: القَلّمس بن الحارث بن كنانة، ثم قام أولاده من بعده إلى أن كان آخرَهم: أبو ثمامة جنادة بن عوف.

ثم جاء الإسلام فكانت العرب إذا فرغت من حجها اجتمعت إليه فقام فيهم خطيباً فيحل ويحرم ويقول: إني لا أُجاب ولا أعاب ولا مرد لما أقول. فيسمع له العرب ويطيعون.

وهذا من أعمالهم السيئة التي ضلوا بها وزادتهم كفراً إلى كفرهم. قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [التوبة: 37].

ومن هنا نعلم - يا عباد الله - عظم ذنب التلاعب بشرع الله تعالى والتحيل على دينه، وفظاعة تحريم ما أحل الله وتحريم ما حرم.

فشريعة الله تعالى إنما هي لمصلحة الإنسان في العاجل والآجل، والتلاعب بها جناية تدل على الاستخفاف والكراهية والسير وراء الأهواء ووساوس الشيطان.

فمن يتلاعب بشرع ربه إنما يتلاعب على نفسه ويخسر حظه ونصيبه، ولن يضر الله شيئاً، ومن يتحيل على أوامر الدين ونواهيه ففيه شبه باليهود المغضوب عليهم، وكأن نفسه لم ترتض ما ارتضاه الله لعباده، حتى ضاقت عن قبول ما شرع، فلجأت إلى الحيلة وتظن أنها تخرج بذلك عن الملامة. قال تعالى: ﴿ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 9].

والتحليل والتحريم ليس للمخلوق العاجز الضعيف الجاهل، وإنما حق للرب الخالق العليم الحكيم القادر، فتحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله تجنٍّ وعدوان على حق الله تعالى، قال الله: ﴿ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ﴾ [النحل: 116].

وقال: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 33].

وقال: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ ﴾ [يونس: 59].

أيها المسلمون، وهكذا ظل تلاعب العرب واختلاط الأمور عندهم فربما أوقعوا بعض المناسك في غير زمانها فأنعم الله على الأمة بحجة النبي عليه الصلاة والسلام في العام العاشر للهجرة فوافقت حجته الحساب الصحيح للحج فاستقر الأمر على ذلك، وذهب نسيء الكافرين بمجيء الحق المبين.

فقد وقف النبي عليه الصلاة والسلام خطيباً في حجته فقال: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة، اثنا عشراً شهراً منها أربعة حرم: ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان) [3].
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:
أيها المسلمون، إن الأشهر الحرم حينما كانت عظيمة عند الله فعلينا أن نعظمها، فمن تعظيم الله: تعظيم ما عظمه الله، قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ﴾ [الحج: 30]. وقال: ﴿ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32].

لقد بين الله تعالى المطلوب من العباد في الأشهر الحرم وهو: الحفاظ على حرمتها وقداستها، بقوله تعالى: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ﴾ [التوبة: 36].

والظلم هنا جاء بمعنى أشمل وأعمق يتناول كل ذنب لازم أو متعدٍّ يرتكبه الإنسان. فالمذنب يظلم نفسه بمعاصيه من حيث يشعر أو لا يشعر؛ لأن تلك المخالفات تورد نفسه موارد العطب والهلاك في الدنيا والآخرة، -فيا عباد الله- هذه دعوة من الله تعالى لعباده أن يجعلوا بينهم وبين الذنوب حاجزاً؛ لعلهم يرحمون أنفسهم بذلك.

أيها الأحبة، لقد ختم الله الآية السابقة بقوله: ﴿ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 36]. كالتنبيه لأهل الإيمان بعد علمهم بأن ابتداء القتال للكافرين في الشهر الحرام حرام؛ لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ ﴾ [المائدة: 2]. وقوله: ﴿ فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [التوبة: 5]. فقوله: ﴿ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 36]. تنبيه وإذن للمؤمنين بقتال المشركين إذا كانت البداءة منهم كقوله: ﴿ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 191]. فإن كان القتال قد ابتدأ في شهر حلال واستمر حتى دخل الشهر الحرام فلا مانع من مواصلة الجلاد والجهاد؛ لأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء. وهذا القول على رأي بعض أهل العلم في بقاء حرمة قتال الكفار في الأشهر الحرم، لكن رأي جمهور العلماء أن هذا الحكم قد نسخ، وأن الجهاد للكفار مشروع في كل وقت.

نسأل الله أن يوفقنا لطاعته، ويحول بيننا وبين معصيته، فلا حول لنا ولا قوة إلا به.
هذا وصلوا وسلموا على النبي المختار....


[1] ألقيت في مسجد ابن الأمير الصنعاني في 16/ 11/ 1432هـ، 14/ 10/ 2011م.

[2] رواه البخاري.

[3] متفق عليه.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 89.87 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 88.15 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.92%)]