عباد الله فلنتجنب غضب الله جل جلاله - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1430 - عددالزوار : 141377 )           »          معالجات نبوية لداء الرياء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          التربية بالحوار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          صور من فن معالجة أخطاء الأصدقاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          في صحوةِ الغائب: الذِّكر بوابة الحضور (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          آيات السَّكِينة لطلب الطُّمأنينة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (العليم, العالم. علام الغيوب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          سبل إحياء الدعوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          التساؤلات القلبية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          الحب الذي لا نراه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-12-2020, 10:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,204
الدولة : Egypt
افتراضي عباد الله فلنتجنب غضب الله جل جلاله

عباد الله فلنتجنب غضب الله جل جلاله
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد





إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أعاذنا الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.
عباد الله؛ أنصحكم ونفسي بتقوى الله، فإن فيها النجاة في الدنيا وفي الآخرة، واحذروا عباد الله واجتنبوا غضب الله الذي صُبَّ على الأمم من قبلنا، وسيصبُّ على كثير من الناس من هذه الأمة.

فـإن الله سبحانه وتعالى قد غضب على أهلِ المِلَلِ ممن كان قبلَنا لـمَّا أشركوا به؛ فصرفوا العبادة التي يحبُّها الله ويرضاها صرفوها لغيره، فاتخذوا من الأحجار والأشجار والجمادات اتخذوها آلهةً دون الله، صلَّوا لها وسجدوا عندها، ودعوها في جلب المنافع، وتوسلوا إليها في دفع المضار، وتقربوا لها بالذبائح، ونذروا لها القرابين، وخافوا منها في السرِّ والعلن، وأقسموا بها وحلفوا، وأحبُّوها وخضعوا لها، وقاتلوا ودافعوا مستميتين عنها.

وكلُّ ذلك من تسويل الشياطين، والجهل بعظمة رب العالمين جل جلاله، وعِظَم سلطانه.
فإذا ذكرهم نبيٌّ أو رسولٌ عليهم الصلاة والسلام، بأن هذه الأصنامَ والأوثانَ لا تنفع ولا تضر، كان جوابهم أن قالوا: ﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى. ﴾ [الزمر: 3].
فما الذي جعل بني إسرائيل أن ينالَهم القسطَ الأكبرَ والنصيبَ الأوفر من غضب المنتقم الجبار سبحانه؟ فلنستمع إلى قوله تبارك اسمه وعزَّ جاهُه: ﴿ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ [البقرة: 61].

إذن كفرهم بآيات الله، وقتلُهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وعصيانُهم لله، واعتداؤهم على خلق الله، من أسباب غضب الله سبحانه وتعالى عليهم.
إنهم اتخذوا أبلدَ الحيوانات إلهاً ومعبودا، على صورة عِجلٍ له خوار، ﴿ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [البقرة: 90]، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ. [الأعراف: 152].

يا أمَّةَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم! أنتم محفوظون من هذا الغضب ما دمتم تحافظون على أمر الله سبحانه وتعالى، فقد ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ * لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ * ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 110 - 115]، لقد أنصفهم الله بحُكْمه العادل.

وغضِبَ الله سبحانه وتعالى على من زعم أن الله اتخذ صاحبة أولدا أو قال عنه سبحانه: ثالث ثلاثة، قال سبحانه: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة: 72 – 74].

فالشرك بالله سبحانه وتعالى يجلبُ غضبَ الله، ولن يغفرَ الله لمن مات على الشرك، قال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾[النساء: 48]، ﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا [النساء: 116]، ﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج: 31].

فممَّا وقع فيه كثيرٌ من أفراد هذه الأمَّة من أنواع الشرك؛ الحلِف بغير الله سبحانه وتعالى أو اسمٍ من أسمائه أو صفةٍ من صفاته، كالحلفِ بمخلوق كأن يقول: والكعبة، والأمانة، أو يحلف بنبيٍّ أو وليٍّ أو صالحٍ من الصالحين، فهذا شركٌ أصغر إن لم يقصد التعظيم، فإن قصدَ التعظيمَ والخوفَ من المحلوف به فقد أشركَ شركا أكبر.

والشرك الأصغر لا يكاد يخلو منه أحد من هذه الأمة، ولكن يذهبه الاستغفار، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله تعالى عنه قَالَ: (انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله تعالى عنه إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم)، فَقَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ، لَلشِّرْكُ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ عَلَى الصَّفَا". الصَّفَا: هُوَ الْحَجْرُ الْأَمْلَسُ الَّذِي لَا يَعْلَقُ بِهِ شَيْء.

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: (وَهَلِ الشِّرْكُ إِلَّا مَنْ جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ؟) فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَلشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ عَلَى الصَّفَا، أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى شَيْءٍ إِذَا قُلْتَهُ ذَهَبَ عَنْكَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ؟ قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا أَعْلَمُ"[1].

إن الارتداد عن دين الله، والكفرَ بشريعة الله دون إكراه، سبب من الأسباب الجالبة لغضب الله سبحانه وتعالى، قال سبحانه: ﴿ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النحل: 106].
الردة أمرها خطير يا عباد الله.

أيضا ولنجتنِب قتلَ النفسِ المؤمنة، النفسِ البريئة، فإنه يعرِّضُ قاتلها إلى غضب الجبار وسخطه، قال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء: 93].
كذلك فإن المجاهد في سبيل الله، إذا فرَّ أثناء القتال، وترك إخوانه المجاهدين الذين هم في حاجة إليه، يعرض نفسه لغضب الجبار جل جلاله الذي قال: ﴿ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ ﴾ [الأنفال: 16] أي يوم القتال، وأثناء الجهاد ﴿ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الأنفال: 16].

إن الزوجة التي اتهمها زوجها أنها ارتكبت الفاحشة، وأنكرت ذلك، وحلفت بالله العظيم أربعَ مرات أنها لم تفعل، وزوجها يفتري عليها الكذب، ثم في الخامسة ينزل عليها غضب من ربها إن كان زوجها صادقا، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [النور: 8 - 9]، نعوذ بالله من غضبه.

إنَّ من يُسَخِّرُ جهدَه ووقتَه للصَّدِّ عن دين الله سبحانه، ويُسخِّر أموالَه للتشكيك في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والطعنِ في الصحابة الكرام، وسَيَّر لسانَه وقلمَه للنيل من علماء الأمة وفقهائها، ودعاتِها وولاةِ أمرها، عرَّض نفسه لغضب الجبار سبحانه وتعالى، قال ابن كثير رحمه الله: [يَقُولُ تَعَالَى - مُتَوَعِّدًا الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ-: ﴿ وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ ﴾ [الشورى: 16]، أَيْ: يُجَادِلُونَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْتَجِيبِينَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، لِيَصُدُّوهُمْ عَمَّا سَلَكُوهُ مِنْ طَرِيقِ الْهُدَى، ﴿ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ [الشورى: 16]، أَيْ: بَاطِلَةٌ عِنْدَ اللَّهِ، ﴿ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ [الشورى: 16]، أَيْ: مِنْهُ من الله سبحانه وتعالى،﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴾ [الشورى: 16]، أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ: جَادَلُوا الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ مَا اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، لِيَصُدُّوهُمْ عَنِ الْهُدَى، وَطَمِعُوا أَنْ تَعُودَ الْجَاهِلِيَّةُ...]. [2]
كلّ من أرد إبعادَ المسلمين عن دينهم، أو أرادَ إبعادَهم عن سنة نبيِّهم صلى الله عليه وسلم، أو أرادَ انسلاخهم عن أمَّتهم، سينالهم غضبٌ من ربهم، وستحل بهم الذلة والمهانة في الدنيا والآخرة.

وأولى الناس بالغضب من الجبار جل جلاله، هم من غرّ المسلمين بإظهارِ الإيمان والإسلام، وإبطانِ الشرك والكفران، إنهم المنافقون والمشركون رجالا ونساءً، لظنِّهم السَّيِّءِ بأرحم الراحمين، قال سبحانه: ﴿ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [الفتح: 6].

فإذا أردت -أخي في دين الله- أن تجتنب سخطَ الله وغضبَه؛ فعليك ألاَّ تتولّى من غضب الله عليهم، ولا تجعل بينك وبينهم مودَّةَ ولا محبَّة، لكن لا يمنعُ أن تكون هناك معايشةٌ ومعاملةٌ حسنة، [يا أيها المؤمنون! إن كنتم مؤمنين بربكم، ومتبعين لرضاه ومجانبين لسخطه، ﴿ لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾ [الممتحنة: 13]، وإنما غضب عليهم لكفرهم، وهذا شامل لجميع أنواع الكفر وأصناف الكفار. ﴿ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ ﴾ [الممتحنة: 13]، أي: قد حرموا من خير الآخرة، فليس لهم منها نصيب، فاحذروا أن تولَّوهم فتوافقوهم على شرِّهم وكفرهم، فتحرموا خيرَ الآخرة كما حرموا.

وقوله سبحانه: ﴿ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ ﴾ [الممتحنة: 13]، لها تفسيران: الأول: كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ حين أفضوا إلى الدار الآخرة، ووقفوا على حقيقة الأمر، وعلموا علم اليقين أنهم لا نصيب لهم منها.
والمعنى الثاني: قال: ... قد يئسوا من الآخرة؛ أي: قد أنكروها - في الدنيا - وكفروا بها، فلا يستغرب حينئذ منهم الإقدام على مساخطِ الله، وموجباتِ عذابه وإياسِهم من الآخرة، كما يئس الكفار المنكرون للبعث في الدنيا من رجوع أصحاب القبور إلى الله تعالى][3].

وممن يستحقون غضب الجبار المتكبرون على الله، والمتكبرون على خلق الله، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مِنْ رَجُلٍ يَتَعَاظَمُ"، أي يتكبَّر، "فِي نَفْسِهِ، وَيَخْتَالُ فِي مِشْيَتِه، إِلَّا لَقِيَ اللهَ وَهو عَلَيْهِ غَضْبَانُ"[4].
والظلم بين الناس، واغتصابهم أموالهم يجلب غضب الربِّ سبحانه، عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ غَصَبَ رَجُلًا أَرْضًا ظُلْمًا، لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ"[5].

واليمين الفاجرة الكاذبة لأكل أموال الناس، سبب في غضب الرب سبحانه، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، هُوَ عَلَيْهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا ﴾[آل عمران: 77] الآيَةَ[6]...

إياكم – إخواني في دين الله - أن تعينوا أحدا قريبا؛ أو حبيبا أو غريبا على ظلم وجَور، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَعَانَ عَلَى خُصُومَةٍ بِظُلْمٍ، أَوْ يُعِينُ عَلَى ظُلْمٍ، لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللهِ حَتَّى يَنْزِعَ". [7]، وفي رواية: "مَنْ أَعَانَ عَلَى خُصُومَةٍ بِظُلْمٍ، فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ"[8].
عافانا الله وإياكم من غضبه وسائر عقابه، اتقوا الله وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الآخرة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، المبعوثِ رحمة مهداة للعالمين كافة، وعلى آله وصحبه ومن والاه واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:
أيها الإخوة الكرام! انتقوا خير الكلام، احذروا زلات القلم واللسان، فإنه قد يوقع الإنسان في سخط الرحمن، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ». [9]، وفي رواية: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ، يَنْزِلُ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ"[10].

قال سبحانه: ﴿ أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ [آل عمران: 162 - 163].
وأكثروا عباد الله! من دعاء الله وسؤاله، وإياكم أن تعرضوا عنه، إياكم أن تعرضوا عن الدعاء والسؤال، فينالكم غضب من ربكم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهُ مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ"، وفي رواية: "مَنْ لَمْ يَدْعُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ، غَضِبَ عَلَيْهِ"[11].

فنسأل الله جل جلاله، وعَظُمَ سلطانُه؛ أن يصليَ ويسلمَ ويباركَ على نبيِّه ورسوله محمدٍ وسائر رسله وأنبيائه، وآلِ البيتِ والصحابةِ أجمعين، ومَن اهتدى بهديهم أجمعين.

ونَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ، وَشَرِّ عِبَادِهِ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونا، اللَّهُمَّ لَا تَقْتُلْنَا بِغَضَبِكَ، وَلَا تُهْلِكْنَا بِعَذَابِكَ، وَعَافِنَا قَبْلَ ذَلِكَ. اللهُمَّ نَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ. اللهُمَّ أَصْلِحْ لنا دِيننا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرنا، وَأَصْلِحْ لنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشنا، وَأَصْلِحْ لنا آخِرَتنا الَّتِي فِيهَا مَعَادنا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لنا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ إِنّا نَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَنَعُوذُ بِعَفْوِكَ مِنْ نِقْمَتِكَ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ.
وأقم الصلاة فـ﴿ ... إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (العنكبوت: 45).


[1] (خد) (716)، صَحِيح الْجَامِع (3730)، (3731).

[2] تفسير ابن كثير ت سلامة (7/ 196).

[3] بتصرف من تفسير السعدي (ص: 858).

[4] (ك) (201)، (خد) (549)، (حم) (5995)، صَحِيح الْجَامِع (5711)، (6157)، الصَّحِيحَة (2272).

[5] (طب) (ج22، ص19، ح25)، الصَّحِيحَة (3365)، صَحِيح التَّرْغِيبِ (1870).

[6] (خ) (2356).

[7] (جة) (2320)، (ك) (7051)، صَحِيح الْجَامِع (6196)، الصَّحِيحَة (1021)، صَحِيح التَّرْغِيبِ (2248).

[8] (د) (3598)، (هق) (11225)، صَحِيح التَّرْغِيبِ (2248)، والحديث ضعيف في (د).

[9] (خ) (6478).

[10] (م) 49- (2988).

[11] (ت) (3373)، (جة) (3827)، (حم) (9717)، (خد) (658)، الصَّحِيحَة (2654).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 68.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 66.69 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.45%)]