|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() سهام الصيد (طريقنا للقلوب 3) الشيخ د. : إبراهيم الدويش عناصر الخطبة 1/ سهامٌ لاصطياد قلوب الناس ونيل محبتهم 2/ أهمية تحلي الداعية لله بالأخلاق الحسنة 3/ وسائل تعين المرء على تحسين أخلاقه اقتباس إنَّهُ لا يمكنُنا التأثيرُ على نفوس الناس أبداً وكسب قلوبهم إلَّا بِتَلَمُّسِ الخير فيهم، والحرص على مكارم الأخلاق معهم، فلْنملك القلوب لتحبنا القلوب، وحينها سترون النتيجة والتأثير، فإن مَن أحَبَّه الناسُ ملَكَ قلوبهم.. إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، أرسله الله تعالى- بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، صلى اله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد: أيها المسلمون: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-، واحرصوا على توحيد صفكم، وجمع قلوبكم، ونشر المودة والمحبة بينكم، ولا يكون ذلك إلا بمكارم الأخلاق، فتلمسوا منافذها، واحرصوا على وسائلها، واكسبوا القلوب، وكسبتها صيد ثمين يحتاج لحسن تسديد وتصويب. فهاكم سهاما للصيد، أي صيد القلوب، وأعني بها تلك الفصائل التي تستعطف بها القلوب، وتستر بها العيوب، وتستقال بها العثرات، وهي صفات لها أثر سريع وفعال على القلوب، وإلا فإن فضائل الأخلاق، ومكارمها كثيرة. فإليك -أخي المسلم- سهاما سريعة ما إن تطلقها حتى تملك بها القلوب، فاحرص عليها، وجاهد نفسك على حسن التسديد للوصول للهدف، واستعن بالله. السهم الأول: الابتسامة؛ قالوا هي كالملح في الطعام، وهي أسرع سهم تملك به القلوب، وهي مع ذلك عبادة وصدقة، فـــ "تبسمك في وجه أخيك صدقة"، وقال عبد اله بن الحارث: ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. السهم الثاني: البدء بالسلام؛ سهم يصيب سويداء القلب فيقع فريسة بين يديك، لكن أحسن التسديد ببسط الوجه، والبشاشة، وحرارة اللقاء وشد الكف على الكف، وهو أجر وغنيمة، فخيرهما الذي يبدأ بالسلام. قال عمر -رضي الله عنه-: ثلاث يصفين لك ود أخيك، أن تسلم عليه إذا لقيته، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحَبِّ أسمائه. وعن الطفيل بن أبي كعب أخبر أنه يأتي عبد الله بن عمر فيغدو معه إلى السوق، قال: فإذا غدونا إلى السوق لم يمر عبد الله بن عمر على سقاط، ولا صاحب بيعة، ولا مسكين، ولا أحد، إلا سلم عليه. وقال الحسن البصري: المصافحة تزيد في المودة. والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق". ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا". السهم الثالث: الهدية؛ ولها تأثير عجيب، فهي تذهب بالسمع والبصر والقلب، وما يفعله الناس من تبادل الهدايا في المناسبات وغيرها أمر محمود؛ بل ومندوب إليه، على ألا يكلف نفسه إلا وسعها. قال إبراهيم بن محمد الزهري: خرجت لأبي جائزته فأمرني أن أكتب خاصته وأهل بيته، ففعلت، فقال لي: تذكّر، هل بقي أحد أغفلناه؟ قلت: لا قال: بلى، رجل لقيني فسلم علي سلاما جميلا صفته كذا وكذا، اكتب له عشرة دنانير. تأملوا! أثّر فيه السلام الجميل فأراد أن يرد عليه بهدية، ويكافئه على ذلك. السهم الرابع: الصمت وقلة الكلام إلا فيما ينفع؛ وإياك ورفع الصوت وكثرة الكلام في المجالس! وإياك وتسيد المجالس! وعليك بطيب الكلام ورقة العبارة، فـ "الكلمة الطيبة صدقة" كما في الصحيحين، ولها تأثير عجيب في كسب القلوب والتأثير عليها، حتى مع الأعداء، فضلا عن إخوانك وبني دينك. فهذه عائشة -رضي الله عنها- قالت لليهود: "وعليكم السام واللعنة"، فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-:" مهلا يا عائشة! إن الله تعالى يحب الرفق في الأمر كله"، والحديث متفق عليه. وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عليك بحسن الخلُق، وطول الصمت، فوالذي نفسي بيده! ما تجمَّل الخلائق بمثلهما" أخرجه أبو يعلى والبزار وغيرهما. قد يخزن الورع التقي لسانه *** حَذَرَ الكلام، وإنَّهُ لَمُفَوَّهُ! السهم الخامس: حسن الاستماع وأدب الإنصات؛ وعدم مقاطعة المتحدث، فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يقطع الحديث حتى يكون المتكلم هو الذي يقطعه، ومَن جاهد نفسه على هذا أحبه الناس وأعجبوا به، بعكس الآخَر كثير الثرثرة والمقاطعة، واسمع لهذا الخلق العجيب، عن عطاء قال: إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأني لم أسمعه، وقد سمعته قبل أن يولد. السهم السادس: حسن السمت؛ وجمال الشكل واللباس، وطيب الرائحة، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله جميل يحب الجمال". وعمر بن الخطاب يقول: إنه ليعجبني الشاب الناسك، نظيف الثوب، طيب الريح. وقال عبد الملك الميموني: ما أعلم أني رأيت أحدا أنظف بدنا، ولا أشد تعاهدا لنفسه وشاربه وشعر رأسه وشعر بدنه، ولا أنقى ثوبا وأشده بياضا من أحمد بن حنبل. السهم السابع: بذل المعروف، وقضاء الحوائج؛ وهو سهم تملك به القلوب، وله تأثير عجيب، أورده الشاعر بقوله: أحسِنْ إلى الناسِ تستعبدْ قلوبهم *** فطالما استعبدَ الإنسانَ إحسان بل تملك به محبة الله -عز وجل-، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "أحبُّ الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله -عز وجل- سرور تُدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا؛ ولَئن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلى من أن أعتكف في المسجد شهرا"، والله -عز وجل- يقول: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [المائدة:13]. إذا أنت صاحبت الرجالَ فكُنْ فتىً *** كأنَّكَ مملوكٌ لِكُلِّ رفيقِ وكن مثل طعم الماء عذبا وباردا *** على الكبِدِ الحرّى لكُلِّ صديق قال بعضهم: عجبتُ لِمَن يشتري المماليك بماله، كيف لا يشتري الأحرار بمعروفه؟ ومَن انتشر إحسانه، كثر أعوانه. السهم الثامن: بذل المال؛ فإن لكل قلب مفتاحا، والمال مفتاح لكثير من القلوب، خاصة في مثل هذا الزمان، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلى منه، خشية أن يكب في النار على وجهه". فر صفوان بن أمية يوم فتح مكة خوفا من المسلمين، بعد أن استنفد كل جهوده في الصد عن الإسلام، والكيد والتآمر لقتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيعطيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- الأمان ويرجع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويطلب منه أن يمهله شهرين للدخول في الإسلام، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بل لك أن تسير أربعة أشهر". وخرج مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حنين والطائف كافرا، وبعد حصار الطائف، وبينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينظر في الغنائم يرى صفوان يطيل النظر إلى واد قد امتلأ نعما وشاء ورعاء، فجعل -عليه الصلاة والسلام –يرمقه، ثم قال له: "يعجبك هذا يا أبا وهب؟" قال: نعم، قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "هو لك وما فيه"، فقال صفوان عندها: ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبي، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. سبحان الله! لقد استطاع الحبيب -صلى الله عليه وسلم- بهذه اللمسات وبهذا التعامل العجيب أن يصل لهذا القلب بعد أن عرف مفتاحه، فلماذا هذا الشح والبخل؟ ولماذا الإمساك العجيب عند البعض من الناس؟ حتى كأنه يرى الفقر بين عينيه كلما هم بالجود والكرم والإنفاق!. السهم التاسع: إحسان الظن بالآخرين، والاعتذار لهم، فما وجدت طريقا أيسر وأفضل للوصول إلى القلوب منه، فأحسِن الظن بمن حولك، وإياك وسوء الظن بهم! وأن تجعل عينيك مرصدا لحركاتهم وسكناتهم، فتحلل بعقلك التصرفات ويذهب بك كل مذهب، واسمع لقول المتنبي: إذا ساء فعلُ المرءِ ساءتْ ظنونُه *** وصدَّقَ ما يعتاده مِن توهُمِ عوِّدْ نفسك على الاعتذار لإخوانك جهدك، فقد قال ابن المبارك: المؤمن يطلب معاذير إخوانه، والمنافق يطلب عثراتهم. اهـ. ومن علامات شقاء الأمة أن تشغل بنفسها عن أعدائها. السهم العاشر: أعلن المحبة والمودة للآخرين؛ فإذا أحببت أحدا، أو كانت له منزله خاصة في نفسك، فأخبره بذلك؛ فإنه سهم يصيب القلب، ويأسر النفس؛ ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أحب أحدكم صاحبه فليأته في منزله؛ فليخبره أنه يحبه لله"، وزاد في رواية مرسلة: "فإنه أبقى في الألفة، وأثبت للمودة". لكن؛ شرط المحبة أن تكون لله، وليس لغرض من أغراض الدنيا؛ كالمنصب والمال، والشهرة والوسامة والجمال، فكل أخوة لغير الله هباء، وهي يوم القيامة عداء، (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [الزخرف:67]، وقال -صلى الله عليه وسلم-:" المرء مع من أحب "؛ يعني يوم القيامة. إذن؛ فإعلان المحبة والمودة من أعظم الطرق للتأثير على القلوب، فإما مجتمع مليء بالحب والإخاء والائتلاف، أو مجتمع مليء بالفرقة والتناحر والاختلاف، لذلك حرص -صلى الله عليه وسلم- على تكوين مجتمع متحاب، فآخَى بين المهاجرين والأنصار، حتى عرف أن فلانا صاحب فلان، وبلغ ذلك الحب أن يوضع المتآخيين في قبر واحد بعد استشهادهما في إحدى الغزوات. بل أكد على وسائل نشر هذه المحبة، ومن ذلك قوله -صلوات الله عليه وسلم-: "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم". أيها الإخوة: المشاعر والعواطف والأحاسيس، الناس منها على طرفي نقيض -وللأسف!-، فهناك من يتعامل مع إخوانه بأسلوب عقلي جامد جاف، مجرد من المشاعر والعواطف، وهناك من يتعامل معهم بأسلوب عاطفي حساس رقيق، ربما وصل لدرجة العشق والإعجاب والتعلق بالأشخاص! والموازنة بين العقل والعاطفة يختلف بحسب الأحوال والأشخاص، وهو مطلب لا يستطيعه كل أحد، لكنه فضل الله يؤتيه من يشاء. السهم الحادي عشر: المداراة؛ فهل تحسن فن المداراة؟ وهل تعرف الفرق بين المداراة والمداهنة؟ روى الشيخان من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن رجلا استأذن على النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما رآه قال: "بئس أخو العشيرة! وبئس ابن العشيرة!" فلما جلس تطلَّق النبي -صلى الله عليه وسلم- في وجهه، وانبسط إليه. فلما انطلق الرجل قالت له عائشة: يا رسول الله، حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه، وانبسطت إليه؟! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا عائشة، متى عهدتيني فاحشا؟ إن شر الناس عند الله منزله يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره". هذا الحديث أصل في المداراة، وهي الرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله، وترك الإغلاظ عليه، حيث لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل, قال القرطبي: الفرق بين المداراة والمداهنة أن المداراة بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين، أو هما معا، وهي مباحة، وربما استحبت، والمداهنة ترك الدين لصلاح الدنيا. إذا؛ فالمداراة لِينُ الكلام، والبشاشة للفُسَّاق وأهل الفحش والبذاءة، أولاً اتقاء لفحشهم، وثانيا لعل في مداراتهم كسبا لهدايتهم، بشرط عدم المجاملة في الدين، إنما في أمور الدنيا فقط، وإلا انتقلت من المداراة إلى المداهنة، فهل تحسن فن المداراة بعد ذلك؟ كالتلطف، والاعتذار، والبشاشة، والثناء على الرجل بما هو فيه؛ لمصلحة شرعية. وقال ابن بطال: المداراة من أخلاق المؤمنين، وهي خفض الجناح للناس، ولِين الكلمة، وترك الإغلاظ لهم في القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة. إذا؛ هذه أسهم الصيد، فأحسن التسديد، وهي على سبيل المثال ما ذكرت منها وما أشرت إليه، وإلا فهي كثيرة. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية: الحمد لله حمد من شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إرغاما لمن جحد به وكفر، وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله سيد البشر، صلي الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه السادة الغرر، والتابعين لهم بإحسان ما طلعت الشمس واختفى القمر. أما بعد: عباد الله، فيجب أن نذكر أنفسنا دائما بأنه ليس مراد المسلم من حسن تعامله وأخلاقه الإحسان للناس فقط، ولا كسب القلوب، أو رضا المخلوقين، أو انتزاع صيحات الإعجاب والمدح والثناء منهم، فمن القبيح أن نتحلى بالأخلاق من أجل كسب القلوب فقط! بل الهدف -دائما- هو رضا الله، ورضا غيره يتبع رضاه. والله أنزل القرآن وأرسل الوحي اللذين منهما نستمد الأخلاق والآداب، ومن أرضى الله رضي الله عنه، وأرضى عنه الناس، فتقدير الناس وحبهم له حاصل بحرصه على رضا الله وإخلاص الأمر له، وقليلون أولئك الذين يحرصون على كسب القلوب لنشر المحبة والإخاء، وجمعها على حب الله، وكثير أولئك الذين يحرصون على كسب القلوب ومودة الآخرين من أجل مصالح الدنيا والشفاعات وتسهيل المهام، وهذا النوع من الكسب تبتذل فيه النفوس، ويذبح الحياء، وربما يباع الدين بالدنيا من أجله، نعوذ بالله من حال هؤلاء!. إخوة الإيمان: الأخلاق لا تُتَصنع، ففاقد الشيء لا يعطيه، وإن نجحت مرة أو مرتين فسرعان ما تسفر الأحداث والمواقف عن زيوف النفس وتصنعها، وما تخفيه من نوايا ومآرب وأغراض، أما كسب القلوب فمن أجل علام الغيوب؛ من عفو وصفح، ونفع، وصبر، وطلاقة وجه، وطيب كلام، ليصبح البعيد قريبا، والعدو صديقا، فيحبك الناس، ومن أحبه الناس ملك قلوبهم، وأثر في أفعالهم، وإلا فكيف نريد أن يقبل الناس منا وفي قلوبهم لنا جفوة، وفي نفوسهم نفرة؟. إنَّهُ لا يمكنُنا التأثيرُ على نفوس الناس أبداً وكسب قلوبهم إلَّا بِتَلَمُّسِ الخير فيهم، والحرص على مكارم الأخلاق معهم، فلْنملك القلوب لتحبنا القلوب، وحينها سترون النتيجة والتأثير، فإن مَن أحَبَّه الناسُ ملَكَ قلوبهم. وليس معنى هذا أن نترك النصح للآخرين والإنكار عليهم، ولا أن نجاملهم في معاصيهم وأخطائهم، ولكن الكلمة الطيبة صدقة: "ما كان الرفق في شيء قط إلا زانه"، وروي عنه -صلى الله عليه وسلم- قوله: "إنكم لن تسَعُوا الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه، وحسن الخلق". أيها المسلمون: قد لا يستطيع أحدنا أن يملك قلوب الناس بماله ولا بجاهه، وإن تملق الناس له وتصنعوا، فربما أن قلوبهم تمقته، بينما أنت -يا صاحب الأخلاق- تملك الناس بحسن الأخلاق، فيحبك الناس، ويرفعونك ويقدرونك، فقط: "وخالق الناس بخلق حسن". قال ابن المبارك: والخلق الحسن هو: بسط الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى. وقال الإمام أحمد: الخلق الحسن أن لا تغضب ولا تحتد. وقيل: حسن الخلق: بذل الندى، وكف الأذى، واحتمال الأذى. وقيل هو: بذل الجميل، وكف القبيح. وقيل: هو التخلي من الرذائل، والتحلي بالفضائل. ويكفي في هذا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "البر حسن الخلق". قال ابن القيم -رحمه الله-: "وهذا يدل على أن حسن الخلق هو الدين كله، وهو حقائق الإيمان، وشرائع الإسلام، ولهذا قابله بالإثم". فلنحرص على مكارم الأخلاق والتحلي بها، وذلك بالصبر، ومجاهدة النفس، وترويضها، هذا أولا. وثانيا: بصحبة الصالحين، والنظر في سيرهم وأخلاقهم. وثالثا: بمداومة القراءة والاطلاع في كتب الأخلاق، كـــ الأدب المفرد للبخاري، ومكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا وللخرائطي، وكتب الشمائل وأخلاق النبي -صلى الله عليه وسلم- كالشمائل للترمذي، وأخلاق النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرها كثير. رابعا: استعن بالله، وأكثر الدعاء والتضرع إليه قائلا: اللهم كما أحسَنْت خَلْقي فأحسن خُلُقي، كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهوال". وقال أيضا؛ بل وردد في كل وقت: "اللهم اهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اصرف عنى سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت"، فهذا أحسن الناس خلقا، والذي أثنى الله عليه فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4] لا يترك الدعاء والتضرع إليه أن يعينه على تهذيب نفسه، والتحلي بأحسن الأخلاق؛ فكيف بنا؟ فإنه لا حول لنا ولا قوة إلا بربنا. فلنحرص على التحلي بالأخلاق، "ومن يتصبَّرْ يصبره الله"، ولا بد أن نتبنه -ونحن نطالب الناس بمكارم الأخلاق- إلى أنهم بشر، ومهما جاهدوا فلا بد الهنات والغفلات، فلا نطالب بالمثاليات، خاصة في مثل هذه الأوقات، ولكن انظر إلى نفسك، وعامل الناس كما تحب أن يعاملوك. وما أجمل قول ابن تيمية -رحمه الله- حين ذكر قاعدة للتعامل مع الناس: والسعادة في معاملة الخلق: أن تعاملهم لله، فترجو الله فيهم، ولا ترجوهم في الله، وتخافه فيهم، ولا تخافهم في الله، وتحسن إليهم؛ رجاء ثواب الله، لا لمكافأتهم، وتكف عن ظلمهم؛ خوفا من الله، لا منهم، كما جاء في الأثر: "ارج الله في الناس ولا ترج الناس في الله، وخَف الله في الناس، ولا تخف الناس في الله"، أي: لا تفعل شيئا من أنواع العبادات والقرب لأجلهم، لا رجاء مدحهم، ولا خوفا من ذمهم، بل ارج الله، ولا تخفهم في الله فيما تأتي وما تذر، بل افعل ما أمرتَ به، وإن كرهوه!. اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها، لا يصرف سيئها إلا أنت، اللهم أصلح فساد قلوبنا، وارحم ضعفنا، وحسِّن أخلاقنا. اللهم إنا لأنفسنا ظالمون، ومن كثرة ذنوبنا خائفون، ولا يغفر الذنوب إلا أنت يا أرحم الراحمين، فاغفر إنك أنت الغفور الرحيم.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |