|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() شرح اسم الباطن الشيخ وحيد عبدالسلام بالي الدِّلالاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسْمِ (الْبَاطِنِ)[1]: البَاطِنُ اسْمُ فَاعِلٍ لمَنِ اتَّصَفَ بالبُطُونِ، والبُطُونُ خِلَافُ الظُّهُورِ، فِعْلُه بَطَنَ يَبْطُنُ بُطُونًا، والبَطْنُ مِنَ الإِنْسَانِ وسَائِرِ الحَيَوانِ خِلَافُ الظَهْرِ، والبَطْنُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ جَوْفُهُ، قَالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ﴾ [النحل: 78]، وقَالَ: ﴿ وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا ﴾ [الأنعام: 139]، والبُطُونُ أَيْضًا الخَفَاءُ والاحْتِجَابُ وعَدَمُ الظُّهُورِ، ومِنْهُ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ﴾ [الأنعام: 151]، وبَطْنُ الشَّيْءِ أَسَاسُهُ المحْتَجِبُ الذِي تَسْتَقِرُّ بِهِ وعَلَيهِ الأَشْيَاءُ، وعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ شَهْرًا فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي نَزَلْتُ فاسْتَبْطَنْتُ بَطْنَ الوَادِي فَنُودِيتُ، فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَلَمْ أَرَ أَحَدًا"[2]، وقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ ﴾ [الفتح: 24]، قَالَ ابنُ مَنْظُورٍ: "وذَلِكَ أَنَّ بني هَاشِمٍ وبني أُمَيَّةَ وَسَادَةَ قُرَيْشٍ نُزُولٌ بِبَطْنِ مَكَّةَ، ومَنْ كَانَ دُونهم فَهُمْ نُزُولٌ بِظَوَاهِرِ جِبَالِها"[3]. والبَاطِنُ سُبْحَانَهُ هو المحْتَجِبُ عَنْ أَبْصَارِ الخَلْقِ، الذِي لا يُرَى في الدُّنْيَا، ولا يُدْرَكُ في الآخِرَةِ، وفَرْقٌ بَيْنَ الرُّؤْيَةِ والإدْرَاكِ، فاللهُ عز وجل لا يُرَى في الدُّنْيَا، ويُرَى في الآخِرَةِ، أَمَّا الإدْرَاكُ فإنَّهُ لا يُدْرَكُ في الدُّنْيَا ولا في الآخِرَةِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا ﴾ [الشعراء: 61، 62]، فَمُوسَى نَفَى الإدْرَاكَ، ولَمْ يَنْفِ الرُّؤْيَةَ؛ لأنَّ الإدْرَاكَ هُوَ الإحَاطَةُ بالمدْرَكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، أَمَّا الرُّؤْيَةُ فَهِي أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ، فَكُلُّ إدْرَاكٍ يَشْمَلُ الرُّؤْيَةَ، ولَيْسَ كُلُّ رُؤْيَةٍ تَشْمَلُ الإدْرَاكَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 103][4]. واللهُ عز وجل بَاطِنٌ احْتَجَبَ بِذَاتِهِ عَنْ أَبْصَارِ النَّاظِرِينَ لحِكْمَةٍ أَرَادَها في الخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ، فَاللهُ يُرَى في الآخِرَةِ، ولا يُرَى في الدُّنْيَا؛ لأنَّهُ شَاءَ أَنْ تَقُومَ الخَلَائِقُ عَلَى مَعْنَى الابْتِلَاءِ، وَلَوْ رأَيْنَاهُ في الدُّنْيَا وانْكَشَفَ الحِجَابُ والغِطَاءُ لَتَعَطَّلَتْ حِكْمَةُ اللهِ في تَدْبِيرِهِ الأشْيَاءَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ﴾ [إبراهيم: 19]، فَالعِلَّةُ في احْتِجَابِهِ وعَدَمِ رُؤْيَتِهِ هِي الامْتِحَانُ والابْتِلَاءُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2]، ومِنْ هُنَا كَانَ البُطُونُ، ووضْعُ الغِطَاءِ عَلَى أَهْلِ الابْتِلَاءِ، أَوْ كَشْفُ الحِجَابِ عِنْدَ الانْتِقَالِ لِدَارِ الجَزَاءِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾ [ق: 22]، فَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ الإيمَانُ باللهِ ونَحْنُ نَرَاهُ؟ وكَيْفَ تَسْتَقِيمُ الشَّرَائِعُ في مُخَالَفَةِ الإنْسَانِ هَوَاهُ[5]؟ وإِذَا كَانَ اللهُ تَعَالَى لَا يُرَى في الدُّنْيَا ابْتِلَاءً، فإنَّهُ سُبْحَانَهُ يُرَى في الآخِرَةِ إكْرَامًا وجَزَاءً، إكْرَامًا لِأَهْلِ طَاعَتِهِ، وزِيَادَةً في النَّعِيمِ لِأَهْلِ مَحَبَّتِهِ، كَمَا قَالَ: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [القيامة: 22، 23]، وقَدْ تَوَاتَرَتِ الأَحَادِيثُ في إثْبَاتِ رُؤْيَةِ المؤْمِنِينَ لِرَبهِم يَومَ القِيَامَةِ، فَالْعِلَّةُ إذًا في احْتِجَابِهِ، وعَدَمِ إدْرَاكِ كَيْفِيَّةِ أَوْصَافِهِ لَيْسَتْ عَدَمُ وُجُودِها، ولا اسْتِحَالَةِ رُؤْيَةِ اللهِ تَعَالَى، ولَكِنَّ العِلَّةَ قُصُورُ الجِهَازِ الإدْرَاكِي في الحَيَاةِ الدُّنْيَا عَنْ إدْرَاكِ حَقَائِقِ الغَيْبِ؛ لأنَّ اللهَ عليه تعالى خَلَقَ الإنْسَانَ بِمَدَارِكَ مَحْدُودَةٍ لِتَحْقِيقِ مَعْنَى الابْتِلَاءِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [الإنسان: 2]، فَمِنَ الصَّعْبِ أَنْ يَرَى الإنْسَانُ مَا بَطَنَ مِنَ الغَيْبِيَّاتِ، أَوْ يَرَى كَيْفِيَّةَ الذَّاتِ والصِّفَاتِ، فَالشَّيْءُ لا يُرَى إلّا لِسَبَبَينِ: الأَوَّلُ خَفَاءُ المَرْئِي وهو مُمْتَنِعٌ في حَقِّ اللهِ، والثَّانِي ضَعْفُ الجِهَازِ الإدْرَاكِي للرَّائِي وهَذَا شَأْنُ الإنْسَانِ[6]. فَمِنَ الخَطَأِ البَحْثُ عَنْ كَيْفِيَّةِ الحَقَائِقِ الغَيْبِيَّةِ، أَوْ كَيْفِيَّةِ الذَّاتِ والصِّفَاتِ الإلَهِيَّةِ؛ لأنَّ اللهَ بَاطِنٌ احْتَجَبَ عَنْ خَلْقِهِ في عَالَمِ الشَّهَادَةِ بالنَّوَامِيسِ الكَوْنِيَّةِ، أَمَّا في الآخِرَةِ عِنْدَ لِقَائِهِ فَالأَمْرُ يَخْتَلِفُ؛ إذْ إِنَّ مُدْرَكَاتِ الإنْسَانِ ووَقْتَها تَتَغَيَّرُ بالكَيْفِيَّةِ التي تُنَاسِبُ أُمُورَ الآخِرَةِ وأَحْدَاثها، كَمَا ثَبَتَ في السُّنَّةِ أَنَّ الإنْسَانَ سَيَكُونُ عِنْدَ دُخُولِ الجَنَّةِ عَلَى صُورَةِ آدِمَ عليه السلام طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا[7]، واللهُ عز وجل مَعَ أنَّهُ البَاطِنُ الذِي احْتَجَبَ عَنْ أَبْصَارِ النَّاظِرِينَ لِجَلَالِهِ وحِكْمَتِهِ، وكَمَالِ عِزَّتِهِ وعَظَمَتِهِ، إلّا أَنَّ حَقِيقَةَ وُجُودِهِ، وكَمَالَ أَوْصَافِهِ نُورٌ يُضِيءُ بَصَائِرَ المؤْمِنِينَ، فَهُوَ القَرِيبُ المجِيبُ الذِي يَسْمَعُ الخَلَائِقَ أَجْمَعِينَ. وُرُودُهُ في القُرْآنِ الكَرِيمِ[8]: وَرَدَ مَرَّةً وَاحِدَةً في قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الحديد: 3]. مَعْنَى الاسْمِ في حَقِّ اللهِ تَعَالَى: تَقَدَّمَ في مَعْنَى اسْمِهِ (الظَّاهِرِ) قَوْلُ الفَرَّاءِ والزَّجَّاجِي. وقَالَ ابنُ جَرِيرٍ: "و (البَاطِنُ) يَقُولُ: وهو البَاطِنُ لِجَمِيعِ الأَشْيَاءِ، فَلَا شَيْءَ أَقْرَبُ إلى شَيْءٍ مِنْهُ، كَمَا قَالَ تعَالَى: ﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾ [ق: 16]"[9]. وقَالَ الزَّجَّاجُ: "(البَاطِنُ) هُوَ العَالِمُ بِبِطَانَةِ الشَّيْءِ، يُقَالُ: بَطَنْتُ فُلَانًا وخَبَرْتُهُ: إذا عَرَفْتَ بَاطِنَهُ وظَاهِرَهُ. واللهُ تَعَالَى عَارِفٌ بِبَوَاطِنِ الأُمُورِ وظَوَاهِرِها، فهو ذُو الظَّاهِرِ، وذُو البَاطِنِ"[10]. وقَالَ الخَطَّابِيُّ: "(البَاطِنُ) هو المُحْتَجِبُ عَنْ أَبْصَارِ الخَلْقِ، وهو الذِي لا يَسْتَوْلي عَلَيهِ تَوَهُّمُ الكَيْفِيَّةِ، وقَدْ يَكُونُ مَعْنَى الظُّهُورِ والبُطُونِ احْتِجَابُهُ عَنْ أَبْصَارِ النَّاظِرِينَ، وتَجَلِّيهِ لِبَصَائِرِ المُتَفَكِّرِينَ، ويَكُونُ مَعْنَاهُ: العَالِمُ بِمَا ظَهَرَ مِنَ الأُمُورِ، والمُطَّلِعُ عَلَى مَا بَطَنَ مِنَ الغُيُوبِ"[11]. وقَالَ الحُلَيْمِيُّ: "(البَاطِنُ) وهو الذِي لا يُحَسُّ، وإنَّمَا يُدْرَكُ بآثَارِهِ وأَفْعَالِهِ"[12]. ثَمَرَاتُ الإِيمَانِ بهذا الاسْمِ: 1- اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى أَعْظَمُ الغَيْبِ، مُحْتَجِبٌ عَنِ الخَلْقِ، لا يَرَاهُ أَحَدٌ في الدُّنْيَا، ولا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ في الآخِرَةِ[13]، ولا نُحِيطُ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلا بِمَا شَاءَ لَنَا أَنْ نَعْلَمَهُ عَنْهُ، مِمَّا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ في كِتَابِهِ، أَوْ مَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم. وَهُوَ سُبْحَانَهُ مَعَ ذَلِكَ ظَاهِرٌ لِخَلْقِهِ بِأَفْعَالِهِ وآيَاتِهِ المَتْلُوَّةِ والعَيَانِيَّةِ، فَمَنْ تَأَمَّلَ وتَفَكَّرَ في السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ ومَا فِيها، عَلِمَ عِلْمَ اليَقِينِ أنَّ لَهُ خَالِقًا مُدَبِّرًا ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 190، 191]. ولَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَالَ: فيا عَجَبًا كَيْفَ يُعْصَى الإِلَهُ ![]() وفي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ ![]() أَمْ كَيْفَ يَجْحَدُهُ الجَاحِدُ ![]() تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدُ ![]() وكَذَا الآيَاتُ المَتْلُوَّةُ وهي كِتَابُهُ؛ فإنَّها بِنَفْسِها تَدُلُّ عَلَى اللهِ تَعَالَى؛ لأنَّها لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ كَلَامِ البَشَرِ، لأنْوَاعِ الإعْجَازِ التي فِيها. 2- اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى هو العَلِيمُ بِبَوَاطِنِ الأمُورِ وظَوَاهِرِها، يَسْتَوِي عِنْدَهُ هَذَا وهَذَا ﴿ سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ﴾ [الرعد: 10]، فَيَسْتَوِي عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مَنْ هُوَ مُخْتَفٍ في قَعْرِ بَيْتِهِ في ظَلَامِ الليلِ، ومَنْ هُوَ سَائِرٌ في سَرْبِهِ (طرِيقِهِ) في بَيَاضِ النَّهَارِ وضِيَائِهِ. 3- فَسَّرَ بَعْضُ السَّلَفِ (البَاطِنَ) بِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلى كُلِّ شَيْءٍ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، كَمَا تَقَدَّمَ في كَلَامِ ابنِ جَرِيرٍ والنَّحَّاسِ. وحَكَى شَيْخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَةَ رحمه الله - كَمَا في فَتَاوِيهِ - عَنِ مُقَاتِلِ بنِ سُلَيْمَانَ أنَّهُ فَسَّرَه كَذَلِكَ، فَقَالَ نَاقِلًا عَنْهُ: "و (البَاطِنُ) أَقْرَبُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وإنَّمَا نَعْنِي بالقُرْبِ بِعِلْمِهِ وقُدْرَتِهِ وهو فَوْقَ عَرْشِهِ". فَضَعْفُ هَذَا القَوْلِ بِكَوْنِهِ لَيْسَ مَشْهُورًا عَنْ مُقَاتِلٍ، وأَنَّهُ فَسَّرَ البَاطِنَ بالقَرِيبِ، ثَمَّ فَسَّرَ القُرْبَ بالْعِلْمِ والقُدْرَةِ ولا حَاجَةَ إلى هَذَا. ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ مَعْنَى (البَاطِنِ) أَنَّهُ القُرْبُ، ولا لَفْظُ (البَاطِنِ) يَدُلُّ عَلَيهِ، ولَا لَفْظُ القُرْبِ في الكِتَابِ والسُّنَّةِ عَلَى جِهَةِ العُمُومِ كَلَفْظِ المَعِيَّةِ، فَإنَّهُ إذَا قَالَ: هَذَا مَعَ هَذَا فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ المُجَامَعَةَ والمُقَارَنَةَ والمُصَاحَبَةَ، ولا يَدُلُّ عَلَى قُرْبِ إحْدَى الذَّاتَينِ مِنَ الأخْرَى ولا اخْتِلَاطِها بِها، فَلِهَذَا كَانَ إذا قِيلَ: هو مَعَهم، دَلَّ عَلَى أَنَّ عِلْمَهُ وقُدْرَتَهُ وسُلْطَانَهُ مُحِيطٌ بِهم وهو مَعَ ذَلِكَ فَوْقَ عَرْشِهِ كَمَا أَخْبَرَ القُرْآنُ والسُّنَّةُ بِهَذَا، قَالَ تَعَالَى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾ [الحديد: 4]، فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ مَعَ عُلُوِّهِ عَلَى عَرْشِهِ يَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ، فَلَا يَمْنَعُهُ عُلُوُّهُ عَنِ الْعِلْمِ بِجَمِيعِ الأَشْيَاءِ. ولَمْ يَأْتِ في لَفْظِ "القُرْبِ" مِثْلُ ذَلِكَ، أَنَّهُ قَالَ: هُوَ فَوْقَ عَرْشِهِ وهُوَ قَرِيبٌ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، بَلْ قَالَ: ﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 56]، وقَالَ: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة: 186]، وقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّكم لا تَدْعُونَ أَصَمَّ ولا غَائِبًا، إنَّ الذِي تَدْعُونَهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ". قَالَ: ولا يُقَالُ في هَذَا: قَرِيبٌ بِعِلْمِهِ وقُدْرَتِهِ، فَإِنَّهُ عَالِمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَهُم لَمْ يَشُكُّوا في ذَلِكَ، ولَمْ يَسْأَلُوا عَنْهُ، وإنَّمَا سَأَلُوا عَنْ قُرْبِهِ إلى مَنْ يَدْعُوهُ ويُنَاجِيهِ، ولِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾؛ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ. وطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ تُفَسِّرُ (القُرْبَ) في الآيَةِ والحَدِيثِ بالْعِلْمِ لِكَوْنِهِ هُوَ المَقْصُودُ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ يَعْلَمُ ويَسْمَعُ دُعَاءَ الدَّاعِي حَصَلَ مَقْصُودُهُ، وهَذَا هُوَ الذِي اقْتَضَى أَنْ يَقُولَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ بِمَعْنَى الْعِلْمِ والقُدْرَةِ، فَإنَّ هَذَا قَدْ قَالَهُ بَعْضُ السَّلَفِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ مُقَاتِلِ بنِ حَيَّانَ، وكَثِيرٍ مِنَ الخَلَفِ، لَكِنْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهم إنَّ نَفْسَ ذَاتِهِ قَرِيبَةٌ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وهَذَا المَعْنَى يُقِرُّ بِهِ جَمِيعُ المُسْلِمِينَ، مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ فَوْقَ العَرْشِ، ومَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ لَيْسَ فَوْقَ العَرْشِ[14]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |