| 
 
02-12-2020, 07:06 PM
 | 
| 
|  | قلم ذهبي مميز |  | 
تاريخ التسجيل: Feb 2019 مكان الإقامة: مصر الجنس :   
المشاركات: 164,800
 
الدولة :        |  | 
| 
 يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا 
 
  			 				 					يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا 		
 
 عن   أبي ذر الغفاري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه  عن  ربِه عز وجل أنه قال : ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته  بينكم  محرما فلا تظالموا ، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته ، فاستهدوني  أهدكم ،  يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته ، فاستطعموني أُطعمكم ، يا  عبادي كلكم  عار إلا من كسوته ، فاستكسوني أكسكم ، يا عبادي إنكم تخطئون  بالليلِ  والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم ، يا عبادي  إِنكم لن  تبلغوا ضري فتضروني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ، يا عبادي لو  أن أولكم  وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد  ذلك في ملكي  شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على  أفجرِ قلب واحد  منكم ما نقص من ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم  وإنسكم وجنكم  قاموا في صعيد واحد فسألوني ، فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص  ذلك مما عندي  إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ، يا عِبادي إنما هي  أعمالكم أحصيها  لكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد  غير ذلك فلا  يلومن إلا نفسه ) رواه مسلم .
 
 لقد بدأ الحديث بإرساء قواعد العدل في النفوس ، وتحريم الظلم والعدوان ،   يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه : ( يا عبادي إني حرمت   الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ) ، وحقيقة الظلم : وضع   الشيء في غير موضعه ، وهذا مناف لكمال الله تعالى وعدله ، فلذلك نزّه الله   تعالى نفسه عن الظلم فقال : { وما أنا بظلام للعبيد } ( ق : 29 ) ، وقال   أيضا : { وما الله يريد ظلما للعباد } ( غافر : 31 ) .
 
 ولئن كان الله تعالى قد حرّم الظلم على نفسه ، فقد حرّمه على عباده ،   وحذّرهم أن يقعوا فيه ؛ وما ذلك إلا لعواقبه الوخيمة على الأمم ، وآثاره   المدمرة على المجتمعات ، وما ظهر الظلم بين قوم إلا كان سببا في هلاكهم ،   وتعجيل العقوبة عليهم ، كما قال سبحانه في كتابه العزيز : { وكذلك أخذ ربك   إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد } ( هود : 102 ) ، ومن ثمّ  كانت  دعوة المظلوم عظيمة الشأن عند الله ، فإن أبواب السماء تفتح لها ،  ويرفعها  الله فوق الغمام يوم القيامة ، بل إنه سبحانه وتعالى يقول لها (  وعزتي  لأنصرنك ولو بعد حين ) كما صح بذلك الحديث .
 
 ثم انتقل الحديث إلى بيان مظاهر افتقار الخلق إلى ربهم وحاجتهم إليه ،   وذلك في قوله : ( يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته ، فاستهدوني أهدكم ، يا   عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته ، فاستطعموني أُطعمكم ، يا عبادي كلكم عار   إلا من كسوته ، فاستكسوني أكسكم ) ، فبيّن أن الخليقة كلها ليس بيدها من   الأمر شيء ، ولا تملك لنفسها و لا لغيرها حولا ولا قوة ، سواءٌ أكان ذلك في   أمور معاشها أم معادها ، وقد خاطبنا القرآن بمثل رائع يجسّد هذه الحقيقة ،   حيث قال : { يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون   الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه   منه ضعف الطالب والمطلوب } ( الحج : 73 ) أي : إذا أخذ الذباب شيئا من   طعامهم ثم طار ، وحاولوا بكل عدتهم وعتادهم أن يخلصوا هذا الطعام منه ما   استطاعوا أبدا ، فإذا كان الخلق بمثل هذا الضعف والافتقار ، لزمهم أن   يعتمدوا على الله في أمور دنياهم وآخرتهم ، وأن يفتقروا إليه في أمر معاشهم   ومعادهم .
 
 وليس افتقار العباد إلى ربهم مقصورا على الطعام والكساء ونحوهما ، بل يشمل   الافتقار إلى هداية الله جل وعلا ، ولهذا يدعو المسلم في كل ركعة بـ : {   اهدنا الصراط المستقيم } ( الفاتحة : 6 ) .
 
 ثم بيّن الله تعالى بعد ذلك حقيقة ابن آدم المجبولة على الخطأ ، فقال : (   يا عبادي إنكم تخطئون بالليلِ والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا ،   فاستغفروني أغفر لكم ) ، إنه توضيح للضعف البشري ، والقصور الذي يعتري   الإنسان بين الحين والآخر ، فيقارف الذنب تارة ، ويندم تارة أخرى ، وهذه   الحقيقة قد أشير إليها في أحاديث أخرى ، منها : ما رواه الإمام ابن ماجة   بسند حسن ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كل بني آدم خطاء ، وخير   الخطائين التوابون ) ، فإذا كان الأمر كذلك فإن على الإنسان المسلم أن   يتعهّد نفسه بالتوبة ، فيقلع عن ذنبه ، ويستغفر من معصيته ، ويندم على ما   فرّط في جنب الله ، ثم يوظّف هذا الندم الذي يصيبه بأن يعزم على عدم تكرار   هذا الذنب ، فإذا قُدّر عليه الوقوع في الذنب مرة أخرى ، جدد التوبة  والعهد  ولم ييأس ، ثقةً منه بأن له ربا يغفر الذنب ويقبل التوبة من عباده   المخطئين .
 
 ثم بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربّه - شيئا من   مظاهر الكمال الذي يتصف به الله جل وعلا ، مبتدئا بالإشارة إلى استغناء   الله عن خلقه وعدم احتياجه لهم ، كما قال تعالى : { يا أيها الناس أنتم   الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد } ( فاطر : 15 ) ، فالله تعالى غني   حميد ، لا تنفعه طاعة عباده ، ولا تضره معصيتهم ، بل لو آمن من في الأرض   جميعا ، وبلغوا أعلى مراتب الإيمان والتقوى ، لم يزد ذلك في ملك الله شيئا  ،  ولو كفروا جميعا ، ما نقص من ملكه شيئا ، لأن الله سبحانه وتعالى مستغن   بذاته عن خلقه ، وإنما يعود أثر الطاعة أو المعصية على العبد نفسه ، وقد   جاء في القرآن الكريم ما يؤكد هذه الحقيقة ويوضحها ، قال الله عزوجل : {  قد  جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها } ( الأنعام : 104  ) ،  فمن عرف حجج الله وآمن بها واتبعها ، فقد بلغ الخير لنفسه ، ومن  تعامى عن  معرفة الحق ، وآثر عليها ظلمات الغواية ، فعلى نفسه جنى ،  وأوردها الردى .
 
 وبالرغم من ذلك فإن نعم الله سبحانه مبثوثة للطائع والعاصي على السواء ،   دون أن يجعل تلك المعاصي مانعا لهذا العطاء ، وهذا من كرم الله تعالى وجوده   ، وهي أيضا مظهر من مظاهر سعة ملك الله تعالى ، فإن الله لو أعطى جميع   الخلق ما يرغبون ، لم ينقص ذلك من ملكه شيئا يُذكر.
 
 ولما كانت الحكمة من الخلق هي الابتلاء والتكليف ، بيّن سبحانه أن العباد   محاسبون على أعمالهم ، ومسؤولون عن تصرفاتهم ، فقد جعل الله لهم الدنيا   دارا يزرعون فيها ، وجعل لهم الآخرة دارا يجنون فيها ما زرعوه ، فإذا رأى   العبد في صحيفته ما يسرّه ، فليعلم أن هذا محض فضل الله ومنّته ، إذ لولا   الله تعالى لما قام هذا العبد بما قام به من عمل صالح ، وإن كانت الأخرى ،   فعلى نفسها جنت براقش ، ولا يلومنّ العبد إلا نفسه.
 
 
 منقول
 
 
 
 
__________________  سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك  فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى. 
 |