حواز القلوب

[ابوالوليد المسلم]

حواز القلوب


علي بن حسين بن أحمد فقيهي





بوح القلم


(تأملات في النفس والكون والواقع والحياة)






• ثبت بالنصِّ والعقل، والحسِّ والتجرِبة: أن القلب - كما هو الحال في الجسد - تصيبه الأمراض والعِلل، والأسقامُ والآفات.



• تختلف تلك الأمراضُ والأسقام ما بين آفاتٍ تتعلَّق بالذَّات؛ كالعُجب والغرور، والكِبر والخيلاء، أو ترتبط بالآخرين؛ كالحقد والحسد، والغلِّ والغش، أو تعتري الأمَّة؛ كالضعف والخَوَر، والعجز والوهن.



• تبرُز هذه الأدواء مع تجدُّد الأحداث، وتنوُّع المناسبات؛ كتولِّي منصبٍ، أو تحصيل درجةٍ، أو ظهور نعمة، أو وقوع مصيبة، أو حُدُوث مشكلةٍ، فهذا يهجُر أهلَه لسنواتٍ، وذاك يفارق زوجتَه على فراش الموت، وثالثٌ يفري في مخالفيه بالثَّلب والعيب، وآخرون أثقلت كواهلَهم، وأرهقت قلوبَهم الأدرانُ التي توارثَتْها الأجيالُ كابرًا عن كابر، وخلفًا عن سَلَف.



• يحرص الكثير على العبادات الظاهرة؛ من صلاةٍ وصيام، وصدقة واعتكاف، وحجٍّ وزيارة؛ من أجل تزكية النفس، وتنقية الذَّات، وتصفية الفؤاد، ولكن سرعان ما تتكشَّف خبايا القلوب، وخفايا النفوس بمجرد انتهاء العبادة، والخروج من الطاعة.



• نسعى دائمًا لتلميع صورنا، وتزويق شخصيتِنا، وتجميل مظاهرِنا، ولكننا غفَلْنا أو جهلنا أن صورتنا الحقيقية، وشخصيتَنا الواقعية هي ما تُظهِره أعمالُنا، وتُبرِزه أفعالُنا؛ انعكاسًا لمكنونات البواطن، وإفرازًا لكوامن الضَّمائر.



• للأدواء القلبية بعضٌ من الآثار المحسوسة والملموسة؛ ومنها:

1- النرجسيَّة والاستعلاء، والكِبر والغرور.

2- تنقُّص وازدراء الآخرين، وخاصة الناجحين والبارزين.

3- الحقد والحسد، والغل والضغينة لكل ذي نعمة.

4- افتعال المشكلات والخصومات لأتْفَه الأسباب.

5- ضعف التعبُّد بالأعمال القلبية.

6- الإعراض عن النصيحة والموعظة، واعتبارها نوعًا من النقد الجارح، واللوم المؤذي.

7- الهمُّ والغم، والقلق والاضطراب بسبب الاشتغال بالآخرين، والسعي لطلب رضاهم، أو الإضرار بهم.

8- تأثير الأحوال القلبية، والخلفيَّات الذهنية على العلاقات والتعاملات الشخصية، والمجتمعية، والإنسانية.

9- تسويغ وتبرير جميع الأساليب المحظورة والممنوعة في سبيل تحقيق الأغراض والمنافع الذاتية.

10- اعتبار الآفات والأخلاق السيئة نوعًا من الشطارة والفطنة، والذكاء والدهاء، في حين يُعَيَّر المتمسك بالأخلاق الحميدة بالغفلة والضعف، والبلادة والسذاجة.



• تختلف درجةُ الإحساس والشعور بمثل هذه المشكلة والمعضلة بين من لا يشعر بها أصلًا، ومن يغالط نفسَه ويكابر، ومن يبرِّر ويسوِّغ، ومن يحاول ويجاهد، ومن يغلب ويغالب.




• علينا كمربِّين ومصلحين الاجتهادُ في تصفية النفس، وتنقية الذَّات، وتربية الأسرة والمجتمع على الأخذ بمحاسن الأخلاق والأقوال، والأعمال الظاهرة والباطنة، والحيطة والحذر من مساوئها وسفسافها.



• ومضة: عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا ينظر إلى أجسادكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم))، وأشار بأصابعه إلى صدره؛ رواه مسلم.