|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() ترك الذنوب والمعاصي أ. عبدالعزيز بن أحمد الغامدي الخطبة الأولى أما بعد - عباد الله - فقد أمرنا الله بالطاعة والعبادة، ونهانا عن المعاصي والذنوب، وقد دلَّ القرآن والسنة وإجماع الصحابة والأئمة على أن الذنوب ليست على درجة واحدة من العصيان؛ وإنما تنقسم إلى كبائر وصغائر، قال الله تعالى: ﴿ إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيما ﴾ [النساء: 31]. وهذه الذنوب قَدَر واقع لا بد منه؛ لأن الأرض مليئة بأسباب توقع في هذه الذنوب، فهناك شياطين الجنّ الذين لا همَّ لهم إلا غوايةُ البشر والقعودُ لهم بكل صراط، وهناك النفسُ الأمارة بالسوء، وهناك الهوى المضلُّ عن سبيل الله؛ الذي ينتهي بالإنسان إلى أنواع المهالك، وهناك شياطين الإنس الذين يميلون بالناس إلى الشهوات ميلاً عظيماً؛ ويُوعدون ويصدّون عن سبيل الله من آمن؛ يبغونها عوجاً. وهذه الذنوب هي أمراضٌ ناتجة من أمراض معنوية، ونحن معها بحاجة إلى بذل الجهد في الوقاية والعلاج، وحال أمراض الذنوب كالأمراض الحسية في أنها واقع مقدر ينبغي أن نتخذ الحيطة والحذر منها بالوقاية منها واجتناب أسبابها، وإذا ما مرضنا لم نستسلمْ للمرض، بل نكافحُه بالعلاج والتداوي؛ هذا مع أننا نعلمُ أن السلامة من المرض أمر مستحيل، وهذا العلم اليقيني بحقيقة المرض ووقوعه لا يمنعنا من الاجتهاد في علاجه؛ بل واتقاء وقوعه. وكما يمكن الاحتياط للوقاية من الأمراض الحسية وعلاجها إذا وقعت، كذلك يمكن الاحتياط للوقاية من الأمراض المعنوية المسببة للذنوب؛ وعلاجها إذا وقعت. وكما أن المرض الحسي إذا ترك بدون علاج تفاقم وأهلك البدن، كذلك الشأنُ في أمراض الذنوب إذا تركت بدون علاج تتفاقم وتهلك الروح، وهلاك الروح أشد من هلاك البدن، إذ النجاة يوم الدين مترتبة على سلامة الروح لا على سلامة البدن، قال الله تعالى: ﴿ يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم ﴾[الشعراء: 88-89]، وعلى هذا فلا بد إذن من التوقي من الذنوب وعلاجها إذا وقعت وعدم الاستسلام لها. والشرع حين يذكر أن الذنب حقيقة مقدرة على البشر، لا يفوته أن يذكر فضل المدافعين له والمتحامين منه، يقول عليه الصلاة والسلام: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) رواه الترمذي وحسنه الألباني. أيها الإخوة الكرام، إن الوقوع في المعصية صغيرة كانت أم كبيرة لا يعني الاستسلام، فالعبد إذا عصى أظلم قلبُه وتكدرت نفسه، وهذه فرصة للإقبال على الطاعة بصدق وندم، حيث يكون القلب منكسراً مخبتاً، فإحداث الطاعات في هذه اللحظات طريق العفو والرجوع إلى الله والقرب منه، وشعور العبد بحاجته إليه في العفو والمغفرة والتوبة مما يورث الخشوع في العبادة والتطلع إلى الرحمة والذلة والمسكنة لله - تعالى -، وهذا ما يريده الله من عبده؛ ويُرضيه عنه؛ ويوجبُ له العفو والقبول. ودائماً ما يخطئ العصاة عندما يقعون في الذنب فيستسلمون للشيطان بعدها، فيتركون الطاعات المفروضة والنوافل المستحبة بدعوى أنهم عصاة، وأن الله لن ينظر إليهم، وأنهم إن قاموا بالطاعة وهم عصاة لبسوا لباس المنافقين، فالشيطان بهذه الطريقة يُحكِم قبضتَه عليهم، فهو الذي أوقعهم في المعصية أولاً؛ ثم أوقعهم في اليأس وإهمال الطاعة ثانياً. والعقل والحكمة والشرع - عباد الله - أن ينتبه الإنسان إذا عصى ربه ألا يزيد فوق ذلك جرما بالإعراض عن الله وطاعته، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُون ﴾ [الأعراف: 201]، فالمؤمن إذا زلّ تذكر عقابَ الله وثوابَه؛ فتاب وأناب ورجع، فإذا هو أصح مما كان، فلا يدع للشيطان فرصة أسره. ليتخيل العاصي عدواً أمامه طرحه أرضاً، هل يستسلمُ له ويمدّ له يديه ورجليه ليضع فيهما القيد ليكون أسيراً عنده؛ وفيه بقية قوة يقدر أن يدفعه بها، أم أنه يحاول الخروج من تلك الأزمة بمعاودة الهجوم على عدوه أو الفرار منه؟! إّن فالخسارة الكبرى والهزيمة العظمى في الحرب مع الشيطان هي الاستسلام له، وأما سبيل الانتصار عليه وعلى النفس الأمارة بالسوء فهو فعل الطاعات والتوبة؛ والفرار إلى الله؛ وعدم اليأس. وهذا منهج نبوي، يمنح العاصين الفرصة للعودة مرة أخرى إلى رحاب الطاعة، ويغلق دونهم أبواب اليأس، ويزرع الأمل في نفوسهم. عن أبي بكر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (ما من عبد يذنب ذنباً؛ فيتوضأ فيحسن الطهور؛ ثم يقوم فيصلي ركعتين؛ ثم يستغفر الله بذلك الذنب إلا غفرَ الله له) رواه الإمام أحمد بسند صحيح. اللهم اجعلنا من المنيبين المستغفرين الطائعين..... الخطبة الثانية إخوة الإيمان، وكما أن الجسدَ الصحيح يقضي على الجراثيم التي تهاجمه بما فيه من مقاومة طبيعية سببها الغذاء الصحيح والجسم السليم؛ ربما دون الحاجة إلى الدواء، فالطهارة والصلاة والصيام والحج تغفر الذنوب تباعاً، يقول عليه الصلاة والسلام: (الصلوات الخمس؛ والجمعة إلى الجمعة؛ ورمضان إلى رمضان؛ مكفرات لما بينهن؛ إذا اجتنبت الكبائر) رواه مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه. فهذه الفرائض تغفر الذنوب الصغائر، أما الكبائر فلا بد لها من توبة خاصة أو حسناتٍ كبيرة عظيمة؛ لأن فيها الوعيد الشديد، ومثل الكبائر كمثل الأمراض المزمنة الصعبة قد لا يكفي في علاجها الحرص على الوقاية والحمية والغذاء السليم، فلا بد من تدخل خارجي ومدد يستعين به الجسم في مكافحة المرض، وكذا الكبائر لا بد لها بالإضافة إلى المحافظة على الفرائض من توبة واستغفار وحسنات عظيمة وخاصة تلك الحسنات التي فيها خدمة الإسلام ونفع المسلمين. ولا يعني هذا التهاون بالصغائر، فإن الصغائر مع كونها صغائر إلا أنها إذا اجتمعت على الإنسان أهلكته، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إياكم ومحقرات الذنوب، فإن مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن وادٍ؛ فجاء ذا بعود؛ وجاء ذا بعود؛ حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه) رواه الإمام أحمد بسند صحيح. قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ العَامِلِين ﴾ (آل عمران: 135-136). اللهم اغفر لنا وتب علينا، واهدنا ويسر الهدى لنا.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |