|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() قصة عاد في القرآن أ. عبدالعزيز بن أحمد الغامدي الخطبة الأولى أما بعد: فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى؛ فتقوى الله تُستجلَبُ بها النعم، وبالبُعد عنها تحلُّ النِّقم. عباد الله: لقد خلق اللهُ الخلقَ ليعبدوه وحده؛ فيمتثلوا أوامره ويجتنبوا مناهيه، ويؤدوا حقوق عباده بإقامة العدل بينهم والإحسان إليهم، والابتعاد عن ظُلمهم والبغي عليهم. والله سبحانه في كتابه الكريم يأمر وينهى، ويُرغِّبُ ويُرهِّب، ويقُصُّ أحسنَ القصص للعِظة والاعتبار، وسنَّتُه تعالى فيمن عصَى وطغَى من الأمم الخالية والحاضرة والآتية لا تتحوَّل ولا تتبدَّل، قال جل وعلا: ﴿ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا ﴾ [الأحزاب: 62]. ولقد قصَّ الله في كتابه خبرَ أمةٍ لم يُرَ مثلُها في القوة والاستكبار والبطش والظلم، سُمِّيت سورةٌ في القرآن باسم نبيِّها: هود، وسُمِّيت سورةٌ أخرى باسم مكانهم: الأحقاف. وقد ذكر الله خبرَهم في مواضعَ عِدَّةٍ من كتابه؛ ليَعْتَبِرَ بمصرعِهم المؤمنون. كانوا أعظمَ أهل زمانهم خَلْقًا، وأطولَهم أبدانًا، وأشدَّهم بطشًا، قال الله عزّ وجلّ: ﴿ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً ﴾ [الأعراف: 69]. بل لم يخلُق اللهُ مثلَ قوتهم في البلاد؛ قال سبحانه عنهم: ﴿ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ ﴾ [الفجر: 8]. قال الإمام البغوي رحمه الله: (أي: لم يُخلَق مثلُ تلك القبيلة في الطول والقوة). كانت مساكنُهم عظيمةً جدا، ذواتَ أعمِدةٍ ضِخامٍ وبُنيانٍ شاهق: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ ﴾ [الفجر: 6، 7]. أترَفوا أنفسَهم في مساكنهم، فكانوا يبنُون في كل مكانٍ مُرتفِعٍ بُنيانًا مُحكَمًا باهرًا هائلاً، يفعلون ذلك عبثًا لا للحاجة إليها؛ بل لمُجرَّد اللهو وإظهار القوة والمُفاخَرة، فأنكر عليهم نبيُّهم ذلك: ﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ ﴾ [الشعراء: 128]؛ لأنه تضييعٌ للزمان، وإجهادٌ للأبدان في غير فائدة، وإشغالٌ بما لا يُجدِي لا في الدنيا ولا في الآخرة، ومظهر عُجْبٍ وكبرياء. واتخذوا لهم بروجًا مُشيَّدةً ليُخلَّدوا في الدنيا بزعمهم، قال سبحانه: ﴿ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ﴾ [الشعراء: 129]، فكانوا يبنون ما لا يسكُنون، ويُؤمِّلون ما لا يُدرِكون. فتحَ الله عليهم أبوابَ رزقِهِ؛ فزادَت أموالُهم؛ وكثُرت أبناؤُهم؛ وأنبتَ الله لهم الزروعَ؛ وفجَّر لهم العيون، قال لهم نبيُّهم مذكرا لهم بنعم الله عليهم: ﴿ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾ [الشعراء: 133، 134]. وأمرَهم أن يتذكَّروا نعمَ الله فيشكروا الله ليفوزوا برِضاه؛ وسعادة الدنيا والآخرة: ﴿ فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 69]. فقابَلوا نعمَ الله بالجُحود والنُّكران، وعبَدوا الأصنام، وهم أولُ من عبدَها بعد الطوفان: ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ ﴾ [الأعراف: 69]. دعاهم هودٌ - عليه السلام - إلى عبادة الله وحده ونبذ الأوثان: ﴿ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [الأعراف: 65]. فاستخفُّوا بنبيِّهم ورمَوه بالجُنون، وقالوا له: ﴿ إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ ﴾ - أي: أصابكَ - ﴿ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ﴾ [هود: 54] أي: بجنونٍ في عقلك، وسخِروا منه وقالوا: ﴿ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ ﴾ [الأعراف: 66]، وصارَحوه بكفرهم وعنادهم؛ وقالوا له: ﴿ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [هود: 53]، وردُّوا دعوتَه واستكبَروا عنها، وقالوا: ﴿ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ ﴾ [الشعراء: 136]. وزادوا في الطغيان فقالوا: ﴿ إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأَوَّلِينَ ﴾ [الشعراء: 137] أي: سنبقى على عبادة الأصنام. وأبَوا أن يتَّبِعوا رسولَهم تكبُّرًا منهم؛ فقالوا: ﴿ مَا هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ﴾ [المؤمنون: 33]. ولِغرورهم يُريدون أن يكون رسولُهم من الملائكة، فقالوا: ﴿ لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ﴾ [فصلت: 14]. وأنكرُوا البعثَ والنشور، وقال بعضُهم لبعضٍ: ﴿ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ ﴾ [المؤمنون: 35]، بل استبعَدوا يوم الحشر والنشور فقالوا: ﴿ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ ﴾ [المؤمنون: 36] أي: بعيدٌ بعيدٌ وقوعُ ذلك. وظلَموا ضعفاءهم؛ بغِلظتهم وجبروتهم، قال سبحانه: ﴿ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ﴾ [الشعراء: 130]. لم يقوموا بحق الخالق ولا المخلوق؛ تكبرًا على الله؛ وتجبُّرًا على عباد الله: ﴿ وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ [هود: 59]. والله - عز وجل - يُملِي للظالم، وإذا أخذَه لم يُفلِته. سخِروا من نبيِّهم وبما دعاهم إليه، وقالوا له: ﴿ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا ﴾ [الأحقاف: 22] أي: من العذاب ﴿ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾. فاستدرَجهم الله من حيث لا يعلمون، وأمسكَ عنهم القطرَ فأجدبَت الأرضُ، فساقَ الله سحابةً لما رأوها مُستقبِلةً أودِيَتِهم استبشَروا وقالوا: ﴿ هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ﴾ [الأحقاف: 24] قال الله: ﴿ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ ﴾ أي: من العذاب ﴿ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ سلَّطها عليهم سبعَ ليالٍ وثمانيةَ أيامٍ حُسُومًا دائمةً لم تنقطِع لحظةً، وكانت ريحًا عقيمةً لا خير فيها ولا بركة، لا تُلقِّح شجرًا ولا تَحمِلُ مطرًا، صرصرًا باردةً شديدةً، لمسيرها صوتٌ قويٌّ مُفزِعٌ، ﴿ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا ﴾ [الأحقاف: 25]، ﴿ مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ﴾ [الذاريات: 42] فأهلكَته. تحمِلُ الرجلَ منهم عاليًا ثم تُنكِّسُه على رأسه فينقطِع عن جسده، فتراهم ﴿ صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ﴾ [الحاقة: 7] بلا رُؤوسٍ، فبادُوا عن آخرهم ولم تبقَ لهم باقية، ﴿ فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلا مَسَاكِنُهُمْ ﴾ [الأحقاف: 25]، وأتبعَهم الله في هذه الدنيا لعنةً ويوم القيامة، وجعلَهم عبرةً لمن بعدَهم، قال سبحانه: ﴿ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ ﴾ [فصلت: 16]. نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة نبيه، أقول ما سمعتم... الخطبة الثانية عباد الله، اللهُ قويٌّ لا يُقهَر، عزيزٌ لا يُغلَب، كبيرٌ مُتعالٍ، وما يعلمُ جنودَ ربك إلا هو، أمرُه كلمح البصر أو هو أقرب. استكبرَ قومُ عادٍ؛ وقالوا: ﴿ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ﴾ [فصلت: 15] فأهلكَهم الله بالهواء. والله للظالم بالمِرصاد لا يغفُل عنه؛ بل يستدرِجُه ثم يُهلِكُه، ﴿ فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا ﴾ [مريم: 84]. وطلبُ النصرِ من الله نهجُ المُرسلين وأتباعهم؛ هودٌ - عليه السلام - استُضعِف من قومه، فقال: ﴿ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ ﴾ [المؤمنون: 26]، فنصَرَه الله بريحٍ لا تُرى. والتوكُّل على الله سبيلُ النصر، قومُ عادٍ أشدَّاء أقوياء؛ ولا طاقة لهودٍ - عليه السلام - بقوتهم، ففوَّض أمرَه إلى الله؛ وقال لهم: ﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ﴾ [هود: 56]، فدمَّرَهم الله. وحسبُنا الله ونِعم الوكيل قالَها الخليلان في الشدائد. والاستغفارُ والتوبةُ من أسباب القوة والأمن والرخاء، قال هودٌ - عليه السلام - لقومه: ﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ ﴾ [هود: 52]. والنصرُ للمؤمنين قد يتأخَّرُ لحكمةٍ من الله، ولكنه لا يتخلف أبدًا، قال - عز وجل -: ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم: 47]. وقوةُ الخلق لا تمنعُ من عذاب الله، قال سبحانه: ﴿ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾ [الرعد: 11]. والنصر مع الصبر، واليُسر مع العُسر، وإذا اشتدَّ الكربُ لاحَ الفرَجُ،﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ ﴾ [يوسف: 111]. إخوة الإيمان: أنصحُ الناسِ للناس من دعا إلى عبادة الله وحده والإخلاصِ له ومتابعةِ رسلِه، والله سبحانه مُطَّلعٌ على عباده رقيبٌ عليهم، من كفرَ به أذلَّه، ومن لم يشكُر نعمَه سلبَها منه، ومن تسلَّط على عباده قصَمَه، وإذا زادَ الطاغي من طُغيانه فهو أمارةُ هلاكه، قال - عز وجل -: ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾ [الإسراء: 16]. اللهم أهلك الطغاة المفسدين المجرمين... اختصار ومراجعة: الأستاذ عبدالعزيز بن أحمد الغامدي
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |