|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الانتماء وحب الأوطان الشيخ حسين شعبان وهدان الحمد لله فالقِ الحبِّ والنَّوى، سبحانه هو العالم بكل قلبٍ وما نوى، يعلم السرَّ وأخفى، له آياتُ كمالٍ وإبداعٍ في الكون شاهداتٌ، ودلائلُ على خلقه بالقدرةِ ناطقاتٌ، نحمدُهُ على فضله وآلائِهِ ونسأَلُهُ المَنَّ من كُنُوزِ عطائِهِ، ونستجيرُ به من حسابه وعقابه وعذابه، ونسأله تمام النُّعمى .. إنه كاشف البلوى وعالم النَّجوى. يا أخا الإسلام: بِلادي هَواهَا في لِسَاني وفي دَمِي ![]() يُمَجِّدُها قلبي ويدْعو لهَا فَمِي ![]() ولا خيرَ فيمنْ لا يحبُّ بلادَهُ ولا ![]() في حليفِ الحُبِّ إنْ لمْ يُتَيَّمِ ![]() ومن تؤوِهِ دارٌ فيجْحَدُ فضلَها ![]() يكنْ حيواناً فوقَهُ كلُّ أَعْجَمِ ![]() ألم ترَ أنَّ الطيرَ إنْ جَاءَ عِشَّهُ ![]() فآواهُ في أكنَافِهِ يَتَرَنَّمِ ![]() وليسَ من الأوطانِ من لم يكنْ لها ![]() فِداءً وإنْ أَمْسَى إليهنَّ ينْتَمي ![]() على أنها للناسِ كالشَّمْسِ لم تزلْ ![]() تُضِيءُ لَهُمْ طُرّاً وكم فيهمُ عَمي ![]() ومن يظلمِ الأوطانَ أو ينْسَ حقَّهَا ![]() تجبْهُ فنُونُ الحَادِثاتِ بَأَظْلَمِ ![]() ولا خيرَ فيمنْ إنْ أحَبَّ دِيَارَهُ ![]() أقَامَ لِيَبْكي فَوقَ رَبْعٍ مُهَدَّم ![]() وقد طُوِيَتْ تِلْكَ الليالي بِأَهْلِهَا ![]() فمَنْ جهلَ الأيامَ فليتعَلَّمِ ![]() وما يرفعُ الأوْطانَ إِلا رِجَالُهَا ![]() وهَلْ يَترَقَى النَّاسُ إِلا بِسُلَّمِ ![]() وأشهد أن لا إله إلا الله وحده له الكبرياء الدائم بحق جلاله الأسمى وكماله الأقدس، وله الأمر والحكم كله، علانيته وسره، والكل مرهونٌ بقضائه وطامعٌ في إحسانه وعطائه. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم رائدُ الخير وصاحبُ البُشرى، منْ جاء بالحسنى وأتم الله تعالى به كمالَ النعمى .. المؤيد بالمعجزات والآيات الباهرات. اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم إنا نسألك الإِعَانةَ على الإبانةِ والسيرَ في مناكب الهدى يا واسع الخيرات. أما بعد: فمن سنة الله تعالى وفطرته في خلقه أنَّ الأوطان محببةٌ إلى القلوب وأثيرةٌ في النفوس، إنها مرتعُ الصِّبا ومَدْرجُ الخُطى وأرضُ النشأة ومهدُ التاريخ في مبتداه وملجؤُه في منتهاه، وحبُّ الوطن دليلُ الوفاء لأنه مسقط الرأس وبالوفاء يُعرَفُ المُحِبُّونَ بعيداً عن المُدَّعين: وللأوطانِ في دَمِ كُلِّ حُرٍّ ♦♦♦ يَدٌ سَلَفَتْ ودَيْنٌ مُسْتَحَقُّ إن كل آدميٍّ له وطنٌ يهواه فهو ما وُلِدَ في الجوزاء ولا على سطح الماء ولا على أديم الهواء، وإنما له أرضٌ يحن إليها ويفتديها بالنفيس والغالي، يقول الأصمعي: "ثلاثُ خصالٍ في ثلاثة أصنافٍ: الإبلُ تحنُّ إلى أوطانها وإن كان عهدُهَا بها بعيداً، والطيرُ إلى وكره وإن كان موضعه مجدباً . والإنسان إلى وطنه ، وإن كان غيرُه أكثر نفعاً"، على حد قول القائل: بلادٌ ألِفْناها على كل حالةٍ وقد ![]() يُؤْلَفُ الشئ الذي ليسَ بالحَسَنِ ![]() ونستَعْذِبُ الأرضَ التي لا هوا بها ![]() ولا ماؤُهَا عَذْبٌ ولكنَّها وطنُ ![]() حبُّ الأوْطانِ فطرةٌ: وكلُّ كائنٍ يُقدِّرُ وطنه ويعرف حقَّهُ، ولهذا لا يستغني عنه أبداً، فالحشرة الصغيرة تخرجُ لرزقها ومآربها في رحلةٍ قد تطول بين الصخور والرمال ثم تعود سراعاً إلى وطنها، والدابةُ العجماء تعرف وطنها وتعود إليه بهدايةٍ تجلُّ عن الوصف ولا يقرُّ لها قرارٌ إلا عند الوصول إليه، وكذلك مخلوقات البحر وفي رجوعها إلى وطنها آيةٌ في العجبِ رغم أن البيئةَ البحريةَ تتشابه مع بعضها إلى حدٍ بعيدٍ، إنها حالةٌ فِطريةٌ في الأنفس والكائنات حتى مع الأنبياء، قال الله تعالى: ﴿ فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ﴾ [القصص:29]، قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير ذلك: [ قالوا: كان موسى "عليه السلام" قد اشتاق إلى بلاده وأهله، فعزم على زيارتهم في خفيةٍ من فرعون وقومه، فتحمَّلَ بأهله وما كان معه من الغنم التي وهبها له صهره فسلك بهم في ليلة مطيرةٍ مظلمةٍ باردةٍ ] (الإمام ابن كثير / تفسير القرآن العظيم 3 /243 بتحقيق سامي بن محمد سلامة / 1999م / دار طيبة للنشر والتوزيع). وما من مخلوقٍ إلا وله وطنٌ يأوي إليه من الأخطار ومظان الهلكة، حتى الفواتك من المخلوقات الشرسة التي تؤذي العباد لها أوطانٌ تحنُّ إليها وتأوي فكيف بالإنسان السويِّ؟. ولا زلنا نسمع عن عرين الأسد ومبارك الإبل ووكر الطائر وجُحر الحية، قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (( إن الإيمانَ ليأْرِزُ إلى المدينةِ، كما تأْرِزُ الحيةُ إلى جُحرِها )) (صحيح البخاري 1867 عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه)، ونسمع كذلك عن قنِّ الدجاج واصطبل الدواب وحظيرة الحُمُرِ وشباك العنكبوت وأجمة الفيلة ووجار الثعلب وقرية النمل وخلية النحل وكور الدبور ومكاس الظبي وسك العقرب وكناس الغزال ولغز الفأر وأفحوص القطا. هناك رابط مودةٍ واحتضانٍ بين هذه المخلوقات العجماوات وبين أوطانها، ترجع إليها بعد الغياب وتعرف عنوانها بوحيٍ من هدى الخلاق العليم لها دونما قائدٍ أو مُلهمٍ إلا من إلهام الله لها، ﴿ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ (طـه: من الآية 50)، فلا غرو؛ أن يُولَعَ الإنسان حُبّاً وهُياماً بوطنه ويزيد اشتياقه ولوعته عند الغياب. وحب الأوطان فطرةٌ تُقَاسِمُ الإنسان أنفاسَهَ مهما كانت ثقافته أو دينه، وفي بيانِ هذه الفطرة يقول الله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ ﴾ [النساء من الآية 66]، لأن فطرة الإنسان السويِّ تقضي أن لا يفارقَ موطنه، بل ويقاتلُ من أجله عند الضرورة قال الله تعالى: ﴿ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ﴾ [البقرة من الآية 246]. ولأهمية الأوطان في جانب الهداية فقد بعث الله عز وجل الرسل والأنبياء من قومهم ومواطنيهم لمعرفة أساليب الإقناع ومراعاة أحوالهم وحسن تعهدهم بالدعوة لما يعرفون من طبائعم وأخلاقهم قال الله تعالى: ﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ [الأعراف: 65]، وقال تعالى: ﴿ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [الأعراف: 73]، وقال تعالى: ﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [هود: 84]، فمن حقوق الأوطان على أهلها أن يكون منها هداةٌ ودعاةٌ يهدون العاصي وينبهون الغافلَ ويذكِّرونَ العاقلَ ويُفقِّهُونَ الجاهلَ. ومن أعذب الآثار في حب الأوطان ما ذكره الجاحظُ في تاريخه: إن العرب كان أحدهم إذا سافرَ يأخذ صُرَّةً من ترابِ وطنه فإذا غاب كان يُعفِّرُ به وجهَهُ ويستنشِقُهُ، فلا نامت أعين الخائنين لأوطانهم، وللإمام البيضاوي رحِمَهُ الله إشراقةٌ مبهرةٌ بأن ترابَ الوطن عند غياب الإنسان عن وطنه يعدِّلُ المزاج، وتدركنا الروعة من كلام الإمام الغزالي رحمه الله تعالى حين يذكرنا بأن الأوطان غاليةٌ على أهلها برغم ما فيها. معالمُ نَبوِيَّةٌ في حُبِّ الوَطَنِ: لقد كان حب الوطن عند سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يملِكُ عليه إِسَارَهُ ويغالِبُهُ ليلَهُ ونهارَهُ، وأنعِمْ به من وفاءٍ للوطنِ يعزُّ عن الوصف في حياة الخلق، فعن ابن عباسٍ رضي الله تعالى عنهما قال: (( لما خرجَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم من مكةَ قال: أمَا واللهِ إني لأَخرجُ منكِ وإني لأعلمُ أنك أحبّ بلادِ اللهِ إلى اللهِ، وأكرمهُ على اللهِ؛ ولولا أهلكِ أخرجُوني منك ما خَرجتُ )) (ابن عبد البر في التمهيد 6 /33 وقال: من أصح الآثار)، ولو خُيِّرَ النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في مغادرة مكة طائعاً ما تركها أبداً والله عز وجل قد بيَّن أن الذين تسببوا في إخراجه هم كفارها قال الله تعالى: ﴿ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40]، وفي بيان قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ﴾ [القصص: 85] عندما هاجر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وهو في الجحفة اشتد به الشوقُ إلى وطنِهِ مكةَ فأنزل الله تعالى عليه هذه الآية [ وهو قول جابر بن عبد الله وابن عباس ومجاهد وغيرهم قال القتبي: معادُ الرجل بلدُه لأنه ينصرف ثم يعود وقال مقاتل: خرج النبي صلى الله عليه وسلم من الغار ليلاً مُهَاجِراً إلى المدينة في غير طريقٍ مخافَةَ الطَّلَبِ، فلما رجع إلى الطريق ونزل الجُحْفَةَ عرفَ الطريق إلى مكةَ فاشتاق إليها فقال له جبريل إن الله يقول: (( إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ )) أي إلى مكة ظاهراً عليها ] (الإمام القرطبي / الجامع لأحكام القرآن ص232 /ج5 بتحقيق هشام سمير البخاري 2003م دار عالم الكتب / الرياض). وكان الحنين في قلب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لا يفارقه إلى مكة الطاهرة المباركة، فقد ورد في بعض كتب السنة ، حين قدم أصيل الغفاري – رضي الله عنه – إلى المدينة بعد الهجرة ، دخل على أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – قبل أن يفرض الحجاب – فقالت له: يا أصيل ! كيف عهدت مكة ؟ قال: عهدتها قد أخصب جنابها، وابيضت بطحاؤها، قالت: أقمْ حتى يأتيك النبي، فلم يلبثْ أن دخل النبي فقال له: "يا أصيل كيف عهدت مكة" ؟ قال: والله عهدتها قد أخصب جنابها، وابيضت بطحاؤها، وأغدق اذخرها، وأسلت ثمامها، وأمشّ سلمها، فقال: "حسبك يا أصيل لا تُحْزِنَّا"، وفي رواية: "ويها يا أصيل دع القلوب تقر قرارها". يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |